Main Menu

الدكتور عبدالرحمن الفريوائي: كمترجم من الأردية إلى العربية

محمد أنوار عالم

ملخص البحث: إن الدكتور عبدالرحمن الفريوائي كرس حياته في تعلم وتعليم اللغة العربية والدرسات الإسلامية، وقدم خدمات جليلة في سبيل ذلك عن طريق البحث والتحري، والكتابة والتأليف، والتحقيق والتدقيق، والترجمة والتعريب. ولو ألقينا نظرة عابرة على أعماله القيمة لتتضح أن معظمها أو كلها تدور حول اللغة العربية أو الدراسات الإسلامية والدينية. فهذا البحث الموجز لا يتحدث عن خدماته في جميع المجالات بل سيركز على جانب خاص من خدماته كما يبدو من العنوان نفسه وهو خدماته في مجال الترجمة والتعريب بالإشارة الخاصة إلى تعريبه لبحوث ندوة “شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة” المنعقدة في الجامعة السلفية ببنارس، عام 1987م (1408هـ)، ويقوم بإبراز ما فيها من الجودة والتمييز، وإثبات مكانته في المجال المعني.

 الكلمات المفتاحية: عبدالرحمن الفريوائي، ابن تيمية، الترجمة، التعريب، البحث.

نبذة موجزة عن الفريوائي: الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي، هندي الجنسية من مواليد عام 1952م، في بريوا (Prewa)  بجوار مدينة اله آباد من المدن الهندية الشهيرة، تثقف ثقافة إسلامية، وتلمذ على كبار أساتذة الجامعة الرحمانية، والجامعة السلفية ببنارس، حتى تخرج منها وحصل على شهادتي العالمية والفضيلة، ثم ساعده الحظ فالتحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحصل هناك على درجة الدكتوراه بعد ما اجتاز مرحلتي البكالوريوس، والماجستير. وبعد الحصول على الدكتوراه رجع إلى الهند ودرّس في الجامعة السلفية ببنارس لمدة خمس سنوات، إلى أن قفل إلى المملكة العربية السعودية، ووجد هناك وظيفة في إحدى جامعاتها وهي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض، ولم يزل يدرس هناك كبروفيسور حتى الآن وقد مضت على التدريس هناك خمس وعشرون سنة[1].

والدكتور يعتبر غزير الإنتاج بحيث يبلغ عدد كتاباته العلمية نحو 125 مؤلفاً، وقد عدّها الآخرون وأبلغها عددا أكثر يتجاوز مائتين فأكثر.

وفي ضوء المعلومات المتاحة في سيرته الذاتية العربية والأردية يمكننا تصنيف أعماله إلى النواحي التالية:

  • الكتب المحققة المطبوعة
  • والكتب المحققة تحت الطبع
  • الكتب المؤلفة
  • شرح مناهج السلف الصالح والرد على من خالفهم
  • مؤلفات ورسائل خاصة حول علوم وإفادات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
  • مؤلفات ورسائل خاصة في شرح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
  • تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند
  • ترجمة الكتب والرسائل إلى اللغة الأردية ومنها إلى العربية
  • بحوث ومقالات

اللهم إلا أنه اشتهر بتحقيقاته لكتب التراث المهمة، والتي تبلغ نحو 53 مؤلفا، ومؤلفاته القيمة حول شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله تعالى.

 

دراسة حول ترجمته وتعريبه:

تركز هذه الدراسة على مجموعة البحوث المنشورة في شكل كتاب يحمل عنوانا باسم “بحوث الندوة العالمية عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة” وانعقدت تلك الندوة العالمية في 29/ربيع الأول و1 و 2/ ربيع الآخر عام 1408ه في الجامعة السلفية ببنارس – الهند. وخرجت المجموعة في إشراف الدكتور والأديب الدكتور مقتدى حسن الأزهري رحمه الله وقام الدكتور الفريوائي بإعداد وترتيب تلك المقالات لإخراجها إلى حيز الوجود. وظهرت الطبعة الأولى في صفر 1412هــ المصادف لأغسطس عام 1991م، والطبعة الثانية عام 1418هــ المصادف عام 1997م، من دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض بالمملكة العربية السعودية. فمن هذه المجموعة مقالين كتبهما الفريوائي. ومنها مقالات لخصها وهذبها، ومنها نقلها إلى العربية . وقد لعبت الندوة دورها الفعال في التعريف بشخصية ابن تيمية رحمه الله التي تعد حلقة ذهبية في سلسلة المجددين والمصلحين، كما لها دور ملحوظ في ربط المسلمين الهنود بماضيهم المجيد وحثهم على الاستفادة منه، وفي إزالة الحواجب والستور التي حاول أهل الأهواء والأغراض إلقاءها على شخصية ابن تيمية رحمه الله وأعماله العلمية، وفي استنهاض الهمم على نشر التراث العلمي الذي خلفه ابن تيمية وتمهيد الطريق للانتفاع به.[2]

وقد بلغ عدد البحوث المقدمة إلى الندوة أربعين بحثاً، تناولت جوانب رئيسية من حياة ابن تيمية وأعماله ومواقفه، وحاولت إبراز النواحي العلمية والدعوية التي تجلت فيها عبقرية ابن تيمية ومواضع نبوغه وتفوقه.

وبالإضافة إلى كلمة الناشر للدكتور مقتدى حسن الأزهري وكشف العناوين (صفحتين)، وقائمة أسماء الباحثين والمشاركين (3 صفحات)، وتقرير المؤتمر الذي أعدها الفريوائي (في 13 صفحة) وتوصيات الندوة وقراراتها (7 صفحات) تحمل هذه المجموعة باقة من المقالات العلمية باللغة العربية والأردية العديدة.

عمل الفريوائي في المجموعة:

إن المقالات المذكورة في هذه المجموعة تدل على أن إسهامات الدكتور عبدالرحمن الفريوائي في هذا العمل تتمثل في أوجه ثلاثة:

أولًا-  الكتابة:

أعدّ الدكتور الفريوائي تقريرا مفصلاً عن الندوة باسم “تقرير موجز عن الندوة العالمية عن حياة شيخ الإسلام ابن تيمية ومواقفه الخالدة” وهو يشتمل على 13 صفحة، ويفصل القول في جلسات الندوة بداية من الجلسة الافتتاحية حتى الجلسلة السادسة الأخيرة. فألقى الدكتور الفريوائي في مناسبة الحديث عن الجلسة الافتتاحية كلمة موجزة حول عصر شيخ الإسلام، وأشار إلى جهوده في مجال خدمة العلم والدين والعقيدة، وإلى أهمية الاستفادة من علوم شيخ الإسلام وجهوده في الإصلاح والتجديد.

ومن أهم ميزات التقرير أنه يقدم ملخص كل المقالات التي تم تقديمها في شتى الجلسات بإيجاز غير مخل، وببراعة فائقة حتى تمكن التقرير أن تصبح بمثابة مقدمة لهذه المجموعة، و ملخصها. وقد حاول الدكتور الفريوائي أن يقدم كل جوانب المقال أو البحث أو الخطاب وأن يبلغ رسالة المقدِّم بكلمات بسيطة، وعلى سبيل المثال كما يقول تحت عنوان “ندوة المحاضرات العامة”: “ثم جاء فضيلة الشيخ أبوالحسن علي الندوي وألقى محاضرة قيمة ركز فيها على أهمية الدعوة الإسلامية وضرورة نشرها بين الأمم الكافرة بالحكمة والموعظة الحسنة، وذكر أن أحسن وسيلة وأنفعها لنشر الدعوة الإسلامية في الأمم هو التزام المسلمين أنفسهم بتعاليم الدين الحنيف، والتحلي بالأخلاق الإسلامية . كما شجع المسلمين على الاستمرار في الدعوة إلى الله، وبين أهمية المحافظة على الشخصية الإسلامية.”[3]

وفي بيان التوصيات والقرارات يتحدث عن الندوة ويقول:

 “وكانت الندوة تضم حشداً هائلاً من المستمعين بلغ عدة آلاف كما تضم عدداً كبيراً يزيد عن مائة عالم ومفكر من داخل الهند وخارجها، وقد ساد الندوة جو من التآلف الإسلامي وروح الأخوة الإسلامية العظيمة.”[4]

وبالإضافة إلى إسهاماته الكتابية المذكورة في هذه الندوة أنه كتب مقالين وقدمهما في الندوة كما أشرنا إليها ضمن القائمة، وهما:

  1. تعريف موجز عن شيخ الإسلام ابن تيمية ومآثره العلمية“. يحتوي هذا المقال على 13 صفحة من هذه المجموعة، حيث أبرز فيه شخصية الإمام ابن تيمية رحمه الله ولخص إلى أن جميع الدعوات السلفية من عصره إلى يومنا هذا، نشأت على منهجه وعلومه ومنهج وعلوم تلاميذه بحيث يصدق قول القائل:” إنه لم يبق للمسلمين طريق للوصول إلى مذهب السلف الصالح إلا هذه المدرسة العملاقة التي بفضل الله ومنّه وكرمه في نمو ورقي وازدهار يوماً فيوماً”. إلا أنه وجدت شرذمة من الحاقدين على مذهب السلف من معاصريه وبعده إلى يومنا هذا الذين لم يتورعوا عن توجيه التهم والمطاعن، بل التضليل والتكفير، فكم أوذي شيخ الإسلام في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، وكم أوذي أصحابه وأتباعه في القرون المتتابعة… .”[5]
  2. و”شيخ الإسلام ابن تيمية ومكانته العلمية ومنهجه في نقد الحديث ورجاله“. استغرق هذا المقال 19 صفحة، وفصّل القول في منهجه في نقد الحديث وإزالة اللبس عنه.

ثانيًا- التلخيص والتهذيب:

وفي المجموعة صدرت بعض المقالات العربية بتهذيب وتلخيص من قبل الأساتذة الكبار من الجامعة السلفية والآخرين منهم الدكتور الراحل مقتدى حسن الأزهري رحمه الله، والشيخ أصغر علي إمام مهدي السلفي أمير جمعية أهل الحديث المركزية بالهند حاليا، والأستاذ عبدالوهاب الحجازي، والدكتور الفريوائي.

 ومن المقالات الصادرة في المجموعة التي قام الدكتور الفريوائي بتهذيبها وتلخيصها هي “الإمام ابن تيمية وانتقاد الحديث” للشيخ محمد أنيس الرحمن القاسمي الممثل لإمارة شرعية في بيهار، والذي لخصه الفريوائي في ثلاث ونصف صفحات، بإيجاز اللهم إلا أن التقييم السديد لايمكن للباحث إذ أن النص الأردي الأصلي ليس بمتاح لنا، ولكن لايشكو المقال الملخص والمهذب بشيء من النقصان، فيبدو أنه نقل رسالة الباحث بالأمانة العلمية بغير نقصان.

ثالثًا – التعريب:

والحديث عن ترجمة الدكتور الفريوائي من الأردية إلى العربية هو الغاية المنشودة في هذا المقال، ويحتوي هذا التعريب على 12 مقالا، الذي قام الفريوائي بتعريبها، وإذا عددناها بلغت نحو 115 صفحة من هذه المجموعة. وهي تشتمل على المقالات المهمة المعنية بالموضوع ومن ثم اختيرت للنشر مع المقالات العربية في هذه المجموعة من بين المقالات العديدة الأخرى بالأردية، التي قرر القائمون بالندوة نشرها على حدة باللغة الأردية فيما بعد. وهذه المقالات لكبار العلماء والباحثين وبه تزداد قيمة وأهمية.

دراسة بعض المقالات التفصيلية:

وهنا على سبيل المثال نقوم بدراسة تعريبه لبعض المقالات فيما يلي:

  1. “شيخ الإسلام ابن تيمية في ضوء أعدائه ومخالفيه”

هذا مقال الشيخ الراحل حالياً عبدالعليم ماهر، من كبار الأساتذة والكتاب، باللغة الأردية، ويقع في المجموعة فيما بين  139-152 صفحة، أي 14 صفحة. وفي هذا المقال تحدث الشيخ الراحل حول شخصية الإمام ابن تيمية رحمه الله كما يراه أعداؤه ومخالفوه، فقد فصّل القول في أسباب مخالفته، والمسائل التي خالفوه فيها، وألوان الظلم والعناد من قبل الأعداء، ووجوه العداوة ثم ذكر الشيخ موقف شيخ الإسلام من أعدائه ومخالفيه.

وقد عالج الشيخ ماهر الموضوع بدقة علمية، وبشكل مركّز في النقاط مستخدماً الأبجديات والأرقام وعلامات الترقيم.

وأما الدكتور الفريوائي لدى تعريبه للمقال نقح وهذب المقال بلغته السلسة وأسلوبه السهل وعفويته كما جرت عادته في الكتابة والإنشاء، والقارئ لايتخيل إليه بأنه نص مترجم من لغة إلى أخرى، بل تبدو كأنها نص أصلي في اللغة العربية. وعلى سبيل النموذج بعض المقتطفات من النص المترجم فيمايلي:

“إن هذا لموقف رائع وعجيب من شيخ الإسلام الذي أوذي في سبيل الله من قبل أعدائه ومنافسيه ومخالفيه الذين أذاقوه ألواناً من العذاب أنه صفح عنهم وعفا سلف منهم. وقد سجل التأريخ نموذجاً من هذا الموقف الرائع والعجيب، ويمكن للدعاة إلى الله الاستفادة منها في حياتهم العلمية والدعوية.”[6]

ويعرب فيما حكى الشيخ عن قصة سجنه: “أصدر شيخ الإسلام فتواه الحموية المشهورة في إثبات الصفات واستواء الرب على العرش، وخالفه فيها فقهاء الأحناف والشوافع والموالك الذين كانوا يحتلون مناصب القضاة والحكم، إلا أنهم لم يتمكنوا منه لمواجهتهم فتنة التتار التي كان فيها لشيخ الإسلام جولة وصولة في الدفاع عن ديار الإسلام، فحمى الله بلاد الإسلام من شر التتر، وحمى شيخ الإسلام من شر هؤلاء الفقهاء والقضاة أربع سنوات تقريباً.”[7]

وفي المقتطفين المذكورين يجد القارئ والباحث المترجم أنه يؤدي حق الترجمة والتعريب، حيث لايختلج عليه فهم الكلام بشيء ما، ويصل إلى مراد الكاتب للنص الأصلي بسهولة تامة، في حين في أغلب النصوص المترجمة يشعر القارئ اختلاجاً واضطرابا في أداء الرسالة، وعلى الأقل يشعر بأن أسلوب المترجم يتغير في حين لآخر، ولكن هذا المقال لاتشوبه شائبة من شوائب هذا الاختلاج، والاضطراب.

  1. “شيخ الإسلام في نظر المؤرخ المقريزي”:

هذا مقال السيد كفيل أحمد القاسمي  باللغة الأردية، يحتل في المجموعة مساحة تتراوح فيما بين 6 ست صفحات من الصفحة رقم 181 حتى صفحة 186. وقد عالج القاسمي شخصية شيخ الإسلام كما رأها المؤرخ المقريزي[8]،  وتحدث عن شخصيته ثم عصره، إلى أن بدأ حديثه عن المقريزي وكتابه المقفى الكبير ومجلده الثالث الذي يحوي ترجمة الإمام ابن تيمية رحمه الله، وبيّن كيف ذكر المقريزي ابن تيمية رحمه الله وإسهاماته. فقد عرض المقريزي مناظراته وإصلاحاته، ومالاقى في سبيلها من المصائب والمتاعب، ثم ذكر في آخر الترجمة اعتقاله في السجن بسبب افتائه في مسألة الطلاق، وزيارة القبور. وذكر المقريزي أن قضية الاعتقال لم تكن سبباً لقلق شيخ الإسلام واضطرابه (بل أظهر السرور، وقال: أنا كنت منتظراً لذلك، وهذت فيه خير كثير)، إلا أن الذي كان يحزنه ويقلقه هو حرمانه من الأقلام والمحابر والكتب ولعل هذه هو ما أثر فيه على الأغلب، فاضطر إلى اتخاذ الفحم وسيلة لنقل أحاسيسه ومشاعره وعلومه وأفكاره على جدران المعتقل لتصل إلى قلوب الناس”[9]. هكذا عالج القاسمي الموضوع. وأما الدكتور الفريوائي فقد نقل مقاله إلى العربية بأسلوبه الذي مضى ذكره. وعلى سبيل النموذج نذكر مقتطفا من عبارته فيمايلي: “ولانحتاج إلى الإطالة بذكر أحداث حياته، ولكن مما تجدر الإشارة إليه أن الأمة الإسلامية استيقظت من سباتها العميق، وغفلتها، فأحست بفقدان هذه الشخصية العظيمة، وأظهرت حزنها ازدحاماً شديداً فحمل على الأيدي والرؤوس والأصابع، كما يقوله المقريزي. وقداختلف الناس في عدد الذين حضروا في جنازته، وذكر المقريزي أن الإحصائية الدقيقة عن هؤلاء أنهم لايقلون عن ستين ألف رجل وخمسة آلاف امرأة”[10].

هكذا نقل الدكتور الفريوائي جميع كلام القاسمي بدون نقصان واختلاج مما يدل على براعته في فن الترجمة والتعريب والعفوية اللغوية.

  1. “مآثر شيخ الإسلام التجديدية والإصلاحية”:

هذا مقال كتبه أفضل العلماء الشيخ محمد يوسف كوكن العمري[11] باللغة الأردية، يحتل في المجموعة مساحة تتراوح فيما بين 8 صفحات من الصفحة رقم 187 حتى صفحة 194.

هذا المقال لصاحبه يبحث مآثر الإمام ابن تيمية الإصلاحية والتجديدية، وتلخيص الدكتور الفريوائي من مقال العمري الطويل يبتدئ بعرض بليغ وقبسة من قبسات حياته: “عاش شيخ الإسلام سبعاً وستين سنة، وكانت حياته حافلة بالحماس العلمي والديني، والنشاط العملي والدعوي، وكانت لجهوده وجهاده آثار مهمة وبعيدة على نواحي الحياة الإنسانية المتنوعة…”[12]. ويقول مشيرا إلى أهم ماقام به شيخ الإسلام من التجديد أنه دعا الأمة الإسلامية إلى العودة إلى الكتاب والسنة، وصرح بأنه يجب عليهم أن يرجعوا إليهما في جميع العلوم والفنون، فإن فيهما هداية كافية، وأن جميع العلوم العقلية تابعة للعلوم الشرعية، وخاضعة لها، والقرآن يؤكد للإنسان أن يعمل فكره ويسخر عقله لفهم المسائل للوصول إلى الحقيقة، والله ولي التوفيق.[13]

ونقل الدكتور الفريوائي الموضوع بالأمانة العلمية، حيث يبدو أن المقال يؤدي حق الموضوع في إبلاغ الرسالة. وأسلوب هذا التعريب مهم جداً، حيث يجري قلمه بكل طلاقة، كما نرى في الاقتباس التالي: “إن أمر جهاد شيخ الإسلام ضد التتر الذين كانوا متوجهين إلى عاصمة الإسلام لتدميرها وإهلاك حرثها ونسلها مشهور للغاية، فإنه لم يبق من هجمات التتر إلا دمشق ومصر، فخيم على المسلمين تحت قيادة صاحب السيف والقلم شيخ الإسلام وأصحابه. ثم خاض شيخ الإسلام معارك أخرى ضد الروافض والإسماعيلية وكسر شأنهم، فكان النصر حليفه كما هو مشهور من حياته الحافلة بالبطولات والفتوحات لصالح الإسلام والمسلمين.”[14]

المقتطفات المذكورة بجانب المعلومات المعنية بالموضوع تشير إلى دور الفريوائي في نقل المفاهيم التي أراد إيصالها الكاتب للنص الأصلي.

المنهج والأسلوب:

وقد جاء التعريب دون اضطراب في أداء المعنى ونقل الأفكار للمتن الحقيقي الذي أتى بها الكاتب أو الباحث أو الشيخ، ولكن مما لاتفوت الإشارة إليها أنه لم يحصل الباحث على المتن الأصلي الأردي حتى يقيم التعريب بعد مقابلة لغة المصدر بلغة الهدف، والمقابلة بين النص الأصلي والنص المترجم. وأنها امتازت بعروبة الأسلوب وأصالتها، وعفويتها، وطلاقتها، وخلوها من الغموض والتعقيدات في البيان والأسلوب والحكاية وإبلاغ رسالة الكاتب إلى المستعمين والقارئين معاً بنجاح دون أن يشعروا بنقصان في الرسالة.

إن الدكتور الفريوائي حاول نقل التراث الإسلامي العلمي من العربية إلى الأردية وبالعكس، وبما أنه يتضلع من اللغتين؛ لغة المصدر، ولغة الهدف هو يجيد في نقل المعاني إلى اللغة المستهدفة، بلغة سلسة، وأسلوب سهل. وبفضل اختلاطه بالناطقين المحليين العرب ومكوثه الطويل بين النخبة المثقفة العربية وكونه أستاذا في إحدى الجامعات السعودية العريقة تمكن من الفهم والأداء في اللغة العربية كالناطقين الأصليين العرب، فقد تأتي الكلمات إليه بعفويتها وطلاقتها، بدون التكلف العجمي، هذا بالنسبة لأعمال المترجمة من الأردية إلى العربية أو بتعريباته، كأنه يكتب نصاً أصلياً لاتشوبه شائبة الترجمة حتى تؤدي إلى تفكك واضطراب في أداء المعنى المراد به لدى الكاتب الأصلي. ومن أهم ميزات النص المترجم من الأردية إلى العربية أنه لايتغير أسلوب الفريوائي بتغير النصوص وكتّابها ، بل نفس الأسلوب يحكم النص من ترجمة إلى ترجمة أخرى ومن نص أصلي إلى آخر. كما يتجلى أسلوب تعريباته في أداء المعاني بالأمانة العلمية، ودون ترك العبارات دون الترجمة، وبالرغم من ذلك، لاتشكو العبارات المترجمة من تفكك وسقم، واضطراب وتعقيد، بل قلمه يجري بكل طلاقة. وبجانب آخر عندما نبحث في لغة تراجمه من العربية إلى الأردية وأسلوبها، فهي تتميز باللغة الأردية الفصحى والسليمة رغم مكوث الدكتور الفريوائي في السعودية منذ أكثر من ثلاثين سنة، فلم يفسد مذاقه اللغوي الوطني الأردي. اللهم إلا أنه بعض الأحيان يستخدم الكلمات العربية فيعرب الأردية وبه تصبح لغته الأردية مؤثرة بالعربية برغم وجود المتبادل الشائع في الأردية لتلك الكلمة. غير أنها في الغالب تتمثل ترجمته نموذجا رائعاً لفن الترجمة من العربية إلى الأردية.

وأما القول الموجز في تقييم أعماله العلمية والمترجمة فهي تحتل مكانة علمية مرموقة حتى لدى العلماء العرب، ومتخصصيهم في السنة النبوية الصحيحة. وعمله في مجال التحقيق في عيونهم يتبوأ متربعا على عرش منهج البحث العلمي، كما وجد القبول بينهم بفضل بعض كتبه عن الهند، ويرى الباحث أنه من أهم أسباب قبوله والإعجاب بكتبه أنه يعمل كهمزة وصل لنقل علوم السلف بين العرب والهند، كما يرجع سبب قبوله ورواجه في الناطقين بلغة الضاد بتخصصه في تراث الإمامين الهمامين شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله، ولهما رنين وطنين في المملكة العربية السعودية والبلدان الإسلامية والعربية الأخرى، كما أشار بعض العرب إلى أن خلقه الحسن وعقله أيضا يلعبان دورهما في الإحراز بالقبول لشخصيته وأعماله على السواء، وننهي مقالتنا هذه بحديث قال عنه أبو زارع المدني: ” هو الشيخ عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي. وقد كنت أستفيد من عقله أكثر من علمه، وهو عالم كبير، وكانت بيني وبين الشيخ صحبة أخوية منذ أكثر من عشر سنوات كلها سنوات حافلة بالخير والدعوة إلى الله، وكان نِعم الشيخ، ونِعم الأخ ونِعم الرجل.  والشيخ يعرفه القريب والبعيد، سلفياً في اعتقاده، محدثاً في علمه، قوالاً بالحق، معروفاً بالصدق، أحد عباقرة الإسلام. أنعم الله عليه بالعلم الشرعي على مشايخ التوحيد والحديث فكان نعم الطالب ونعم المعلم. وقد سافرت معه في صيف عام 1420هـ للهند لغرض الدعوة هناك فتنقلنا من بلد لبلد ومن جامعة سلفية لأخرى مثلها، والكل يجل الشيخ ويعرف له قدره.  واستفدت من هذه الرحلة فوائد كثيرة علمية وعملية بارك الله في الشيخ وفي ولده وأهله. “[15]

االهوامش 

[1] . هذه المعلومات مستفادة من سيرته الذاتية المنشورة على موقع أهل الحديث، كما حصلنا على أحدث السيرة الذاتية باللغة الأردية حاليا (في شهر إبريل لعام 2017م ) من مكتبه دار الدعوة، بنيودلهي.

[2]. بحوث الندوة العالمية عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة” إعداد وترتيب، عبدالرحمن الفريوائي، ص 8-9.

[3] . المصدر السابق، تقرير الندوة، ص 23.

[4] . المصدر السابق، توصيات وقرارات، ص 31.

[5] . نفس المصدر، مقال ” تعريف موجز عن شيخ الإسلام ابن تيمية ومآثره العلمية للدكتور الفريوائي، ص 72″.

[6] .  الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي، بحوث الندوة العالمية عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة (إعداد وترتيب)، مقال الشيخ عبدالعليم ماهر المعنون بــ “شيخ الإسلام في ضوء أعدائه ومخالفيه”، ص 151-152.

[7] . نفس المصدر، ص 143.

[8] . المؤرخ المقريزي توفي عام 845 هــ، في كتابه “المقفى الكبير” ويعتبر المقريزي حجة من بين مؤرخي العصور الوسطى، وتعتبر معظم مؤلفاته من المراجع المهمة في هذا الباب، ويقع في أربع مجلدات ضخمة، وأتى بترجمة ابن تيمية في المجلد الثالث في 19 صفحة.

[9] . نفس المصدر، مقال “شيخ الإسلام في نظر المؤرخ المقريزي، ص 185”.

[10] . المصدر السابق، ص 185.

[11] . توفته المنية قبل أن ترى هذه المجموعة المنشورة النور في 16 من شهر أكتوبر عام 1990م، تخرج من دار السلام بعمرآباد، ثم تلقى دراسة عصرية في جامعة مدراس، وأصبح أستاذا فيها ثم رئيسيا لقسم اللغة العربية والفارسية، من أهم مؤلفاته دراسة مفصلة عن حياة ابن تيمية وأعماله، أعدها في دار المصنفين بأعظم كره تحت إشراف الأستاذ العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله.

[12] . نفس المصدر، مقال الشيخ محمد يوسف كوكن العمري المعنون بــ “مآثر شيخ الإسلام الإصلاحية والتجديدية”، بالأردية، ص 188.

[13] . نفس المصدر، ص194.

[14] . نفس المصدر، نفس المقال، ص 193.

[15] . راجع إلى موقع أهل الحديث، من خلال الرابط التالي:
(http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-166585.html)، وقاله : 21/3/2009م.

المراجع والمصادر:

  1. ابن ماجه، سنن ابن ماجه، قدم له وراجع وأشرف على ترجمته وطباعته الدكتور عبدالرحمن الفريوائي، دار الكتب السلفية، بدلهي، الطبعة الأولى 1427هــ.
  2. أبوداؤد، سنن أبي داؤد، قدم له وراجع وأشرف على ترجمته وطباعته الدكتور عبدالرحمن الفريوائي، دار الكتب السلفية، بدلهي، الطبعة الأولى 1427هــ.
  3. عبدالرحمن الفريوائي (إعداد وترتيب): بحوث الندوة العالمية عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة” دار الصميعي للنشر والتوزيع بالرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، عام 1997م.
  4. د. سليمان بن عبدالله العمير، “تسمية المفتيين بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة”، ایک مجلس کی تین طلاق علمائے سلف کی نظر میں، ترجمة: عبدالرحمن الفریوائی، فريوائي أكادمي، نيودلهي، الطبعة الأولى، 2005م.
  5. عبدالرحمن الفريوائي، تراث المسلمين العلمي في نظر شيخ الإسلامي ابن تيمية، دار الأثر للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1415هــ.
  6. عبدالرحمن الفريوائي، جهود أهل الحديث في خدمة القرآن الكريم، إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنارس، الطبعة الأولي، 1980م
  7. عبدالرحمن الفريوائي، جهود مخلصة في السنة المطهرة، المطبعة السلفية، ببنارس، الطبعة الثانية، 1986م.
  8. عبدالرحمن الفريوائي، شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه، دار العاصمة للنشر والتوزيع، دار العاصمة بالرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1416ه
  9. معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين، تعدد ازدواج اور انساني حقوق، ترجمة الدكتور عبدالرحمن الفريوائي، دار الكتب السلفية، بدلهي، الطبعة الأولى، 2004م.
  10. موقع الويب: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-166585.html، استرجع بتاريخ 21/3/2009م.