محمد مصعب الأنصاري
اسم الكتاب: مع الحجاج إلى مكة (1902)
اسم المؤلفين: حاجي خان ووِيلفِرِيد إسبارَوي.
اسم المترجم: د. ثمامة فيصل.
الناشر: نور ببلكيشنز، دلهي.
ثمن النسخة: 300 روبية هندية.
الطبعة الأولى: 2016 .
عدد الصفحات 291.
إن كتاب “مع الحجاج إلى مكة” سلسلة من المقالات بعنوان الرحلة العظيمةThe Great Pilgrimage ، كتبها غضنفر علي خان المعروف باسم حاجي خان الذى أرسلته جريدة مورنينغ بوست البريطانيةThe Morning Post لأداء مناسك الحج، وطلبت منه تسجيلَ مذكّراته وملاحظاته ليتم نشرُها على صفحات الجريدة. ونقلها إلى اللغة العربية الدكتور ثمامة فيصل بأسلوب جيّدٍ جذّاب. ويشتمل هذا الكتاب على 291 صفحة، بما فيها مقدمة للمترجم ومقدمة للمؤلفَين: حاجي خان وويلفريد إسباروي، وتمهيد لآرمين فامبري وثلاثة أجزاء، وملحق كتبه ويلفريد إسباروي ثم الفهارس:
الجزء الأول وعنوانه: “قبل بدء رحلة حج إيرانية” يضم فقط فصلاً و عنوانه “رسالة النبي”. وكتبه إسباروي. ثم يأتي الجزء الثاني وعنوانه “قصة رحلة الحج”، وهو يشتمل على اثني عشر فصلاً. ثم يأتي الجزء الثالث بعنوان “مناظرة مكة” وهو يشتمل على أربعة فصول، ثم يأتي الملحق والفهارس:
أولاً نلقي نظرةً على مقدمة المترجم:
سلّط المترجم الضوء في مقدمة الكتاب خاصةً على الرحالة الغربيين الذين زاروا مكة قبل القرن التاسع عشر وكتبوا مذاكّراتهم مثلا “الرحالة البرتغالي لُودَوفِيكو فارتِيما” و”الرحالة الفرنسي فينسينت لا بلانك” و”الرحالة الألماني جون وايلد”، ثم ذكر الرحالة الغربيين الذين زاروا مكة في القرن التاسع عشر الميلادي وألّفوا رحلاتهم، من أمثال: “الرحالة الإسباني دومينجو باديا ليبليخ” و”الرحالة الألماني أولريخ جاسبر سيتزن” و”الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت”.
كان حاجي خان عالماً شيعياً، وتعلم في بريطانيا وتثقف بالغربية، وكان يتقن اللغة الإنجليزية. ومع أن المادة الخام لهذه الرحلة قدجمعها وسجّلها حاجي خان إلا أن الفضل في إعطاءها شكلها النهائي وأسلوبها الأدبي الرصين يرجع إلى الكاتب والأديب البريطاني ويلفريد إسباروي. ثم تأتي مقدمة المؤلفَين وهي مشتملة على الاعتراف بالجميل لرئيس تحرير جريدة مورنيغ بوست واحتوائها على إضافات جديدة تبلغ عشرين في المأة من تلك المقالات، وصياغتها بأسلوب جديد.
وأما ما كتبه أيين فامبري بعنوان: تعريف بالرحلة، فهي ملاحظات إيجابية واعتراف صادق لا يشوبه كذب حول الحج وأهميته الاجتماعية والدينية. قال المترجم معلقاً على هذا التمهيد “النقطة المهمة التي لفت إليها فامبري انتباهَ القراء هي ما لاحظه من الأمن والسلام والوئام والانسجام في رحاب الحرم حيث يعبد أتباعُ المذاهب الإسلامية الأربعة جنباً إلى جنب دون أي تدخل من أحدها في شأن الآخر، و قارن هذه الظاهرة الطيبة بالمعبد المسيحي في بيت المقدس الذي ظل مسرَحاً للصراعات بين مختلف الطوائف المسيحية وميداناً للحروب الدامية فيما بينها”[1].
واعتراف فامبري بأن حاجي خان لأقدر من أخيه الرحالة المسلم التركي أفندي الذي كتب مذاكراته للحج باللغة التركية. وقال مثنياً على صاحب هذه الرحلة “كنا بحاجة إلى مذكرات حج يسجلها كاتب مسلم لا يسافر لأداء هذه الفريضة حبا للاستطلاع، بل يؤديها بناءً على تقواه وورعه الديني، ويستطيع الوصول إلى جميع المشاعر والأماكن المقدسة دون أي خوف منه لانكشاف هويته وديانته مثلما يحدث مع الرحالين المسيحيين، وأن يكون- بالإضافة إلى هذا كله- مراقباً للحوا دث بصيراً بالأمور فاحصاً للأحوال”[2]. وفي الفقرة الأخيرة هنّأ فامبري السيد حاجي خان وبالأخص السيد ويلفريد إسباروي الذي بكفاءته المتميزة الفائقة تيسر ظهور هذه الجهود المشتركة.
أما الباب الاؤل[الجزء الاول] ففيه فصل بعنوان”رسالة النبي”. عبّر فيه إسباروي عن رأي عمّه حول القرآن حينما قال وهو أهدى القرآن إليه “اقرأ هذا الكتاب فإنه جدير بالقراءة، لأنه سيعرفك تعريفاً وافياً بالحياة الجديدة التي تنتظرك في الشرق. ولو تمسكتَ بروح هذا الكتاب، لن تشعر بالوحدة والغربة هناك، بل ستشعر بأنك مع إخوانك وبين أصحابك، لأن القرآن وحي حقيقي ومعظم ما فيه حق سرمدي”[3].
واعترف إسباروي بجهود النبي الأكرم وأهمية القرآن في محو معتقدات العرب الوثنية في العصر الجاهلي وبأن محمداً لم يكن رجلاً مشعوذاً أو عديم الضمير يعتمد على سيفه في كافة أموره، بل كان رجلاً رؤوفاً عطوفاً صادقاً في القول والعمل متصفاً بالأمين موثوقاً به ورجلاً يستحق أن يهتدى به، ولم يكن هناك أي دليل لمن قال إن المسلمين المنتصرين حاربوا أعداءهم بسيوفهم وقوتهم الحربية. “ولم تحارب جحافلُ المسلمين المنتصرين أعداءها بسيوفها و قو تها الحربية، بل حاربتهم بقلوبها و صدقها وإخلاصها”[4].
ثم ذكر الجوهر الأساسي لعقيدة محمد وأتباعه وقال: وهي ثلاثة (1) الدعوة إلى عقيدة التوحيد (2) استسلام العبد أمام ربه(3)الإنفاق في سبيل الله.
وأما الباب الثاني[الجزء الثاني] بعنوان “قصة رحلة الحج”، فهو يشتمل على اثني عشر فصلاً، وعنوان الفصل الأول “من لندن إلى جدة”. تحدث فيه عن باريس وحركتها ونشاطها في الوقت المبكر صباحاً خلافاً للندن، ووصف عطشه الشديد الذي أصابه في القيظ المحرق في الريح الصرصر العاتية. وذكر كذب المرشد السياح الذي طلب منه أن يرشده، وقال السياح له إن البلاد العربية ومصر كلها في جيبه بينما الحقيقة أنه لم يكن يغادر وطنه مرةً واحدةً في حياته. قال حاجي “لما نزلت بمحطة السويس لازمني مرشد سياحيٌ، وكان في الحقيقة بليةً من بلايا مصر، فأخبرني بكذبه العفوي أن البلاد العربية ومصر كلها في جيبه، بينما الحقيقة أنه لم يكن يغادر وطنه حتى مرة واحدة في حياته[5].
الفصل الثاني الذي سماه” من جده إلى مكة” ذكر فيه المصائب والشدائد والعراقل التي لاقاها، ورأى في هذه الرحلة قبرا لحواء عليها السلام الذي كان طوله اثني عشر قدماً. وفي الفصل الثالث المعنون بـ “في رحاب الحرم وبعض الملاحظات على الفرق الإسلامية” تحدث عن المقامات الأربعة التابعة لأتباع المذاهب الأربعة مع تسليط الضوء على سير الأئمة الأربعة: أبي حنيفة والشافعي، ومالك، وأحمد رحمهم الله، وصرف عنان قلمه إلى مكة وشوارعها وشيوخها ورحال الشريف، وألقى الضوء على مكة وماجاورها ووصف الحمام وصفاً رائعاً، وتحدث عن اسعار الحبوب التي كانت تباع في الحرم وكان يشريها الحجاج ليطعموها حمام الحرم، وتكلم عن الأفكار والمعتقدات السائدة التي تتعلق بحمام الحرم بصدد الإطعام والقتل.
ويتناول الفصل الرابع “الطواف حول الكعبة” الحجرَ الأسود وما مر عليه من التاريخ، ثم وضح لونه وحجمه وسبب تغير لونه، مع أنه كان أنصع من اللبن في البداية. ووصف المصيبة التي يعاني منها كل من الحجاج في تقبيل الحجر الأسود، وسلّط الضوء على الكعبة وعتبتها المرتفعة التي لايستطيع إليها أحد إلا بمرقاة صنعت لهذا الغرض.
ويتطرق الفصل الخامس”السعي بين الصفا والمروة” إلى تاريخ ماء زمزم ومذاقه وفائدته. بينما ذكر في الفصل السادس لهذا الباب “منظر أمد المطاعم وزيارة الكعبة” المحادثة التي دار بينه وبين الحجاج الذين أتوا ذلك المطعم. ثم ألقى الضوء على فتح باب الكعبة وغسل غلافها وصنعها. وانتقد حملة مفتاح الكعبة الذين لايعطون المفتاح إلا عن طريق هدية من الذهب فقال “وأما دخول عامة الناس في الكعبة أيام الحج فيمكن عن طريق هدية من الذهب. فالحاج الذي له نفوذ وسلطة يستطيع الدخول إلى الكعبة بالبقشيش متى ما شاء، بينما يُحرَم المساكين والمعدمون من الحجاج هذا الامتياز”[6].
وتحدث في الفصل السابع “في الطريق إلى عرفات” عن إقامته في بيت صديق فارسي يسمى نبيلا، وعن سرقة مسودة كتاب يشتمل على عادات وصفات قبائل البدو، وهذه المسودة لرجل يسمى عيسى، وهي ثمرة جهود سبع عشره سنة. ثم ذكر تفشي الكوليرا الذي أصاب خليلا وهو من موظفي مُضيفه.
وفي الفصل الثامن “في الطريق إلى عرفات-التكملة”، تحدث فيه عن قطاع الطريق الذين كانوا يأخذون الأموال من الحجاح باسم البقشيش، وتحدث عن القافلة التي انضم إليها وهي من جزيرة الملايو وفيها رجل كان يمشي قدامَ القافلة، وقد قتل زوجته وغيرها من أعضاء أسرته، لذا كان رفاقه يخافون على أنفسهم، كما يقول حاجي خان: “بدا لي أن هذا الرجل كان سيء السمعة في نظر رفاقه من الحجاج الذين كانت تدل قسماتُ وجوههم وأساريرُها على ذلك، فكانوا منعزلين عنه في سيرهم خائفين منه على حياتهم. ولكني على الرغم من ذلك لما اقتربت منه لفحص مظهره وهيئته عن كثب، لم يستطع قلبي كبتَ الشفقة التي أثارها وضعُه البائس…. وقد قتل زوجته وغيرها من أعضاء أسرته، والتمسوا مني بكل جدية أن لا أتحدث مع هذا الرجل مخافةَ أن يصاب بنوبة أخرى من جنونٍ نزاَّعٍ إلى القتل، وأن يُلحق بي الضرر”[7].
ثم ذكر موت حاج كان يمشي مرتجلا من مكة مرتكزا على ذراع أخيه، ورجل آخر كان مشرفاً على الموت، فحملهما على بغلته. وتحدث عن قطاع الطريق الذين لم يكونوا قطاعاً بل هم في الواقع فرسان الشريف الذين كانوا مأمورين بمطاردة قطاع الطريق كما قال: “ولما رأي الحجاج المذعورون أن هؤلاء الفرسان بدوٌ قد خرجوا للقتال، أناخوا جمالهم على جانبي الطريق، وتحصنوا بالجلوس وراءها حابسين أنفاسهم، لكي لا يكتشفهم الفرسان. وحين ارتَموا على الأرض، وصل إليهم الفرسان ومروا بهم مرورا سريعا، وكانوا في الحقيقة فرسان الشريف وكانوا يطاردون قطاع الطريق. وسرعان ما توقف إطلاق النار أو كاد، والمقاتلون الذين كانوا قُدّامَنا توجهوا بسرعة نحو عرفات، ففرح الحجاج وتنفسوا الصعداء”[8].
وفي الفصل التاسع “في عرفات: ساعات الليل” تحدث عن ضحايا وباء الكوليرا، وعن الناس الذين كانوا يتضورون ويتمرغون على الأرض مع أعضاءهم الملتوية بسبب الكوليرا، ثم وصف نخوة البدو واباءته.
وتناول الفصل العاشر “يوم عرفة :وقت الفجر” خيم الشريف وخيم العلية من الحجاج بوجه خاص. كما تحدث عن تخطيط الخيم ومواضعها في يوم عرفة. وأما تخطيط الخيم في ميدان عرفات، فيسعي الأثرياء دائما أن تكون خيمهم أقرب من جبل الرحمة (جبل عرفة)، ونتيجةً لذلك تكون منطقة الميدان الممتدة في وجهه الشمالي للنخبة وعلية الناس، ويبذلون كل الجهد أن تكون الخيم في هذه الجهة منتظمة ومرتبة.
وتحدث الفصل الحادي عشر “يوم عرفه: وقت الضحي وبعد الظهر”، عن مهارة جنود من الأتراك في ركوب الخيل إضافة إلى صعوده جبل الرحمة. ثم ذكر نهر زبيده الذي ينتسب إلى زوجة هارون الرشيد وكثرة معجزاته.
وأما الفصل الثاني عشر فهو آخر فصل من الباب الثاني بعنوان “يوم النحر من الزوال حتى الغروب”. وصف فيه رمي جماره ونحره وحلاقته ليتحرر من الإحرام، فقال في حلاقته.
وأما الباب الثالث فعنوانه “مناظر مكة” وهو مشتمل على أربعة فصول وملحق.
وصف في الفصل الأول بعنوان “أسواق مكة” أسواقاً مختلفةً. يُباع فيها الأدوات الحربية والعبيد والأواني الفخارية والأحذية والخفاف والمجوهرات الفضية والذهبية وما إلى ذلك. ثم ذكر الخطاط الذي كان يكتب الرسائل الشخصية للحجاج في مكة، ووصف أدواته و هيئته وطريقة تعامله مع الناس.
وفي الفصل الثاني” بائع التمائم”، تحدث عن فوقِ اللغة العربيةِ كلَ اللغات لقوة التصاقها بالدين، وذكر المساومة الطويلة التي جرت بينه و بين البائع في شراء تميمة بابا غولي ببضعة جنيهات تركية فقال: “وبعد مساومة طويلةٍ اشتريت منه تميمة بابا غولي ببضعة جنيهات تركية، ووجدتها مثالا رائعا للفنون الإيرانية الشامية علاوة على أهميتها الروحانية الخاصة. فالعقيق المركب فيها الذي كان مستديرا وبارزا من وسطه كان وردي الشكل وكان يبلغ محيط دائرته نحو بوصة. وكانت قد نُقشت عليه سورة من قصار سور القرآن بخط النسخ الجميل، وكان يدل هذا العمل الرائع على أنه لا يمكن لأي فنان إنجازه في أقل من ستة اشهر”[9].
والفصل الثالث “قصة نجاة السيد علي” يدور حول مقهى يباع فيه أنواع من المخدرات مثل حشيش طوطي أسرار والأفيون والبانج، ثم ذكر قصة السيد علي كيف نجا من المخدرات. وفي الفصل الرابع “العلاج بالرقى”، انتقد الاستخارة التي يتخذها الشيعة عند كل عمل يفعلونه وقال: إن من يدعو الله بنية صادقة فهو يرشد إلى ما هو خير له ولا حاجة إلى الاستخارة. ثم ذكر قصة طبيب عالجه بالرقى مع أدواته اللازمة من قضيبين من الحديد وكأس وفحم، ثم وصل حاجي خان إلي نهاية هذه الرحلة بقوله: “في اليوم التالي خرجت في رحلتي إلى بلدي، ورافقني السيد علي حتى جدة. وحين شعرت بأنني أفقد رفيقا أنيسا وظريفا. وعندما استودعتُه الله مع هذه المشاعر كان أملي الصادق أن يشعر قارئ هذه الرحلة أيضا بنفس العواطف والمشاعر عند الفراق بيني وبينه”[10].
اسلوب الكاتب:
هذا الكتاب في الأصل ترجمة للكاتب ثماثة فيصل الذي نقله من الإنجليزية إلى العربية بأسلوب جيد جذاب يستهوي انتباه القارئ. فالقارئ يشعر وهو يقراءالكتاب كأنه كتاب مستقل بذاته ولم ينقل من لغة أخرى مما يدل على مقدرة المترجم على اللغة ومهارته البيانية فيها. فالكتاب بهذا المعنى لا يورثنا العلم فقط بل يورث الأدب في الوقت ذاته. ويتمتع أسلوب المترجم بجمال المفردات وحسن انتقالها والتراكيب القوية وحسن أدوات الربط واللغة الميسورة والفصيحة كما وجدت أثناء مطالعتي الكتاب.
[1] مع الحجاج إلى مكة، دكتور ثمامة فيصل، ص:8-7.
[2] نفس المصدر، ص:26.
[3] نفس المصدر، ص:30.
[4] نفس المصدر، ص:34.
[5] نفس المصدر، ص:51-50.
[6] نفس المصدر، ص:134-133.
[7] نفس المصدر، ص: 170-169.
[8] نفس المصدر، ص:174.
[9] نفس المصدر، ص: 250.
[10] نفس المصدر، ص: 277.