محمد سعود الأعظمي*

الملخص:

كان المنهاج التعليمي ينحصر في عهد الرسالة في تعليم القرآن الكريم، ثم أضيفت فيه مجموعة واسعة من الأحاديث المباركة، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وانتشرت دائرة الإسلام إلى العجم، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فأضاف العلماء ما أضافوا من العلوم التي يقتضيها العصر نظرا للعجم والداخلين في الاسلام، فأدخل في المقررات الدراسية بعد القرآن والحديث من كلام العرب نثرا وشعرا ثم اتسع نطاق المنهاج فأصبح كل من التفسير وأصوله والحديث وأصوله والفقه وأصوله والصرف والنحو والتاريخ جزءا مهما للمقررات الدراسية، حتى أُدخل فيها الطبُ والجغرافية .

المنهاج الدراسي في الهند

وصل الإسلام  إلى الهند عن طريق التجار والغزاة في القرن الأول الهجري، وبدأ يمتد أثره في عصر محمد الغوري المتوفى 602 ه، فسافر العلماء إلى الهند واستوطنوها، وجاءوا معهم بالمنهاج التعليمي الرائج في بلدانهم.

 كانت جميع العلوم التي يحتاج إليها الإنسان تدرس آنذاك، وليس هناك فرق بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، غير أن بعض المناطق تهتم ببعض المواد أكثر من بعضها حسب ذوقهم، كما كان يتمتع علم الحديث والتفسير وأصولهما وأسماء رجالهما وتاريخهما بعناية كبيرة في الشام والعراق، وأصبح التاريخ والأدب من النثر والشعر أكثر متناول الأندلسيين، وكان الفقه وأصوله يٌهتم بهما في مناطق ماوراء النهر وخراسان أكثر، وأما في الإيران والبلدان المجاورة لليونان كانت الفلسفة تحتل مكانة الصدارة بين العلوم.

 وأما في الهند كان الناس يهتمون بالفقه والفلسفة والمنطق لأن معظم المهاجرين إلى الهند  كانوا من مناطق ماوراء النهر وخراسان، فتأثر الهنود بذوقهم حتى عم هذا الذوق في الهند. قسم المؤرخون المناهج الدراسية في الهند إلى ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى:

تنشرع المرحلة الأولى من القرن السابع الهجري، وحدث تغير بسيط في هذا المنهاج عدة مرات، وجدول المنهاج التعليمي سيقدم في الصفحات التالية وتذكر أسماء الكتب حسب الموضوعات وتشار إلى التغيرات التي حدثت عبر القرون:

الفن أسماء الكتب
النحو مصباح ،كافية ، لب الألباب ، الإرشاد
المنطق شرح شمسية
الفلسفة شرح هداية الحكمة
الكلام شرح صحائف
الفقه هداية (كامل)
أصول الفقه المنار وشرحه وأصول البزدوي
البلاغة مختصر ومطول
الحديث مشارق الأنوار،  مصابيح السنة
التفسير مدارك التنزيل ، وتفسير البيضاوي، والكشاف
التصوف والسلوك العوارف، فصول الحكم، مقدمة شرح لمعات، مقدمة نقد النصوص
الأدب العربي مقامات الحريري[1]

وكان هذا المنهاج التعليمي رائجا في ذلك العصر ويعد منهاجا راقيا متقدما وبعد فترة من الزمن جاء الشيخ عبد الله والشيخ عزيز الله وجعلا هذا المنهاج أنفع من قبل وأضاف إليه كتاب مفتاح العلوم للسكاكي ، مطالع ومواقف لقاضي عضد ويعد كتاب مفتاح العلوم، ومطالع ومواقف من أهم الكتب آنذاك. كما أدخل في هذا المنهاج تلاميذ السيد شريف شرح مطالع وشرح مواقف وطلاب العلامة التفتازاني مطول ومختصر المعاني وشرح عقائد النسفي ثم أضيف كتاب شرح الوقاية وكتاب شرح الجامي

المرحلة الثانية: وبعد برهة من الزمن شهد هذا المنهاج تغيرا لا بأس به قام به المحدث الجليل شاه ولي الله الدهلوي إنه أول من قلل النحو والعلوم الآلية من المقرر الدراسي، وضم بعض كتب الصحاح الستة، واهتم بتعليم الحديث أكثر من قبل . وكان المنهاج في زمن العلامة المحدث شاه ولي الله الدهلوي كما يلي.

الفن أسماءالكتب
النحو كافية ، شرح جامي
المنطق شرح شمسية ، شرح مطالع
الفلسفة شرح هداية الحكمة
الكلام شرح عقائد النسفي مع حاشية خيالي ، شرح موقف
الفقه شرح وقاية، هداية (كامل)
أصول الفقه حسامي وتوضيح تلويج
البلاغة مختصر ومطول
الهيئة والحساب بعض الرسائل المختصرة
الطب موجز القانون
الحديث مشكاة المصابيح وشمائل الترمذي وبعض أبواب البخاري
التفسير مدارك التنزيل ، وتفسير البيضاوي
التصوف والسلوك عوارف ، رسائل نقشبندية ،مقدمة شرح لمعات ومقدمه نقد النصوص ، شرح رباعيات الملا جامي [2]

المرحلة الثالثة: ثم برز في هذا المضمار رجل ذاع صيته في العالم كصوفي ومصلح وصانع عصر جديد، وهو الشيخ الملا نظام الدين فإنه عمل على المقرر الدراسي فحذف ما حذف و زاد ما زاد من الكتب حتى أعد منهاجا جديدا  فنالت تغيراته قبولا هائلا بين الأوساط العلمية حتى اتخذ هذا المنهاج مكانة لا تزلزلها العواصف الهوجاء والأرياح التي هبت ضدها بمر الأيام، وحظيت بشهرة فائقة على علاته باسم “الدرس النظامي”  وهذا هو المنهاج النظامي  الذي يدرس الآن في دار العلوم بديوبند بعد تغير وجدول منهاجه كما يلي.

الفن أسماء الكتب
الصرف ميزان، منشعب، صرف مير، بنج غنج، زبده، فصول أكبري، شافية
النحو نحومير ،شرح مئة عامل،هداية النحو ، كافية ، شرح جامي
المنطق صغرى،كبرى،أيسا غوجي،تهذيب ، شرح تهذيب ،قطبي، مير قطبي، سلم العلوم
الفلسفة ميبذي، صدرا، شمس بازغة
الهيئة والحساب خلاصة الحساب، تحرير اقليدس مقالة أولى، تشريح الأفلاك، رسالة قوشجية،  الباب الأول لشرح جغمني
البلاغة مختصرالمعاني، ومطول إلى من أنا قلت
الفقه شرح الوقاية أولين الجزء(الأول والثاني )، الهداية آخرين (الثالث والرابع)
أصول الفقه نور الأنوار توضيح تلويح، مسلم الثبوت
الكلام شرح عقائد النسفي، شرح عقائد جلالى، مير زاهد،شرح مواقف
التفسير تفسيرالجلالين، وسورة البقرة لتفسير البيضاوي
الحديث مشكاة المصابيح[3]

استعراض سريع لهذه المناهج

لقد سبقت ثلاثة جداول للمناهج الدراسية الرائجة في الهند عبر العصور وإذا تأمل أحد في هذه الجداول يجد أن الجداول يتشابه بعضها ببعض في المواد الدراسية، حذفت بعض الكتب وزيدت البعض، على مر الزمان ولكن لا تختلف هذه الجداول كثيرا في روحها وهيكلها.

وفي هذه المناهج يشترك أمران: الأول: تهتم هذه المناهج بالعلوم الآلية فضلا عن العلوم الأساسية وتركز العناية بالنحو والصرف والتصوف والمنطق والفقه وأصوله ولا تعتني بتدريس القرآن والحديث كما كان حقهما إلا أن الإمام شاه ولي الله أقبل نحو هذا الجانب وأدخل بعض الكتب من الصحاح الستة.

والثاني: أنها تغمض العين عن تعليم اللغة العربية وآدابها ولاتوجد فيها كتب أدبية إلا في الجدول الأول كتاب مقامات الحريري الذي لايسمن ولا يغني من جوع . ويوجد فيها الكثير من الكتب النحوية والصرفية والبلاغية، ومن كثرة هذه الكتب وعدم الاهتمام بالكتب الأدبية يتجلى أن هذه المناهج تهتم بالتعليم عن اللغة العربية وليس بتعليم اللغة العربية وآدابها، وهذا ما يجد الباحث في كثير من المناهج الدراسية القديمة  التي كانت رائجة في القرون الماضية لتعليم اللغات الأجنبيىة المعروفة بطريقة النحو والترجمة (Grammar – Translation Method ).

وخلاصة القول أن هذه المناهج السابقة الذكر تتجانس في المواد والروح ولم يحدث فيها تغير كبير عبر العصور، ولم يستطيع أحد أن يقضي عليها ويأتي بمنهاج جديد مستقل، مع أن قاسم النانوتوي أراد في بادية الأمر ولكن لم يلبث حتى أن أدخل هذا المنهاج متأثرا بالوضع، ويا ليت لم يدخله بل وضع المنهاج الجديد لكانت حالة المسلمين التعليمية أحسن.

  • المصادر والمراجع:
  • رضوي، السيد محبوب، تاريخ دار العلوم ديوبند، 2013 مكتبه دار العلوم ديوبند.
  • الندوي، محمد إقبال حسين، مناهج الدراسات العربية في الهند، ط 1، 2005، المعهد المركزي للغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، بحيدراباد.
  • الندوي، سعيد الرحمن الأعظمي،: محاضرات في فن التدريس، ط 1، 2014 مكتبة الفردوس لكناؤ.
  • الندوی، سید ریاست علي،اسلامی نظام تعلیم، دار المصنفین شبلی اکیڈمی اعظم گڑھ، عام الطباعۃ غیر مذکور.
  • الندوي، محمد اسحاق جليس،: تاريخ ندوة العلماء، 2011، مجلس الصحفة والنشر ندوة العلماء بلكناؤ.

الندوي، واضح رشيد،: حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطور المنهاج ،  ط1، 2006، المجلس الإسلامي العلمي ندوة العلماء.

* باحث في الدكتوراه، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند.

[1] رضوي، الشيخ السيد محبوب، تاريخ دارالعلوم ديوبند ، ج 2 ص 265-264-263

[2]المرجع السابق ج 2 ص 266

[3] المرجع السابق ص 267_268

الندوي، محمد إقبال حسبن، مناهج الدراسات العربية في الهند، ص 79،80

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *