د. صغير أحمد ضامن علي
دكتور محمد عبده يماني من مواليد عام 1940 وتوفي في 08/11/2010م. هو كاتب كبير له مؤلفات عديدة في المجالات المختلفة.أما رواياته فهي “اليد السفلى” الصادرة عام 1979م، “فتاة من حائل” الصادرة عام 1980م، و”مشرد بلا خطيئة” الصادرة عام 1990م. يتناول الباحث بدراسة “مشرد بلا خطيئة” و فيما يلي ملخص لهذه الرواية.
في هذه الرواية ذكر الدكتور قضية فلسطين ومأساة الشعب الفلسطيني. إن الشعب الفلسطيني يواجه المشاكل الكثيرة بسبب العدوان الظالم من اليهود الغاصبين فاضطر هذا الشعب بأن يعيش عيشة التشريد والضياع بعد أن سلب العدو أراضيه وأخرجه من دياره بمعاونة القوات الكبرى.
نحن نجد في هذه الرواية شخصية إبراهيم ويوري وأبو إبراهيم وأم إبراهيم ونمر وحاييم. حاييم هو رجل يهودي. وقد جاء إلى القربة وسكن فيها قبل سنوات قليلة. وهذا الرجل يسكن في القربة مع أسرته التي تتكون من حاييم وزوجته وابنه يوري وبنته راشيل.
هذا اليهودي يبدو رجلا ساذجا وسالما وأصحاب القرية يؤقرونه ويساعدونه بغض النظر أنه يهودي. وفي القرية لا توجد إلا أسرة واحدة يهودية وهي أسرة حاييم. حاييم يقوم بتجارة الزيت وتكون له صلات وثيقة مع السيد أبو إبراهيم. أبو إبراهيم هو رجل ثري وهو يسكن في هذه القرية أباً عن أب. كانت له الصداقة مع حاييم وكان يعامل معه معاملة حسنة. أما إبراهيم فكانت له الصداقة مع يوري ولد حاييم. كان إبراهيم يحب صديقه يوري ويقضي معه معظم الأوقات. في يوم من الأيام، ذهب إبراهيم مع صديقه يوري للنزهة، وفي هذه الاثناء أخذ إبراهيم سمكة من البركة وأخذ يوري ايضاً سمكة من البركة، إبراهيم فترك السمكة لأنه شعر بالمودة والرحمة تجاه السمكة. أما يوري فقد قتل السمك وبدأ يضحك بعد هذا الفعل الشنيع. عند العودة رأي إبراهيم امرأة كانت توشم على اليد، فسأل إبراهيم صديقه يوري أن يقوم كل منهما بوشم أيديهما لكي لا ننسى أحدهم الآخر. وهكذا وشمت المرأة سمكة واحدة على يد كل منهما. لما رجع يوري إلى بيته وأظهر لأمه هذا الوشم. فغضبت غضباً شديدا وقالت لا يمكن أن تكون الصداقة بينه وبين إبراهيم لأن إبراهيم عربي وعدوه.
في يوم من الأيام جاء حاييم إلى صديقه الحاج أبي إبراهيم وقال له عليه أن يترك هذه القرية لأنه يخاف من الأحداث التي تقع في البلاد، فأجابه أبو إبراهيم أنه لن يترك هذه القرية لأنه ينتمي إليها، ويسكن فيها من الأجيال. بعد هذا الاقتراح من صديقه حاييم بدأ يشك أبو إبراهيم فيه. أظهر أبو إبراهيم هذه الريبة أمام الناس وسألهم عن هذا الرجل. فليس كان لدي الناس أي دليل ضده. وفي ليلة هاجم على القرية رجال في الظلام، وبدأوا يطلقون النار من غابات الزيتون، وكان هولاء يختفون بعد إطلاق النار ولكن أهل القرية واجهوهم بكل شجاعة حتى رجع المهاجمون خائبين وخاسرين. عند ما سمع إبراهيم طلقات النار ذهب راكضا إلى بيت صديقه يوري، فوجد الباب مغلقا فوثب من النافذة واطمأن على صديقه وبعد الاطمئنان على صديقه رجع إلى بيته.
بعد هذا الهجوم شاور أهل القرية عن حاييم، فقال بعضهم سيكون شريكنا في الدفاع عن القرية لأنه يعيش في هذه القرية، ولكن هذا الرأي رفض بناء على أنه يهودي ولابد التحذير منه واقترح أحد منهم علينا أن نقتله ثأرا لأن عدد كبيرا من المسلمين قتلوا في ديرياسين، في الهجوم الشنيع الذي قام به اليهود وقاموا ببقر أبطان النساء وقتل الأطفال والشيوخ والشباب الأبريا بالخداع والمكر. لكن هذا الاقتراح أيضاً ما نال القبول من الحاضرين لأنهم قالوا أن تقاليدهم وأخلاقهم وشريعتهم لا تأذن بهذا الأمر. أخيرا، قام الناس بقرار حاسم وهو أن يسأل الناس حاييم أن يترك القرية وسيعود إلى القرية بعد الاستقرار والأمان.
عندما أراد أهل القرية أن يذهبوا إلى بيت حاييم، ذلك الوقت كان حاييم يفكر بأنه سيكون مالكا للبيت الكبير في القرية أي بيت الحاج أبي إبراهيم لأن هذه القرية ستكون خالية من العرب وهو يسكن في هذه القرية من قبل فسيكون البيت له وكذلك سيحتل منصب عمدة القرية أيضاً وكانت بندقيته في يده. كان حاييم غارقا في هذه الأفكار حتي سمع قرعا على الباب فأخفى بندقيته وفتح الباب. واستقبل الجميع ورحبهم بحفاوة بالغة ولما سأل الناس من أسباب غيابه من مجالس أهل القرية، فقال إنه نادم على ما فعل اليهود مع أصحاب قرية ديرياسين. ولذلك يتجنب عن لقاء الناس، قال أحد من أهل القرية لابد أن يشترك حاييم في القتال للدفاع عن القرية لأنه أحد منا. ذهل حاييم بهذا الاقتراح، وقال لا أعرف استخدام الأسلحة، فأجابه الرجل سندربك على استخدام الأسلحة فأظهر حاييم رضاءه وتظاهر موافقته. قال أحد من أهل القرية ليس لدينا الوقت الكافي لكي ندربك، فلذا قررنا أن تترك بيتك وسترجع بعد الأمان والاستقرار. رضي حاييم بهذا القرار ولو أنه ذهل من هذا القرار.
أرسل أصحاب القرية، الشيوخ والأطفال والنساء إلى القدس وبقي الرجال والشباب للدفاع عن قريتهم. عندما جاء أبو إبراهيم إلى بيته وأخبر عن هذا القرار فذهب إبراهيم راكضا إلى بيت صديقه يوري، وأخبره أن يستعد للذهاب للقدس معه ولكن حاييم والد يوري قال لإبراهيم أن يذهب هو وأنهم سيتابعونه. رجع إبراهيم بشعور الخيبة والكآبة بعد سماع رد حاييم، لأنه كان يفترق من صديقه يوري. أم ابراهيم ذهبت إلى القدس مع إبراهيم وكان معها صندوق خشبي ومبلغ ضئيل وكانت أم إبراهيم تذهب كل يوم إلى خارج القدس وكانت تجلس على الطريق انتظارا أن تتلقى أي خبر من القرية. في يوم من الأيام شاهدت أن رجلا كان يجيء من جانب قريتها، فذهبت إليه فوجدته ملطخا بالدم فجاءت به وأدخلتها في المستشفى، وكان هذا الرجل نمر من قريتها. فلما أفاق نمر من الجروح وتحسنت صحته فأخبر عن الحادث الذي حدث في القرية وأخبرها أن الحاج أبو إبراهيم قد قتل وهوكان يدافع عن قريته. وكذلك ذكر عن خيانة وخداع حاييم الذي كان يتظاهر بالسذاجة بأنه كان بين الناس الذين هجموا على القرية وأنه كان يناضل ضد أصحاب القرية. ويبدو كأنه جندي مدرب. أخبر أيضاً بأنه رأى هذا الخائن والغادر في بيت الحاج أبو إبراهيم وهو كان مع أصدقائه. حاييم الذي عاش عشية راضية بين أصحاب القرية مع أنه كان يهوديا وحيدا في القرية وما كانت الأسرة اليهودية إلا أسرته، وحصل على كل التعاون والحب والمؤدة من قبل أهل القرية، أنه قام بالغدر والخيانة مع أصحاب القرية وناضل ضدهم وأصبح مالك بيت أبي إبراهيم مع أن أبا إبراهيم كان صديقا له وقام بالوفاء والحب معه طوال بقائه في القرية.
أخبر نمر بعد أيام، أن على هؤلاء الناس أن يذهبوا إلى أراضي أريحا لأن القدس الجديدة مابقيت مكانا آمنا لأن اليهود الغاصبين سيقومون بإخلاء هذه الأراضي المقدسة من العرب. بعد سماع هذا الخبر، قام رجل عجوز وقال إنه لن يغادر هذه الأرض أبدا وبعد ذلك ذهب على الشارع وقام بقتل جنديين. رأي يهودي هذا الرجل العجوز من النافدة وأطلق النار عليه وقتل هذا الرجل، ولما رأي نمر ذلك اليهودي فأطلق عليه النار وقتله.
ذهبت أم إبراهيم مع إبراهيم إلى أراضي أريحا ولحق بهما نمر بعد أيام. في يوم من الأيام عندما رجعت أم ابراهيم ما وجدت إبراهيم في البيت فبدأت تبحث عنه حتي أغميت. ووجد نمر أم إبراهيم وإبراهيم في مخيم.
وعندما سأل نمر إبراهيم عن سبب غيابه عن البيت فأخبر إبراهيم بأنه أراد أن يلاقي صديقه يوري وكان يبحث عنه فضل الطريق. أخبر نمر إبراهيم بأن يوري ليس صديقه بل هوعدوه وهو ما جاء إلى هذا المكان. لمّا علم إبراهيم الحقيقة فبدأ يكره صديقه يوري وحتى سأل يوماً من أمه طريقة محو وشم الصداقة عن يده. نصحت له أمه بأن الوشم سيبقى وعليك أن تفهم هذا الوشم علامة العداوة بدلا من الصداقة.
هكذا مرت الأيام حتى اضطرت هذه العائلة على مغادرة أراضي أريحا وذهبت مع الناس الآخرين إلى شرقي الاردن. وبدأ إبراهيم يعيش مع أمه في غرفة صغيرة وكان نمر يقوم بالتعاون حسب إمكانه.
كانت أم إبراهيم تريد أن تزود ابنها بالتعليم، وأخيرا وجد نمر مدرسة لإبراهيم فلحق إبراهيم بالمدرسة وبدأ يتعلم. مرت سنة بعد سنة حتى قام بإكمال مرحلة المدرسة وحان الوقت للالتحاق بالجامعة. ولكن إبراهيم كان يريد أن يقوم بدور مهم في سبيل تحرير وطنه وإنقاذه من العدو الغاصب، لذلك قام مع نمر بتخطيط إذعار العدو بالعمليات التفجيرية وفاز نمر وإبراهيم في مرامهما بتعاون صديقي نمر. لما رجع إبراهيم فأخبر أمه بأنه ذهب إلى القدس وكذلك رأى قريته، ذهلت الأم بعد سماع هذا النبأ وفزعت وقالت إن القرية في الأراضي المحتلة فكيف يمكن أن تزورها. ما أخبر إبراهيم التفاصيل ولكنه قال لا أريد أن أذهب إلى الجامعة وما فائدة شهادة الجامعة ونحن بلا أرض ووطن. فزعت أم إبراهيم عن سلوك إبراهيم وحزنت حزنا شديداً فلما جاء نمر أخبر إبراهيم عن هذا الحادث. أنصحه نمر أن يلتحق بالجامعة والآن علينا أن نخطط كاملا لكي نهاجم على العدو هجوما عنيفا. فالتحق إبراهيم بالجامعة. أما أم إبراهيم فبدأت تعمل في بيت أحد من الأمراء لكي تسدد نفقات البيت، ما أحب إبراهيم أن تعمل أمه في بيت أحد من الناس ولكنه رضي أخيرا بعد إلحاح أمها.
كان إبراهيم على وشك الحصول على شهادة جامعية، وفي هذه الأثناء أخبره نمر بأن هناك فرصة له أن يشارك في عملية المقاومة ويساهم في نضال كرامة. سأل إبراهيم عن أمها في هذه الشأن، فأجازته أمه بكل الفرح والإنبساط. ذهل نمر وإبراهيم بقرار الأم الحاسم لأنهما كانا لا يتوقعان أن الأم ستأذن بالمشاركة في المعركة لأن إبراهيم كان ابنها الوحيد، وقد ربته بالمصائب والمشاكل.
ذهب إبراهيم مع نمر للمشاركة في معركة كرامة. وفاز الفلسطنيون في هذا النضال بعون الله وكرمه. وأسروا عدداً كبيرا من اليهود. كان إبراهيم يحرس الأسارى، فسأل من أسير يهودي أن يكشف له ذراعه، فلما رأي ذراعه فرأى السمكة التي كانت رمزا للصداقة والحب. سأل إبراهيم الأسير هل هو يعرفه فأنكر الأسير، وبعد ذلك سأل إبراهيم عن السمكة وأخبره بأنه إبراهيم. عرف يوري إبراهيم وتوسل إليه أن يفكه فمنع إبراهيم وقال له هذا من المحال. تودد يوري وتوسل إلى إبراهيم وقال له بأنه صديقه الحميم. فعليه أن يهتم بالصداقه ويقوم بإطلاق سراحه. عندما عرف يوري كل المعرفة بأن صديقه القديم لن يفكه فتقدم إلى إبراهيم متظاهرا الحب والمؤدة. سأل إبراهيم يوري بألا يتقدم ولكن ما التفت إلى قول إبراهيم وأراد أن يهجم على إبراهيم بالخنجر. أطلق عليه إبراهيم النار بسرعة ذاهلة وقبل أن يقوم يوري بتكميل خطته.
في هذه الرواية أظهر لنا الكاتب الحقيقة الثابتة بأن اليهود هم عبارة عن المكر والخداع والدهاء، فشخصية حاييم تدل دلالة واضحة على هذا. أما العرب فهم يمتلكون الأخلاق النبيلة والأقدار الفاضلة ولذلك نحن نجد أنهم ما قاموا بقتل حاييم مع أنه كان يهوديا وما كان يستطيع أن يدافع عن نفسه. أما هذا اليهودي حاييم فقد طعن في ظهر المسلمين حيث كان واحدا من الذين هجموا على القرية.
نحن نجد في هذه الرواية أن الكاتب قام بذكر المأساة التي يواجهها الشعب الفلسطيني البريء. قد بين لنا الكاتب أن اليهود شردوا أهل الفلسطين من ديارهم وقاموا بالعدوان والظلم. ذكر الكاتب المشاكل والمصائب التي يواجهها الفلسطينيون وسلوك المنظمات الدولية تجاه حقوقهم. أما إبراهيم في هذه الرواية فهو يظهر من سلوكه أنه يهتم بالصداقة والإنسانية من البداية.
قضية فلسطين قضية مهمة لا في التاريخ العربي فحسب بل في تاريخ العالم كله، لأننا نجد أن الشعب الذي كان يسكن فيها من القرون اضطر أن يهجر أرضه وواجه الظلم والعدوان. أما القوات الكبرى والأمم المتحدة فما ساعدت الشعب الفلسطيني بل مدت يد العون والمساعدة تجاه إسرائيل، في بعض الأحيان كانت المساعدة سريا وفي بعض الأحيان كانت جهريا. عبد الله الجفري أيضا تناول قضية الفلسطين في رواياته ولكن يماني يفوق عليه حيث قام بكتابة رواية كاملة عن العدوان الإسرائيلي ولهذا السبب قام بإبراز قضايا الشعب الفلسطيني بالتفصيل.
يبدو أن الكاتب أراد أن يستخدم أسلوبا سهلا ممتنعا. لغة هذه الرواية فهي تمتاز بالسهلة والوضوح. إن رواية “مشرد بلا خطيئة” لمحمد عبده يماني تنتهي بالبشارة والأمل ويتوقع القارئ أن بعد العسر سيكون يسرا إن شاء الله حيث نجد أن الفلسطينين يفوزون في معركة كرامة، فهذه الرواية تمتاز بالواقعية.