د. إعجاز أحمد
محاضر ضيف :قسم اللغة العربية وأدابها
جامعة خواجة معين الدين الجشتي الأردية – العربية و الفارسية بكناؤ – الهند
نشأة أدب الأطفال عبر التاريخ:
كان المحور الذي يرتكز عليه أدب الأطفال قديما هو الأساطير التى بنيت عليها القصص التى كانت تروى شفويا وبعد ذلك تقدمت القصص لتصبح لها تأثير على الجماعة مثل الولاء للقبيلة والحفاظ على التقاليد وكان الهدف هو غرس السلوك في نفوس الأطفال.
أما أول القصص المكتوبة التى عرفتها البشرية فهي القصص المكتوبة على الورق البردي. وبقيت القصص عبارة عن حكايات وأساطير إلى جاء الإسلام حيث ظهرت القصص الدينية المتمثلة بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله وأخبار المسلمين والغزوات والانتصارات، وقصص الأنبياء وقصص الأمم والشعوب التى وردت في القرآن الكريم كما أدت الفتوحات الإسلامية إلى دخول قصص كثيرة من الشعوب والأمم غير العربية مثل الفارسية والرومانية واليونانية والهندية والأسبانية، و كان معظمها أساطير وخرافات وقصص حيوانات، ثم بدأت الترجمة فترجم كتاب كليلة ودمنة وكتاب ألف ليلة وليلة مع إضافات جديدة تابعة من الخيال العربي، مثل قصة حي بن يقظان وقصة سيف بن ذي يزن وقصة عنترة بن شداد. وعندما بدأ العرب يكتبون قصصهم وأخبارهم في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي دونوا وكتبوا كل شئ مما جعلها من أغنى مصادر أدب الأطفال العربي.
بدأ أدب الأطفال في العصر الحديث في فرنسا وذلك في القرن السابع عشر، وكان الكاتب لا يكتب اسمه خشية الحط من قدره أمام الناس، إلى أن جاء الشاعر الفرنسي تشارلزبيرو و كتب قصصا للأطفال بعنوان حكايات أمي الاوزة وكتب له إسما مستعارا. لكنه لا حظ الإقبال الشديد على قصصه فألف مجموعة أخرى بعنوان أقاصيص وحكايات الماضى وكتب اسمه واضحا. وبعد تشارلز بيرو جاءت محاولات كتابية للأطفال من سيدة فرنسية اسمها لبرتس ومن قصصها مخزن الأطفال وظهرت كتابة أدب الأطفال بشكل جديد في فرنسا في القرن الثامن عشر وذلك بظهور جان جاك روسو. و كتابه أميل الذي اهتم بدراسة الطفل كإنسان قائم بذاته وشخصيته المستقلة، وبعد ذلك تمت ترجمت قصص ألف ليلة وليلة إلى اللغة الفرنسية، وبعد ذلك أيضا صدرت أول صحيفة للأطفال في العالم باسم صديق الأطفال.
أدب الأطفال في مصر
بدأ ظهور أدب الأطفال حديثا في البلاد العربية في زمن محمد علي باشا في مصر عن طريق الترجمة، وكان أول من ترجم كتابا للأطفال عن الإنجليزية هو رفاعة الطهطاوي و كان مسؤولا عن التعليم. ثم اخذ بترجمة قصص وحكايات كثيرة عن الغربية فترجم قصصا ترعى حكايات الأطفال ثم أدخل قراءات القصص في المناهج المدرسية.
وقد طلب رفاعة الطهطاوي في خطاب له إلى وكيل الحكومة المصرية في 16 ربيع الثاني عام 1243ه بأن ” يرسل كتبا مطبوعة ومؤلفة للصغار والتلاميذ بحيث تميل أذهانهم إليها. ” (1)
ولكن الخطوة الكبيرة في كتابة أدب الأطفال في العالم العربي الحديث كانت على يد الشاعر المبدع أحمد شوقي لأنه كان أول من ألف أدبا للأطفال باللغة العربية، واستفاد فيما كتبه للأطفال من قراءاته في الفرنسية ولا سيما حكايات لافونتين الشهيرة. (2)
ولقد كتب أكثر من خمسين قصة شعرية للأطفال، ونظم أكثر من عشرة أناشيد أو أغنيات، اتسمت كلها بسهولة الأسلوب وتسلسل الأحداث ووضوح الهدف التربوي إلى جانب التسلية والترفيه. (3)
وكان أحمد شوقي يدرك بذلك أن أدب الأطفال أقوى سبيل يعرف به الصغار الحياة بأبعادها المختلفة، وأنه وسيلة من وسائل التعليم والتسلية لذلك أعطى الأطفال من خلال قصصه الشعرية وأناشيد صورة واضحة لمجتمعهم الذي يعيشون فيه ولمشكلات حياتهم التى سيواجهونها.
واستخدم قصص الحيوانات لما فيها من التشويق والمتعة مع الحكمة والفائدة وحرص أيضا على تنمية إحساسهم بجمال الكلمة وقوة تأثيرها.
وكان على وعي بما يكتب، لذلك كان يبتعد عن التعقيد والفلسفة ويجعل كتابته قريبة المتناول من الأطفال، يأخذون الحكمة والأدب من خلالها على قدر عقولهم، لأنه كان يتمثل الصغار الذين يكتب لهم أمام عينيه، فضلا عما عرف عنه من حب لأولاده وأحفاده.
وفي الحقيقة فإن شوقي يعد بحق رائد أدب الأطفال في العصر الحديث أخذ من الغرب الخصائص الفنية والأسس والقواعد العامة لكنه ابتكر مما قرأ من التراث ومما عرف من التجربة الشخصية موضوعات كثيرة.
لم يستطع أحد أن يكمل ما بدأه شوقي في أول الأمر وخمد الاهتمام بأدب الأطفال بعد شوقي وإن كانت هناك بعض الإسهامات التى جاءت في هذا السبيل.
فلقد عمد محمد عثمان جلال إلى ترجمة كثيرة من حكايات لافونتين في كتابه العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ بأسلوب شعري مزدوج القافية، ولم يتقيد في ترجمته بالأصل، وإنما حاول إضفاء الطابع المصري على ترجماته وأن يكتبها على شكل الزجل وبعده ألف إبراهيم العرب كتاب خرافات على لسان الحيوان أسماه آداب العرب وقلد فيه لافونتين. وفي عام 1914م ترجم أمين خيرت الغندور مجموعة قصص كنوز سليمان للكاتب الإنجليزي راندها جرد و قررته وزارة المعارف على طلبة المدراس.
وفي عام 1903م كتب علي فكري كتاب مسامرات البنات وفيه كثير من الأدب المتخصص للأطفال عامة، وللبنات خاصة. ثم كتب في عام 1916م كتاب النصيح المبين في محفوظات البنين وضمنه كثيرا من الحكم النثرية والنظمية وبعض الأناشيد له ولعدد من الشعراء و الكتاب كشوقي والرافعى واليازجي. (4)
ولكن الخطوة الكبيرة في مسيرة أدب الأطفال في هذا العصر بدأت في العقد الثالث من هذا العصر، عندما ظهر اثنان من الرواد لهذا الأدب وهما محمد الهراوى (1885 – 1939 م) و كامل الكيلاني (1897 – 1959م) وعندما بدأ الهراوى بالكتابة للأطفال كان يعلم أن مناخ الأدب والثقافة عامة. ولذلك أصبح موضع سخرية من بعض الأدباء، ولكنه مضى قدما في طريقه لتربية نابتة الجيل وتوجيههم وجهة طيبة صالحة. (5)
وأول ما كتبه الهراوى للأطفال منظومات قصصية بعنوان سمير الأطفال للبنين عام 1922م ، ثم سمير الأطفال للبنات عام 1924م في ثلاثة أجزاء، ثم أغاني الأطفال في أربعة أجزاء. وكتب قصصا نثرية كثيرة، وواضح فيما كتبه بروز الهدف وسهولة العبارة ، ووضوح المعنى وجمال الأسلوب. يقول في إحدى صوره الشعرية عن التلميذ. (6)
أنا في الصبح تلميذ وبعد الظهر نجار
فلي قلم و قرطاس و إزميل و منشار
وعلمي إن يكن شرفا فما في صنعتي عار
فللعلماء مرتبة و للصناع مقدار
ثم جاء كامل الكيلاني الذي يعده أكثر الباحثين الأب الشرعي لأدب الأطفال في اللغة العربية وزعيم مدرسة الكاتبين للناشئة في البلاد العربية كلها.
يقول عنه عبد التواب يوسف وهو كاتب مشهور من كتاب أدب الطفل: وأشهد أنه رائد ورائع بكل المقاييس. وأنه صاحب منهج فيما قدم، ولم يعتمد على أدب الغرب فحسب، بل إن أعماله العربية تشهد له بالوعي، كما كان له فضل السبق في تقديم أعمال أفريقية وهندية لأطفالنا جنبا إلى جنب جاليفر وروبنسون كروزو.(7)
واهتم الكيلاني بتحبيب اللغة العربية للأطفال، وكان يتدرج في الكتابة حسب سنوات العمر، ويحاول إيقاظ مواهبهم واستعداداتهم ويقوي ميولهم وطموحهم وينتهي بهم إلى حب القراءة والمثابرة عليها. وترك سلاسل كثيرة فظهرت ( مكتبة الطفل ) بأكثر من مائتي قصة، وأخذ من التراث العربي والإسلامي، ومن الثقافات الأخرى الغربية والشرقية، وكتب في السيرة النبوية ” مجموعة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان يدرك أن الطفل يحتاج لعقله ومشاعره إلى شتى الطعوم – كما يحتاج جسده لأنواع الفيتامينات – فكتب لتغذية العقول والتفكير و لتنشيط الخيال، ولتربية الوجدان والمشاعر، ولتهذيب النفوس، ولإمتاع الصغار.
واهتم بشكل الكلمات واختيار الألفاظ لتزويد الأطفال بثروة لغوية، وتدرج بهم ليصلهم بتراثهم. وكان يسير على منوال المثل الأسباني في قصة حي بن يقظان الذي يقول: بأن إمراة أسبانية كانت تحمل عجلا صغيرا كل يوم وتصعد به السلم وتهبط، وكبر العجل حتى صار ثورا و هي على عادتها، تحمله كل يوم دون أن تتأثر لأنها لم تحس بالزيادة الطفيفة التى كانت تزيد كل يوم للعجل، ولذلك كان يحرص على أن تكون اللغة التى يكتب فيها للطفل أرقى من مستواه قليلا حتى يستفيد بمحاكاتها. (8)
ثم ظهر عدد من الكتاب منهم حامد القصبي الذي كتب في عام (1929م) التربية بالقصص لمطالعات المدرسة والمنزل وهي قصص مترجمة مع شئ من التصرف وكان هدفه تربويا لذلك وزعتها وزارة المعارف في مدارسها آنذاك.
ثم اتسع الاهتمام بهذا الأدب وشارك فيه كثير من الأدباء والشعراء والقصاص مثل الشاعر محمود أبو الوفا و عبد الرحيم الساعاتي والقصاص عبد الحميد جودة السحار وعطية الإبراشي وسيد قطب ومحمد أحمد برانق و عبد اللطيف عاشور و محمد سليم وعطية زهري وأحمد مختار البزرة وإبراهيم عزور ووصفي آل وصفي وأحمد نجيب وأحمد بهجب ونبيلة راشد وجمال أبو رية وإبراهيم شعراوي ونادر أبو الفتوح وغيرهم.
المراجع:
(1) علي الحديدى، في أدب الأطفال، ص 241، ط6، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة 1992م
(2) المصدر السابق، ص 243
(3) سعد ظلام، شوقي والطفولة، ص 6، مجلة كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر العدد الرابع 1986م
(4) علي الحديدى، في أدب الأطفال ، ص258، ط6، مكتبة الانجلو المصرية القاهرة
(5) المصدر السابق، ص 260
(6) هيفاء شرايحة ، أدب الأطفال ومكتباتهم، ص 26، دارالبشير للنشر والتوزيع عمان
(7) عبد التواب يوسف، الطفل والشعر، ديوان كامل الكيلاني للأطفال، الهئية المصرية القاهرة 1988م
(8) علي الحديدى ، في أدب الأطفال، ص 265 – 266 مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة