د.صغير أحمد ضامن علي

د. أمل محمد شطا، هي من مواليد مكة وقامت بكتابة القصص القصيرة. أما في مجال الرواية فكتبت “غداً أنسى” الصادرة عام 1980م ، “لا عاش قلبي” الصادرة عام 1989م ” آدم يا سيدي” الصادرة عام 1997م، و”رجل من الزمن الآخر” الصادرة عام 2006م.

يتناول الباحث بدراسة “رواية آدم ..ياسيدي”، وفيما يلي ملخص هذه الرواية:

تدور قصة هذه الرواية حول البطلة عائشة التي عاشت عيشة قاسية بعد وفاة زوجها حمزة. بدأت الرواية بوفاة زوجها وكيف شعرت الفتاة بالحزن والأسى. وبعد ذلك روت البطلة حكاية بيت أبيها. فكان أبوها رجلاً ثريا وكان لها أخ اسمه سلمان. كان سلمان طالبا متفوقا في الدراسة، فطالب أب أحد زملاء سلمان من أب سلمان أن يرسل سلمان إلى بيته لكي يساعد ابنه في التعليم. ما رضي الأب في البداية ولكنه خضع أمام إلحاح الأب فأجاز سلمان أن يذهب إلى بيت زميله رامي لكي يتعاون معه.

كان رامي يتعاطى المخدرات وبصحبته بدأ سلمان يتعاطى المخدرات. لما علم الأب التغيرات في سلوك سلمان فشعر بالذهول وشك في أمر ابنه. أخبر الأب صديقه الحميم السيد عبد الكريم. جاء السيد عبد الكريم إلى البيت وأخبر الأب بأن سلمان بدأ يتعاطى المخدرات وعليه أن يستعين بالشرطة في هذا الصدد. كان الأب لا يريد التدخل من الشرطة ولكن السيد عبد الكريم أقنعه، وجاء بالرائد حمزة الذي ساعد الأب في هذه القضية. تم إدخال سلمان في المستشفى، وبعد المعالجة ترك المخدرات وأصبح أفراد الأسرة مطئمنين بعد ذلك. في يوم من الأيام شاهد الأب أن سلمان كان يسرق النقود من خزينته ليلا. عرف الأب أن سلمان قد عاد إلى سيرته الأولى. بدأ يعاتبه وغضب شديد حتي صفعه صفعة قوية ولكنه شعر بالخجل والندامة بعد وقت قليل، لأنه ضرب سلمان وهوكان شبه مريض. أما سلمان فما بدأ هذا الفعل بنفسه، بل كان وراء ذلك أناس آخرون كما يقول الراوي “لم يكن رامي هوآخر شياطين البشر، كان هناك العديد منهم، دسوا لسلمان السم في مناديل الورق يشمه دون أن يدري ويسري في دمائه دون أن يشعر، وفي أيام قليلة أردوه مدمنا” [1]

بعد ذلك أراد الأب أن يذهب بسلمان إلى المستشفى، جلس سلمان بجانب أبيه على المقعد الأمامي ولكن عندما توقفت السيارة عند إحدي الإشارات فتح سلمان الباب وبدأ يركض على الشارع  واصطدم بشاحنة كبيرة وقضي نحبه.

ذكرت البطلة قصة عمتها بهيجة وكيف أساءت هذه المرأة مع أمها لان أخت البطلة بدأت تسكن معها، ولا تريد أن ترجع إلى بيتها وبدأت تكره أمها حتى تدخل الأب وأكره هندا أن تعود إلى البيت. منع هندا أن ترى العمة أو تزورها للأبد، ولكن عندماتوفي هذا الأب، جاءت العمة وذهبت بهند معها بدون أن تخبر الأم. في يوم من الأيام جاءت هند إلى بيت البطلة عائشة وذهبت معها إلى المسجد. في المسجد قامت هند بحركة غريبة وشعرت عائشة بأن هند قد جنت، ولكن الشيخ أخبرها “إنها بخير يا إبنتي، لقد كان بها لمس من الجن وقد غادرها على غير رجعة، لقد أصبحت الآن بخير.”[2] عندما أفاقت هند أرادت أن تلاقي مع أمها، وعند اللقاء طالبت هند العفو من أمها. لما شاهد سالم أخو البطلة هذا المنظر فاندهش، وبعد سماع القصة كاملة قال “إن عمتي بهيجة لم تكن تتورع عن ممارسة السحر أو غيره من الموبقات للاحتفاظ بهند إلى جوارها، لتؤنسها في وحدتها بعد وفاة زوجها، وأنت تعلمين ذلك تماما.” [3]

في هذه الرواية نحن نجد أن البطلة عائشة هي المرأة ذات إرادة قوية. بعد وفاة زوجها حمزة تأخذ القرار بأنها لا تقوم بالزواج مرة ثانية، وستقوم بتربية إبنها عدنان وإبنتيها راجية ورانية ولذلك نحن نجد أنها منعت كل من جاء إليها خاطباً وقد منعت أخ زوجه إسماعيل أيضا. ذكرت البطلة عن سلوك إسماعيل بأنه كان يريد الزواج معها بدون أن يخبر زوجته الوفية، الزوجة التي أعطته مبلغا كبيرا لكي يقوم بالتجارة وما كان يفكر إسماعيل في أبناءه الثلاث. ذهب إسماعيل إلى المحكمة ورفع القضية ضد عائشة ولكن القاضي سأل عائشة.

“يا سيدة عائشة… أنت امرأة عاملة، أليس كذلك؟

نعم.

ماهي طبيعة عملك؟

أخصائية اجتماعية في مدرسة ثانوية للبنات.”

رفع القاضي رأسه إليها وقال في دهشة

“أخصائية اجتماعية؟ منذ متي؟

منذ إثني عشر عاما.”

ردد القاضي الكلمات “أخصائية اجتماعية منذ اثنتي عشر سنة.”  وبعد ذلك قال “ألا تستحي يا رجل.. لقد إستأمنا المرأة على بناتنا، أفلا نستأمنها على عيالها؟” [4]

 البطلة عائشة تحملت المشاكل والمصائب لأجل تربية أولادها وقامت بأحسن التربية. جاء ابنها عدنان في يوم من الأيام وأخبر أمها بأن فتاة تحبه بجنون. عندما عرفت الأم عن ذلك الفتاة فغضبت غضبا شديداً لأنها كانت تعرف كل المعرفة بأن هذه الفتاة ليست صادقة في حبها، ولكن عدنان ما كان يسمع إلى أمه وأخيراً جاء خاله سالم وأيد الخال موقف عدنان وقام بتأييده ولكنه طالب منه أن لا يخبر الفتاة عن لقاءه معه، وعليه أن ينتظر لمدة أيام. جاء في يوم من الأيام هاتف من تلك الفتاة وأخبرت عدنان بأنها لا تريد الزواج معه بل ستقوم بالزواج مع رجل آخر اسمه سالم. اندهش عدنان بعد سماع هذا النبأ، لأنه كان لا يتوقع بخاله بأنه سيقوم بالزواج مع الفتاة التي أخبر عنها عدنان. جاء الخال إلى عدنان وأخبره أن هذه هي حقيقة الفتاة، فهي ليست تحبك بل تتظاهر بالحب. فهم عدنان الأمر وهكذا رجع الهدوء والسكون في البيت.

جاءت خطبة لراجية من عائلة سلام. كان راغب سلام صحفيا ذات مكانة مرموقة ولكن عدنان ما شعر بالراحة والاطمئنان بعد أن لقي راغبا، ولذلك أراد أن يقوم بالكشف عن حقيقة راغب، ولذلك ذهب إلى مكتبته ولكنه فوجيء بعد ما شاهد أن راغب كان يحمل ملابس قديمة ممزقة ونعلين باليين، وفي صباح اليوم التالي، أراد عدنان أن يتبع راغب ويعلم عن حقيقته فوجده “متنكرا في هيئة متسول وقد ارتدى تلك الملابس القديمة، وزاد عليها لحية بيضاء كثيفة، وشارب كث، وعمامة مهترئة، ومشي مرتجفا متكئا على عكازين وكأنه يوشك على السقوط.!!” [5]  اندهش عندنان بعد مشاهدة هذا المنظر وحكى الحكاية لأمه عائشة، وقرر أن لا يتم الزواج بين راغب وأخته. في يوم من الأيام اخبرت زينب عائشة بأن راغب سلام  قام بأداء مهمة كبيرة حيث تنكر في شخصية شحاذ وساعد الشرطة في إلقاء القبض على عصابة كانت تحظف الأولاد وتعلمهم التسول والشحاذة.

أما قصة نبيلة في هذه الرواية فهي أيضاً تجتذب الانتباه وتظهر لنا بأن سوء التربية للأولاد لا يجلب الفائدة للعائلة. كانت نبيلة معلمة في نفس المدرسة التي كانت فيها عائشة. وقد جاوزت أكثر من ثلاثين عاما من عمرها، فجاء إليها رجل بالخطبة وأوضح كل الوضاحة بأنه متزوج وله أولاد، أما دخله فهومحدود. لما شاورت نبيلة عائشة في هذا لأمر، منعت عائشة من الزواج وقالت لها أن هذا الرجل لا يستطيع أن ينفق عليك لأن دخله محدود. قامت نبيلة بالزواج مع هذا الرجل، وهو كان لا يعطي زوجته نفقة بل كان يجيء ويأكل ويستريح ويرجع. روت نبيلة سلوك زوجها لعائشة فنصحتها عائشة بالصبر، وقالت لها بعد أن أعطاك الله ولداً ستكوني متهمة بأمور ولدك، ولكن أم الفتاة بدأت تنفر نبيلة عن زوجها، وبالنتيجة بدأت نبيلة تعامل معاملة سوء مع زوجها، وهكذا زاد الاختلاف بينهما. سمعت عائشة يوما بأن زوج نبيلة قام بإحراقها فحزنت حزنا شديدا وذهبت إلى المستشفى للعيادة ولكنها سمعت الحوار التالي بين نبيلة وأمها قبل أن تدخل في غرفة نبيلة:

“إن الله لا ينتقم من البريء يا أمي، بل من الظالم… لقد انتقم الله مني لأني أردت أن أردي زوجي في مصيبة تدخله السجن ظلما، أشعلت النار في طرف ثوبي، ولم أقدر على إطفائها سريعاً كما حسبت، سأموت ظالمة، أما هوفسيظهر الله براءته حتماً.” [6]

ولكن أمها أجابت “لن تظهر براءته أبداً… أبداً… لا يعرف هذا السر سواى ولن أبوح به لأي مخلوق ما حييت، سأتركه يموت في السجن كالكلب الأجرب.” [7]

من هذا الحوار يظهر أن الأم كانت تحث بنتها على سوء المعاملة مع زوجها وهذه التربية السلبية أدت البنت إلى أمر خطير وهي ماتت إثر ذلك الحادث.

أما قصة لبنى في هذه الرواية فهي قصة تتناول موضوع الطلاق وأثره السلبي على الطفل وعدم اللامبالاه من قبل الوالدين. لبنى كانت إبنة سعدية أخت حمزة وكانت تسكن مع جدتها من جهة الأم. في يوم من الأيام جاءت جدة لبنى إلى عائشة وأخبرتها بأن لبنى تتلقى الخطابات أسبوعيا وأنها منعتها وزجرتها وهددتها ولكنها ما تغيرت. سألت الجدة عائشة أن تقوم بحل هذه المشكلة. وقالت أنك “تتمعين بالحكمة ورجاجة العقل والخبرة، خاصة مع من هن في سن حفيدتي لبنى، ولعلمي أيضاً أنها تكن لك الكثير من الحب والمودة و الإعجاب.” [8]  وأوضحت الجدة أيضاً بأن أم هذه الفتاة لا تهتم بها وأما الأب فلا يركز العناية عليها.

ذهبت عائشة إلى لبنى ووجدتها في غرفتها وحيدة وبدأت تحادث معها في أمور شتي وبعد وقت قليل قالت لبنى مخاطبة عائشة بأنها تعلم سبب مجيئها فعليها أن تقوم باللوم والزجر والإرشاد والإنصاح وقالت بعد ذلك “عندما لفظني أبي، وأهملتني أمي، وتناساني خالي عبد اللطيف وخالي إسماعيل، وكذلك جدتي، وجعلوا يتقاذفونني فيما بينهم ككرة من المطاط، وتكاتف الجميع ليتخلصوا من وجودي بينهم، وعندما ألقيت في المدرسة الداخلية لسنوات طويلة كأي يتيمة بائسة، لم يهب أحد وقتئذ بإغاثتي، ودفع الظلم عني، ولم يفكر أحد منهم أن يجود في يوم برشفات قليلة من عطف أو حنان، وعندما أضناني الظمأ، وأهلكني العطش، أخذت أعب من أول منهل صادفني غير عابئة بمصدره، عندها فقط برزوا من كل صوب وجانب، ونصب كل منهم من نفسه مصلحا وقاضيا.” [9]  بعد ذلك جري الحوار بين عائشة ولبنى. طالبت عائشة أخيرا “ألا يمكنك أن تقطعي صلتك بهذا الشاب نهائيا من أجل خاطري؟ فقالت وهي تتطلع إلى وجهي في طيبة وبراءة: أقسم أني سأفعل، سأفعل يا أمي.” [10] ههنا نحن نجد أن البطلة قامت بالتوجيه والإرشاد بأحسن طريقة وبالنتيجة غيّرت الفتاة منهجها وسلوكها.

أما عدنان فهوذهب إلى الصومال مع هيئة الإغاثة الإسلامية، لقي في هذا السفر من راغب سلام وأصبحا صديقان أثناء السفر. شاهد عدنان الأوضاع السيئة للمسلمين، وشعر بالألم والكآبة ويصف عدنان تلك الأرض فيقول “كان القحط والجفاف هو السمة الغالبة على كل شيء، الأرض جافة، والأشجار جافة، والشفاه جافة والأجساد أيضاً ناحلة جافة، ناحلة إلى درجة مخيفة.” [11]

 ثم يحكي حكاية امرأة جاءت إليه للمعاونة، ولما سأل عنها فأخبرته أن زوجها اعتنق المسيحية واسمه محمد بشير، تركت هذه المرأة كوخ محمد بشير لأنه باع دينه لأجل الطعام. ذهب عدنان إلى محمد بشير، فأخبره محمد بشير أنه ما استطاع أن يشاهد أولادهم جائعين، ولذلك اعتنق المسيحية. أجهش محمد بشير بالبكاء وهو كان نادما على فعله وعد عدنان أنه سيقوم بالمعاونة والمساعدة حسب استطاعته وسيرسل إليه كل شهر مبلغاً صغيراً.

يبدو لنا بعد الموازنة بين رواية “آدم..يا سيدي” وروايات عبد الله الجفري بأن الكاتبة قامت بإبراز القضايا المهمة كالطلاق، وتربية الجيل الجديد وسلوك المجتمع تجاه الآخرين وغيرها. أما البطلة فهي شخصية عظيمة وذات إرادة قوية. أما عبد الله الجفري فهو أيضاً يبرز هذه القضايا في رواياته. أما الفارق الوحيد الكبير بينهما أن البطلة عائشة تستطيع أن تلعب دورا هاما في إنقاذ لبنى من سلوك انحرافي وكذلك تقوم بتربية الأولاد تربية كاملة. أما في روايات الجفري فما وجدت أية شخصية قوية مثل عائشة. أما قضية الفقر وأوضاع المسلمين خارج المملكة العربية السعودية وكذلك اللامبالاة من أصحاب الأموال، فجاءت في رواية د. أمل محمد شطا كما ذكرها عبد الله الجفري في رواياته.

أما من ناحية اللغة نحن نجد أن د. أمل شطا تستخدم لغة سهلة جذابة و تستعمل الألفاظ الخلابة. وفي نفس الوقت، تبتعد عن الزخارف اللفظية. تتميز كتابات أمل شطا بالوضوح والسهولة. أما الجفري فهو، كما نعلم يستخدم الألفاظ السهلة ولكنه يستطرد كما يستطرد الرومانسيون الآخرون. مما لا شك فيه أن كليهما يستخدما تقنيات السرد الحديثة.

[1]  آدم ….يا سيدي، ص 45

[2]  آدم ….يا سيدي، ص 63

[3]  آدم ….يا سيدي، ص 65-66

[4]  آدم ….يا سيدي، ص 31-32

[5]  آدم ….يا سيدي، ص 102

[6]  آدم ….يا سيدي، ص 93-94

[7]  آدم ….يا سيدي، ص 94

[8]  آدم ….يا سيدي، ص 144

[9]  آدم ….يا سيدي، ص 145-146

[10]  آدم ….يا سيدي، ص 148

[11]  آدم ….يا سيدي، ص 204

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *