د. محمد حبيب

(الحلقة الأولى)

قبل الخوض في صميم البحث حول تطور الصحافة في شبه الجزيرة العربية أود في بادي ذي بدء أن أعرّف الصحافة والمطابع لغة واصطلاحاً، ثم أبيّن المقصود من شبه الجزيرة العربية، وبعد سأتطرق إلى تاريخ إنشاء المطابع بصورة وجيزة وتطور الصحافة بها.

تعريف الصحافة في اللغة:

الصحافة في اللغة: مصدر مشتق من صحَّفَ يصحِّف، تصحيفًا، فهو مُصحِّف، والمفعول مُصحَّف، وصحَّف الكَلمةَ: كتبها أو قرأها على غير صحَّتها لاشتباهٍ في الحروف، حرّفها عن وضعها، ومن ذلك قولهم: “صحَّف الصِّحافيّ الخبرَ: حرَّفه”([1]).

تعريف الصحافة في الاصطلاح:

وأما الصحافة في الاصطلاح فيمكن تعريفها باعتبارين:

الأول -باعتبار الحرفة والفن-: هي مهنة من يجمع الأخبار والآراء وينشرها في صحيفة أو مجلة، والنسبة إليها صحافي([2]).

وفي كتاب معجم الرائد: “الصحافة هي فن إنشاء الجرائد والمجلات وكتابتها”([3]).

الثاني –باعتبارها عَلَماً على شيء-: مجموعة الجرائد والمجلاَّت التي تصدر في بلد من البلدان أو منطقة من المناطق([4]).

تعريف المطبعة لغة واصطلاحاً

المطبعة في اللغة:

المطبعة في اللغة: اسم آلة مأخوذة من طبع الشيء يطبعها طبعاً وطباعة، وهي تطلق على عدة معان، منها:

  1. الضرب على الشيء، تقول: طبع السيف الدرهم، أي: ضربه. وطبع الكتاب وعلى الكتاب: ضرب عليه الخاتم([5]).
  2. الامتلاء والتوافر والجري والفيض، ومنه قولهم: تطبع النهر حتى إنه ليندفق. ورأيت طبعاً وأطباعاً تجري. وقال بعض العرب في وصف امرأة: جناءة ثمارها. طفارة أطباعها؛ وهي الأنهار المملوءة. وناقة مطبعة: سمينة أو مثقلة([6]).
  3. الفطرة والطبيعة، والخليقة، يقال: طبعه الله على الأمر أي فطره، وطبع الخلق يطبعهم طبعاً أي خلقهم([7]).

يطلق مجازاً على الأخلاق محمودها ومذموها، وهو في المذموم أكثر وأطلق، فيقال طبع الله على قلب الكافر. وإن فلاناً لطمع طبع، أي: دنس الأخلاق، ومن ذلك قول العرب: “ورُبَّ طمع يهدي إلى طبع”.

واطلاق الطبع في الأخلاق المحمودة يكون مقيداً بالوصف المحمود فيقال: هو مطبوع على الكرم، وقد طبع على الأخلاق المحمودة، وهو كريم الطبع والطبيعة والطباع والطبائع. وهو متطبع بكذا. وهذا كلام عليه طبائع الفصاحة([8]).

المطبعة في الاصطلاح:

وأما في الاصطلاح فتطلق المطبعة على أمرين:

  1. تطلق على موضع الطبع([9]).
  2. تطلق على الآلات المستعملة في الطباعة([10]).

شبه الجزيرة العربية

عرفت هذه الجزيرة بأسماء كثيرة، كلُّها مضافة إلى “العرب”، لا غير، ومنها: اسمان وردا في السنة واستعمالات الفقهاء، وهما: (جزيرة العرب) ، و (أرض العرب).

ومنها : (بلاد العرب) ، و (ديار العرب) .

ويقال الآن: (الجزيرة العربية)، و(شبه جزيرة العرب)، و(شبه الجزيرة العربية)([11]).

وتنقسم هذه الجزيرة من حيث صورة الأرض، ومناخها، ونباتها إلى خمسة أقاليم رئيسية:

  1. إقليم تِهامةَ : ويقال أيضاً : الغَوْر ، ويقال : غَوْر تهامة.
  2. إقليم الحجاز : ويقال أيضاً : السَّراة.
  3. إقليم نجد .
  4. إقليم اليمن.
  5. إقليم العروض أو اليمامة([12]).

وزاد بعض المؤرخين إقليم عمان، وقيل: هو داخل في إقليم اليمن.

وشبه جزيرة العرب أكبر شبه جزيرة في العالم، وهي محمية بثلاثة أبحر من جهاتها الثلاث: غربا ، وجنوبا ، وشرقا.

فيحدها من الغرب: بحر القُلْزُم، ويقال: بحر الحبشة ، وهو المعروف الآن باسم: البحر الأحمر.

ويحدها من الجنوب: بحيرة العرب.

ويحدها من الشرق: خليج البصرة؛ الخليج العربي.

وهذا التحديد البحري من هذه الجهات الثلاث بهذه الأبحر محل اتفاق بين المحدثين، والفقهاء، والمؤرخين، والجغرافيين، وغيرهم.

أما من الجانب الشمالي فيحدها ساحلُ البحرِ الأحمر الشرقيُّ الشماليُّ وما على مسامتته شرقا؛ من مشارف الشام وأطراره (الأردن حاليا) ومُنْقَطَعُ السماوةِ من ريف العراق.

وبسبب تحديد هذه الجزيرة بالمياه الإقليمية الثلاثة صارت تعرف عند المتأخرين باسم (شبه جزيرة العرب) ، وإنما قيل : (جزيرة العرب) ؛ بحكم إحاطتها بثلاثة أبحر، ولأن الحد الشمالي، وإن كان إلى مشارف الشام وريف العراق؛ فإن ما وراء ذلك من أنهار: بَرَدى، ودِجلَةَ ، والفراتِ ، متصل برأس الخليج العربي فكأن التجوُّز في الإطلاق بحكم المجاورة([13]).

واختلف بعض المؤرخين في حدود شبه الجزيرة العربية اختلافاً يسيراً([14]) وليس هذا المكان ملائماً لذكر التفاصيل في هذا الخصوص.

لمحة سريعة عن تاريخ المطابع في العالم

نشأت الطباعة في أقاليم مختلفة وبلدان شتى قبل دخولها في العالم العربي أو شبه الجزيرة العربية، فمن المناسب الإتيان بشيء من تاريخ الطباعة والمطابع في مختلف أرجاء المعمورة حتى يكون لدينا خلفية عن تاريخ الطباعة قبل دخولها إلى أراضي الجزيرة العربية، وفيما يلي نبذة وجيزة عن تاريخ الصحافة.

أول مطبعة في تاريخ العالم:

إن تاريخ بداية الطباعة بشكل عام يرجع إلى حوالي ألف سنة، وكانت الصين سباقة في هذا المجال، وكانت تستخدم قوالب خشبية ترسم عليها رموزهم وتصاويرهم، ثم يحبرون الأجزاء البارزة منها، وتطبع على الورق، فيمكن لنا القول بأن الطباعة في هذه المرحلة كانت قريبة من الأختام في زمننا هذا.

وفي عام 1024م طور الصيني بي شنغ أول حروف متحركة ولكنها لم تستثمر بشكل جيد بسبب كثرة أحرف الهجاء الصينية فبقيت الطباعة بالقوالب الخشبية هي السائدة.

 ثم ظهر اختراع الطابعة في المانيا بيد يوحنا جوتنبرج (1397-1468م) من سكان مدينة ((ماينـز)) بألمانيا فهو أول رجل ارتبط اسمه باختراع المطابع، وكان ذلك عام 840‍ هـ/1436م، وظهر أول كتاب مطبوع في أوروبا -على الأرجح- ما بين (844-854هـ/1440-1450م)، وذلك بالحروف اللاتينية المتحركة. وعلى الرغم من السرية التامة التي أحاط بها جوتنبرج اختراعه إلا أن الطباعة انتشرت انتشارًا سريعًا في البلاد الأوروبية الأخرى؛ حيث ظهرت الطباعة في روما سنة 870هـ‍/1465م، وفي البندقية سنة 874هـ‍/1469م، وفي باريس سنة 875هـ‍/1470م، وفي برشلونة سنة 876هـ‍/1471م، وفي إنجلترا سنة 879هـ‍/1474م، كما عرفت الطباعة بالحروف العربية عام 1486م([15]). وسيأتي التفصيل عنها لاحقاً إن شاء الله تعالى.

وفي عام 1811م قام الألماني فريدريتش كوينغ باختراع مطبعة بخارية ذات اسطوانات دوارة تقوم بضغط الورق على الحروف المصفوفة، وكانت تدار على البخار.

وأما في أمريكا ففي عام 1846م تمكن الأمريكي ريتشارد من تطوير المطبعة ذات الأسطوانات لتصبح دوارة بشكل كامل حيث تصف الأحرف في اسطوانة دوارة وتقوم اسطوانة أخرى بإتمام الطبع.

 وفي الفترة ذاتها تمكن أحد الألمان ويدعى أوتمار من تطوير المطبعة إلى مطبعة اللينوتيب وكانت طريقتها هي سبك أسطر كاملة من الحروف المصفوفة في قطعة معدنية واحدة .

وفي عام 1887م استطاع الأمريكي تولبيرت لانستون تسجيل براءة اختراع مطبعة المونوتيب والتي تسبك الأحرف وتصفها في قطع منفصلة.

وفي تلك الأثناء أي في عام 1852م حدثت تطورات أخرى في الطباعة وهي الحفر الضوئي على يد الإنكليزي فوكس تولبوت.

 وفي عام 1855م قام الفرنسي ألفونس بواتيفن باختراع التصوير الليثوغرافي .

وفي أواخر هذا القرن –أي القرن التاسع عشر- بدأت تظهر مطابع الأوفست، ثم تطورت في عام 1905 على يد الأمريكي أيرا روبل طباعة الأوفست وبدأت تتميز في حلتها  الجديدة من حين لحين حتى ظهرت في الشكل الحالي الموجود حاليا في الأسواق ودور الطبعة والنشر([16]).

الطباعة في أوروبا:

نشأت الطباعة في أوروبا منذ صناعة الورق فلها ارتباط وثيق بصناعته فلولا هذه الصناعة لما نشأت في أوربا الطباعة، وكانت الطباعة العربية محل اهتمام بالغ لدى الكثير من دول أوربا، وكانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعدة أمور منها:

  1. صناعة الورق كما سبق.
  2. حمى التنصير أو التبشير حسب زعمهم.
  3. الهيمنة الاستعمارية.
  4. تطور الاستشراق ووصله إلى نظام مبني وفق قواعد منظمة.

وكل واحد من هذه الأمور الأربعة مرتبطة بالآخر ارتباطاً لا ينفك ووثاقة لا ينقض، فلولا صناعة الورق لم يكن هناك طباعة وبالأخص الطباعة العربية، ولو لم يكن الاستعمار الأوروبي بأنواعه المتنوعة وضروبه المختلفة لما كان هناك مجال للتنصير المنظم، ولو لم يكن الاستشراق والتنصير لما كانت هناك طباعة عربية في أوروبا([17]).

وإذا نظرنا إلى تاريخ الطباعة العربية نجد أنها بدأت مبكرة ففي عام 1486م طبع الراهب الدومينيكي “مارتن روث” كتاب “الرحلة والحج فيما وراء البحار إلى قبر السيد المسيح بمدينة القدس المقدّسة” لمؤلفه “برنارد دي برايندباخ Bernard De Breydenbach” عند الطباع الهولندي “إرهارد رويفيتش Erhard Reuwich” في “ماينتس Mainz”” بألمانيا. وقد رسم إرهارد وحفر الألواح الخاصة بطبع هذا الكتاب، والتي ظهرت عليها أبجدية عربية كاملة مطبوعة بالنقش على الخشب، ومصحوبة بكتابتها اللاتينية، وبخريطة للقدس ورسم جميل محفور يمثل جماعة من اللبنانيين وعلى رؤوسهم عمائم فاخرة وصفوا بأنهم سوريون في كرمة ([18]).

وفي عام 1492م أحضر أحد علماء المهاجرين اليهود يدعى “إسحق جرسون” للآستانة مطبعة تطبع الكتب بعدة لغات منها: العبرية والأسبانية واللاتينية واليونانية، وقد طبعت التوراة مع تفسيرها عام 1494م، ثم قواعد اللغة العبرية عام 1495م.

وخلال ثلاثة قرون استطاعت هذه المطبعة أن تطبع أكثر من مئة كتاب في مختلف العلوم والفنون وكان الفضل في ذلك راجع إلى عناية كبار رجال الطائفة اليهودية في الآستانة مما كان له أثر ملموس في نشر الآداب العبرية وترقيتها([19]).

وفي عام 1505م طبعت مطبعة إسبانية بغرناطة للراهب بيدرو دي ألكالا على قوالب خشبية كتابي “طريقة تعلّم اللغة العربية بسرعة” و”قائمة عربية بالحروف القشتالية”. وكان الغرض وراء طباعة هذين الكتابين تعليم القساوسة ورجال الكنيسة اللغة العربية.

وفي عام 1514م ظهرت أول مطبعة عربية –حسب ما يؤكده الباحثون- تطبع بالأحرف العربية في فانو بإيطاليا بأمر البابا يوليوس الثاني، ويشار إليها باسم “مطبعة الفاتيكان”، وكان أول كتاب عربي طبع فيها في السنة نفسها كتاب ديني، ثم طبع سفر الزبور سنة 1516 م، وبعد قليل طبع القرآن الكريم في البندقية، إلا أن جميع النسخ أحرقت، وقد طبع في مطبعة باغانيني المشهورة في البندقية ([20]).

وفي عام 1516م طبعت مطبعة بيتروس باولوس في مدينة جنوا الإيطالية كتاب “المزامير” بتكليف من الأب أغوسطينوس جوستنياني طبعته بأربع لغات ومنها العربية ([21]).

ويعتبر عام 1524م بداية للطباعة العربية في انجلترا فقد طبع فينكين دي وُردِه Wynkyn de Worde في لندن عام 1524م كتاب “الأطروحة اللاتينية في موضوع اللغات العربية والآرامية والعبرية، صلاة التسبيح واستخدام اللغات الثلاث:Oratio de laudibus & utilitate trium linguarum Arabicae, Chaldaicae & Hebraicae” للمؤلف رُبرت وِيْكفيلدRobert Wakefield   ([22]).

وفي عام 1538م بدأت فرنسا الطابعة العربية بطبع كتاب “القواعد العربية” ضمن مجموعة نشرها المستشرق «غويوم بوستيل» في كلية فرنسا عن مبادئ اثنتي عشرة لغة شرقية([23]).

وفي عام 1539م طبعت مطبعة بافيا الأيطالية “مبادئ اللغة الكلدانية”.

وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر أنشأ الأب حنَّا إليانو الشهير مطبعةً طبع فيها بعض الكتب الدينية كان نقلها إلى العربية منها “التعليم المسيحي” و”أعمال المجمع التريدنتيني”.

وفي عام 1551م كانت أول طباعة باللغة العربية في الدولة العثمانية في الآستانة، وكانت طباعة التوراة باللغة العربية وبترجمة سعيد الفيومي([24]).

وفي عام 1566م طبعت مطبعة الكلية الجزويتية بروما باللغة العربية “إعتقاد الأمانة الأردتكسية كنيسة روما” من تأليف أو ترجمة أريانو.

كما طبعت مطبعة إشبيلية 1573م ” تهافت النحلة المحمدية” لسكاليخر، وطبعت في عام 1575م مطبعة ميديتشي في روما الكتب باللغة العربية([25]).

وكانت سنة 1582م نقطة بداية للطباعة العربية في ألمانيا فقد طبع في “نوي شتات” Neustadt كتاب “في الألفباء العربية” لمؤلفه يعقوب كريستمان وهو أول أستاذ للغة العربية في جامعة هايدلبرغ. كما طبعت مطبعة هايدلبرغ عام 1583م “رسالة بولس إلى أهل غلاطية”، نقلها إلى العربية روتجر سبأي. وفي العام نفسه طبعت مطبعة روتكر سباي في هايدابرغ بألمانيا “رسالة إلى أهل غلاطية” بطريقة القوالب الخشبية. وفي عام 1585م طبعت مطبعة كرستوفل بلانتاين – انتويرب- بلجيكا كتبا باللغة العربية.

وكان هذا العام عام 1585م بداية للطباعة العربية بمطبعة لايدن في هولندا([26]).

كانت تلك عابرة سريعة عن الطباعة العربية في دول أوربا. وقد اكتفيت في إيرادها بأهمها محاولاً الإيجاز غير المخل والاطناب غير الممل.

دخول الطباعة إلى أراضي تركيا:

اضطربت الأراء في تاريخ دخول المطابع الحديثة إلى تركيا، فلم تتفق على تحديد بدايته؛ حيث يذكر بعض الأراء أن بداية معرفة الأتراك للمطابع الحديثة كان مع دخول المهاجرين اليهود إلى الأراضي العثمانية، عندما حملوا معهم مطبعة تطبع الكتب بعدة لغات هي: العبرية، واليونانية، واللاتينية، والإسبانية، وذلك عام 1494م، بينما يرى بعضُ الباحثين دخول الطباعة في تركيا عام 1551م وأن الآستانة عاصمة الأتراك العثمانيين هي أول بلد شرقي يعرف المطابع الحديثة.

ويذكر موريس ميخائيل أن أول مطبعة تطبع بحروف عربية في اسطنبول هي التي أسسها إبراهيم الهنغاري عام 1727م (1139هـ)، وسمح له بطباعة الكتب عدا القرآن الكريم. بينما أرجع الدكتور سهيل صابان تحديد تاريخ أول مطبعة بالحروف العربية في تركيا إلى عام 1139هـ‍ (1726م). كما ان هناك رأي آخر يرى صاحبه أن كتب الحكمة والتاريخ والطب والفلك طبعت مع بداية عام 1716م.

وبالرغم من هذا الاضطراب في تحديد بداية تاريخ دخول المطابع إلى تركيا فهناك أمور تعكس الضوء على معرفة الأتراك العثمانيين للمطابع الحديثة، ومنها:

  1. أن تركيا العثمانية أول بلاد شرقية عرفت المطابع.
  2. تأخر الطباعة بالحروف العربية عنها بالحروف الأخرى.
  3. أن تأخير الطباعة العربية في تركيا يرجع إلى الخوف على الكتب الدينية من التحريف وبالأخص المصحف الشريف.
  4. وبناء على السبب السابق جاء الإذن بطباعة الكتب بالحروف العربية متدرجًا، من السماحة بطباعة الكتب في مجال الطب والفلك والحكمة والتاريخ أولاً، ثم الأذن بطباعة الكتب الأخرى ثانياً بما في ذلك الكتب الدينية([27]).

المطابع في البلاد العربية:

دخلت ماكينة الطباعة إلى أراضي البلاد العربية في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي سنة 1702م، وكان دخول أغلب تلك المطابع في بدايتها على أيدي الرهبان النصارى أو المستشرقين العرب أو المهاجرين اليهود وكان أكثر الكتب المطبوعة بواسطة هذه المطابع تتضمن الجانب الديني للديانتين المذكورتين أعني اليهودية والنصرانية.

ففي عام 1702م تم إنشاء مطبعة الدباس بحلب، ويرجع الفضل في ذلك إلى الأب أثناسيوس الرابع الانطاكي الحلبي ابن الدباس، فقد حمل مطبعة إلى حلب كان قد أنشأها في بوخارست. وكما يرجع الفضل في حفر الحروف العربية لهذه المطبعة إلى الصائغ الحلبي الشماس عبد زاخر حسب ما ترجحه المصادر.

وفي خلال فترة وجيزة تتراوح بين عامي 1706 و1711م طبعت هذه المطبعة عشرة كتب دينية مسيحية، أولها “كتاب المزامير” كما طبعت الإنجيل.

كما طبعت كتاب “صخرة الشك” في عام 1721م، ثم كتاب “الصرف والنحو” للأب “جرمانوس فرحات” عام 1725م. ثم توفيت هذه المطبعة بوفاة منشئها عام 1724م([28]).

وفي عام 1716م أصدر الفرمان السلطاني بالترخيص بإنشاء المطبعة بعد أن أفتى  شيخ الإسلام باستنبول عاصمة الخلافة الإسلامية بجواز استخدام المطبعة فقام السفير التركي في فرنسا سعيد أفندي بن محمد أفندي والمشهور باسم (بيكرمي سكز جلبي) بالتعاون مع ابرهيم أفندي المجري المعروف بابراهيم متفرقة بإنشاء أول مطبعة تطبع بحروف عربية في اسطنبول، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك قبل قليل([29]).

وفي عام 1720م أنشئت مطبعة الشوير بلبنان. وكان تابعاً لعبد الله زاخر، فقد أنشأها حين انشق عن الكنيسة الأثوذوكسية، وترك حلب عام 1720م ، ثم أسس مطبعة في دير يوحنا الصايغ في الشوير بمحافظة كسروان وصنع لها الحروف العربية بنفسه، وكانت أكثر مطبوعاتها دينية لا مدرسية.

كما تذكر المصادر بإنشاء مطبعة عربية أيضاً على يد عبد الله زاخر في لبنان بدير مار يوحنا الصائغ بالخنشارة (الشوير) عام 1733م([30]).(13)

وفي عام 1751م أنشأ الشيخ يونس نقولا جبيلي المشهور بأبي عسكر، مطبعة القديس جاورجيوس (سان جورج) للروم الارثودكس في بيروت، وكان أول ما نشرته هذه المطبعة كتاب “المزامير”، ثم “السواعية”، ثم “الفنادق”. ثم توالت طباعة كثير من كتب الأدب والتاريخ. وكانت ميزة هذه المطبعة أن استخدمت شكلين جديدين للحروف أكثر جمالا وأقرب للخط النسخي في استداراته، ويرجع الفضل في ابتداعهما إلى عبد الله الزاخر([31]).

كانت تلك جولة سريعة عن تاريخ الطباعة في البلاد التركية والعربية، وقد حاولت المرور على ذكر الأهم مبعداً عن الكلام الجانبي الذي يخرجنا عن الموضوع ويشغلنا بالفروع. كما ضربنا الذكر عن تاريخ المطبعة والطباعة في بلاد الجزيرة العربية لأنه الموضوع الذي لذكره هذا التوطئة وطدنا ولإيراده هذا التمهيد مهدنا.

([1])  معجم اللغة العربية المعاصرة، للدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر، ج2 ص1272.

([2])    المعجم الوسيط، لإبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار، تحقيق: مجمع اللغة العربية، ج1 ص508، معجم اللغة العربية المعاصرة، للدكتور أحمد مختار عبد الحميد، ج2 ص1272.

([3])    الرائد (معجم لغوي عصري) لجبران مسعود، ص490.

([4])    معجم اللغة العربية المعاصرة، للدكتور أحمد مختار ج2 ص1272.

([5])    أساس البلاغة، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري، ج1 ص593.

([6])    المحكم والمحيط الأعظم، لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، ج1 ص556، أساس البلاغة، للزمخشري ج1 ص593.

([7])    المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده المرسي، ج1 ص556.

([8])    أساس البلاغة، للزمخشري ج1 ص593-594، المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده المرسي ج1 ص556.

([9])    معجم الرائد لجبران مسعود ص490.

([10]) تكملة المعاجم العربية، لرينهارت بيتر آن دُوزِي نقله إلى العربية وعلق عليه: محمَّد سَليم النعَيمي، ج7 ص18، معجم الرائد لجبران مسعود ص490.

([11]) خصائص جزيرة العرب، لبكر بن عبد الله أبو زيد، ص15.

([12]) أقاليم الجزيرة العربية بين الكتابات العربية القديمة والدراسات المعاصرة لعبدالله بن يوسف الغنيم، ص16.

([13]) خصائص جزيرة العرب، لبكر أبو زيد ص18، 19.

([14]) معجم البلدان، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، وخصائص جزيرة العرب، لبكر أبو زيد، ص19، وما بعدها.

([15]) أوائل المطبوعات العربية في تركيا وبلاد الشام، لوحيد قدورة (الطبعة الأولى)، ص 109

وعاء المعرفة، من الحجر إلى النشر الفوري، خالد عزب، ص65

([16]) أوائل المطبوعات العربية في تركيا وبلاد الشام، لوحيد قدورة ص 109.

وعاء المعرفة، من الحجر إلى النشر الفوري، خالد عزب، ص65

([17]) الطباعة العربية في أوروبا، للدكتور قاسم السامرائي، الطبعة الأولى 1996م ص46.

([18]) وعاء المعرفة، من الحجر إلى النشر الفوري، لخالد عزب، ص66

([19]) المرجع السابق ص66

([20]) المطابع والمطبوعات الليبية قبل الاحتلال الإيطالي، لعبد العزيز سعيد الصويعي، الطبعة الأولى 1985م ، ص22، 23

([21]) المرجع السابق ص22، 23

([22]) Arabic Printing and Publishing in England before 1820 by Geoffrey Roper, Pg 12

([23]) الكتب العربية المطبوعة في أوروبا، ص1

([24]) الدوريات العربية، لمحات من تاريخها، منتخبات من وادرها، لعبد الرحمن فرفور، ص57.

([25]) الطباعة العربية في أوروبا، للدكتور قاسم السامرائي، ص55.

([26]) المرجع السابق، ص56.

([27]) أوائل المطبوعات العربية في تركيا وبلاد الشام، لوحيد قدورة، ص130.

([28]) حلب وأولى المطابع العربية، للدكتور سهيل الملازي. بحث منشور في موقع “أرض الحضارات”ص426.

([29]) أوائل المطبوعات العربية في تركيا وبلاد الشام، لوحيد قدة ص117، 120.

([30]) دليل حلب، دراسات تاريخية واجتماعية واقتصادية، لفؤاد هلال ونديم فقش، الإصدار الخامس عام 2000م ص305.

([31]) الكتاب في العالم الاسلامي، لجورج عطية، ترجمة عبد الستار الحلوجي، ص230.

دليل حلب، لفؤاد هلال ونديم فقش، ص305.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *