محمود عاصم
كلمات مفتاحية: الراميانه ، طاغور، الملاحم الهندية، المهبراته، وديع البستاني،
Summary of the paper:
This paper deals with the rich contributions of Lebanese writer and poet Wadi Al- Bustani to the translation of Indian epics. He translated Mahabharat, Ramayana, Geeta and Shakuntla and introduced these master pieces of Indian literature to the Arab world. He was very much attached with India and its rich civilizations, cultures and literature and was very much influenced by Rabindra Nath Tagore. He contributed a lot through his translation skill in bridging the gap between different civilizations in the world. He also translated master pieces from Persian and English literature. He was a nationalist in true sense and fought for Palestinian rights in resistance to the Israeli occupation.
ملخص المقال:
هذا المقال محاولة بسيطة لتسليط الضوء على ترجمات الأديب اللبناني وديع البستاني بالملاحم الهندية من الراميانه و المهبراته والغيته والشاكنتلا. وفي نفس السياق ذكر صلة الشاعر اللبناني بالهند وا عجابه الشديد بطاغور.
كان لوديع البستاني صولات وجولات في أنحاء العالم ودرس الثقافات العالمية. لم يقم وديع البستاني بتعريب الملاحم الهندية فحسب، بل قدم إسهاماته القيمة في ترجمة رباعيات الخيام. وهو يعتبر أول من ولج في الأدب الفارسي و عرّف للعرب.
ترجم وديع البستاني مؤلفات الورد جان لو بوك إيفيري المشهورة في الأدب الإنجليزي و هي أربعة : ” معنى الحياة ” و “السعادة و السلام ” و ” مسرّات الحياة ” و ” محاسن الطبيعة “.
مثّل وديع البستاني دوراًً ملموساً في سد الفراغ بين الثقافات المختفلة في العالم عن طريق الترجمة وأدى واجبه في نيل الحرية من إسرائيل المحتل على أراضي فلسطين.
مقدمة المقال:
وديع البستاني ليس اسم شخص بل هو مجموعة أشخاص . أ هو فلسطيني ؟ أم لبناني ؟ أم عربي ؟ أم رجل عالمي ؟ أ هو مناضل ؟ أم محام عن الضعفاء ؟ أم مترجم للملاحم و الأبيات النادرة ؟ أهو سند باد يجوب الآفاق ؟ أم شاعر يحيا مع النجوم ؟ أم مواطن عادي يعشق مدينته حتى الرمق الأخير- هو هؤلاء كلهم في رجل واحد اسمه وديع البستاني .
هو ابن عائلة البستاني الثرية بالعلم و المؤلفات ، والتي نبغ الكثيرون من أبناءها ، و أولهم المعلم بطرس البستاني غير أن هذا البستاني وديعا ما اكتفى بما ورث من أسماء ، فكان في جميع مراحل حياته ذلك الباحث عن العلم والمعرفة .
وديع فارس البستاني ولد في قرية الدبية من لبنان في عام 1886 م و توفي عام 1954م . وعاش في لبنان و اليمن و مصر و بريطانيا و الهند و فلسطين. و نحن هنا نترك التفاصيل عن نشأته و تطوره و دراسته و ما الى ذلك من حياته العلمية و نشاطاته سياسيا و محاميا و مدرسا في الجامعات .
وديع البستاني مترجما
نخوض في صلب الموضوع مباشرة ونفصّل بعض التفصيل عن مساهمته في مجال الترجمة. وديع البستاني يُعدّ من أكثر البستانيين انتاجا في حقل الترجمة و الأدب و العلم. و في أواخر سنة 1909 م تولى منصب امانة الترجمة للقنصلية البريطانية في اليمن. ثم جاء مصر فعُيّن في وزارة الأشغال العامّة لوظيفة لزم فيها العلم باللغات الإنكليزية و الفرنسية و العربية و في أثناء خدمته كان يتعاطى التعريب.
ترجم مؤلفات الورد جان لو بوك إيفيري المشهورة في الأدب الإنجليزي و هي أربعة : ” معنى الحياة ” و “السعادة و السلام ” و ” مسرّات الحياة ” و ” محاسن الطبيعة “. و في سنة 1911 م قضى اجازته في لندن، لدراسة رباعيات عمر الخيّام في مكتبة المتحف البريطاني. و في أوائل عام 1913 م ظهرت الطبعة الأولى لمؤلفه المعروف بـ ” رباعيات الخيام “.
وفي هذا السياق يقول ابنه فؤاد البستاني : وما أن وقعت في يَدَي ” وديع ” نسخة من كتاب الشاعر الانكليزي “فتزجرلد” Fitzgerald عن ” رباعيات عمر الخيام ” ، حتى عشق عمرو فلسفة و شعر فتزجرلد ; فابحر الى لندن عام 1911 م حيث قضى بضعة أشهر صرفها بحثا و تنقيبا في مخطوطات ” الخيام ” و راجعه في مكتبة المتحف البريطاني.
وهناك في ذلك الجو العلمي المهيب ، أخذ يعرّب الرباعيات شعرا صاغه سباعيّات طليّة المعاني ، موسيقيته الرنة ، فكان أول من ولج ذلك الباب من الأدب الفارسي ، و أسبق من زفّه الى أبناء الضاد و طبعت عدة مرات دار المعارف بمصر.
ومن آثاره الأدبية أثناء اقامته في جنوبي إفريقيا منظومة بعنوان ” رباعيات الحرب ” و ” رباعيات ابي العلا ” نظمها باللغة الانجليزية ترجمة لمختارات انتجها من اللزوميات. وهذا الكتاب لم يطبع بعد.
صلته بالهند
كان البستاني سافر الى الهند عشية الحرب العالمية الأولى وكانت غايته التعرف الى منطقة مجهولة عربيّا و تقديم أدبها و ملاحمها التي كانت كان قرأ منها بالفرنسية و الانجليزية اللتين كان يجيدهما . جاء الى الهند للمرة الأولى عام 1912 م و أقام فيها عامين . ثم عاد اليها عام 1915 م بعد سنتين على فوز الشاعر الهندي الكبير طاغور بجائزة نوبل للآداب (1913) و مكث فيها عاما.
خلال اقامته في الهند تأثر ثأثيرا عميقا فأحب الشرق و فضله على الغرب من اسباب عديدة. عبر هذه الخواطر في قصيدة قرضها في عام 1913 م فينشد :
كم عالج الغربيُّ بالعلم عقدةً و غادر أمراً للحياة معقدا
و قد يُرجع الشرقيُّ للغرب رُشده فإني أرى الشرقي أهدى و أرشدا
و عند ما تنادي رجال الأدب لتكريمه ، فأقاموا في قاعة الجامعة اللبنانية (الأنيسكو) حفلة كانت في 16 أيار 1953 م ، قلده فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون وسام الاستحقاق اللبناني المذهب ، و على أثرها القى الشاعر العبقري في ختام الحفلة قصيدة بليغة و عبر فيها باعجابه عن الهند و أدبها و رجالها.و نقتطف منها قوله :
حيٌّ في الهند أمة يقظانة نبهت كل مقلة و سنانه
انه الشرق ، بعد تجديد غندي جدد الدهر عهده و زمانه
عل غندي من غنية المهبراتا بعد نهل من كوثر الراميانه
برهميّا ، من أمة الفكر و الروح أتانا ، لا برهمي كهانه
اعجابه الشديد بطاغور
لم يكتف البستاني بما اكتشف من خلود الأدب الهندوي القديم ، بل عالج الآداب المحدثة في المؤلفات الشاعر الملهم و الفيلسوف الانساني ” رابندرناث طاغور ” .
يخبر ابنه قائلا: زار والدي طاغورفي معهده (شنتي نكتان) في شمال الهند ، أقام ضيفا ثلاثة أيام ، أطلعه خلالها على تعريبه لكتاب ” البستاني ” The Gardener من تاليف طاغور، ورضي طاغور عن التعريب فنشر الكتاب سنة 1917 م .
كتب البستاني مقالة نشرت في ” الهلال ” عام 1916 م وعبر فيها عن اعجابه الشديد بطاغور، وقد جعله في مصاف الشعراء القدسيين و الأولياء و الحكماء الكبار في التاريخ. و تبين له عند ما تعرف عن كثب أنه ” يمتلك نفسا ساميا ، تنبعث من عينيه أشعة سنية و تسيل مع صوته الرخيم العذب نغمات “
ترجمته بالملاحم الهندية
الشعر شعران – قصصي و ملحمي و الشعر الملحمي نوعان : و ملاحم النوع الأول أربع لا غير : الإلياذة و الأوديسية اليونانيتان ، و المهبراته و الراميانه الهندويتان . و سائر الملاحم من إنياذة فرجيل إلى فردوس ملتن ، من النوع الثاني. هذا ما يرى معربنا بالملاحم الهندية وديع البستاني.
تعرف وديع البستاني الى الأدب الهندي من قرب و انصراف الى قرءاته و التعمق فيه و في ظواهره و مدارسه و أنواعه الفريدة ، و بخاصة النوع الملحمي الذي يختلف عن الملاحم الاغريقية. وكان وجد في ملحمة ” المهبراته ” ضالّته الأولى فأكبّ على تعريبها شعرا موزونا و مقفى. وفق عبارته الأثيرة التي كان يستخدمها ” عربها شعرا ” . و قد وجد البستاني وجه شبه بينها و بين ” الإلياذة ” مثلما وجد شبها أيضا بين “الأوديسة ” و ” الراميانه ” . و كي يكمل مهمته الشعرية و الثقافية عرّب الملحمتين اللتين كما يقول ، هما ” صنع عصور ” تعاقبت على نموها الى ما هما اليوم و يرى أن قصة ” الراميانة ” أوفى وضوحا و لتوحد الإبداع فيها “
المهبراتة
غاص المعرب في خضم الملاحم الخالدة و التحف المقدسة من تراث المتهندة القدامى . و لاستيفاء بحق الترجمة تعلم البستاني اللغة السنسكريتية و لكن تعلم منها ما لم يُطمئنه الى الاقدام على التعريب، فاستعان بالترجمات الانجليزية و الفرنسية مقابلا بينهما ، حتى انتهى الى ترجمات ” رومش دط ” Romesh Chunder Dutt فاعتمدها أساسا لعمله .
يكتب وديع البستاني في ديباجة المعرب فيقول : فهذه النبذة الموسومة بالمهبراتة ، الواقع في 3472 بيتاً ، ليست إلا جزءا يسيرا من كتاب المهبراتة الذى حوى 90000 (تسعين الف) بيت سنسكريتي . و يضيف القول فيكتب : ” و من معربنا المهبراتي قصة ” نالا و دامينتي ” واقعة في 1256 بيتاً عربياً .
وقد أدرج البستاني النص الملحمي في اثنى عشر سفراً ، و كل سفر منفصل عن الآخر و متصل به في آن . وهذا العدد الكبير من الأبيات يشهد فعلا على ضخامة العمل و ” على قوة شعرية عارمة و قدرة على منح الملحمة طابعاً شعرياً عربياً ٍمن خلال قوة التصدير و انسياب الجملة الشعرية ”
و قد اعتمدت في اعداد هذه المقالة من نسخة ” الملحمة الهندوية – كبرى ملاحم العالمية : ترجمها عن السنسكريتية رومش دط و عربها شعرا وديع البستاني و نشرتها جمعية متخرجي الجامعة الأميركية في بيروت عام 1952 م . و من ديباجة الملحمة ننقل بعض الأبيات نموذجاً :
حديث الشعر عن حرب الحياة تخلّد بين أمسك و الغداة
روته للزمان المهبراتة كما أّثر عن الثقات
تعريب الراميانة
وكان آخر انفاس غندي ، نفسٌ يلفظ ” رام ” ” رام ” اي راما ، راما . و راما هو التجسد الفشنوي الثامن ، بطل الراميانة ، أولى الملحمتين الهندويتين . يكتب عن تعريب الراميانة المعرب نفسه فيقول : و كنت قد عربتها تعريبا وقع في 3950 بيتاً ، رضيت عنه أكثر من رضاي عن تعريب المهبراتة . ومنه على لسان سيتا زوجة راما ، أمير مملكة عود ، و قد آلت مكيدة مبعثها غيرة الضرّة ، الى نفيه مدة 14 عاما يقضيها في الغابات ، ليخلو العرش لولدها هي . جاء راما يودع سيتا، و يوصيها بطاعة صاحب العرش ، و بالصلاة و الصيام ، فأبت إلا أن تصحبه و تنفى معه. و من نموذج الراميانة ، نقتبس فيما يلي :
امي الوفا علّمتني ، سيد الشرفا أبي ، بسمعك أوصاني بما عرفا
فقال : كالظل كوني ، و اصدقيه وفا حتى الممات ، فما أرضاه منصرفا
لي عنك ، و اذكر أبي و الأم يا راما
تعريب الغيتة
تعرب البستاني تعريبين اثنين ، شعرا على بحر الشلوقة السنسكريتي ، و نثرا مردفا بحواش تفسيرية معتمدا في ذلك كله على خمس ترجمات انكليزية ، احداهن الترجمة التي طبعت بلندن بأمر مخصوص من نائب امبراطور الهند السير ورن هستنغ في عام 1784 م .
يكتب وديع البستاني عن تعريب الغيتة فيقول : و لعل تعريبي للغيتة شعراً هو أول ترجمة نظمية لها. و هي لا ريب انفس آثار الأدب الهندوي كافةً . و كانت أول ما وقفت عليه من جواهر ذلك الأدب ، و آخر ما عربت منه. و ما جرُءتُ على التصدى لتعريبها الا بعد أن طال تبحري ، في ما وُفّقتُ اليه وأنا في الهند ، و بعد خروجي منها ، من ترجمات صالحة ، و من مباحث الميثيولوجية الهندوية لا بأس بها ، بل بعد أن كنت قد فرغت من تعريب كل ما عرّبته و من تعليق ما علقت عليه من الحواشي حتى شهر آذار من سنة 1947 م .
تعريب الشعر السنسكريتي الموسيقي ” الشاكنتلا ”
يقول الشاعر الألماني غوتة عن الشاكنتلا : لو شئتُ أن أجمع محاسن الأرض في فصولها الأربعة و محاسن السماء نهاراٌ و ليلاٌ في كلمة واحدة ، فقد وجدت تلك الكلمة ، و هي ” الشاكنتلا ” .
الشاكنتلا هي تمثيلية قاليداس ، شكسبير الهند الذي عند رومش دط – من شعراء الهندوية المولّدين . فهو من أبناء القرن الرابع بعد الميلاد. يكتب البستاني عن تعريب الشاكنتلا فيقول : و فاتحة عهدی بتعريب الادب الهندوی ، يومٌ فرغت فيه من تعريب الشاكنتلا من صيف 1913م ، وأنا يومي ذاك في بمباى ۔ و بين يديّ ترجمتها الانجليزية بقلم السير مونير مونير وليمس ۔ وقد جاری فيها الاصل السنسكريتي، فترجم نثرہ نثراً و شعرہ شعراً ، فجاريته و بلغت عدة أبيات التعريب 745 بيتاً ۔ نقدم نموذجا منها :
أبت السماء ! ولا قضت أقدارها شططا ، ولا سمحت بغير متاح
عذبات سهمك لا يطرن بظبينا حرمٌ و فيه الصيدُ غير مباح
فنلخص القول و نقول إن وديع البستاني كان من رواد الترجمة العربية و له أولويات في ترجمة الملاحم العالمية. و هو من اهم العرب الذی قدم مساهمته القيمة لسد الفجوة بين الثقافات و الديانات عن طريق الترجمة. و لذا حينما أهدی نسخة شبه كاملة بمهبراتة المعربة الى أول رئيس الوزراء البندت جواهر لال نهرو فصرّح قائلا : ” إن هذه الملحمة المعربة هي خير ما يستطيع العرب اهدائه للهند ” .
المصادر والمراجع
1- دط رومش (من السنسكريتية) ، الملحمة الهندوية ، ، عربها شعرا وديع البستاني ، جمعية متخرجي الجامعة الأمريكية في بيروت ، عام الطبع لم يذكر
2- البستاني وديع ، ديباجة المعرب ، الملحمة الهندوية ، جمعية متخرجي الجامعة الأمريكية في بيروت
3- البستاني وديع ، قصة المعرب ، الملحمة الهندوية ، جمعية متخرجي الجامعة الأمريكية في بيروت
4- موقع فلسطين عصافير، مبدعون فلسطينون ، الفلسطيني الراحل وديع البستاني عاشق حيفا وسجينها، تاريخ الطبع 9 نوفمبر 2011م www.palestine.assafir.com
5- كوم الموسوعة، وديع البستاني، في الأدباء والشعراء، http://alencyclopedia.com/%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A/
6- جريدة الحياة اللبنانية، الراميانه ملحمة الهند كما عربها وديع البستاني، دارالحياة، تاريخ الطبع اليوم الثاني من أكتوبر عام 2012م
7- الوحش ، محمد جمعة ، من أدب الصحافة الفلسطيني ، مجلة النفائس في فلسطين واتجاهاتها الأدبية ، سلطنة عمان، عام الطبع 1989 م
8- ملحم إبراهيم البستاتي، كوثر النفوس وسفر الخالدين، مطابع المرسلين اللبنانية، لبنان، عام الطبع 1954م
9- العودات، يعقوب، من أعلام الفكر والأدب في فلسطين، وكالة التوزيع الأردنية، سلطنة عمان، عام الطبع 1987م
10- فتوح، عيسى، من أعلام الأدب العربي الحديث، سير و دراسات، دار الفاضل، دمشق، عام الطبع 1994م