محمد تنوير

باحث الدكتوراه ، قسم اللغة العربية ، جامعة كشمير الهند

الملخص:

 لقد اتصل العرب بالهند منذ العصور القديمة وتداخلت العربية باللغات الهندية حتى أصبحت لغة تكسب بالتعلم والدراسة، وكنتيجة حتمية أثرت اللغة العربية على اللغات الهندية وتأثرت بها. وسأتناول في هذا البحث التأثير الذي أحدثته الترجمة العربية وما تزال تحدثه على اللغات الهندية. ولهذا التأثر وجهان أحدهما ايجابي والآخر سلبي. أما التأثير الايجابي فيتمثل في إثراء اللغات الهندية بما فيها الأردية والهندية والبنجابية بآلاف المفردات والعلوم والفنون عن طريق التعريب والترجمة، أما التأثير السلبي فيتمثل على طبيعة اللغة من حيث البنية والاشتقاق واستخدام الكلمات الجديدة.

 الكلمات المفتاحية: التأثير والتأثر ، اللغة العربية ، اللغة العربية واللغات الهندية،  الترجمة ، الكلمات العربية، العلوم والفنون الهندية.

 قضية التأثير والتأثر بين اللغات :

 مما لا شك فيه أن قضية التأثير و التأثر تعتبر من أهم القضايا التي  شغلها اللغويون والأكادميون والباحثون منذ زمن ليس بقليل، وليست هذه القضية من القضايا الجدد بل انها تمتد منذ النصف الأول من القرن السابع الميلادي حيث مد الخلفاء الأول سلطانهم إلى مصر  وسوريا وفارس، و كذلك بسط الأمويون نفوذهم في جميع أنحاء الشرق والغرب حتي الهند وأسبانيا، بيد أن الاسلام  في آنذاك لم يكن القوة السياسية والإدارية والعسكرية فحسب بل انه كان أيضا من أعظم المصادر الثقافي والحضاري في جميع أنحاء العالم حتي أنشأ الأمويون علاقات مع الفارس والهند وغيرها بترجمات النصوص العلمية والأدبية من الهندية إلى العربية، و في ذاك الوقت الذي يساق عنه الحديث كان العرب بمثابة همزة الوصل مع الشرق بواسطة فارس والروم، فازدادت العلاقات والروابط والتواصلات مع الشرق والغرب بمساعي الأمويين ومجهوداتهم البالغة ، حتي اختلط المجتمع العربي مع المجتمعات الشرقية والغربية فبدأت التأثر والتأثير بين اللغة العربية واللغات الأخرى ، و يصرح الدكتور عبد الصبور شاهين   عن التأثير والتأثر بين اللغات قائلا:

” والحق أن أحدا لا يستطيع أن يصادر تأثير اللغات بعضها في بعض، لأن ذلك يخضع لعاملين يتحكمان في مسيرة الصراع اللغوي أو نتائجه في هذان العاملان فالأول الوضع الحضاري للغة والثاني حجم الشعوب التي تتكلم اللغة، وفي الواقع أن  العامل الأول هو المؤثر الحقيقي في موقف اللغة[1]،  و يجدربنا الإشارة إلى أن إلتقاء اللغة العربية بغيرها وتأثيرها فيها أو تأثرها بها كان  لا تزال تجري من قبل الاسلام حيث التقي العرب في رحلتي الصيف والشتاء من كل عام بجيرانهم في الشمال والجنوب مستهدفا التجارة وكسب المال، وفي هذه المرحلة لم تتأثر اللغة العربية إلا في التقاط بعض الكلمات من لغات هؤلاء الجيران، ولكن لما بعث الله محمدا صلي الله عليه وسلم بالإسلام إلى الناس جمعاء فالتقتت العربية باللغات الأخرى بما فيها الفارسية والرومية والهندية وما إلى ذلك، وكان ماكان من  تأثير وتأثر ولكن التأثير من جانب العربية كان أقوي وأظهر”[2]،إذ اتسعت دائرة الـتأثير والتأثر بين العربية واللغات الأخري عندما اتسعت الفتوحات الإسلامية إبان عصر الراشدين وأيام الحكم الأموين والعباسين حيث جعل الناس يدخلون الإسلام أفواجا من البلاد المفتوحة والمجاورة، فانتقلت إلى البيئة العربية أنماط ضخمة من وجوه الحياة وعاداتهم وتقاليدهم وطراز حياتهم التي بعد ما سببت لتأثرة اللغة العربية بعدد هائل وأمواج ضخم من الألفاظ الأعجمية والكلمات غير العربية،فمن هنا بدأت التأثر والتأثير بين العربية واللغات الأخري أثناء اختلاط العرب مع الشعوب الأعجمية.  وهذا معلوم لدي الجميع أن  أية لغة لا تعيش بمعزل عن الاحتكاك بلغة أخري، كمثل مجتمع الذي لا يعيش بمعزل من الاحتكاك والتواصل  بمجتمع أخر، و لكن اللغة تختلف بتأثرها وتأثيرها اللغوي قوة وضعفا بمدي العلاقات التي ترتبط بين المجتمعين والثقافتين، واننا إذا نري اللغة العربية بهذا الاعتبار  فيتضح لنا أن العربية  وثقافتها النيرة لم تكن منعزلة عن اللغات الأجنبية تأثيرا وتأثرا  بحيث نجد تأثيرها وتأثرها في اللغات الكثيرة بما فيها الفارسية والإنكليزية والأردية والهندية وما إلى ذلك، بل الحقيقة لا توجد لغة حية ذات تراث وحضارة التي لم تخضع لهذا التأثير والتبادل بين اللغات، و ذلك لأن  تبادل التأثير والتأثر بين اللغات قانون اجتماعي انساني الذي ما زال يجري منذ  العهد الأول في مختلف اللغات كما يتضح لنا من الجدل والنقاش الذي دار ولم تزل تدور بين اللغوين حول الألفاظ غير العربية التي وردت في القرآن الكريم . وعكسا على ذلك كانت الأمة العربية في عصرها الذهبي القديم مصدر الثقافي والحضاري والاقتصادي لدى جميع الأمم المجاورة بالقوة السياسية والاقتصادية ليصبحه مصدرا للإزدهار الأدبي والثقافي والاقتصادي حتى أن العرب  تغلب على الأمم المجاورة  من حيث الاقتصاد والسياسية والعلم إلى أن أنجب العرب عباقرة الفنون والعلوم المتنوعة من أمثال ابن سينا  المولود بالقرب من بخارى سنة ( 370—427ه)والذي كان شهيرا في علم الفلسفة والطب والكيمياء، وابن رشد  (520— 595) الذي كان فيلسوفا وطبيبا في قرطبة، فكأن العرب في آنذاك همزة الوصل مع الشرق بواسطة فارس والروم، ويصرح الدكتور علي عبد الوافي قائلا ” أن إلتقاء اللغة العربية بغيرها وتأثيرها فيها أو تأثرها بها كان قبل الإسلام حيث التقى العرب في رحلتي الصيف والشتاء من كل عام بجيرانهم في الشمال والجنوب وكان الهدف من ذلك هو التبادل التجاري وكسب المال،ولم تتأثر اللغة العربية به  إلا في التقاط بعض الكلمات من لغات هؤلاء الجيران [3] حتي امتد  تأثير اللغة العربية على كثير من اللغات الأخرى بما فيها اللغة الانجليزية وذلك بسبب الإسلام والجوار الجغرافي والتجارة السيطرة الاقتصادي والسياسي حتي دخلت بعض الكلمات والمفردات العربية في اللغة الانجليزية من أمثال الجبرا والهندسة وماإلى ذلك، وفي الغالب تم هذا التأثير أثناء حكم المسلمين في أسبانيا بحيث  كان لدي المسلمين الخبرة  في مجال الكيمياء والجبر والحساب والفلك وما سواها كما كان لديهم السيطرة والقوة السياسية،  ولما بعث الله محمدا صلي الله عايه وسلم بالإسلام إلى الناس التقتت العربية باللغات الأخرى بما فيها اللغات الهندية،

 وهذا معلوم لدينا أن التأثير   يتناسب تناسبا طرديا مع القوة السياسية والاقتصادية والثقافية لأهل المؤثرة،حيث  كلما ضعفت القوة السياسية والاقتصادية والثقافية لأي أمة من الأمم فضعف تأثير لغتها في لغات الأمم الأخرى، فبهذا الاعتبار إذا نرى الأمة العربية في عصرنا الراهن فنجدها تقف بين صفوف الأمم المغلوبة فمن الطبيعي أن يكون تأثير لغتها على اللغات الأخرى ضعيفا وأن يكون تأثر  لغتها باللغات الأخرى قويا، وهذا أظهر من الشمس أن الأمة العربية في هذه الأيام تقف في الغالب موقف المتلقي في جميع مجالات الحياة والعلوم والفنون و أنها مظطرة للتعامل مع الأمم القوية السيطرة في وسائل الإعلام والتعليم مع كم هائل من الكلمات والمفاهيم الجديدة التي ليست لها مقابلات جاهزة في لغتنا العربية، فإذا عدنا عدة قرون إلى الوراء نجد نفوذا واسعا وكبيرا للغة العربية حيث أنها تعد إحدى من أهم اللغات المعتمدة على المستوى الدولى، ولكن في يومنا هذا نرى اللغة الانجليزية أنها أصبحت أكثر اللغات انتشارا في جميع أنحاء العالم حيث أنها تعتبر من أهم اللغات الرئيسية التي تنطق في  التجمعات والمحافل السياسية والعلمية على المستوى الدولى  بسبب زيادة نفوذ دول عالم الغرب وحضارتها على دول العالم العربي، فبهذا الصدد نرى اللغة الإنجليزية بدأت تؤثر على اللغة العربية في جميع مجالاتها ولا سيما في مجال الإعلام والتكنولوجيا الحديثة والتجارة والسياسية وما إلى ذلك. فهناك عدة عوامل لهذا التأثير البالغ بما فيها العوامل الاجتماعية والتاريخية  والأحداث السياسية والعوامل التعليمية والثقافية والتعليم في الغالب باللغة الانجليزية و الترجمة الانجليزية إلى العربية وبالعكس،  وأحيانا فقر اللغة العربية من المصطلحات العلمية والتكنولوجيا الحديثة وما إلى ذلك، علاوة على ذلك أن هناك عدة مؤثرات التي تؤدي إلى استخدام الكلمات الإنجليزية في اللغة العربية منها كثرة  معاهد اللغات  التي تروج إلى تعلم اللغة الانجليزية،و دخول بعض وسائل الاتصال المعتمدة على اللغةالإنجليزية مثل انترنت وبعض القنوات الفضائية وغيرذلك،  فبناء على هذه الدوافع والمؤثرات بدأت عدة الكلمات الإنجليزية تدخل في اللغة العربية في المجالات المتنوعة ولا سيما في مجال التكنولوجيا الحديثة مثل فيديو( video) و  تليجراف (Telegraph) وراديو وكمبيوتر وما إلى ذلك. واننا نستخلص من خلال ما قدمنا أن العوامل الاجتماعية  والتاريخية والاحتكاك الحضارية والأحداث السياسية تركت آثارا عمبقا على اللغة العربية حتى أنها تجعل اللغة الانجليزية أن تأثر على اللغة العربية كما رأينا في بعض الأمثلة السابقة، ولعل ذلك أن كل هذه التأثرات أتت عن طريق الترجمة والتعريب التي تنشر  المفردات عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وعن التعليم، لأننا نرى معظم النصوص العربية المتعلقة بالعلوم الحديثة يكون مترجمة أو مقتبسة من الألفاظ ذات الأصول الأجنبية، وذلك لأن الثقافة العربية الحديثة تستورد أكثر مما تصدر ، فمن الطبيعي أن تتم استيراد الألفاظ الأجنبية بالتعريب والترجمة.

 التأثير والتأثر بين العربية واللغات الهندية:

 

ولا يجادل المجادلون في أن العلاقات التجارية بين الهند والعرب كانت تجري نحو ألفي عام قبل الميلاد،فهذه العلاقات والتواصلات  أدت دورا بارزا في إنشاء العلاقات الاجتماعية والروابط الثقافية والصلات السياسية بين هذين البلدين وساهمت مساهمة جبارة في توثيقها وتنميتها،لأن اشتغال العرب بالتجارة مع الهنود وكثرة أسفارهم إلى أنحاء الهند المختلفة قادهم إلى معرفة أحوال الهند الاجتماعية والثقافية والسياسية والأدبية وغيرها وحثهم على الاستفادة منها، فأقام العرب مستوطناتهم في سواحل الهند ولا سيما في جنوب الهند بصفة مستقلة،إذ حصل الاحتكاك الاجتماعي بين الشعبين على نطاق واسع الذي يؤدي إلى كثير من التغيرات اللغوية والتبدلات اللسانية، فطفق العرب يتأثرون بالهنود من الناحيتين اللغوية والثقافية، حتى تعمقت آثار اللغات الهندية على اللغة العربية ، فبدراسة الكتب العربية  المدونة في شتى العلوم والمعارف رأينا عدد ضخم من الكلمات والمفردات والأمثال والحكم الهندية التي تسرب وتسلل إلى اللغة العربيةحتى أصبحت جزءا لا يتجزءأ عنها،  وكل ذلك حصل عن طريق التعريب والترجمة خلال الإحتكاك  الوثيق والارتباط المتين بين الهند والعرب،حيث ان العرب  توجه إلى سواحل الهند تجارا ودعاة، واستوطنوا بعضهم الهند مسكنا  وملجأ وعمروا مدنا جديدة حتي اختلط العرب بأهل البلاد الهندي كما اختلط الهندي بالعرب وكأمر طبيعي اختلطت لغة العرب مع لهجات لغات الهند حتي دخلت ألفاظ اللغة العربية وتراكيبها في استخدامات أهل الهند، والجدير بالذكر  أن أهل الهند كانوا يعرفون العربية ولوكان بقدر يسير الذي يمكنهم من فهم بعض آيات القران الكريم وبعض الأحاديث النبوية على حين كان التجار العرب يتعاملون مع أهل الهند  من خلال استخدام ألفاظ عربية التي سوف يصعب فهمها للهند فأحيانا  أنهم كانوا يسعون  تعريبها في اللغة المحلية بقد ما يمكن المستطاع ، فالجملة الكاملة بينهم مفقودة ولكن مجموعة الألفاظ التي دارت بين تخاطباتهم تؤدي المعني على أكمل وجه، من وجهة نظرهم، وأنهم يظنون أن هذه هي الوسيلة الوحيدة للتفاهم معهم[4] ،فمن هنا إحتكت العربية باللغات الهندية احتكاكا كبيرا،  و تضمن عدد كبير من مفردات اللغة العربية إلى اللغات الهندية بسبب طوال الاحتكاك بينهما، ولأن اللغة العربية في ذاك الوقت لغة الحضارة الراقية تحمل معها تيارا جارفا من الكلمات الجديدة التي تمثل أفكارا وعادات جديدة،  ومن المعروف جدا أن اللغة العربية ظلت  لغة الثقافة والدين في شبه القارة الهندية لفترة كبيرة وظلت منبع ألفاظ الحضارة والثقافة كما أنها احتلت العربية مكانة مرموقة ومهمة واحتلت كمصدر إثراء وانماء اللغات الهندية ولا سيما الأردية حتى تغلغلت العربية في جميع مجالات الحياة في شبه القارة الهندية[5]،فبهذا الصدد يصرح جرجى زيدان ( رائد الروايات التاريخية في الأدب العربي الحديث) قائلا:

” ولا ريب أن العرب اقتبسوا كثيرا من الألفاظ السنسكريتية ممن كان يخالطهم من الهنود في أثناء السفر للتجارة، أو الحج لأن  جزيرة العرب كانت واسطة الاتصال بين الشرق والغرب—فكل تجارات الهند المحمولة إلى مصر أو الشام أو المغرب كانت تمر ببلاد العرب ، ويكون للعرب في حملها أو ترويجها شأن، وقد عثرنا في السنسكريتية على ألفاظ تشبه ألفاظا عربية، تغلب أن تكون سنسكريتية الأصل لخلو أخواتها العربية من أمثالها كقولهم ” صبح ” و ” بهاء” فانها في السنسكريتية بهذا اللفظ تماما، ويدلان على الاشراق أو الأضاءة. ولا يعقل أنهما مأخوذان عن العربية لأن السنسكرتية دونت قبل العربية بزمن مديد”[6]، والجدير بالملاحظة هنا أن العرب لم يقتصر على اقتباس الألفاظ واكتسابها واستعارتها من الهندية أو السنسكريتية واستبقاء بعض منها على حالها فحسب بل صرفوها وشقوها ونوعوا معناها بالتعريب والترجمة مما اقتضته أحوالهم الأدبية وأوضاعهم العلمية. ولا أنسى الذكر هنا ان الكلمات والمفردات الهندية الدخيلة في اللغة العربية كانت معظمها من أسماء العقاقير والطب والأطياب  والأحجار الثمينة والأخشاب النفيسة والسيوف الجيدة وما إلى ذلك[7]، فهذه هي الكلمات  والألفاظ التي كانت هندية الأصل والتي جرت ولا تزال تجري على لسان العرب في محادثاتهم ومناقشاتهم  وأشعارهم حتى في كتبهم التاريخية والجغرافية والأدبية و ما سواها، ولا يمكن الاستيعاب لهذه الكلمات والمصطلحات الهندية الدخيلة في العربية لذا نورد هناك بعض الأمثلة لتلك الكلمات الهندية التي استخدمها كتاب العرب القدامى كي يتضح لنا تأثير اللغات الهندية على اللغة العربية:

1—- المسك : المسك طيب هندي شهير منذ  زمن قديم فدارسو الأدب والباحثون واللغويون اختلفوا في أصل هذه الكلمة، إذ ذهب بعض الدارسين والباحثين وعلى رأسهم أحمد الخفاجي إلى أنها كلمة فارسية الأصل[8]، ولكن اننا إذا رجعنا إلى قواميس اللغة الفارسية لمعرفة أصلية هذه الكلمة فوجدنا هناك أنه هذه الكلمة مشتقة من ” مسكا ” وهي كلمة سنسكريتية الأصل، وانتقلت إلى العربية بالتعريب والترجمة من اللغة السنسكريتية، والشيء المهم الذي يدل على أنها كلمة سنسكريتية الأصل هو أن الهند كان شيهرا  للمسك  والطيب منذ أقدم العصور حيث كان العرب التجار يذهب بالمسك الهندي ويبيع بأغلا ثمن وأعلاه لشهرتها ولطيب مسكها،و على كل ذلك وردت هذه الكلمة في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي فعلى سبيل المثال قال إمرئي القيس في معلقته :

 إذا قامتا تضوع المسك منهما                       نسيم الصبا جاءت بريا  القرنقل[9]

 هكذا  استخدم العرب هذه الكلمة في كتبهم ومؤلفاتهم حتي جاء هذه الكلمة في القرآن الكريم والحديث النبوي صلي الله عليه وسلم .

2—العود :  دخلت هذه الكلمة أيضا من اللغة الهندية إلى اللغة العربية، فأصل هذه الكلمة في الهندية  ” أود ” وتغيرت بعد التعريب إلى كلمة  ” عود ” ، وهذا معلوم لدينا أن العود كان من أجناس الخشب الهندي الشهير عند العرب، والعرب يأتون به إلى  بلادهم، فأصبحت تستخدم وتستعمل هذه الكلمة في بلاد العرب حتي أصبحت كمثابة كلمة عربية الأصل، إذ قال الشاعر  نابغة الشيباني :

 قد  عبق العقير بها ومسك                  يخالطه من الهندي عود[10]

3—- النارجيل : هذه الكلمة أيضا هندية الأصل وهي ” ناريل ” في اللغة الهندية وتسربت بها إلى اللغة العربية،  فجاء في لسان العرب ” النأرجيل” بالهمز، يصدر من مناطق الهند المختلفة إلى بلاد العرب[11]،

4—– الفوطة : وهذه الكلمة أيضا معربة من اللغة الهندية، وكان ينطقها الهنود ” بت” وينطق في اللغة البنجابية أيضا ” بوت”، فأصبحت هذه الكلمة بعد التعريب والترجمة ” الفوطة ” في العربية، كذلك تسربت وشقت الكلمات والألفاظ الأخري التي كانت هندية الأصل فلا يمكن لنا أن نعدها ونحصها في هذا المكان،  فخلاصة القول ان الكلمات والمصطلحات والأمثال والحكم الهندية التي ذكرنا بعضها سابقا كغيض من فيض تدل على أن التوارد اللغوي حصل بسبب الاختلاط والإحتكاك الوثيق بين الشعبين الهند والعرب وتركت اللغات الهندية آثارا بالغة وقيمة رائعة وانطباعات راسخة على العربية من ناحية الكلمات والمفردات والمصطلحات والأمثال والحكم وما إلى ذلك.

  دور الترجمة العربية في إثراء استخدام الكلمات العربية في اللغات الهندية:

 ان دور الترجمة في نقل ثقافة ومعارف لأمة ما  ليس أمر مستحدث بل انما كانت هي مسألة تضرب جذورها في أعماق التاريخ، فعندما تعمقنا في دراسة الحضارة العربية وثقافتها نجد أنها أثرت وتأثرت بحضارات وشعوب كالفرس والروم واليونان والهند وغيرها كما ذكرنا سابقا، فبدور هذه الترجمة نرى أن اللغة العربية تركت آثارا بالغا في اللغات الهندية وآدابها وفنونها المتنوعة، حيث عندما دخل الإسلام في شبه القارة الهندية في بداية القرن السابع حينما فتح محمد بن قاسم الثقفي الهند عن طريق السند سنة اثنتين وتسعين للهجرة، واختلط المسلون القادمون من مناطق مختلفة  تجارا ودعاة بأهالي البلاد الهندين بما فيها العرب  فاختلط الهنود مع المسلمين القادمين من مناطق مختلفة التي أدت إلى  بداية لهجات جديدة في الظهور والتي أدت في ما بعد إلى تشكيل لغات استخدمها أهل الهند في مناطقه شرقا وغربا، و اختلط العرب بأهل الهند في ثقافتهم وحضارتهم ولغتهم إلى حد كبير، فأدت هذه الاختلاط إلى دخيل الألفاظ العربية في استخدامات أهل الهند حتي بدأ المسلمون المنتشرون في مناطق شبه القارة الهندية يتحدثون اللهجات واللغات المحلية، بينما كان المسلمون الهنديون يعرفون اللغة العربية بالقدر  اليسير الذي يمكنهم لفهم القران والحديث الشريف، على حين كان التجار العرب يتعاملون ويتبادلون البضائع والامتعة مع أهالي الهند، فتجري المحادثة بين الفريقين باللغة العربية ولو كان على قدر يسير لعدم الإفهام والتفهيم،  وفي خلال المحادثات والمناقشات التجارية وغيرها راجت في اللغات الهندية  ألفاظ عربية التي تمكنهم من التعبير لمتطلباتهم واحتياجاتهم ، فبمرور الزمن زاد الاختلاط والتبادل بين العرب القادمين للتجارة أو الدعاة أو ما عداها وبين أهالي الهند حتي تطورت اللهجة المزدوجة بين العربية والهندية التي سببت بشكل كبير  لإدخال الكلمات والألفاظ العربية إلى اللغات الهندية سواء أكان أرديا أو ما سواها، ولا نبالغ إذا نقول أن الألفاظ العربية  دخلت في اللغة الأردية منذ  مرحلة ظهورها الأولى سواْ  كان ذلك في الدكن أو في شمال الهند  وما حولها، حيث اعتمدت اللغة الأردية علي الألفاظ العربية أكثر ما اعتمدت علي اللغة الفارسية وما إلى ذلك، غير أن شكل الكلمة الأردية ونطقها كان مختلفا كل الاختلاف عن شكل الكلمة العربية مثل جهيز  في اللغة الأردية تستخدم بدلا من جهاز بالعربية و مويشي بدلا مواشي بالعربية،  وكلمة تنور بالعربية تستخدم ب  تندور في نفس المعني وكلمة شيخ بالعربية تحولت إلى سيته  وقس على ذلك ،وذلك لأن نطق الكلمات العربية بشكله الأصلي كان صعبا جدا لمتحدثي اللغة الأردية.

و ان اللغوين واللسانين قسموا الألفاظ العربية الدخيلة في اللغة الأردية إلى ثلاثة أقسام رئيسية :  الدخيل— المورد—المولد-

أما الدخيل فيشمل الألفاظ التي دخلت في الأردية بشكلها الأصلي ولا تزال تستخدم بهذا الشكل بغير التحريف المعنوي واللفظي مثل ” كتاب”، ” قلم” ، ” حوض” ” صحن”، وأما المورد فهو الألفاظ التي دخلت في الأردية وفقدت شكلها الأصلي بسبب خضوعها  لقاعدة من قواعد الصرف أو نحوها مثل ” راس” بالأردية  فأصلها ” رأس بالعربية، كذلك ” ذرا” بالأردية أصلها ” ذرة” بالعربية فيطلق كمثل هذه الألفاظ مورد تام، أي الألفاظ التي فقدت شكلها الأصلي وتغيرت معناها[12]، وأما المولد فهو الألفاظ التي تغيرت صورتها وتم التصرف فيها وفقا لقواعد الأردية ويطلق عليها مولد تام مثل ” بدلنا”  الفعل المشتق من بدل، وأما الألفاظ التي تم التصرف فيها وفقا لقواعد اللغة العربية بعد دخولها إلى اللغة الأردية مثل ” تخليق” ” تنقيد” ” مفلس” فيطلق عليها مولد غير تام.   وعلاوة على ما مر نجد كثير من الألفاظ التي أصلها عربي ولكن  استخدمت في الأردية بمعني آخر بعد  التحريف والتبديل معنويا كان أو لفظيا مثل كلمة ” تماشي” بالعربية أصبحت في الأردية ” تماشا” وكذلك كلمة ” تبادله” بالأردية مشتقة من كلمة عربية ” تبادل” و ما عداها، ويجدربنا الإشارة إلى هنا أن التغيرات المعنوية  أكبر حدثا في الأردية من الغتيرات الشكلية للألفاظ العربية في الكلمات والألفاظ، فنرى في الأردية آلاف من المفردات والكلمات التي تؤدي معنا  أرديا خالصا  مختلفا كل الاختلاف عن المعني العربية مثلا كلمة ” وجه” تستخدم في العربية بمعني ” جهة” وعكسا علي ذلك تستخدم  نفس الكلمة في الأردية بمعني ” سبب” و ” علة”،  ولا أنسي الذكر هنا أن اللغة الأردية تأثر من اللغة العربية حتي انها أخذت بعض القواعد النحوية والصرفية من اللغة العربية فعلى سبيل المثال أن علامة جمع المؤنث السالم هي ” أ ت” في نهاية الإسم ك ” مسلمات” ” مؤمنات” ” طيبات”  وما سواها، واننا نجد نفس القاعدة في اللغة الأردية مثلا يقال ” كاغذات” أي ألأوراق، ” دستاويزات” أي السجلات، ” ديهات” أي القري، وهذا أظهر من الشمس أن اللغة العربية احتلت في شبه القارة الهندية مكانة لغة الثقافة والحضارة، وظلت منبع ألفاظ الحضارة الاسلامية بمفهومها الواسع ومدلولها الاسلام.، فيتضح لنا مما سبق أن اللغة الأردية تأثرت من اللغة العربية أكثر مما تأثرت من اللغة الفارسية حيث قسموا علماء اللغة الأردية مصطلحات النحو الأردية فيما يتعلق بالأزمنة حسب  تقسيم علماء اللغة العربية أي إلى فعل وفاعل ومفعول وليس هذا فحسب بل انما قسموا الفعل من ناحية الزمان بنفس الطريقة التي جرت في اللغة العربية أي : ماضي— حال— مستقبل الخ. وهذا الذي يوضح مدي تأثير اللغة العربية علي اللغة الأردية. ولا أنسي الذكر هنا أن معظم الكلمات العربية الدخيلة بعد التعريب والتهنيد في اللغة الأردية يتعلق من الأسماء والأفعال، ولكن بعد دخولها إلى الأردية استخدمت بعضها في المدلول العربي نفسه كما ذكرنا سابقا والبعض الآخر خضعت لنظام الصرف والنحو الأردي فلحقت بها الإضافات التي تؤدي إلي المعاني المطلوبة، وهناك آلاف  من الكلمات العربية التي  اضطرت بعد دخولها في الأردية إلى اتخاذ الأشكال الهندية والأردية. علاوة على ذلك ان اللغة العربية هي التي نقلت الأفكار الصوفية والمعتقدات الدينية   من أمثال ” سبحان الله ” ماشاء الله ” ” لا حول ولا قوة ” و ما عداها إلى لغات العالم ولا سيما إلى اللغات الهندية بما فيها الأردية والبنجابية والكشميرية والهندية وما إلى ذلك،وأما القواعد الأردية التي تستخدم وتستعمل في اللغة الأردية أيضا أخذتها من العربية حيث  أن حروف الهجاء التي هي أساس لأية لغة كانت—تأتي من العربية إذ  أنها تبدأ من الألف وتنتهي إلى الياء غير أنها تلقت بعض الأحرف الهجائية من اللغة الفارسية لإكمال الصوتيات، فيمكن لنا القول ان اللغة العربية هي التي أعطت  اللغات الهندية أفكارا ومصطلحات وكلمات دينية وغير دينية عن طريق الدين والتجارة والدعوة، حتي نجد في الأردية بعض الأمثال والاستعارات والكنايات العربية إذ أنها لصقت على الأردية وطابع أثرها وأحسنت إليها إحسانا لا تكاد تنساه الأردية فلا مراء لنا أن نقول ان اللغة العربية تركت أثرا كبيرا في اللغات الهندية ولاسيما في اللغة الأردية في جميع نواحيها وجوانبها، وهذه اللغة أخذت واستعارت القواعد البلاغية عند تكوين جملها وتدوين فنونها البلاغية  من أمثال علوم البيان والمعاني والبديع، و ذلك أن علماء المسلمين الأواءل  لعبوا دورامحوريا في استخدام القواعد العربية البلاغية على البلاغة الأردية  لأنهم كانوا على إلمام تام باللغة العربية ولم يكن لديهم بديل  ولأنهم كانوا متأثرا باللغة العربية وبلاغتها المعجزة ومن ثم نقلوا كل ما يتعلق بالآداب العربية من البلاغة وجزئياتها إلى  الأردية. حتى اننا نجد الغرض بين اللغتين لوضع البلاغة على حد سواء فمثلا كان الغرض من وضع علم البلاغة  في اللغة الأرديةهو العلم بالتراكيب الواقعةفي الكلام وهي الغاية نفسها التي توجد في البلاغة العربية ، وفي البداية بدأت هذا التأثر والتأثير بترجمة الكتب العربية البلاغية إلى الأردية، لذا نرى ان الكتب الأردية المتداولة الآن في مجال علم البلاغة الأردية فمعظمهامترجم من كتب علم البلاغة العربية،حتى تم ترتيبها على حسب الموضوعات ا لموجودة في الكتب العربية.  ولن نبالغ اذا نقول أن واضع علم القواعد البلاغية للغة الأردية وعلمائها  قلدوا تقليدا كاملًا في تدوين وترتيب علم البلاغة الأردية.  وبامعان النظر البليغ يتضح لنا أن الكتب البلاغية التي ألفت للقواعد البلاغية للغة الأردية القديمة جلها تبدأ بذكر الفصاحة والبلاغة ثم يأتي ذكركل من البيان والمعاني والبديع مثلما ذكرت في الكتب العربية. ولدينا كتب عديدة تم تصنيفها على  هذا المنوال نفسه مثل “بحر فصاحت” لصاحبه نجم الغني رامپوري، و”تسهيل البلاغت” لمحمد سجاد مرزا بيگ الدهلوي، و”معيار بلاغت” لصاحبه ديبي پرساد سحر بدايوني. علاوة على ما مر نجد  بعض العناصرالموجودة في علم البديع الأردي التي جاءت من اللغة الفارسية أو وضعهاالهنود.[13] ولكن هذه العناصر قليلا جدا بالنسبة للغة العربية، فنجد مثلا تعريف علم البلاغة لغويا في الأردية هونفس التعريف الموجود في اللغة العربية، حيث كتب السيد هاشمي في كتابه جواهر البلاغة فيقول: “البلاغة في اللغة الوصول والانتهاء، يقال بلغ فلان مراده إذا وصل إليه وبلغ الراكب المدينة إذا انتهى إليها ومبلغ الشيء منتهاه.[14]وهذا المفهوم يوجد أيضا في اللغة الأردية حيث  نجد الكلمات المستعملةلتعريف علم البلاغة في اللغة الأردية تؤتي المعنى نفسه من خلال استخدام الكلمات، مثل بالغ، تبليغ، إبلاغ، بلوغ، ومبلغ وغيرها.[15]، وما ذكرت أعلاه حول تأثير البلاغة العربية في البلاغة الأرديةيدل   فبناء على ما مر يمكن لنا القول ان اللغة العربية قد أثرت على حد كبير على اللغة الأردية ولا سيما على البلاغة الأردية كما ذكرنا سابقا، ولا نبالغ اذا نقول ان البلاغة الأردية وقواعدها الوضعية جميعها مقتبسة و مأخوذة من البلاغة العربية من حيث القواعد والبنية ومن حيث التقسيم والتعليل.

 وإذا ما ألقينا النظر الغائر على الموضوعات  الشعرية مثلا التي يتناولها اللغات الهندية ولا سيما الأردية فانها في الحقيقة  يحاكي من الشعر العربي في معظم نواحيها وجوانبها  فلا نبالغ إذا نقول ان الموضوعات التي يتناولها الشعر العربي انتقلت بذاتها دون تحريف إلى هذه اللغات، فمثلا نرى في الشعر الأردي قصة حب ليلي ومجنون التي انتشرت في هذه اللغة  إلى درجة أن سلطان بهادر شاه ظفر آخر حاكم مغولي اعتبر نفسه شبيها في حبه لحبيبته بقيس بن الملوح الذي جن غراما بليلاه، فنظرا على قدمنا سابقا  يجدربنا أن نقول أن الترجمة العربية لعبت دورا حيويا وجوهريا في نقل المعارف والثقافات  واستخدام الكلمات العربية  في اللغات الهندية ولا سيما في اللغة الأردية

 الهوامش

[1]  د ، عبد الصبور شاهين ، ” الدخيل في العامية ” طأ بيروت بدون سنة،ص 226

[2]  د ، عبده عبد العزيز قليلة ، ” مقالات في التربية واللغة البلاغة ” ط، دار العلم للملايين، ص 116

[3]   الدكتور علي عبد الوافي ” اللغة والمجتمع” ص 116

[4]  الدكتور سمير عبد الحميد ابراهيم ” معجم الألفاظ العربية في اللغة الأردية”12

[5]  اللغة العربية وقضية التنمية في باكستان ، ص  123–142

[6]  جرجي زيدان، ” اللغة العربية كائن حي” ط، الثالثة، سنة 1988م،ص 17–18

[7]  نفس المصدر ، ص 18

[8]  شهاب الدين أحمد الخفاجي، ” شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل”، ط، سنة 1383م، ص 206

[9]  المعلقات العشر والتعريف بها، معلقة إمرئي القيس،

[10]  قاضي أطهر المبارك بوري، ” عرب و هند عهد رسالت میں ” ص 47

[11]  ابن منظور ، ” لسان العرب” ج 11، ص 437

[12]  د ، سمير عبد الحميد ابراهيم ، ” الألفاظ العربية في اللغة الأردية دراسات دلالية معجمية، ط ، المكتبة العلمية، لاهور ،1991م،ص165

[13]. حمد عسكري: آئينة بلاغت، ط: مكتبة صديق لكهنؤ الهند ١٩٣٧ م

[14]. السيد أحمد الهاشمي: جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، ط: مطبعة السعادة، مصر العربية عام١٩٦٠ م، ص:31

[15].الدكتور السيد عليم أشرف جائسي: اردو بلاغت بر عربي كي اثرات، مقالة نشرت في مجلة معارف لأردية، عدد ديسمبر عام ٢٠١٢ م، ص ٤٤٧

المصادر والمراجع:      

1—أحمد بن محمد صرائي، : العلاقات الحضارية بين منطقة الخليج العربي  وشبه القارة الهندية وجنوبي شرق آسيا، ط، الجمعية التاريخية بالرياض سنة  1427ه،

2—ثقافة الهند، المجلد 65، العدد 3، 2014،

3—-  د،  سمير عبد الحميد ابراهيم، : معجم الألفاظ العربية في اللغة الأردية، ط،  المملكة العربية السعودية وزارة التعليم العالي،

 4—  ثقافة الهند ، : الكلمات العربية والفارسية في اللغات الهندية، مجلة ثقافة الهند، العدد 4،  عام 1940،

5—-  د ، السيد عليم أشرف جائسين ،  اردو بلاغت پر عربی کے اثرات ـ مقالة نشرت في مجلة معارف الأردية، عدد ديسمبر عام 2012م،

 6— ملا عبد القادر البدايوني : منتخب التواريخ ، ط ، قومئ کونسل برایے فروغ اردو زبان ،

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *