راشد حسن المباركفوري

إن مسألة المسجد البابري من المسائل الحساسة الكثيرة المثارة بين فينة وأخرى في المجتمع الهندي ؛ بل في أقطار العالم بأسره. وثُثار هذه المسألة في المناسبات المخلفتة بين مواطني الهند، ولا سيما وقت كثب الانتخابات السياسية على مختلف المستويات، بغية كسب صوت الهندوس، وتخويف المسلمين وإدخال الرعب في قلوبهم، وإيقافهم عن وصولهم إلى التطورات العلمية وعن مشاركتهم في التقدمات الثفافية. ولاشك أنَّ حبل بداية هذه الفتنة يطول إلى مخططات الاستعمار الإنجليزي الغاشم، الذي احتلَّ الهند وحكم عليها لفترة من الزمن، والمنظَّمة المتطرِّفة المسمَّـاة بـ آرايس ايس (RSS) _ (Rashtriya Swayamsevak Sangh) نفختْ فيها روحَ التنافر البغيض والعداوة الصارخة ضدَّ المسلمين، ممّـَا أثَّـرتْ كثيرًا في نفسيات المسلمين وتعاملاتهم وحياتهم الثقافية. فنظرًا إلى هذه الأوضاع المؤلمة والظروف القاسية ولحلِّ هذه القضيَّة العويصة ـ التي عُقِّدتْ على عمد وبكل شعور ـ أُلَّفت المؤلفات وكُتبت الكتابات من الطرفين في عدة لغات منها الأردية والهندية والإنجلزية على الأخصّ. وهذا الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه هو محـاولةٌ جـادَّةٌ وسعيٌ مشـكورٌ في خصوص فهم هذا الموضوع وأبعاده ومحتوياته والسرد التأريخي ودوافع المشكلة مع الحلِّ الواقعيِّ المصحوب بالدقة والجودة والعناية الكافية. – بدأ المؤلف ـ رحمه الله ـ هذا الكتاب بدون مقدمة أو توطئة، وكان من المفروض أن تكون بدايةٌ تُوضحُ أهميةَ الموضوع ومحتويات الكتاب والعواملَ التي تسبَّبتْ لاختياره. وعلى كلٍ: ليس خافٍ على المطلعين أنَّ السبب وراء هذا التأليف هو التقلبات السياسية السائدة آنذك الهند كلها، وبالعربية كي تطلع العربُ على حقيقة الأمر، وهم المخاطَبون أصلًا، لما كان بين الهند والعرب من التواصلات الثقافية والعلاقات الحضارية منذ القدم، وتبصيرًا لهم بما يعاني السلمون في الهند من الظلم والاضطهاد، وما يترتَّب عليهم من المشاكل النفسية والآثـار السيِّـئة الخطيرة. الكتاب ـ كذلك ـ يخلو من أي تقسيم أوتبويب؛ إلا أنَّ الكاتب الأردي المعروف الدكتور أطهر أفضال قسَّمه ـ تقريبًا للفهم ـ إلى بابين، فالباب الأول يتحدَّثُ عن لمحات من تأريخ المسجد البابري، والباب الثاني يلقي ضوءًا على الآثار السياسية والاجتماعية على المجتمع المسلم الهندي تجاه مشكلة المسجد. – الباب الأول: يتكلَّمُ عن شخصية الملك المغولي ظهير الدين محمد بابر إضافةً إلى بيان محاسنه وكمالاته وتسامحه وشدة عنايته بالعدل والإنصاف واقتصاده في تقييم الأمور. بيد أنَّ المؤرِّخ الهندوسي يُحاول تشويهَ جمال هؤلاء المُـلوك بتصويب سهام تهمة التطرُّف والإرهاب وعدم القسط بالتفريق بين المسلم والهنادك إليهم. وذكر المؤلف عدة قبسات لزعماء الهندوس ووجهائهم لإثبات سعة نظر هؤلاء الملوك وسماحهم وإقامة العدل والقسط بين رعيَّتهم وتمتعهم بالخلق العظيم والقيم العالية. والمؤلف ـ رحمه الله ـ متأكد في إيضاح إنَّ هذه المشكلة قد أُحدثتْ من قبل الاستعمار البريطاني بغيةَ بثِّ روح التنافر والتباغض بين مواطني الهند المنتمين إلى مذاهب شتى ومعتقدات عديدة، وهم قد نجحوا في هذا التخطيط المجرم أيما نجاح. يقول المؤلف ـ رحمه الله ـ : ” قد حاول الاستعمار الإنجليزي ومن وقفوا معه من أعداء الإسلام والمسلمين تشويه التأريخ الإسلامي في شبه القارة الهندية، وصوَّروا حكَّام المسلمين وملوكهم تصويرًا قبيحًا، ونسبوا إليهم أعمالًا مشينةً، ورموهم بالجور والعصبية ضدَّ غير المسلمين من الرعيَّة؛ كي يُحدثوا الفرقة والشقاق بين شعوب الهند التي تمسكتْ بمبدأ “التعايش السلمي”، وعاشت آمنة سالمة في ظلِّ الحكم الإسلامي؛ وكي يبرِّروا موقفهم الجائر وظلمهم السافر حيث نهبوا ثروات البلاد، وأهانوا السُّكَّان، وأشعلوا نيران العداوة والفتنة”. ( ). لقد أُثير هذا الموضوع بعد تحرير الهند من جديدٍ من قبل الزعماء السياسيين تحقيقًا لمصالحهم السياسية وأغراضهم التافهة، وماذا أرادوا من خلاله..؟ وكيف حصل هذا كله..؟ قد تحدَّث المؤلف ـ رحمه الله ـ عن هذه النقاط كلِّها مدعومًا بالدلائل والبراهين. واستفاد في كتابه هذا من كتاب: “بابري مسجد ـ تاريخي بس منظر اور بيش منظر”، الذي طبع من دار المصنفين أعظم كره ـ كما أرشار إليه هو بنفسه ـ، وهذا الكتاب جيدٌ في موضوعه. أمَّـا الباب الثاني فهو يحتوى على عدة مقالات مهمة متصلة بالموضوع، وهي كالآتي: 1- وجهة نظر أخرى نحو قضية المسجد البابري. 2- جهودٌ جديدةٌ لحلِّ مشكلة أجودهيا. 3- أجودهيا: صدام بين نظريتي التأريخ. 4- هل ضاقت أرض المسلمون في الهند. 5- بكتِ العيون دمــًا ..!

هذا الكتاب محاولة مضنية في سبيل كشف النقاب عن مشكلة المسجد البابري في ضوء السياسة المعاصرة، مزودة بالوثائق التأريخية والتقارير الخفية المهمة المنثورة في بطون كتب التأريخ، وتحدّث المؤلف عن: أسباب اختياره لهذا الموضوع في التسعينات، وما هي الآثار التي ترتبت على المجتمع المسلم الهندي، ولاسيما في خصوص الحقوق المدنية الوجب أداؤُها تجاه المسلمين على الحكومة. والكتاب خيرُ مساعدٍ في فهم إجراءات الحكومات المعاصرة في مختلف الدول تجاه هذه المسألة، ومواقف الصحافة الهندية والإنجلزية منها، والتعاملات التطرُّفية والاستفزازية من قبل منظمة آر ايس ايس، وعدم الجديـَّة والتبصير بها عند القيادة المسلمة. وقد شاهد المؤلف هذه الأحوال عن كثبٍ؛ فجاء طرح الآراء على غاية من التوازن والجدية والوعي والفهم والبصيرة، طرح المسألة بثمالتها صحافيًا حكيمًا عادلًا، تتسم فكرتُه بالدقة والانتقاء والعمق. والأسلوب الذي غلب عليه فيه هو أسلوب الدعوة والإصلاح ـ الذي جُبل عليه منذ أن أمسك اليراع ـ ، لذا تجد أنَّ الحلَّ الذي قدَّمه لهذه المشكلة ليس قاصرًا على السياسة ومحاكم العدل، وإنَّمـا يؤكِّـد على محاسبة النفس وفحص الضمير والحسبة والإصلاح والتزكية والتربية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *