محمد مصعب انصاري
مفهوم المقاومة:
أدب المقاومة هو أدب حى، يشعر الأديب أو الشاعر بكل ما يضطر به قومه من الآلام والرزايا والمصائب ويشارك شعبه فى همومه وبلاياه فينفعل كل الانفعال ويتألم ويرسم ألمه هذا في الشعر أو يسجل الأحداث المؤلمة في القصة والرواية فيأتي هذا الأدب مليئا بالعواطف وحافلا بالمشاعرالصادقة، وصورة لنضال شعب يثور في وجه المستعمر دفاعا عن كرامته وأرضه ويحفظ على لغته وثقافته.
أما المقاومة في العصر الحديث فتأخذ مفهوما سياسيا “والمقاوم هو الشخص الذي يقاوم الظلم، وتنطوي الكلمة على مفهوم تقييمي، فالذي يناضل عنفيا ضد السلطات القائمة مقدرا أنها لا تتوافق مع مثله يعتبر نفسه مقاوما. في حين تعتبره السلطة إرهابيا، ويتحدد معيار التمييز بين المقاومة وإلارهاب بالاستناد إلى شرعية العمل ونبل الأهداف”1
المقاومة لغة:
المقاومة في اللغة من الفعل قاوم يقاوم مقاومة على وزن مفاعلة الذي يفيد المشاركة، وجاء في قاموس لسان العرب قاومة في المصارعة وغيرها، وتقاوموا في الحرب أي قام بعضهم لبعض2
المقاومة اصطلاحا:
تستخدم المقاومة اصطلاحًا لمعنى النضال ضد العدو في الأرض المحتلة والقمع الاستعماري.
يقول الدكتور جمعة في تعريف المقاومة في كتابه “ملامح في الأدب المقاوم فلسطين أنموذجا”، “أن المقاومة ليست شهوة في العنف والقتل والاعتداء على الآخر وإنما هى دفع الأذى والقبح والشر والفساد والاحتلال عن الذات الإنسانية ومقارعته بكل السبل المتاحة، ومن ثم في مواجهة منظمة واعية لكل أشكال القهر و الظلم و الاستعمار و الغز و بكل صوره المباشرة وغير المباشرة، فهى رفض للذل والاستسلام والخنوع بالكلمة والموقف والنفس…ما يؤكد أن الأدب المقاوم يعد في طليعة أنماط المقاومة العليا بوصفه باحثا عن الحرية والكرامة والجمال والسعادة”3
مفدي زكريا(1908-1977م)
مفدى زكريا اسمه الحقيقى “زكريا بن سليمان بن يحي بن الشيخ الحاج صالح سليمان. ولقبه الشيخ او آل الشيخ. وعن حياته جده الحاج سليمان، ولهذا لقبت العائلة لقب آل الشيخ فقد كان أحد شيوخ مدينة بني يزقن، يترأس الإتحاد الميزابي، ففى حضن هذه العائلة الماجدة زكرياء اشتهر باسمه المعروف مفدى زكرياء”4
ولد مفدى زكريا(شاعرالثورة وشاعرالنضال الوطني والثورة التحريرية) في يوم الجمعة 12 جمادى الأول 1326هـ الموافق12يونيو 1908م5 في قرية ببني يزقن من قرى وادي ميزاب بالجنوب الجزائري ولاية غرداية، وكان عائلته من بني رستم مؤسسوا الدولة الرستمية .وكان أهله أهل علم ودين، بدأ مفدى زكريا تعليمه الإبتدائي في مسقط رأسه كغيره من أبناء القرية فحفظ القرآن الكريم وتلقى المبادئ الأولى في اللغة العربية وقواعدها وأصول الشريعة والدين، وعندما بلغ مفدى زكريا في سن السابعة من عمره انتقل إلى عنابة مع والده لمساعدة والده الشيخ الذي اشتغل تاجرا للقماش هناك6. وفي سنة 1924م كان مفدي زكريا قصد الى تونس مع أعضاء البعثة الطلابية ودرس في مدرسة السلام حيث اشتغل فيها المبادئ العربية والعلوم الكونية والتاريخ الإفريقي، ثم دخل في المدرسة الخلدونية التي درس فيها الحساب والهندسة والجبر والجغرافيا، تحت رئاسة أساتذة فضلاء الوقت الذي هو مشهور في موضوعه في عصره أمثال الشيخ محمد التميمي- أبو يقظان- الشيخ إبراهيم بن عيسى- وصالح بن يحي إبراهيم أطفيش- وغيرهم، وارتبط بصداقة حميمة متينة مع الشاعر الجزائري: رمضان حمود)1906-1929م) وكذلك مع الشاعر التونسى المعروف أبو القاسم الشابي. مفدي زكريا قضى بعض الوقت في جامع الزيتونة أين سنحت له الفرصة ليطلع على كتب ذات أهمية كبيرة في النحو والبلاغة والأصول، ومكث هناك عامين في الجامع الزيتونة، وبعد ذالك في أواخر سنة 1926م عاد إلى الجزائر. مفدي زكريا كان رائداً في الحركة الوطنية التي كان توجه لمبدأ الاستقلال، مثل حزب نجمة الشمال الأفريقي وعضوا مؤسسا لحزب الشعب الجزائري، وبعد ذلك أمينا عاما له، وعضوا في “حركة الانتصار للحريات الديمقراطية” التى تأسست سنة1947م.
انشغلت موهبته الشعرية في أوائل عام 1925 بمحاولة الرثاء “كبش العيد” بمناسبة عيد الأضحى، متأثر بالشاعر أبي علاء المعري، وقد تلتها قصيدته الملتهبة مفدي زكريا “إلى الرفين” ونشرها في صحيفة “لسان الشعب” في مايو 1925 وصحيفة “الصواب” التونسية ثم في الصحف المصرية “الكبرى” و”الأخبار” فى تمجيد كفاح الشعب المغربى الشقيق بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابى(1882-1963م) ضد المحتل الإسباني. تأثر مفدي زكريا بثراء الجزائر في الاستعمار، الذي كان مليئا بروح التحرير. و في 17 أكتوبر 1936م، الف شاعرنا نشيد حزب نجم شمال أفريقيا المعروف نداء الجزائر روحي ومالي. الذي أصبح نشيدًا لتجمع وتوحيد المناضلين الوطنيين، وفي 5 مارس 1937 نشر قصيدته الشهيرة “بردة الوطنية الجزائرية” بصحيفة “الشباب التونسية”، وتتضمن كتب شعره كفاح الشعب الجزائري للتخلص من الاستعمار والاستقلال الفرنسيين، ولهذا هومعروف بشاعر الثورة الجزائرية. بسبب نشاطه السياسي اعتقل مفدي زكريا من قبل سلطة الاحتلال الفرنسية أكثر من مرة. وبعد ذلك اعتقاله في أغسطس 1937 مع مصالي الحاج(1898-1974)، وبعد خروجه من السجن فى أواخر أغسطس 1939 اتجه فترة للإندماج في الوسط الفني، فتعرف بعميد المسرح الجزائري محى الدين بشطارزى والممثل القدير محمد التوري، وسخر أدبه للنضال عن طريق الأغنية الوطنية ثم في مايو 1945 لمدة ثلاث سنوات ، وفي فبراير 1946 لمدة ستة أشهر .
وبعد اندلاع ثورة التحريرالكبرى، شارك في جبهة التحرير الوطني في الجزائرالعاصمة، قبضت الحكومة لمفدي زكريا مع زملائه وإرساله إلى السجن مع زميلهم، احتُجز لمدة ثلاث سنوات من أبريل 1956 إلى فبراير 1959.عندما كان تخلى عن السجن، هرب إلى المغرب لتلقى العلاج على يد الطبيب المناضل فرانز فانون(1925-1961م)7 ، وقد سُجِن بسبب آثار التعذيب. وبعد ذلك اصبح سفيراً للقضية الجزائرية بشعره في الصحافة تونس والمغرب العربي.وسفيرا ايضا في المشرق العربي عندما شارك في مهرجان الشعرالعربي في دمشق عام 1961م ونال الجائزة الأولى بعد إلقاء قصيدته “رسالة الشعر فى الدنيا مقدسة”. وفي عام 1969، غادر من تونس إلى المغرب، حيث استقر وعمل مديرا لمعهد “الحسن الداخل”. وظل يعيش في المغرب، على الرغم من أنه كثيراً ما يتردد بين الجزائر وتونس. وهكذا يتردد مفدي زكريا طوال حياته بين أعماله التجارية والإدارية والإبداعات الأدبية في البلدان المغاربية، والمشاركة في الفعاليات الثقافية والسياسية وشعره ومناقشاته في جميع مجالات الفكر الإسلامي في الجزائر.
مفدي زكريا حصل عدة من الجوائز والميدليات في وطنه وفي المغرب العربي ايضا، فقد حصل في الجزائر على ميدالية المقاوم من رئيس الجمهوريّة الجزائريّة الشاذلي بن جديد، بتاريخ 25 أكتوبر1984م، ووسام الأثير من مصف الاستحقاق الوطني من فخامة رئيس الجمهوريّة السيّد عبد العزيز بوتفليقة بتاريخ 4 يوليو1999م، وشهادة تقدير لأعماله ومؤلفاته، كما عينت الدولة اسمه على قصر الثقافة في الجزائر العاصمة. وفي المغرب حصل على وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى، فيما حصل بتونس على ميدالية الاستقلال و ميدالية الاستحقاق الثقافي، حامل لوسام الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى من عاهل المملكة المغربيّة محمد الخامس، بتاريخ 21 أبريل 1987م، ووسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة8
وكان وفاته يوم الأربعاء 02 رمضان 1337هـ الموافق 17 أغسطس 1977م في تونس وكان عمره تسعة وتسعون عاما، ونقل جثمانه إلى الجزائر ودفن في مسقط رأسه بني يزقن بغرداية9.
آثاره:
“تحت ظلال الزيتون”(ديوان شعر) طبعته الأولى عن دارالنشر بتونس، 1965م.”اللهب المقدس” (ديوان شعر) طبعته الأولى عن المكتب التجارى ببيروت،1661م،. “من وحي الأطلس” (ديوان شعر) طبعته الأولى عن مطبعة الأنباء بالمغرب،1976م،. “إلياذة الجزائر” (ديوان شعر) ألف بيت في حب الجزائر ، كما ترك العديد من الدواوين التي لم تنشر.
دراسة لبعض الأبيات لأهم وأبرز قصائده
أحلل بعض الأبيات من قصيدة “من جبالنا” فهذه القصيدة يتطلب من الناس الانضمام إلى الجبال كمركز للقوة وحرية النضال وكفاح السيادة الوطنية.هذه القصيدة هى دعم المجاهدين والثورة وتقوية نضالهم وتعزيز كفاحهم والسعي إلى استقلالهم ودعم الروح الوطنية لتشجيع ودعم الثورة.
في مجال النضال استعمل بالبنادق والرصاص والقوة، وفي شعر بالقلم ودعم المجاهدين والمتمردين من أجل الحرية والاستقلال مهما كانت تكلفة التضحيات الكبيرة
من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادينا للاستقلال
ينادينا للاستقلال لاستقلال وطننا
تضحيتنا للوطن خير من الحياة
أضحي بحياتي وبمالي عليك10
فالجبال رمز الصمود و تحديات، وهذا النضال من أجل التضحية بحياتهم وأموالهم من أجل عظمة البلاد من أجل جلب الحرية وعزة الوطن الغالي، هذا هو كل العزيمة والصمود هؤلاء المتمردون هم ما في رؤوس الجبال التي تحمي الوطن من غضب الطبيعة والأعداء المحتلين.
يا بلادي أنا لا أهوى سواك
قد سلا الدنيا فؤادي وتفاني في هواك
لك في التاريخ ركن مشرف فوق سماك
لك في المنظر حسن منك يعزي بهاك
نحن سبل دائر وجبال راسيات
نحن سبك الجزائر آل عزم وثبات11
إننا نثني على الجمهور بالشجاعة والصمود التي تعلن أن الثورة هي السبيل الوحيد لتحرير. تميز الشاعر مفدي زكريا عن بقية الشعراء بقصائد كثيرة تحمل روح النضال الوطني والثوري.
هبو الاغتنام حياتكم فالعمر ساعات تمر عللا
الأسر مال بكم فطال عناؤكم فكو القيود وحطموا الأغلال
والشعب ضج من المطالم فانشدوا حرية تحميه واستقلالا12
وهذه قصيدة آخرة “ليلة القدر الكبرى” الذى ذكر فيه للمقاومة الجزائرية:
قصيدة “ليلة القدر الكبرى” لشاعر “مفدي زكريا” يتحدث في هذه القصيدة عن هذه الليلة الخالدة التي دعاها التاريخ أجابه لأنه طالب الناس لنداء الشعب وهي بحق ليلة القدر الكبرى تم تنير نجم الحرية وكشف النقاب، وتم إلقاء الضوء على جانبين من الليل وإضاءت الكواكب المشتعلة
ومثلما اندلعت القنابل في هذه الليلة الجديدة، أشعل في شباب الجزائر نار الثورة لتحريرها عندما هزت “جبهة التحرير الشعبية”، والناس يذهبون إلى نهاياتهم البعيدة.
دعا التاريخ ليلك فاستجابا (نوفمبر)هل وفيت لنا النصابا؟
وهل سمع المجيب نداء شعب فكانت ليلة القدر الجوابا؟
تبارك ليلك الميمون نجما وجل جلاله، هتك الحجابا
زكت وثباته عن ألف شهر قضاها الشعب ، يلتحق السرابا
تجلى ضاحك القسمات، تحكي كواكبه، قنابله لهابا
بناشئة هناك، أشد وطأ وأقوم منطقا، وأحد نابا13
وأطلقت أيضا حجابها وسقطت في قمم “وهران” نيران الثورة ردت على “برج مدين” وهو الاتجاه الآخر لجهاد الدنيا وهزت سياسة فرنسا للجهاد، شعب عناب لرفع الرصاص لمناقشة المغتصب و أيقظته بالقنابل من نومه وكشف منظر الحجاب.
ولعلع من شلعلع ذوبيان فأطلق فوق جرجة الجعابا
وشبت في ذرى وهران نار رآها برج مدين فاستجابا
جهاد دوخ الدنيا وألق هنالك في سياستها اضطرابا
وزلزل من سياستها فرنسا وأوقع في حكومتها إنقلابا
وأودت الرصاص ينوب عنها يناقش غاصب الشعب الحسابا
فأيقظت القنابل من تعامي وأسدل فوق ناظره النقابا14
يتضح من هذه الأبيات أن الشاعر مفدي زكريا له باع طويل في إثراء شعر المقاومة مما حرض الشعب الجزائري على الكفاح لتخلص من الاستعمار و الاستقلال من احتلال الفرنسيين وهو بالفعل شاعر الثورة الجزائرية.
………………………………………………………………….
الهوامش:
1 سعيفان أحمد: قاموس المصطلحات السياسية والدستورية والدولية ط1، مكتبة لبنان ناشرون، 2004، ص342
2 ابن منظور(أبو الفضل جمال الدين بن مكرم): لسان العرب، المجلد12(م)، دار صابر بيروت 1990،ص499
3 أ.د.حسين جمعة، ملامح في الأدب المقاوم- فلسطين أنموذجا-، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة- دمشق 2009، ص16
4 بلحيا الطاهر: تأملات في إلياذة الجزائرلمفدى زكريا، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط 1989، ص38
5 يحي الشيخ صالح: شعر الثورة عند مفدي زكريا، دراسة تحليلية، قسنطينة، ط1 1987م، ص38
6 حسن فتح الباب: مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية، دار الرائد للكتاب، طبعة خاصة، الجزائر، 2010، ص25-26
7 فرانز فانون من مواليد 1925م بجزر المارتينيك، وفيلسوف اجتماعي عرف بنضاله من أجل الحرية ، وضد التمييز والعنصرية، عمل عسكريا في الجزائر، انضم إلى الثورة الجزائرية وانخرط في حزب جبهة التحرير الوطني، مثل الحكومة الجزائرية المؤقتة في دولة غانا كسفير، توفي سنة 1961م بمرض السرطان، يعتبر من أبرز الكتاب المناهضين للاستعمار، من أهم مؤلفات “معذبو الأرض”.
8 انظر الموقع لتفصيل
https://www.marefa.org/%D9%85%D9%81%D8%AF%D9%8A_%D8%B2%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7
9 انظر للتفصيل: الثورة الجزائرية في شعر مدي زكريا ، اطروحة الماجيستر، جامعة د.الطاهر مولاي- سعيدة،2015-2016
10 مفدي زكريا، الإلياذة، المعهد التربوي الوطني، الجزائر، ص19.
11 مفدي زكريا ، اللهب المقدس، الديوان منشورات التعليم الأصلي، الشؤون الدينية، الجزائر، ط2، 1973، ص73.
12 حسن فتح الباب: مفدي زكريا شاعر الثورة الجزائرية، دار الرائد للكتاب الجزائر، 2010م، ص50-51.
13 مفدي زكريا، اللهب المقدس، ص175.
14 محمد ناصر، مفدي زكريا، شاعر النضال و الثورة، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الرغتية، الجزائر، ط2، 1989، ص230

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *