د. زرنكار

الباحثة بعد الدكتوراة، قسم اللغة العربية و آدابها، جامعة دلهي

Email: nigar.zar@gmail.com 

ملخص البحث:

إن لعلم التفسير منزلة عظيمة، ومكانة عالية بين العلوم الشرعية. ونظرا إلى ذلك فقد قام كثير من العلماء بخدمة هذا العلم من شتى نواحيه في كل عصر ومصر، ففي الهند كان هو العلامة الإمام عبد الحميد الفراهي (1863-1930م) الذى قام بهذه الخدمة ، وكانت له شخصية عظيمة ذات جوانب مختلفة و أبعاد شتى ، كان متضلعًا في العربية والفارسية والعبرانية وكان ماهرًا في الكلام والفلسفة والتعليم إلا أنّ مجاله الحبيب كان هوالدراسات القرآنية. فله دور بارز ملموس في تطوير الفهم القرآني و نشره في القارة الهندية.

               ألّف الفراهي أكثر من سبعين كتابًا ومجموعة، ومن أبرزها “تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان” و”إمعان في أقسام القرآن” و”أسباق النحو” و”التكميل في أصول التأويل” و”في ملكوت الله” و”أساليب القرآن” و”جمهرة البلاغة” و “مفردات القرآن”. و في هذه الورقة نودّ أن نقوم بالدراسة التحليلية للكتاب الأخير المسمى بمفردات القرآن الذي كان أول الكتب الثلاثة منها التي ألفها لتمهيد الطريق إلى فهم القرآن على الوجه الصحيح، وهي كتاب المفردات، وكتاب أساليب القرآن، وكتاب التكميل في أصول التأويل.

مدخل البحث:                        

               علم التفسير هو من أشرف العلوم مكانة و أعظمها بركة، وأوسعها معرفة. لأجل ذلك قداهتم العلماء بهذا العلم قديماً وحديثاً ومن كل نواحيه. فبداً من ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم من الصحابة و مروراً بالسيوطي و الطَبري و القرطبي من العلماء الكبار نجد عدداً بارزا من عباقرة الهند و علمائها الذين قاموا بخدمات جليلة في علم التفسير و الدراسات القرآنية.   تهدف هذه الدراسة إلى المفسر الأديب العلامة الجليل عبد الحميد الفراهي وإلى كتابه الغالي في هذا الصدد المسمى بمفردات القرآن. يحتل هذا الكتاب مكانة متميزة بين كتب الفراهي في العلوم القرآنية، لأنه يكشف عن العنصر التكويني الأساسي لطريقة الفراهي في فهم القرآن. نظرًا لأهمية الكتاب، قام الدكتور الفاضل محمد أجمَل أيوب الإصلاحي من علماء أعظم كره بتحقيق محتوياته. [1]

وفيما يلي موجز عن حياة مؤلف هذا الكتاب وأعماله الخالدة، ودراسة تحليلية لأبرز مؤلفاته في المعرفة بمعاني الكلمات القرىنية ألا وهو كتاب مفردات القرآن.

نبذة وجيزة من حياة الشيخ عبد الحميد الفراهي:

مولده و نشأته:  هو الشيخ عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان قنبربن تاج علي أبو أحمد الأنصاري الفراهي الذي اشتهر فيما بعد باسم حميد الدين الفراهي ولد في 18/ نوفمبر سنة 1863م بقرية “فريها” أعظم كره، أوترابراديش، وكان أبوه من أشراف الديار ومثقفًا بثقافة غربية ومالك مكتبة غنية كعادة أسلافه. بدأ الفراهي دراسته بقراءة القرآن الكريم فحفظه ثم تعلم الغة الفارسية من الشيخ محمد مهدي الشتاروي وتعلّم عليه اللغة الفارسية كما تعلّمها على ابن خاله العلامة المؤرخ شبلي النعماني. ثم شرع يتعلّم اللغة العربية وعلومها على ابن خاله المذكورومن العلامة محمد فاروق الشرياكوتي أستاذ العلامة شبلي. وبعدما نهل الفراهي من هذه المناهل ارتحل إلى لكناؤ حيث استفاد من علامتها الجليل عبد الحي الفرنغي محلي في مجال الفقه الإسلامي. ولقد أنهى تعليم العلوم العربية والإسلامية على علامة الشرق فيض الحسن السهارنبوري. بعد الفراغ من نيل هذه العلوم والفنون رغب في الحصول على العلوم الجديدة فتعلّم أولًا اللغة الإنجليزية، وفي عام 1891م توجّه إلى علي كره والتحق بكليتها الشرقية في البكالوريوس فاستفاد من علمائها وباحثيها لاسيما البروفيسور أرنولد. بدأ الفراهي يفكّر ويكتب منذ إقامته بعلي كره فقام في رحابها بترجمة كتابين إلى الفارسية وجعل يتفكرّ في القرآن الكريم.

 حياته العملية: بدأ حياته العملية من مدرسة الإسلام بكراتشي حيث تم تعيينه كمدرّس للعربية في 1897م. قضى بها عشر سنوات معلّمًا ومؤلفًا ثم رجع إلى علي كره حيث تعيّن أستاذًا مساعدًا للعربية في 1907م

وقضى بها سنة واحدة ثم تعيّن أستاذًا للعربية في كلية ميور التابعة لجامعة الله آباد في 1908م. وفي 1914م ارتحل إلى حيدراباد حيث تعيّن كعميد دارها للعلوم وأقام بها حتى 1919م فاستقال عنها في شهر أغسطس لنفس السنة راجعًا إلى دياره لخدمة مدرسة الإصلاح التي ساعد في تأسيسها ابن خاله العلامة شبلي النعماني ولقد دعاه لذلك العلامة النعماني ذاته. ومنذ هذه الفترة بقي يخدم تلك المدرسة حتى وافاه الأجل في 11/ نوفمبر سنة 1930م.

كان العلامة عبد الحميد الفراهي ذا ثقافة واسعة متنوعة بإتقانه و تبحره في لغات عديدة من العربية و الفارسية و الأوردية و الانكليزية و العبرانية على السواء وله كانت مدرسة فكرية، ومنهج جديد تجاه دراسة القرآن. وكانت معرفته جامعة بين الجوانب كلها من اللغة و النحو و البلاغة إلى النقد.لكنه ركّز قواه على التفسير و الدراسات القرآنية بوجه خاص و بذل لذلك مجهودات كثيرة، وألف ما ألف من كتب تعتبرإضافة قيمة في العلوم القرآنية.

مؤلفاته: خلف الفراهي عددا كبيرا من الكتب العربية فأشهر مؤلفاته: “تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان” تحدث فيه أن جميع الآيات و السور من القرآن الكريم منظمة و مربوطة فيما بينها و لو حذفت آية من مكان فبطل النظام كله والمؤلف الآخر “الرأي الصحيح في من هو الذبيح”  و “إمعان في أقسام القرآن”  و “أسباق النحو” و”مفردات القرآن” و”التكميل في أصول التأويل” و”في ملكوت الله” و”أساليب القرآن” و”القائد إلى عيون العقائد” و”ديوان حميد” و”ديوان فيض الحسن السهارنبوري” و”جمهرة البلاغة” و”التكميل في أصول التأويل” و”فاتحة نظام القرآن” و”دلائل النظام” و”الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ” و”كتاب الحكمة ” و”حجج القرآن” و ما إلى ذلك.

أما في هذه الدراسة نحب أن نقدم من آثاره القرآنية كتابه مفردات القرآن مع دراسة تحليلية.

مفردات القرآن:

إن الأستاذ الفراهي ألّف هذا الكتاب يعتقد بأن فهم القرآن لا يمكن إلا بعد معرفة الكلمات المفردة و أشار بنفسه إلى هذا الهدف وسبب تأليفه في المقدمة فقال: “لا يخفى أن المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام. فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن أغلق عليه باب التدبر وأشكل عليه فهم الجملة، وخفى عنه نظم الآيات والسورة. “[2]

و لأهمية معرفة المفردات القرآنية و تفسير غرائبها قد اعتنى كثير من العلماء و المفسرين بتحقيقها قبل الفراهي وقاموا بتصنيف كتب قيمة بهذا الموضوع ومن أشهرها: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة و مفردات للراغب الأصفهاني. لكن تأليف الأستاذ الفراهي ليس من نوع التأليف المكرر بل هو كتاب صغير يهدف إلى فكرة جديدة و قداختار مؤلفه منهجا منفردا يميز كتابه من كتب المتقدمين من نواح مختلفة، وهي:

  • أولا لم يحاول الأستاذ الفراهي أن يجمع كافة المفردات القرآنية بل قدم فيه الكلمات التى اختلف العلماء في معانيها أو تحديد مدلولها أي توجه فيه إلى أصعب الكلمات و أخطرها ديناً و فكراً، فهوعلى صغر حجمه أفضل الكتب فائدةً.
  • ثانياً يكشف المؤلف عن معاني المفردات الخاصة و يفسرها أحسن تفسير بالشواهد الشعرية الجاهلية و الآراء اللغوية حتى استدل بالعبرانية لشرح بعض الكلمات بحيث أن تتضح بأكمل الجهات، فعندما يشرح كلمة لا يمرّ بها سريعاً بل يحيط بها إحاطة تجعلها واضحة.
  • وقد استدل فيه أن القرآن ليس فيه الغريب من الكلمات و حقق تأصيل الكلمات التي زعم المستشرقون أن القرآن الكريم أخذها من اليهود والنصارى[3].

فبهذه الميزات المذكورة يعُد كتاب الفراهي كتابا منفردا بين الكتب التي ألفت في هذا المجال. وكتب المؤلف ثلاث مقدمات على كتابه من مختلف الجهات المتعلقة بالقرآن وهي:

  1. في مقصد الكتاب و حاجتنا إليه
  2. في الأصول اللسانية
  3. في كون القرآن خالياً عن الغريب

ففي المقدمة الأولى شرح العلامة الفراهي أن المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام. فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن أغلق عليه باب التدبر وأشكل عليه فهم الجملة، وخفى عنه نظم الآيات والسورة. و الخطأ في معني الكلمة و تحديد مدلولها ربما يصرف القارئ عن تأويل السورة بأسرها.

وأما المقدمة الثانية فهي في الأصول اللسانية، يقول فيها العلامة الفراهي أن المشاكل و الأوهام عن الكلمة و الكلام كثيرة. و يشترك فيها العرب و غير العرب سواء. و لهذه المشاكل نوعان: الأولى أن لم يتبين لهم معنى الكلمة أو الكلام، و الثانية أن لم تتبين لهم الأمور المتعلقة به من الأحوال الصحيحة.

و في المقدمة الثالثة ألقى الضوء على أن القرآن الكريم قد نزل باللغة العربية الفصحى، و من تضلع من اللغة العربية و كلام العرب و خطبهم و محاوراتهم وجد أن القرآن أسهل كلاما و أقوم نظاماً و أوضح مقالة و أبين دلالة.

أما تفسير كلمة واحدة من الكلمات التي شرحها المؤلف في كتابه “الآية” فكتب عنها أن الآية هي ما تستدل به على الأمر و ليست هي تمام الدليل بل يُنبِّهك على الدليل. ووضوح الآية كونها ظاهرة لمن يفهمها ثم استورد المؤلف آية قرآنية من سورة العنكبوت وهي:” بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم….” (العنكبوت: 49) و استدل على كلامه باستخدام الشاعر الجاهلي كلمةَ الآية في هذا المعنى حين يقول:

من لنا عنده من الخير آيا                              ت ثلاثٌ في كلهن القضاءُ

               و لم يكتف هنا المؤلف بل فرق بين الآية و الدليل المنطقي من وجوه ثلاث بحيث أن الآية هو الأصل والدليل المنطقي هو فرعه و الآية هي باعث الفكر و السؤال و التذكير، والدليل هو ليس بكذلك و أخيرا أن الآية هي موجودة في فطرة الفكرة و الدليل المنطقي هو أمر مفروض.[4]

               و كذلك تناول الأستاذ كلمات اخرى للشرح و التحقيق من الحق و التكذيب و الصبر و الشكر والصلاة و الزكاة و الإسلام و الإيمان و ما إلى ذلك وقام بتفسيرها أحسن تفسير في ضوء القرآن بنفسه و في ضوء كلام العرب و أساليبهم.

وأما من مقاصد تأليفه فهو الفرق بين معاني الكلمات و الألفاظ عند نزول القرآن و بين ما صارت بعد ذلك، و معرفة المعاني بوجوهها و أحوالها ووفق روح القرآن. فيقول الاستاذ الفراهي في كتابه أيضا: “فإن من عرف معنى الكلمة وأحاط بوجوهه و ما يتعلق به من الأحوال، أمكنه أن يطلع على ما هو أكملُ رِباطا و أحسنُ تأويلا”.[5]

خاتمة البحث:

  • بدا من هذا الحديث الموجز أن الإمام عبد الحميد الفراهي كان عالمًا بارعًا في القرآن وعلومه، وله خبرات عميقة على فن اللفة والتضلع من اللغات العديدة وأساليب البلغاء العرب و شعرائهم. إنه ألّف كتبًا ورسائل عديدة تم البعض منها بينما الكثير منها لم تتم. وهذا الكتاب من الكتب التي توفي المؤلف قبل أن يتمها. فطبع و حقق بعد فترة طويلة من حياته بجمع مجموعة فصول سودت في أزمنة مختلفة.
  • كما يبدو منه أن المعرفة بالمفردات القرآنية هي الخطوة الأولى في فهم القرآن و إتقانه. ولو لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن لأغلق علي القارئ باب التدبر وخفى عنه نظم الآيات و مدلولها الحقيقي.
الهوامش

[1] الدكتور محمَّد أجمل أيوب الإصلاحي، (ولد في 1948م)، من علماء أعظم كره الذين نالوا درجة كبرى بين محقِّقي اللغة العربية ونُقادها في العصر الحديث في الهند، تخرَّج في مدرسة الإصلاح، سرائ مير، أعظم كره، ثم أتمَّ ذوقه الأدبيَّ في ندوة العلماء لكناؤ، كما حصل على شهادتي “ماجستير” من جامعة علي كره الإسلامية، و”الدكتوراه” من جامعة لكناؤ بولاية أوترابراديش. إنَّ له اليد الطولى في الأدب العربي – لا سيما العصر الجاهلي – وفي علوم القرآن الكريم، مِن أبرز مؤلَّفاته: “محاسن الشعر”مجلدان”  و”إصلاحُ إصلاح ما غلط به النميري”، و”فهرست مصنَّفات البقاعي”، و”بحوث وتنبيهات”.

[2] الفراهي عبد الحميد : مفردات القرآن، تحقيق و شرح الدكتور محمد أجمل أيوب الإصلاحي، دار الغرب الإسلامي ببيروت، ط1/2002م، ص: 50

[3] راجع إلى المقدمة التي كتبها الدكتور محمد أجمل أيوب الإصلاحي في تحقيق كتاب الفراهي: “مفردات القرآن” (دار الغرب الإسلامي ببيروت، ط1/2002م

[4] راجع: مفردات القرآن للفراهي دار الغرب الإسلامي بيروت، ط1/2002م ص:134-136

[5] الفراهي، مفردات القرآن دار الغرب الإسلامي بيروت، ط1/2002م ص:112

المرجع:

الفراهي عبد الحميد: مفردات القرآن، تحقيق و شرح الدكتور محمد أجمل أيوب الإصلاحي، دار الغرب الإسلامي ببيروت، ط1/2002م

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *