محمد كهف الورى*

المدخل:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد من الله علي أن يسر لي كتابة هذه الدراسة المختصرة على كتاب”المسلمون في الهند” للعلامة المفكر أبي الحسن علي الحسني الندوي. وسيزيد هذا الكتاب معلومات إخوتنا العرب خاصة عن المسلمين في الهند، والمساجد، وتحسين قراءة القرآن الكريم، وفهم العربية، وعن حضارة المسلمين في الهند وثقافتهم الواسعة وآدابهم السامية  ومؤسساتهم العلمية وأنشطتهم وإنتاجاتهم في العلم والأدب.

والكتاب ” المسلمون في الهند“:[1]  من مؤلفات الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله، وهذا هوالكتاب الذي اخترته لتقديم قراءة ودراسة تحليلية بين أيديكم، وقد استوعب نص هذا الكتاب أكثر من 260 صفحة، وأجاد المؤلف في سرد تاريخ الهند والمسلمين فيها، إضافة إلى ذكر ثقافة المسلمين ومراكزهم الدينية والجامعات الأهلية والرسمية، وأثر المسلمين في الثقافة الهندية إجادة تامة حيث لا يشعر القارئي بالتعب والتلعثم.

ومما يجدر بالذكر في بداية استعراض هذا الكتاب أن ألقي الضوء على محتوياته ومقدمته الأنيقة المفيدة للقراء، فالمؤلف صدر الكتاب بمقدمته وبمقدمة الأستاذ الأديب الشيخ علي الطنطاوي. ومقدمة الكتاب تلقي ضوءا ساطعا على سبب تأليفه وبواعث جمع هذه المعلومات التاريخية في الكتاب القيم، ولذا سأبدأ بكتابة سبب التأليف.

سبب تأليف هذا الكتاب:

قام المؤلف بتأليف هذا الكتاب”المسلمون في الهند” بعد مواجهة الأسئلة من قبل إخوتنا العرب في رحلته التي شملت المملكة العربية السعودية ومصر والسودان وسوريا وفلسطين بعام 1951م، وكانت الأسئلة هكذا مثلا: ما عدد المسلمين في الهند؟ هل في الهند مساجد؟ هل فيها مدارس دينية؟ هل عندكم علماء؟ هل يوجد هناك من يحسن أن يقرأ القرآن الكريم؟ هل هناك من يفهم العربية؟ فإجابة الشيخ كانت لديهم مستغربة، ومن كان يعرف منهم أن في الهند عددا كبيرا من المسلمين، فكان يعتقد أن المسلمين لا شأن لهم في هذا القطر العظيم، وليست لهم حضارة خاصة، ولا ثقافة واسعة، ولا آداب سامية، ولا مؤسسات علمية، ولا نشاط ولا إنتاج في العلم والأدب، بل المسلمون هم كأمة مفلسة في كل حوائج الحياة، وفي كل ما تعتز به أمة من علم وأدب ودين واجتماع  وأخلاق ومروءة.

فعلى هذا تبين أن معلومات إخوتنا العرب عن المسلمين في الهند ضئيلة جدا، والسبب الثاني الذي حمل المؤلف على تقديم هذا الكتاب هو زيارة أصحاب السياسة والثقافة ورجالات العالم الإسلامي والشرق العربي في بلاد الهند كل عام، والبقاء هنا ولكن لا يهمهم أن يتصلوا بإخوتهم المسلمين الهنود الذين مثلوا دورا هاما في تاريخ الإسلام وتاريخ العلم العام، ومع أن الهند ما زالت ولا تزال زعيمة العالم الإسلامي في العلوم الإسلامية، وحاملة لوائها عدة قرون، كعلم الحديث والفقه وأصوله في القديم والسيرة النبوية وعلم الكلام والدعوة إلى الإسلام في هذا العصر، فهذا الكتاب خطاب للإخوة في الشرق العربي خاصة.

محتوى الكتاب:

يتحدث الكتاب عن الهند وعن المسلمين فيها قديما وحديثا، ويتناول نواحي شتى من الحياة العلمية و الثقافية والاجتماعية والدينية، ويعطي المعلومات عما أضافه المسلمون إلى ثروة الهند منذ دخولها، وما أدخلوها عليها من إصلاحات وتجديدات  في مختلف نواحي الحياة، وعما انتجه المسلمون في الهند من العلوم الإسلامية.

