*د. إعجاز احمد

الطفولة هي المرحلة الأولى من مراحل العمر للإنسان، تبدأ من الولادة و تنتهي عند البلوغ، كما يقول الله عز وجل : ( و إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) (1).

الطفل : هو الولد حتى البلوغ، و يستوي فيه الذكر و الأنثى، و الجمع : أطفال (2)

 مرحلة الطفولة من أهم مراحل الحياة عند الإنسان، أكثرها خطورة، فهي تتميز عن غيرها بصفات و خصائص و استعدادات ، و هي أساس لمراحل الحياة التالية ، و فيها جذور لمنابت التفتح الإنساني: ففيها تتفتق مواهب الإنسان ، و تبرز مؤهلاته ،و تنمو مداركه ، و تظهر مشاعره ، و تتبين إحساساته، و تقوى استعداداته ، و تتجاوب قابلياته مع الحياة ، سلبا أو إيجابا، و تتحد ميوله و إتجاهاته نحو الخير أوالشر ، و فيها تأخذ شخصيته بالبناء و التكوين، لتصبح _ فيما بعد _ متميزة عن غيرها من الشخصيات  الأخرى…..

و تتميز طفولة الإنسان بأنها أطول من طفولة الحيوان، و بأن مطالب رعاية هذه الطفولة لا تقتصر على مجرد الغذاء و الوقايه_ كما هي الحال في الحيوان . بل إنها تحتاج إلى رعاية عقلية و نفسية و اجتماعية تتلاءم مع طبيعة الإنسان بوصفه أكرم مخلوقات الله عز وجل.

و الطفولة أرض صالحة للاستنبات ،فكل ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق و محاسن الصفات، و كل ما يبذر فيها من بذور الشر و الفساد ، أو الغي و الضلال يؤتي أكله في مستقبل حياة الطفل ، لذلك فهو يكتسب من بيئته العادات السارة و الضارة ، و يأخذ السبل المستقيمة أو المنحرفة (3)، و هذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أبويه يهودانه و يمجسانه أو ينصرانه.

أدب الأطفال:

يشكل الأدب مكانة مهمة في حياتنا لما له من أثر عميق في النفس بفنونه المتنوعة و أساليبه الرائعة، و أدب الأطفال عندنا جزء حيوى من أدبنا العربي إلا أنه يهتم بشريحة معينة من المجتمع ألا و هم الأطفال، إذ ياتي هذاالنوع من الأدب بأسلوب بسيط و مشوق و يناجي ذائقة الطفولة التي تستهويهم ، ويسهم بصنعهم للمستقبل و إعدادهم للحياة.

يعتبر أدب الأطفال جزءا من الأدب بعمومه و يحمل خصائصه و صفاته و لكنه يعنى فقط بطبقة محدودة من القراء هم الأطفال و هو و إن استفاد من الفنون الحديثة و الرسوم و الصور و الأشكال التوضيحية فإنه يحمل – في النهاية – مضمونا معينا سواء صيغ بأسلوب المقالة أو بأسلوب القصة أو الأنشودة أو الحكاية.

و أدب الأطفال حديث جدا بمقياس تاريخ الأدب عموما و لم ينشأ – في صيغته المقروءة المعاصرة – إلا منذ قرنين من الزمن تقريبا و لا يعني ذلك أنه كان منعدما لكن الكتابة الأدبية المتخصصة بالأطفال  حديثة جدا و بدلا منها وجدت الحكايات المنقولة شفاهة عبر الأجيال و على لسان الأجداد و الجدات.

و يعتبر أدب الأطفال بما يحويه من قصص و شعر و حكايات في صيغة كتاب أو مجلة أو شريط مسموع أو مشاهد ميدانا هاما لتنمية قدرة الطفل على الإبداع و تنمية القدرات الإبتكارية عندهم.

كما يعتبر وسيطا مناسبا في الجانب التربوي للتعليم و تنمية القدرات الذهنية و استقرار الجوانب النفسية لدى الطفل و يمكن القول إنه يتيح للطفل الشعور بالرضاو الثقة بالنفس و حب الحياة و الطموح للمستقبل يؤهله لكي يكون إنسانا إيجابيا في المجتمع.

مفهوم أدب الأطفال:

لأدب الأطفال مجموعة من التعريفات و منها بأنه: ” خبرة لغوية في شكل فني ، يبدعه الفنان ، و بخاصة للأطفال فيما بين الثانية و الثانية عشر أو اكثر قليلا، يعيشون و يتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة و التسلية ، و يدخل على قلوبهم البهجة و المرح، و ينمي فيهم الإحساس بالجمال و تذوقه، و يقوى تقديرهم للخير و محبته، و يطلق العنان لخيالاتهم و طاقاتهم الإبداعية، و يبني فيهم الإنسان “.

و يعرف الهيثي أدب الأطفال بأنه: ” الأثار الفنية التي تصور أفكارا و أحاسيس و أخيلة تتفق  مدارك الأطفال و تتخذ أشكال القصة و المسرحية و المقالة و الأغنية ” (4(

و الأديبة الناقدة ليئة غولد برغ تعرف أدب الأطفال بأنه : ” ذلك النوع من الأدب – نثرا أو شعرا- الذي يلائم في مضمونه و أسلوبه إدراك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة حتى الثالثة عشرة تقريبا ، أما أسلوب هذا الأدب فيكون سهلا واضحا خاليا من التعقيد و حشد المشاكل و لا يتجاوز المفاهيم المفهومة للطفل حسب نموه و قدرة استيعابه ” (5).

و يعرف رضوان بأنه ” الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس الأطفال متعة فنية سواء كان شعرا أم نثرا و سواء كان تعبيرا شفويا أم تحريريا و يدخل في هذا المفهوم قصص الأطفال و مسرحياتهم و أناشيدهم “(6).

و يعرف طعيمة بأنه : ” الأعمال الفنية التي تنتقل إلى الأطفال عن طريق وسائل الاتصال المختلفة، و تشمل أفكارا و أخيلة، تعبر عن أحاسيس و مشاعر تتفق مع مستويات نموهم المختلفة ” (7).

و يعرف النمر بأنه : الكتابات التي كتبت خصيصا للأطفال في ضوء معايير تناسب مستواهم و خصائص نموهم و متطلباتهم ” (8).

أدب الأطفال بمعناه الخاص:

وهو يعني الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس هؤلاء الأطفال متعة فنية سواء كان شعرا أو نثرا، و سواء كان شفويا بالكلام ، أم تحريريا بالكتابة، مثل قصص الأطفال و مسرحياتهم و أناشيدهم و أغانيهم و ما إلى ذلك. (9)

اللغة و الأسلوب فى أدب الأطفال:

يمكن القول إن غالبية الأدباء و الباحثين الذين تطرقوا لقضية اللغة و الأسلوب فى أدب الأطفال، يجمعون على ضرورة مراعاة لغة الطفل و قاموسه حسب مراحل العمر و النمو، مع محاولة الارتقاء التدريجي لهذه اللغة، وهذا بدوره ينعكس في الأمور التالية:

على مستوي الألفاظ و التراكيب اللغوية:

الدعوة لاستخدام الألفاظ و التراكيب السهلة، و تجنب الغريبة غير المألوفة منها، و الإقلال من المفردات و التراكيب المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، و اللجوء إلى التكرار في الألفاظ و التعابير.

على مستوي الجملة، تركيبها و نحوها:

استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة الطول، و تجنب الجمل الطويلة المعقدة و استخدام الجمل و الألفاظ الدالة على المعاني الحسية و تجنب المجرد المعنوي.

على صعيد الأساليب:

تحري الوضوح و الجمال و الدقة و تجنب الإسراف في الزركشة و الزخرف و الثراء اللغوى و المتكلف، و تجنب أسلوب التلميح و المجازات الغامضة الصعبة و الاقتراب من خصائص ” لغة الكلام ” والاستفادة من أسلوب الراوي في الحكايات الشعبية الشفهية.

و يمكن القول إن أدب الأطفال قد يكون كل عمل أدبي يكتب ابتداء و خصيصا للأطفال، و قد يكون كذلك كل عمل أدبي يكتب ثم يقرأه الأطفال فيستسيغونه، و يجدونه مادة أدبية مشوقة و محببة لهم حتى ولو لم يقصد مؤلف ذلك العمل توجيهه أصلا للأطفال. و بالفعل ، هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي لم تكتب خصيصا للأطفال، و لكنها أصبحت مع مرور الزمن، بعد تعديلها و ملاءمتها، من المواد الأدبية الشائقة و المحببة لدى القراء الصغار، من بين تلك الأعمال نذكر رواية” روبنسون كروزو ” للكاتب دانيال ديفو (1660-1731م) و الرواية الساخرة ” رحلات جلفر ” لجوناثان سويفت ( 1667-1745م) . كذلك يدخل ضمن هذا الإنتاج الأدبي الذي أصبح جزءا من أدب الأطفال، الأساطير و  الحكايات الشعبية بعد تعديلها و ملاءمتها للأطفال، كحكايات و قصص ” ألف ليلة وليلة ” و سيرة عنترة” و غيرهما. (10)

أهمية أدب الأطفال:

يمكن لأدب الأطفال أن يعدهم للحياة في عالم الغد بمتغيراته و تكنولوجياته المتقدمة. و أدب الأطفال العام والخاص بألوانه المختلفة ، يقدم هنا لخدمة الحياة في مناخ المستقبل : المادة المعرفية و المعلومات و المهارات و القيم، ما يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، و التجلى بالمرونة ، و التفكير العلمي ، و القدرا ت الابتكارية و الإبداعية اللازمة لمواجهة المتغيرات الجديدة (11)

و الأدب يوسع خيال الأطفال و مداركهم من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية أومن خلال قراءاتهم الشعرية أو من خلال رؤيتهم للممثلين و الصور المعبرة. كما أن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير فيهم من العواطف الإنسانية النبيلة ، و من خلال مواقف شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرأها الطفل أو يسمعها أو يراها ممثلة فيندمج مع شخصياتها و يتفاعل معها.

هذه الأهمية البارزة لأدب الأطفال جعلت منه موضوعا شغل العديد من الكتاب و الأدباء في العالم. و يثري الأدب لغة الأطفال من خلال ما يزودهم به من ألفاظ و كلمات جديدة، كما أنه ينمي قدراتهم التعبيرية و يعودهم الطلاقة في الحديث و الكلام لما يزودهم به من الخبرات المتنوعة.

و هو يساعد على تحسين أداء الأطفال و يزودهم بقدر كبير من المعلومات التاريخية و الجغرافية و الدينية و الحقائق العلمية ولا سيما القصة (12)

خصائص أدب الأطفال:

  • أن يتصف بالوضوح و بساطة العرض و سهولة اللغة
  • أن تكون الجمل قصيرة و المفردات واضحة
  • الاختصار و التركيز و الوصول إلى المعنى بأقل عدد ممكن من المفردات
  • لا بأس بالتكرار غير الممل و التأكيد غير المتكلف

ولعل من أبرز خصائص أسلوب أدب الأطفال الوضوح و التلقائية و القوة و الجمال فحيثما وجد يلقي القبول لأن الغموض و التكلف و الألفاظ الصعبة كلها من دواعي العزوف عن القراءة حتى لو كانت في قوالب فنية جميلة.(13)

المصادروالمراجع:

  1. سورة النور: الأية 59.
  2. لسان العرب، ج8 ص 174 ، إبن منظور – دار صادر بيروت
  3. أحمد الخطيب،الطفل المثالي في الإسلام ، ص 7 ، ط 1، المكتب الإسلامي بيروت 1980م
  4. أبو فنة ، محمود – القصة الواقعية للأطفال في أدب سليم خوري ص 25 دار الهدى للطباعة و النشر، العراق 2001 م
  5. يحيى رافع ، تأثير ألف ليلة و ليلة على أدب الأطفال العربي ص 9 ، دار الهدى للطباعة و النشر العراق
  6. رضوان ، محمد محمود ، أدب الأطفال مبادئه و مقوماته الأساسية ص 8 دار المعارف القاهرة
  7. طعيمة ، رشدى أحمد، أدب الأطفال في المرحلة الابتدائية النظرية و التطبيق ص 199 دار الفكر العربى ، القاهرة ط 1 1998م
  8. أحمد سمير عبد الوهاب ، قصص و حكايات الأطفال و تطبيقاتها العملية ص 46 ط 2 دار المسيرة عمان
  9. يحيي رافع ، تأثير ألف ليلة و ليلة على أدب الأطفال العربي ص 9 دارالهدى للطباعة و النشر العراق
  10. يحيي رافع ، تأثير ألف ليلة و ليلة على أدب الأطفال العربي ص 38
  11. عبد الفتاح أبو معال ، أدب الأطفال دراسة و تطبيق ص 21-22 دارالشرق للنشر و التوزيع عمان الأردن
  12. أحمد على، تدريس فنون اللغة العربية ، النظرية و التطبيق ص 259 دار المسيرة للنشر و التوزيع و الطباعة عمان ط 1 2009م
  13. سميح أبومغلي ، دراسات في أدب الأطفال ص 22 الهيئة المصرية العامة لكتاب القاهرة 1989
     
     * محاضر ضيف: قسم اللغة العربية و آدابها 
    جامعة خواجة معين الدين جشتي ألاردية – العربية و الفارسية لكناؤ
    Email: aijazahmad72@gmail.com      
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *