Main Menu

التشبيهات في الجزء الأخير من القرآن الكريم دراسة تحليلية

عامرة بيغم

باحثة الدكتوراة  العربية الشرقية
كلية اللغات الشرقية بالجامعة العثمانية

إن العيش مع القرآن الكريم منة عظيمة من الله عز وجل، والتدبر والتفكر لمعاينه لاستخراج الكنوز وأسراره بركة عظيمة، مهما أوتي الإنسان من فهم ثاقب، وبلاغة فائقة، ولكن كتاب الله عز وجل يبقي حافلا لا ينفد عطاؤه إلى يوم القيامة.

  لقد نزل القرآن الكريم بلغة العرب، واستعمل أساليبهم في الكلام، ومن ضمن الأساليب التي استعملها القرآن أسلوب التشبيه، وإن تشبيهات القرآن الكريم جاءت متسقة ومنظمة مع الغرض الذي سيقت لأجله، وإن تشبيهات القرآن الكريم تكون بعيدة عن ترف الخيال، ورعونة العاطفة، وسرف القول وفضوله، وكلها تدور حول الإنسان، تشبه تارة، وتشبه له تارة أخرى، تشبه بما يناسب وضعه، وتشبه له بما يحيط به من هذا الكون مما لا غنى له عنه في حياته ووجوده، وأراد بالتشبيهات تقريب الفهم للقرآن بتقديم الأمثلة وتشبيهها لكي يفهم القارئ بما يجد من أمور الدين والشريعة وما يهمه من أمور الآخرة  ومن أمور التوحيد، والربوبية والصفات فهما جيدا.

استخدام التشبيهات الواردة في الجزء الأخير من القرآن الكريم:

هنا أريد أن ألقى الأضواء على التشبيهات في الجزء الأخير من القرآن الكريم، نجد في الجزء الأخير من القرآن الكريم بعض التشبيهات في السور المختلفة، ففي السورة النبأ آيتان مشتملتان على التشبهين، وسورة النازعات على تشبيه واحد، سورة القارعة على تشبيه واحد، وسورة الفيل على تشبيه واحد.

  • النبأ

 ألف : الآية (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ،وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) ( النبأ : 6، 7).

تفسير الآية:

إن قضية البعث من القضايا الكبيرة في العقائد الإسلامية، لما أن المشركون جاحدون لها، ومنكرون لها أشد الإنكار، ففي هذه الآيات بين الله عز وجل قدرته وعظمته، ليكون حجة على المشركين، بأن من قدر على الإيجاد أولا، وهو أعظم قدرة من خلق الناس بطريق البعث.

وإن من هذا الدلائل على قدرة الله عز وجل، بأنه تعالى جعل الأرض مهادا، ممهدة منبسطة كالمهاد والفراش للإنسان، لأن الأرض لعظمتها ووسعتها تحيط المخلوقات الكثيرة من غير ضيق على أحد منهم.

ومن الدلائل على قدرة الله أنه خلق الجبال مستقرة ومثبتة على الأرض كالأوتاد، كما تعمل الأوتاد لتثبيت الخيمة وإقامتها، وكذلك لولا وجود الجبال لكانت الأرض تميد بمن عليها من الخلق، وتتحرك وتزلزل، ولا تكون ثابتة صالحة لعيش الإنسان عليها، فا الله عز وجل أثبت هذه الجبال لتكون الأرض مستقرة ومثبتة للخلق جميعا.

نوع التشبيه: التشبيه البليغ.

هذا تشبيهان بليغان لم تذكر أداتهما ولا وجههما، والغرض منهما بيان قدرة الله تعالى التي لا يعجزها شيء على بعث الناس من قبورهم، وإعادة خلقهم من جديد.

تحليل التشبيه:

التشبيه الأول:

المشبه: الأرض.

المشبه به: المهاد.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه: الانبساط.

التشبيه الثاني:

المشبه: الجبال.

المشبه به: الأوتاد.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه: التثبيت.

الصورة البلاغية :

قال ابن عاشور رحمه الله  في التشبيه الأول: “وعلى كل فهو تشبيه للأرض به إذ جعل سطحها ميسرا للجلوس عليها والاضطجاع وبالأحرى المشي، وذلك دليل على إبداع الخلق والتيسير على الناس، فهو استدلال يتضمن امتنانا وفي ذلك الامتنان إشعار بحكمة الله تعالى إذ جعل الأرض ملائمة للمخلوقات التي عليها فإن الذي صنع هذا الصنع لا يعجزه أن يخلق الأجسام مرة ثانية بعد بلاها([1])..

وقال في التشبيه الثاني: “وأيضا فإن كثرة الجبال الناتئة على وجه الأرض قد يخطر في الأذهان أنها لا تناسب جعل الأرض مهادا فكان تشبيه الجبال بالأوتاد مستملحا بمنزلة حسن الاعتذار، فيجوز أن تكون الجبال مشبهة بالأوتاد في مجرد الصورة مع هذا التخييل كقولهم: رأيت أسودا غابها الرماح. ويجوز أن تكون الجبال مشبهة بأوتاد الخيمة في أنها تشد الخيمة من أن تقلعها الرياح أو تزلزلها بأن يكون في خلق الجبال للأرض حكمة لتعديل سبح الأرض في الكرة الهوائية إذ نتو الجبال على الكرة الأرضية يجعلها تكسر تيار الكرة الهوائية المحيطة بالأرض فيعتدل تياره حتى تكون حركة الأرض في كرة الهواء غير سريعة.

على أن غالب سكان الأرض وخاصة العرب لهم منافع جمة في الجبال فمنها مسائل الأودية، وقرارات المياه في سفوحها، ومراعي أنعامهم، ومستعصمهم في الخوف، ومراقب الطرق المؤدية إلى ديارهم إذا طرقها العدو، ولذلك كثر ذكر الجبال مع ذكر الأرض.” ([2]).

ب:- الآية: “وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً”(النبأ : 10)

تفسير الآية:

يستمر ذكر الدلالات الدالة على عظمة الله تعالى وقدرته، لبيان تأكيد أمر البعث، ومن هذه الدلالات أنه سبحانه جعل الليل كاللباس، والمراد به: يعني إن الله جعل الليل للعباد غشاء يتغشاهم سواده، وتغطيهم ظلمته، كما يغطي الثوب لابسه، ليسكنوا فيه عن التصرف.

نوع التشبيه: التشبيه البليغ:

ووجه الشبه الستر، لأن كلا من اللباس والليل يستر المتلبس به. والمعنى جعلناه ساترا لكم عن العيون، إذا أردتم هربا من عدو، أو بياتا له، أو خفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور([3]).

تحليل التشبيه:

المشبه: الليل.

المشبه به: اللباس.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه:  الستر والتغطية.

الصورة البلاغية:

والغرض من التشبيه بيان نعمة الله على عباده، والاستدلال به على أمر البعث.

وتظهر المشابهة بين الطرفين من جهة أن الليل ساتر للإنسان كما يستره اللباس، فالإنسان في الليل يختلي بشؤونه التي لا يقترفها في النهار؛ لأنه لا يحب أن تراها الأبصار.

ومن جهة الرفق أيضا؛ كما أن اللابس يحس باللباس الراحة والملاءمة؛ ولأن الليل راحة للإنسان ، وكان محيطا به بجميع حواسه وأعصابه، ولذا شبه باللباس في ذلك.

ج: وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ، وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (النبأ: 19، 20).

تفسير الآية:

هنا يذكر الله عز وجل في هذه الآيات طرفا من أهوال يوم القيامة، ومن ذلك تفتح السماء حتى تكون كالأبواب، يعني تنفطر وتتشقق حتى يكون فيها فتوح كالأبواب في الجدران، أو تتقطع السماء قطعا صغارا حتى كالألواح الأبواب

وكذلك يوم القيامة تسير الجبال فتكون كالسراب، بمعنى لا شيء، فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا، كما أن من يرى السراب من بعد إذا جاء الموضع الذي كان فيه لم يجد شيئا هناك.

نوع التشبيه: التشبيه البليغ:

ووجه الشبه الستر، لأن كلا من اللباس والليل يستر المتلبس به. والمعنى جعلناه ساترا لكم عن العيون، إذا أردتم هربا من عدو، أو بياتا له، أو خفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور([4]).

تحليل التشبيه:

التشبيه الأول:

المشبه: السماء.

المشبه به: الأبواب.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه: التشقق، والانفتاح.

التشبيه الثاني:

المشبه: الجبال.

المشبه به: السراب.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه: حسبان شيء، وهو ليس بشيء.

نوع التشبيه: التشبيه البليغ:

ووجه الشبه الستر، لأن كلا من اللباس والليل يستر المتلبس به. والمعنى جعلناه ساترا لكم عن العيون، إذا أردتم هربا من عدو، أو بياتا له، أو خفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور([5]).

تحليل التشبيه:

التشبيه الأول:

المشبه: السماء.

المشبه به: الأبواب.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه: التشقق، والانفتاح.

التشبيه الثاني:

المشبه: الجبال.

المشبه به: السراب.

أداة التشبيه: تشبيه بليغ محذوف الأداة.

وجه الشبه: حسبان شيء، وهو ليس بشيء.

الصورة البلاغية:

هناك إذا نتأمل التشبه الأول، نجد أن السماء بعد أن كانت مشدودة متماسكة، تصبح في يوم القيامة أبوابا لكثرة الشقوق التي فيها، وتفطرها وتقطعها حتى تكون كقطع الخشب الذي تكون منه الأبواب.

وإذا نتأمل في التشبيه الثاني نجد أن الجبال أن كانت صلبة راسية، لا يقادر قدرها، جعلها الله تعالى كالسراب في تفرق وتناثرها، مما يجعل الرائي يحسبها من بعيد شيئا، وهي في الحقيقة ليست بشيء، وكذلك التشبيه بالسراب ليس في تفرق أجزائها فقط، ولكن أيضا مع حسبان أنها شيء وهي ليست بشيء.

وقال الآلوسي : ” والجامع أن كلا من الجبال والسراب يرى على شكل شيء وليس هو بذلك الشيء، وجوز أن يكون وجه الشبه التخلخل إذ تكون بعد تسييرها غبارا منتشرا”([6]).

2- النازعات

الف: الآية : “كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا”(النازعات: 64).

تفسير الآية:

إن الله عز وجل يقول : إن هؤلاء المكذبين وعلى رأسهم كفار قريش، يوم يرون الساعة قد قامت، فيشعرون كأنهم من عظيم هولها لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم، أو ضحى تلك العشية، فقط لا غير .

نوع التشبيه: التشبيه البليغ:

ووجه الشبه الستر، لأن كلا من اللباس والليل يستر المتلبس به. والمعنى جعلناه ساترا لكم عن العيون، إذا أردتم هربا من عدو، أو بياتا له، أو خفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور([7]).

تحليل التشبيه:

المشبه: حال المنكرين للساعة عند قيامها.

المشبه به: حال من لم يلبث إلا مدة يسيرة كمدة العشية أو الضحى.

أداة التشبيه: كأن.

وجه الشبه: قصر المدة واحتقارها.

نوع التشبيه: تشبيه مرسل مجمل:

والمقصود من التشبيه تقليل مدة اللبث في الحياة الدنيا، وتحقيرها، وحيث شبهت بشيء يسير لا يشعر الإنسان به، وهو العشية أو الضحي.

هناك جاء اختيار العشية أو الضحى لأنها أوقات عمل تذهب سريعا لا يشعر الإنسان بسرعة سيرها، بخلاف ساعات الليل التي تكون للفكر والتأمل فإنها ساعات طويلة في شعور الإنسان.

والعطف في التشبيه لزيادة القليل والتحقير.

وقال ابن عاشور رحمه الله، وقوله ” أو ضحاها” تخيير في التشبيه…. وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية([8]).

تحليل التشبيه:

المشبه: حال المنكرين للساعة عند قيامها.

المشبه به: حال من لم يلبث مدة يسيرة كمدة العشية أو الضحى.

أداة التشبيه: كأن.

وجه الشبه: قصر المدة واحتقارها.

الصورة البلاغية:

والعشية: معبر بها عن مدة يسيرة من زمان طويل على طريقة التشبيه، وهو مستفاد من كأنهم، فهو تشبيه حالهم بحالة من لم يلبث إلا عشية، وهذا التشبيه مقصود منه تقريب معنى المشبه من المتعارف.

وقوله: أو ضحاها تخيير في التشبيه على نحو قوله تعالى: أو كصيب من السماء في سورة البقرة. وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة؛ لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية([9]).

  • القارعة :

ألف: الآية:  “يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ( سورة القارعة: 4، 5).

تفسير الآية:

هناك يذكر الله عز وجل يوم القيامة ويسميه بالقارعة؛ لأنه يقرع القلوب بالفزع والهول، والخوف، ثم يذكر الله تعالى بعض أحوال ذلك اليوم، من ذلك أنه يكون حال الناس يؤمئذ من شدة الأهوال، وعظم الكرب، وهو القارعة كحال الفراش المبثوت.

قال الإمام عطية: وقال بعض الناس: الناس أول قيامهم من القبور كالفراش المبثوث؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام([10])..

وخص بعض المفسرين ” الناس” بأهم الكفار.

قال الإمام الماوردي: وإنما شبه الكفار يوم القيامة بالفراش المبثوث؛ لأنهم يتهافتون في النار كتهافت الفراش”([11]).

وأيضا ففي ذلك اليوم يكون حال  الجبال- في يوم القيامة – كالعهن : وهو الصوف المصبغ ألوانا، لأنها ألوان، وقيدت بالمنفوش لتفرق أجزائها، وبه قال ابن الزمخشري.

ويقول مقاتل” “وتصير الجبال كالصوف المندوف، فإذا رأيت الجبل ، قلت: هذا جبل، فإذا هو مسسته لم تر شيئا، وذلك من شدة الهول” ([12]).

نوع التشبيه: التشبيه المجمل المرسل

تشبيه رائع، حيث شبهوا في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والمجيء والذهاب على غير نظام، والتطاير إلى الداعي من كل جهة، حين يدعوهم إلى المحشر، بالفراش المتفرق المتطاير.

التشبيه المرسل المجمل: في قوله تعالى «وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» .

حيث شبه الجبال بالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف، في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو، حسبما نطق به قوله تعالى «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ “-([13]).

تحليل التشبيه:

المشبه: حال المنكرين للساعة عند قيامها.

المشبه به: حال من لم يلبث إلا مدة يسيرة كمدة العشية أو الضحى.

أداة التشبيه: كأن.

وجه الشبه: قصر المدة واحتقارها.

نوع التشبيه: تشبيه مرسل مجمل:

والمقصود من التشبيه تقليل مدة اللبث في الحياة الدنيا، وتحقيرها، وحيث شبهت بشيء يسير لا يشعر الإنسان به، وهو العشية أو الضحي.

هناك جاء اختيار العشية أو الضحى لأنها أوقات عمل تذهب سريعا لا يشعر الإنسان بسرعة سيرها، بخلاف ساعات الليل التي تكون للفكر والتأمل فإنها ساعات طويلة في شعور الإنسان.

والعطف في التشبيه لزيادة القليل والتحقير.

وقال ابن عاشور رحمه الله، وقوله ” أو ضحاها” تخيير في التشبيه…. وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية([14]).

تحليل التشبيه:

في هذه الآيات تشبيهان يكونان في يوم القارعة وهو يوم القيامة.

التشبيه الاول

المشبه: الناس في ذلك اليوم.

المشبه به: الفراش المبثوث.

أداة التشبيه: الكاف

وجه الشبه: متعدد: التفرق، والانتشار، والطيش، والكثرة، والضعف، والذل والهوان…

التشبيه الثاني.

المشبه : الجبال.

المشبه به: العهن المنفوش.

أداة التشبيه.الكاف.

وجه الشبه: التلون والخفة والضعف، وتفرق الأجزاء.

الصورة البلاغية:

والعشية: معبر بها عن مدة يسيرة من زمان طويل على طريقة التشبيه، وهو مستفاد من كأنهم، فهو تشبيه حالهم بحالة من لم يلبث إلا عشية، وهذا التشبيه مقصود منه تقريب معنى المشبه من المتعارف.

وقوله: أو ضحاها تخيير في التشبيه على نحو قوله تعالى: أو كصيب من السماء في سورة البقرة. وفي هذا العطف زيادة في تقليل المدة؛ لأن حصة الضحى أقصر من حصة العشية الفراش إِذا ثار لهم يتجه إِلى جهةٍ واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إِلى غير جهة الأُخرى، فدلَّ على أنهم إِذا بُعثوا فزعوا، وأما وجه التشبيه بالجراج فهو في الكثرة، يصبحون كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، فكذلك الناس إِذا بُعثوا يموج بعضُهم في بعض كالجراد والفراش كقوله تعالى {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} هذا هو الوصف الثاني من صفات ذلك اليوم المهول أي وتصير الجبال كالصوف المنتثر المتطاير، تتفرق أجزاؤها وتتطاير في الجو، حتى تكون كالصوف المتطاير عند الندف قال الصاوي: وإِنما جمع بين حال الناس وحال الجبال، تنبيهاً على أن تلك القارعة أثَّرت في الجبال العظيمة الصلبة، حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة، فكيف حال الإِنسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب ([15]).

  • سورة الفيل

الف: الآية: “فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ”(الفيل: 4)

تفسير الآية:

 هنا يخبر الله عز وجل عن كمال قدرته وعظيم سطوته بأنه حفظ بيته الحرام، وأهلك المعتدين عليه من أهل الحبشة، وذلك لما أنهم أردوا هدم الكعبة، واصطحبوا معهم الأفيال، ووصلوا إلى مقربة من البيت، وقف بهم الفيل، فلم يتقدم في جهة الحرم، وإنما كان يجري معهم في أي جهة أخرى يوجهونه إليها، وفي هذا الأثناء أرسل الله عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم الله تعالى بعد نزول الحجارة عليهم كالعصف المأكول

يقول ابن عطية: ” والمعنى صاروا طينا ذاهبا كورق حنطة أكلته الدواب وراثته فجمع المهانة والخسة وأتلف، وقرأ أبو الخليج الهذلي «فتركتهم كعصف» ، قال أبو حاتم، وقرأ بعضهم: «فجعلتهم» يعنون الطير بفتح اللام وتاء ساكنة، وقال عكرمة: العصف حب البر إذا أكل فصار أجوف، وقال الفراء: هو أطراف الزرع قبل أن يسنبل”([16]).

وأيضا ففي ذلك اليوم يكون حال  الجبال- في يوم القيامة – كالعهن : وهو الصوف المصبغ ألوانا، لأنها ألوان، وقيدت بالمنفوش لتفرق أجزائها، وبه قال ابن الزمخشري.

ويقول مقاتل” “وتصير الجبال كالصوف المندوف، فإذا رأيت الجبل ، قلت: هذا جبل، فإذا هو مسسته لم تر شيئا، وذلك من شدة الهول” ([17]).

نوع التشبيه: التشبيه المجمل المرسل

تشبيه رائع، حيث شبهوا في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، والمجيء والذهاب على غير نظام، والتطاير إلى الداعي من كل جهة، حين يدعوهم إلى المحشر، بالفراش المتفرق المتطاير.

التشبيه المرسل المجمل: في قوله تعالى «وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» .

حيث شبه الجبال بالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف، في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو، حسبما نطق به قوله تعالى «وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ “-([18]).

تحليل التشبيه:

المشبه: أصحاب الفيل بعد وقوع العذاب عليهم.

المشبه به: العصف المأكول.

أداة التشبيه: الكاف

وجه الشبه: الهلاك والتفرق.

نوع التشبيه: تشبيه مرسل مجمل:

والمقصود من التشبيه تقليل مدة اللبث في الحياة الدنيا، وتحقيرها، وحيث شبهت بشيء يسير لا يشعر الإنسان به، وهو العشية أو الضحي.

حيث شبههم بالعصف المأكول- وهو قش البر- لخلوه من ثمره وتطايره، أو شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث الذي أكلته الدواب وراثته، فهو من تشبيه المحسوس بالمحسوس. ([19]).

تحليل التشبيه:

المشبه : أصحاب الفيل بعد وقوع العذاب عليهم.

المشبه به: العصف المأكول.

أداة التشبيه: الكاف.

وجه الشبه: الهلاك والتفرق.

الصورة البلاغية:

 يقول ابن عاشور :

والعصف: ورق الزرع وهو جمع عصفة. والعصف إذا دخلته البهائم فأكلته داسته بأرجلها وأكلت أطرافه وطرحته على الأرض بعد أن كان أخضر يانعا. وهذا تمثيل لحال أصحاب الفيل بعد تلك النضرة والقوة كيف صاروا متساقطين على الأرض هالكين. ([20]).

ويقول الصابوني:

” فجعلهم كورق الشجر الذي عصفت به الريح، وأكلته الدواب ثم راثته، فأهلكهم عن بكْرة أبيهم، وهذه القصة تدل على كرامة الله للكعبة، وإِنعامه على قريش بدفع العدو عنهم، فكان يجب عليهم أن يعبدوا لله ويشكروه على نعمائه، وفيها مع ذلك عجائب وغرائب من قدرة الله على الانتقام من أعدائه قال في البحر: كان صرف ذلك العدو العظيم عام مولده السعيد عليه السلام، إرهاصاً بنبوته إِذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول، من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم السلام، وقد أهلكهم الله تعالى بأضعف جنوده وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل. ([21]).

الحواشي

[1]))         ابن عاشور، التحرير والتنوير: 30/15، الدار التونسية، للنشر، تونس.

[2]))         ابن عاشور، التحرير والتنوير: 30/16، الدار التونسية، للنشر، تونس.

[3]))         عبد الرحيم الصافي، ، الجدول في إعراب القرآن الكريم.

[4]))         عبد الرحيم الصافي، ، الجدول في إعراب القرآن الكريم.

[5]))         عبد الرحيم الصافي، ، الجدول في إعراب القرآن الكريم.

[6]))         روح المعاني : 30/31

[7]))         عبد الرحيم الصافي، ، الجدول في إعراب القرآن الكريم.

[8]))         ابن عاشور، التحرير والتنوير:30/98، الدار التونسية، للنشر، تونس.

[9]))         ابن عاشور، التحرير والتنوير: 30/98، الدار التونسية، للنشر، تونس.

[10]))        ابن عطيه، المحرر الوجيز: 16/356، دار الكتب العلمية ، بيروت.

[11]))        الماوردي، النكت والعيون: 4/448، دار الكتب العلمية، بيروت.

[12]))        الزمخشري، الكشاف : 7/320، دار الكتاب العربي ، بيروت.

[13]))        عبد الرحيم الصافي، الجدول في إعراب القرآن: 30/392، مؤسسة الإيمان بيروت.

[14]))        ابن عاشور، التحرير والتنوير:30/98، الدار التونسية، للنشر، تونس.

[15]))         الصابوني، صفوة التفاسير: 3/569، دار الصابوني للطباعة والنشر، القاهرة.

[16]))        ابن عطيه، المحرر الوجيز، : 5/523، دار الكتب العلمية ، بيروت.

[17]))        الزمخشري، الكشاف : 7/320، دار الكتاب العربي ، بيروت.

[18]))        عبد الرحيم الصافي، الجدول في إعراب القرآن: 30/392، مؤسسة الإيمان بيروت.

[19]))        عبد الرحيم الصافي، الجدول في إعراب القرآن: 30/408، مؤسسة الإيمان بيروت..

[20]))         ابن عاشور، التحرير والتنوير:30/553، الدار التونسية، للنشر، تونس

[21]))         الصابوني، صفوة التفاسير: 3/579، دار الصابوني للطباعة والنشر، القاهرة.

المصادر والمراجع:
  • ابن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية، للنشر، تونس.
  • ابن عطيه، المحرر الوجيز: 16/356، دار الكتب العلمية ، بيروت.
  • الماوردي، النكت والعيون: 4/448، دار الكتب العلمية، بيروت.
  • الزمخشري، الكشاف : 7/320، دار الكتاب العربي ، بيروت.
  • عبد الرحيم الصافي، الجدول في إعراب القرآن: 30/392، مؤسسة الإيمان بيروت.
  • الصابوني، صفوة التفاسير: 3/569، دار الصابوني للطباعة والنشر، القاهرة.