ويتحدث أيضا عن نوابغ الهند من العلماء الكبار والمؤلفين العظام، وعن مظاهر نشاطات المسلمين العلمية والدينية ومراكزهم الكبيرة في العصر الحاضر. ويأخذ موضوع خصائص الشعب المسلم الهندي، وطبيعته وشخصيته وعن ماضيه وحاضره وعن قضاياه الرئيسية ومشكلاته.

ويحمل هذا الكتاب في طيه مادة ثرية حول مواضيع شتى ومن أهمها:

  • دور المسلمين في حضارة الهند
  • تراث العلماء المسلمين العلمي في الهند، وعنايتهم باللغة العربية
  • نوابغ الشعب الهندي الإسلامي
  • تأثير اللغة العربية في اللغات الهندية
  • الحضارة الإسلامية في الهند
  • الحركة العلمية القديمة في الهند ومراكزها ومزاياها
  • مراكز العلم والثقافة الإسلامية في الهند
  • الصوفية في الهند وتأثيرهم في المجتمع
  • المسلمون في الهند شعب ممتاز
  • مشكلات الشعب الإسلامي الهندي
  • شخصية الشعب المسلم مقوماتها ومصادرها

وقد بدأ المؤلف كتابه الخاص بذكر “دور المسلمين في حضارة الهند” وبين فيه أن المسلمين دخلوا في الهند بدافع ديني مجرد من كل مصلحة ومنفعة، ليحملوا رسالة الإسلام الحية العادلة إلى أهلها، ودخلوها حينا آخر كغزاة فاتحين وملوك طامحين، وحملوا معهم محصول عقول كبيرة كثيرة، ونتاج حضارات متنوعة متعددة، وكانوا جامعين بين سلامة ذوق العرب ولطافة حس الفرس، وفروسية الترك، وهم كانوا أرقى أمة في الشرق، وكان أغرب ما كانوا يحملون في الدين وتوحيد الإسلام النقي، وأما في الاجتماع فكان أعجب ما حمله المسلمون معهم هي المساواة الإنسانية، وقد أدى الملوك ورجال الحكم المسلمون دورا هاما للقيام بإصلاح الطقوس والعادات المتبعة في الهند، وخاصة إصلاح تقليد ما يسمى بـ”ستي” مثل إحراق جسم الزوجة في نار زوجها، وكذلك نقل المسلمون علوما جديدة إلى الهند كعلم التاريخ، واستفادت بلاد الهند من المسلمين بصفة عامة توسعا في الخيال وجدة في التفكير ومعاني جديدة في الأدب والشعر، وقد ترك لنا مؤسس الدولة المغولية العظمى ظهير الدين محمد بابر والآخرون أيضا صورة متطورة لدولة الهند.

وقد اعترف بذلك أحد قادة حركة التحرير في الهند  ((Pattabhai Sita Ramayya في خطبته : “إن المسلمين أغنوا ثقافتنا، وإنهم قووا إرادتنا، وقربوا أجزاء البلاد البعيدة بعضها بعضا، لقد كان تأثيرهم عميقا في آداب البلاد وحياتها الاجتماعية.”[2]

وأضاف الشيخ عنوان الكتاب”تراث المسلمين العلمي في الهند، وعنايتهم باللغة العربية” وكتب فيه أن المسلمين كانوا في الهند أوفياء لوطنهم، ولم ينحرفوا عن خدمته والتقدم به في ميادين العلم والصناعة والمدنية، وكانوا أيضا أوفياء لدينهم وثقافتهم الإسلامية العربية، وهم قدموا آثارهم القيمة والإنتاج والابتكار العلمي في العلوم الإسلامية، (هنا اقتصر على ذكر الكتب التي نالت شهرتها العالية في بلاد الهند وخارجها.) ومن أهم الكتب النافعة التي تركوا وراءهم كتاب”العباب الزاخر” و”مشارق الأنوار” في الحديث للإمام حسن بن محمد الصغاني اللاهوري، ومنها”كنزل العمال” للشيخ علي بن حسام الدين المتقي البرهانفوري، ومنها”الفتاوى الهندية” وكتاب”مسلم الثبوت” للعلامة محب الله البيهاري، وكتاب”كشاف اصطلاحات الفنون” للشيخ محمد أعلى التهانوي، وكتاب”حجة الله البالغة” للإمام ولي الله الدهلوي، وكتاب”تاج العروس في شرح القاموس” للسيد مرتضى بن محمد البلكرامي.

وقد قام بعض المؤلفين شخصيا بما لاتقوم به مجامع علمية في أكثر الأحيان، فالأمير صديق حسن خان، يبلغ عدد مؤلفاته اثنتين وعشرين ومائتي كتاب(222) ومنها ستة وخمسون (56) كتابا في اللغة العربية، فله كتاب “فتح البيان في مقاصد القرآن”. وقد كتب الشيخ عبد الحي اللكهنوي ستة وثمانون  كتابا باللغة العربية، ومن أشهرها “السعاية في شرح شرح الوقاية” و”مصباح الدجى”، وكتاب”معجم المؤلفين” للعلامة محمود حسن خان التونكي.

ومن كبار المؤلفين لذلك العصر المؤرخُ اللغوي الأديب المحقق الجليل العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله الذي خلف مكتبة كبيرة في السيرة النبوية والشريعة الإسلامية والتاريخ والأدب، وكتبه الشهيرة: “السيرة المحمدية” و”تاريخ أرض القرآن” و”سيرة أم المؤمنين عائشة”. وكان مؤرخ الهند الكبير الذي ترك وراءه مكتبة كاملة في تاريخ الهند ووصفها هو العلامة السيد عبد الحي الحسني، وله كتب”نزهة الخواطر” و”عوارف المعارف” و”الثقافة الإسلامية الهند”.

وكتاب”النبي الخاتم” و”تدوين الحديث” للعلامة مناظر أحسن الكيلاني. ولعلماء الهند مؤلفات عظيمة في فنون الحديث وشروح أمهات الكتب للحديث”عون المعبود في شرح سنن أبي داؤد” للشيخ محمد أشرف الديانوي، و”بذل المجهود في شرح سنن أبي داؤد” للشيخ خليل أحمد السهارنفوري، و”تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي” للعلامة عبد الرحمن المباركفوري، و”فتح الملهم في شرح صحيح مسلم” للشيخ شبير أحمد الديوبندي، و”فيض الباري”إفادات للعلامة أنور شاه الكشميري على صحيح البخاري.

واعتنى العلماء بكتب التفسير في الأقطار الإسلامية، وكتاب”التفسير المظهري” للقاضي ثناء الله الباني بتي، وكتاب “إظهار الحق” و”إزالة الأوهام” للشيخ رحمت الله الكيرانوي، و”الإمعان في أقسام القرآن” للعلامة حميد الدين الفراهي، و”التفسير الماجدي” للشيخ عبد الماجد الدريابادي، و”ترجمان القرآن” لمولانا أبي الكلام آزاد.

ولم يزل شعار المسلمين في الهند الاعتناء باللغة العربية، وقد أصدروا مجلات وصحفا عربية تدل على عنايتهم بهذه اللغة ونشرها وإحيائها في فترات مختلفة، ومنها: مجلة”البيان” الشهرية الصادرة من مدينة لكناؤ. وصحيفة “الجامعة” الأسبوعية الصادرة من كولكاتا، ومجلة “البعث الإسلامي” وصحيفة “الرائد” الصادرتان من دارالعلوم التابعة لندوة العلماء، من مدينة لكناؤ. وجريدة “الكفاح” الصادرة من جمعية علماء الهند من دهلي، وجريدة “الدعوة” الصادرة من قبل الجماعة الإسلامية في دهلي، و”صوت الجامعة” الصادرة من الجامعة السلفية  ببنارس، و”دعوة الحق” أصدرت من دار العلوم ديوبند وظهرت مكانها الآن “الداعي”.[3]

وأوضح الكاتب في عنوان “نوابغ الشعب الهندي الإسلامي” بأن الشعب الإسلامي في الهند كيف كان غنيا في نوابغ كل فن وأئمة كل علم بعد قيام الدولة الإسلامية القوية منذ القرن السادس الهجري، وحكم الهند المماليك الأقوياء من السلالة التركية، فنبغ في الهند ملوك وأمراء ووزراء وقادة للجيوش وعلماء ومؤلفون، ويتجمل بهم تاريخ الإسلام العام، ومن الملوك: شير شاه السوري، والسلطان أورنك زيب عالمكير، والسلطان الفاضل العادل المحدث الفقيه مظر حليم الكجراتي، هم الذين شيدوا إدارة بلاد الهند ورفاهيتها ومشاريعها  العمرانية الضخمة البديعة وقوانينها العادة وتشريعاتها الدقيقة وانتاجها السريع الضخم.

وأما في الوزراء فذاعت شهرتهم في حسن الإدارة وكثرة العبادة وغزارة العلم وبلاغة القلم وصناعة الإنشاء ومكارم الأخلاق والعكوف على المطالعة والتدريس وحسن الاستقامة، ومنهم عماد الدين محمود كاوان، وأبوالقاسم عبد العزيز الشهير بأصف خان، وعبد الرحيم بيرم خان. ووجد في الهند دعاة ومجددون عرفهم تاريخ الإسلام في العهد الأخير، منهم: الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي الملقب ب”مجدد الألف الثاني” والسيد أحمد بن عرفان الشهيد، ومولانا محمد إلياس الدهلوي. وكل ذلك ما ذكر المؤلف في كتابه بالتفاصيل يدل على أن الشعب الإسلامي الهندي صالح للبقاء وقائم بالكفاح.

وتحدث الكاتب عن دور المسلمين في حضارة الهند، وتراثهم، وعنايتهم باللغة العربية، وكذلك هو ألقى الضوء على تاريخ نوابغ الشعب الهندي الإسلامي، ولما كانت عناية المسلمين الهنود باللغة العربية تامة، فمن الطبيعي أن تؤثر هذه اللغة العربية في اللغات الهندية، فالعلامة الندوي رحمه الله سلط الضوء على تأثير اللغة العربية في اللغات الهندية أيضاً.

(الآن أود أن أخص القضية في الكلمات العربية التي بقيت على شكلها العربي في اللغة الأردية من عناوين الكتاب”تأثير اللغة العربية في اللغات الهندية”. فأقدم نماذج بعض الكلمات من اللغة الأردية مأخوذة من العربية)  وقد قدم الشيخ قائمة المفردات منها: كلمة “دام” بمعنى النفقة والمال وهي مأخوذة من كلمة “درهم”، وكلمة “فيراني” هو رز مسحوق يطبخ مع اللبن الحليب والسكر، فقد ذكر الخوارزمي في الأطعمة المتهيأة للمرضى “الفراني” مركب من رغيف يختمر عجينه كان ينقع في اللبن ويضاف إليه السكر. وكلمة “كباب” هو عبارة عن الطعام الذي يشوى مقلوبا على النار، وهو من الكب أي القلب على الوجه من العربية. وكلمة “شوربة” المرق و أصلها “شربة” وهي ما تشرب دفعة واحدة.

وأضاف هناك صاحب الكتاب جملة كاملة: رأيت البيت مبيضا قد جدد تنويره بإظهار كلمة “قلعي” بمعنى التنوير، واستدل بقول صاحب لسان العرب:”والقلعي الرصاص الجيد وقيل هو الشديد البياض”. وكلمة “تماشا” أي الخروج للنزهة والتفرج، فأصلها “تماشى” هو المشي مع أصدقاء وزملاء للتفرج والتنزه.

ولا يسع هذا الحديث الوجيز أن يستوعب جميع الكلمات الموجودة في اللغة الهندية، وفي موضوع هذا، قد قدم الأستاذ العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله بحثا علميا دقيقا سماه”نقوش سليماني”.[4]

ثم أتى الكاتب بعنوان”الحضارة الإسلامية في الهند” وفسر فيه بأن حضارة المسلمين في كل بلاد وليدة عاملين: الأولى: المعتقدات الدينية، ومبادئ الحياة الإسلامية والأخلاق، والثانية: تأثير الحضارات المحلية في البلاد والاتصال بالسكان والاختلاط بهم. وأطال كلامه في ذكر بيانهما، فسرد ثلاث سمات للحضارة الإبراهيمة وهي الأساسية: الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى وعقيدة التوحيد وعقيدة كرامة الإنسان والمساواة الإنسانية. وأشار إلى المعالم والآثار التي تتجلى في حياة المسلمين وحضارتهم بوجودهم في الهند، وتوطنهم وتأثرهم بالمجتمع الهندي، وهي الأولى: لغة “أردو” الفصيحة وهي مزيجة من الكلمات العربية والفارسية والتركية والسنسكريتية، والثانية: الارتداء بزي الأشراف وأهل البلدان الذي من مبتكرات الهند، والحرص على المصاهرة في نفس الأسرة وذوي أنسابهم وأكفائهم، وكذلك الاعتناء بمراسيم الزواج والحزن والاحتفالات والإنفاق في مناسبات خاصة فوق الطاقة والحشمة هي تعد من خصائص الحضارة الهندية.

وأيضا قد عرف صاحب الكتاب عن “الحركة العلمية القديمة في الهند ومراكزها ومزاياها” فقال إن تاريخ منهج التعليم وإعداده وأدواره طويل عسير، وإن الأمراء المسلمين والسلاطين ومحبي العلم والأغنياء أسسوا هذا المنهج وإدارته وأنشؤوا شبكة للمدارس وقاموا بتمويلها، وقد استفاد المؤلف في كتابة هذه المعلومات عن مقالة العلامة عبد الحي الحسني رحمه الله[5] فذكر فيه إن التاريخ يدل على أن العلم وصل إلى هذه البلاد مع الغزاة وأن كل تغير أو تحول وقع في بلاد ماوراء النهر والعراق حينا بعد حين فقد أثر على منهج التعليم السائد في الهند، وكذلك انتشرت الحركة العلمية القديمة في الأماكن الداخلة في حدود بلاد باكستان حاليا أيضا مثلا: مدينة السند وملتان، ومدينة لاهور، ومدينة دهلي، ومدينة كجرات، ومدينة إله آباد، ولكنهؤ وجونفور، وبعض المناطق الريفية في شمال الهند: سنديلة، غوبامئو، جائس. وبين الشيخ الندوي تقسيم مراحل المنهج التعليمي إلى أربعة أدوار.

وبعد ذكر هذه الأشياء، قد تحدث الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله عن الحركات العلمية بما فيها مناهج التعليم القديمة والحديثة، وكما إنه ذكر المزايا لهذه المناهج التعليمية القديمة والجديدة. والجدير بالذكر إن العلامة الندوي أخص بالذكر بالتفصيل حول مراكز التعليم الأهلية والحكومية، (ومن منطلق هذا أريد أن أقدم أسماء مراكز التعليم).

 

مراكز المسلمين الأهلية للعلم و الثقافة الإسلامية في الهند:

دار العلوم ديوبند: 1283هـ/1867م

 ولهذه الجامعة منهج نظامي للتدريس في العلوم الدينية.

ومدرسة”مظاهر العلوم” 1283هـ في مدينة سهارنفور.

و”مدرسة شاهي” بمدينة مرادآباد،

و”مدرسة أمدادية” في مدينة دربهنكا، ولاية بيهار.

ولجماعة أهل الحديث أيضا مدارس خاصة منها: “مدرسة أحمدية” في لهريا سرائي، ولاية بيهار-الهند، و”الجامعة السلفية” في مدينة بنارس.

ندوة العلماء: 1312هـ/1894م

دار العلوم التابعة لندوة العلماء هي جمعية إسلامية أهلية عامة، في مدينة لكناؤ. ومنهاج الدراسة خاضغ لناموس التغير والتجدد، فيجب أن يتناوله الإصلاح والتجديد في كل عصر ومصر، وأن يزاد فيه، ويحذف منه بحسب تطورات العصر، وحاجات المسلمين وأحوالهم.

مدرسة الإصلاح: 1326هـ/1909م

هي مدرسة إسلامية تقع في بلدة سرائ مير، قرب مديرية أعظم كره في الهند، ومنهج المدرسة هو متبع في ندوة العلماء، لكناؤ.

دائرة المعارف: 1306هـ/1888م

هي مؤسسة علمية كبيرة في مدينة حيدرآباد، و لها فضل كبير في إحياء الكتب الدينية والعلمية.

دار المصنفين: 1914م

هي من المؤسسات العلمية الكبيرة في مدينة أعظم كراه- الهند.

ندوة المصنفين: 1938م

هي مؤسسة علمية في مدينة دهلي.

وأيضا توجد في الهند مدارس عربية رسمية منها: “المدرسة العالية” في رامفور، و”المدرسة العالية” في كولكاتا، و”شمس الهدى” في مدينة بتنة. وللشيعة الإمامية أيضا مدارس خاصة في مدينة لكناؤ، ومن أهمها: “مدرسة سلطان المدارس” و”المدرسة الناظمية” و”مدرسة الواعظين“.

وبجنوب الهند توجد مدارس عربية عديدة منها: “المدرسة النظامية” بحيدرآباد، و”جامع دار الهدى” بكريم نكر، و”جامعة دار السلام” بعمرآباد، و”الباقيات الصالحات” في ويلور.

وكذلك أسس المسلمون الجامعات العصرية والحكومية في مدينة عليكراه، ودهلي، وحيدرآباد لتعليم أبناء المسلمين وشبابهم العلوم العصرية و اللغات الأجنبية، وإعدادهم للوظائف الرسمية والمراكز الحكومية، وللمساهمة في حياة البلاد وخيراتها وإدارتها:

جامعة عليكراه: 1875م

هي جامعة إسلامية تقع في مدينة عليكراه، بولاية أترابراديش،الهند. أسست عام 1875م بيد السيد أحمد خان.

الجامعة الملية الإسلامية: 1920م

هي من إحدى الجامعات التابعة للحكومة المركزية، وتأسست هذه الجامعة أصلا في مدينة عليكراه بعام 1920م بولاية أترابراديش-الهند، ثم انتقلت إلى مدينة دهلي، وكان من مؤسسيها الزعيم الإسلامي الكبير مولانا محمد علي وأصحابه الأجلة.

الجامعة العثمانية: 1918م

هي الجامعة الإسلامية الثانية  تقع في مدينة حيدرآباد في جنوب الهند، وقد تم تأسيسها بعام 1918م.

وكما إن الشيخ ذكر أحوال الصوفية في الهند وتأثيرهم في المجتمع الهندي، وصلة الجمهور بالصوفية والتصوف وإقبالهم عليه، وأمثلة كلمة حق عند سلطان جائر، والزهد في زخارف الدنيا والاستهانة بمظاهر الجاه، ونشرالعلم والثقافة بالتصوف.

ثم اتخذ موضوعا للكتابة”المسلمون شعب ممتاز في الهند” وذكر فيه إذ يمكن للقارئي الكريم أن يزور الهند من بلاد بعيدة، ويدخل في المجتمع الهندي، فيلاحظ أن هناك شعبين ممتازين ومجتمعين ممتازين، وهذا الامتياز يظهر في مختلف نواحي الحياة، وعلى سبيل المثال قد حكى العلامة محمد إقبال قصتين طريفتين لبعض أصدقائه الإنكليز يقول:”يحكي المستر داؤد آبسن قصة إسلامه: قدمت من إنكلترا وأقمت في مومبائي، مرة دعاني مسلم إلى تناول الغداء، فمدت مائدة على الطريقة الإسلامية، وقدمت أطعمة شائعة في الشعب الإسلامي، فقلت في نفسي: لا بد أن يكون هذا المسلم على مستوى رفيع في الدين والروحانية، ويتصف بالنظافة والأناقة في كل شيئ، فهكذا أقبلت على دراسة الإسلام وحياة المسلمين.”[6]

والقصة الثانية قصة عالم إنجليزي قدم إلى الهند، ليضع كتابا عن الحياة في قرى الهند هو يقول:”كنا نتجول كل صباح ومساء بين المزارع والحقول في قرى الهند، مرة عطشت وبحثت عن الماء، فوجدته عند فلاح، وكان الماء في جرة صغيرة، وأشاروا إلي بأن أجمع كفي، وجعل الفلاح يصب من فوق وأنا أكرع كالدابة، ورويت وانصرفت، ولم أرجع بعيدا حتى سمعت هدة، والتفت ورائي، فإذا بزوج الفلاح قد رمت الجرة على الأرض وانفجرت تسب زوجها، وتؤنبه تأنيبا شديدا، لأنه نجس الإناء وضيعه، وعجبت من هذا السلوك ومن إهانة الإنسان للإنسان، وأن يعامل أحد بني جنسه معاملة الكلاب.

ثم عطشت مرة ثانية، فكانت التجربة مختلفة عن التجربة الأولى كل الاختلاف، طلب رفيقي الماء من فلاح آخر، فاستقبله بالابتسام والترحيب، وقدم إلي إناءا من خزف، وأردت أن أجمع كفي وأكرع كالمرة الأولى، فضحك الفلاح وقال: لا داعي إلى هذا، اشرب هنيئا، وشربت في حرية.

وسئلت عن الاختلاف الواضح بين رجلين من طبقة واحدة ومن بلد واحد وقيل لي: إن الفلاح الثاني هو مسلم لا يعتقد نجاسة الإنسان بل يؤمن بكرامته وشرفه، ويؤمن بأن الناس كلهم من آدم وآدم من تراب، هكذا علمه القرآن وعلمه رسول الإنسانية، ولذا انتشر الإسلام هذا الانتشار الواسع في القارة الهندية”.[7]

إن العلامة قد ذكر مساهمات فعالة لمسلمي الهند في تحريرها، وكيف وقعت ثورة عام 1857م ضد الحكومة الإنكليزية، وكتب تاريخ تأسيس المؤتمر الوطني، وحركة الخلافة، والعصبة الإسلامية، وجمعية العلماء.

وأخيرا، إنه أشار إلى مشكلات الشعب الإسلامي الهندي في مجال الدعوة الإسلامية، والأحوال الشخصية، والتعليم والتربية، ومجلس التعليم الديني، ومشكلة اللغة الأردية، والأمن الطائفي، والمشكلة الاقتصادية، وكما إنه ذكر مقومات ومصادر المسلمين الهنود.

وفي الختام أشار إلى أن المسلمين الهنود يعيشون عيشة راضية مع الله وإنهم قد عاهدوا الله أن يعيشوا بكل خصائصهم الملية والدينية في بلاد الهند.

قيمة الكتاب:

وأسلوب الندوي في هذا الكتاب هو في غاية الروعة والجمال، وقد أبدى فيه قدرته العالية في البيان، وعمقه للفهم الإسلامي. وقد تكلم الأستاذ الأديب علي الطنطاوي في مقدمة كتابه عن هذا الكتاب وأسلوبه العربي، فيقول: “وقد يشتغل غير العربي بعلوم العربية حتى يكون إماما فيها، في اللغة والنحو والصرف والاشتقاق، وفي سعة الرواية، بل إن أكثر علماء العربية كانوا في الواقع  من غير العرب. ولكن من النادر أن يكون فيهم من له مثل هذا الذوق الأدبي الذي نعرفه لأبي الحسن الندوي، فلو لم تثبت عربيته بصحة النسب لثبتت بأصالة الأدب.”[8]

وإن الشيخ قد حاول أن يسلط الضوء على أحوال المسلمين وتاريخهم ومساهماتهم في الثقافة والعلوم، وقد فاز إلى حد كبير في تقديم ما أراد من ذكر المسلمين في الهند وفي جنوب الهند. وفي الحقيقة، إن هذا الكتاب هو خير كتاب عرف بالمسلمين الهنود أولا في العالم الإسلامي. فجزاه الله خير الجزاء، وأحسن مثواه. آمين يا رب العالمين.

*الباحث في قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي

[1]  قد ظهرت الطبعة الأولى من مطبعة دار الفتح بدمشق عام 1381هـ، والطبعة الثالثة سنة 1407هـ من مطبعة المجمع الإسلامي العلمي-الهند.

[2]  كان رئيس المؤتمر الهندي الوطني سابقا، نقلا عن كتاب”المسلمون في الهند” ص:42

[3]  انظر في كتاب “المسلمون في الهند” للشيخ الندوي، رقم الصفحة:47-63

[4]  انظر في كتاب”المسلمون في الهند” للشيخ الندوي، ص.81-86

[5]  كان من أحد كبار مؤرخي العصر الإسلامي في الهند،(نشرت هذه المقالة في مجلة “الندوة” العهد الأول 1909م، ج:6 ص:1، وقد أفردت هذه المقالة للنشر باسم”منهج التعليم في الهند وتطوراته”.)

[6]  المصدر السابق: ص-170

[7]  المصدر السابق: ص-171إلى 172

[8]  مقدمة الكتاب”المسلمون في الهند” ص.16-17

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *