الدكتور معراج أحمد معراج الندوي
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا- الهند
ملخص البحث:
شهدت الهند في القرن التاسع عشر كوكبة من العلماء والمفكرين والمفسرين الذين كرسوا حياتهم ووفقوا مواهبهم العلمية في خدمة القرآن الكريم والحديث النبوي.كان لهم دورعظيم في النهضة الفكرية والأدبية العربية المعاصرة. ومن بين هؤلاء العباقرة يحتل العلامة حميد الدين الفراهي منزلة مرموقة بإنجازاته الرائعة في العلوم القرآنية وإسهاماته القييمة في المجالات اللغوية والأدبية والبلاغية. وهو من أوائل المفسرين الذين اخترعوا وأبدعوا بأنفسهم القواعد والسنن الخارقة وغاصوا في بحر القرآن. كان العلامة الفراهي شخصا موسوعيا مفسرا جليلا، صاحب مدرسة فكرية، ومنهج جديد في مدرسة القرآن. تهدف هذه الدراسة إلى بيان اسهامات وانجازات حميد الدين الفراهي في العلوم القرآنية.
الكلمات الرئيسية: علوم القرآن، علم التفسير، لغات القرآن، مفردات القرآن نظام القرآن، حميد الدين الفراهي
المدخل:
إن اهتمام العلماء الهنود باللغة العربية نابع من ضرورة فهم القرآن الكريم ولأجل اكتساب المعارف القرآنية والعلوم الإسلامية. وهؤلاء العباقرة قاموا بخدمات جليلة في العلوم الإسلامية. ولا يخلو تاريخ الهند من ذكرهم. وقد لعبت هذه الجهود دوراً حيوياً في توجيه الطبقة المثقفة المرعوبة من ثقافة الغرب المتأثرة بتأثير العلوم الغربية من جهة كما كان لها من جهة أخرى أثر طيب في فتح الأفكار نحو القرآن كمصدر للمعرفة الإنسانية في كل الحقول المعرفية في كل العصور والأزمان. ولما كانت أفكاره تعارض وما عليه الأمة عبر القرون فقد أنتج العلماء كتابات عديدة في الرد على أفكاره ونظرياته. في هذا العصر لفتت إنتباهات العلماء إلى قضية الربط والتناسب بين الآيات والسور في كتاب الله. وألفوا في هذا الاختصاص بأساليب مبتكرة فريدة. كان العلامة عبد الحميد الفراهي من أوائل المفسرين الذين اخترعوا وأبدعوا بأنفسهم القواعد والسنن الخارقة وغاصوا في بحر القرآن. كان الإمام عبد الحميد صاحب مدرسة فكرية، ومنهج جديد في مدرسة القرآن. كانت حياته جامعة بين الجوانب كلها، كرس حياته كلها في خدمة القرآن الكريم وعلومه، فألف ما ألف من الكتب تعتبر إضافية قيمة في العلوم القرآنية. تهدف هذه الدراسة إلى بيان اسهامات حميد الدين الفراهي في العلوم القرآنية.
مولده ونشأته:
اسمه عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان بن تاج علي الأنصاري الفراهي ولكنه اشتتهر في عامة الناس باسم حميد الدين الفراهي.[1]ولد هذا العبقري من 18 نوفمبر عام 1863م في قرية “فريها” من مديرية آعظم جراه في ولاية أترا براديش. نشأ وترعرع في أسرة كريمة علمية. بدأ دراسته الإبتدائية في بيته وقرأ القرآن الكريم على الحافظ أحمد علي راجه. تعلم اللغة الفارسية والعربية والأردية. ثم اقبل على تعلم اللغة العربية على يد العلامة شبلي النعماني وهو ابن عمته. سافر إلى لكناؤ وتتلمذ على الشيخ أبي الحسنات عبد الحي فاستفاد منه كثيرا في الأدب الفارسي، ثم قصد إلى لاهور والتحق بكلية العلوم الشرقية وتأثر هناك بالأستاذ فيض الحسن السهانفوري الذي كان يعد من كبار علماء اللغة والأدب في شبه القارة الهندية. رغب في اللغة الانجليزية فسافر إلى الجامعة علي جراه الإسلامية. ومن خلال دراسته اللغة الإنجليزية تعلم اللغة العبرانية كما واطلع العلوم الأخرى والفلسفات الحديثة واستفاد كثيرا من المستشرق توماس آرنولد. تخرج عام 1893م وحصل على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي واستمر دراسته للماجستير في القانون ولكن ما شاء القدر أن يكمله. بدأ حياته المهنية كمدرس للغة العربية والفارسية في مدرسة الإسلام كراتشي عام1897م وظل يعمل بها حوالي تسع سنوات. عاد إلى “كلية عليكراه” وعين بها أستاذا مساعدا للغة العربية فدرس فيها سنتين ومن هنا انتقل إلى جامعة اله آباد حيث تم تعيينه كأستاذ للغة العربية. فقام بتدريس اللغة العربية نحو ست سنوات ثم اختير كرئيس “دار المصنفين” في مدينة أعظم كره. وقد بقي على منصبه وشغل في التنصيف والـتليفحتى جاء أجله. توفي الأستاذ عام 1909م. [2]درس الإمام الفراهي في مدرسة القرآن وتلمذ فيها وأمعن في معانيه وخاض في مفاهيمه. خاص في بحره وأتي بلطائف وغرائب ونقات ودررمنثورة. اشتغل بالقرآن وجعل شغفه الشاغل وقلبه الفراهي دستورا للعالم ونظاما للحياة. كان العلامة الفراهي من أكابر المفسرين للقرآن الكريم وأعلام المؤلفين في علومه ومعارفه ودقائقه. تخرج على الأستاذ الفراهي الكثير من علماء الهند. وكان من أشهرهم الشيخ أمين أحسن الإصلاحي صاحب التفسير”تدبر القرآن” بالأردية. كان له دور كبير في نشر تراث الفراهي وفي تخليد آثاره وافكاره. قد وهب الله العلامة الفراهي علما غزيرا وفكرا عميقا. كان له بصر بالأدب والشعر والنقد الأدبي لكنه ركز مواهبه العلمية والأدبية على علم التفسير.
تطور علم التفسير في الهند:
إن لعلم التفسير منزلة عظيمة، ومكانة عالية بين العلوم الشرعية. ونظرا إلى ذلك فقد قام العلماء بخدمة هذا العلم من شتى نواحيه في كل عصر ومصر وكرسوا حياتهم في تفكير وتطوير هذا العلم. ومنهم المفسر الأديب العلامة الجليل الإمام عبد الحميد الفراهي الذي كان جامعا بين التبحر في العلوم العربية والإسلامية والإطلاع الواسع على العلوم العصرية والطبيعية. ويظهر أثر هذه الثقافة الموسوعية العميقة في كل مؤلفاته التي تركها باللغة العربية والفارسية والإنجليزية والأردية معا في موضوعات مختلفة والتي تبلغ عددها إلى واحد وخمسين كتابا. ومن أهم تلك الكتب وأعظمها ما ألفه حول القرآن وتأويله وتفسيره في فصاحته وبلاغته ومفرداته وكلماته وكل ما يتصل به من العلوم القرآنية.
القرآن الكريم ومنهجه الفكري:
المقصود بالوحدة الموضوعية وحدة موضوع السور وترابط آياتها واشتراكها في خدمة وتجلية ذات الموضوع وكذا اشتراك جميع السور في موضوع ومنهج وغاية واحدة من أوّل القرآن إلى آخره. فقد كان رحمه الله يرى أنّ للقرآن موضوعا واحدا هو بيان منهج الحياة ومهمة واحدة هي تَمَثُلُ هذا المنهج في حياة الأشخاص والأمم وهدفا واحدا هو هداية البشرية إلى ذات المنهج. من يتصفّح القرآن الكريم يلاحظ أنّ اكتشاف التسلسل يحتاج إلى تفكر وتدبر. من هنا نجد أنّ غير العرب يشعرون عند قراءة ترجمة القرآن الكريم بأنه غير مترابط في كثير من المواقع. ويرجع هذا إلى أنّ القرآن الكريم يخالف في صياغته مألوف البشر، ثمّ إنّ كلماته المعدودة تحمل المعاني غير المحدودة. ولا ننسى أنّ إعجازه بالدرجة الأولى يرجع إلى لغته، وبيانه وإيجازه وأنّ فهمه يحتاج إلى تدبر. ويلحظ أنّ من يعتاد تدبره تنشأ لديه منهجيّة في التفكير والاستنباط. وإذا وجدت هذه المنهجيّة أمكن أن يوجد الإنسان المبدع. وكل من يتعمق في تدبّر القرآن الكريم ودراسته يلمس الترابط بين معاني كلماته وجُمله وآياته، بل وسوره. ولا يزال علماء التفسير يشعرون بحاجتهم إلى التعمق أكثر من أجل إبصار معالم البنيان المحكم للألفاظ والجمل القرآنية.
لغات القرآن ومفردات القرآن:
ولما كانت لغات القرآن من العلوم الهامة في فهم كتاب الله فقد قصر بعض علماء شبه القارة جهودهم في تقديم المؤلفات النافعة في هذا العلم الجليل. ومن الأعمال المتميزة في هذا المجال تأليف الشيخ محمد البخاري الكشميري المسمى ب”مفردات القرآن” الذي تم تأليفه في1131 ه. وقد شرح المؤلف المفردات القرآنية،في لغات ثلاث العربية والفارسية والتركية. هذا وهناك أعمال أخرى جديرة بالذكر مثل “لغات القرآن” لحماد الله الهاليجوي المتوفى1962م و”العرفان بمفردات القرآن” لمحمد إسماعيل العودوي المتوفى1970م و”قاموس ألفاظ القرآن الكريم” لعبدالله عباس الندوي وهو بالعربية والإنجليزية و”مفردات القرآن”، للشيخ حميد الدين الفراهي رحمه الله.
جهود العلامة الفراهي في الدراسات القرآنية:
كان لجهود الإمام الفراهي دوراً حيوياً بارزاً ملموساً في تطوير ونشر الفهم القرآني في القارة الهندية، وميزته أنه نهج منهج الاجتهاد والبحث والتحقيق في الدراسات القرآنية واكتشفت آفاق جديدة للبحوث القرآنية لزملائه وتلاميذه الذين سلكو منهجه وتقدموا في هذا المجال. وقد اشتهرت مدرسة الإمام العلامة حميد الدين الفراهي[3] التفسيرية في هذا الإختصاص الذي أوضح معالم منهجه المبتكر أولاً في معرفة التناسب في القرآن الكريم في كتاب دلائل النظام واعتمده بعده تلميذه الرشيد الشيخ أمين أحسن الإصلاحي[4] بمهارة في تفسيره المعروف “تدبر القرآن.”
مؤلفاته في العلوم القرآنية: قد ألف الإمام الفراهي العديد من الكتب بالعربية والفارسية والأردية تناول فيها موضوعات متنوعة عن علوم القرآن. يمكن القول أن رحى فكره كان يدور في الدراسة العلوم القرآنية وتعمقها. ومن أهم مؤلفاته في القرآن وعلومه كما يلي:
- التكميل في أصول التأويل
- فاتحة نظام القرآن
- دلائل النظام
- مفردات القرآن
- الإمعان في أقسام القرآن
- أساليب القرآن
- الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ
- حكمة القرآن
- الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح
- نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان
وقد ظهر اثر هذه الثقافة الموسوعية العميقة فيما كتب من مصنفات أربت على الخمسين عددا، ومن أهمها وأعظمها ما كتبه حول القرآن الكريم وعلومه وتأويله وتفسيره ونظامه وترتيبه، وكذلك كا كتبه حول علم الحديث النبوي والأدب العربي والفلسفة والأخلاقية والمنطق، بالإضافة إلى الكثير من الشعر العربي والفارسي. والحق أن جهود مدرسة الفراهي إضافة قيمة إلى المكتبة القرآنية. هذا ومن الثروة القيمة في الدراسات القرآنية التي ظهرت مطبوعاً بقلم العلامة الفراهي رحمه الله، كتاب “دلائل النظام” و”أساليب القرآن” و”التكميل في أصول التأويل” و”جمهرة البلاغة” و “مفردات القرآن”. إنَّ من الخصائص التي انفرد بها النظم القرآني عن غيره من النظم تناسب آياته وسوره، كونهُ وحدة موضوعية جامعة لأهدافه ومقاصده، ومن يتدبر خصائص هذا النظم يبحث عن سر ترابط الآية بالآية والسورة بالسورة ضمن علم من علوم القرآن الكريم.
التكميل في أصول التأويل: وهو كتاب أفرده لذكر أصول لتأويل القرآن إلى صحيح معناه. فموضوعه الكلمة والكلام من حيث دلالته على المعنى المراد، وغايته فهم الكلام وتأويله إلى المعنى المراد المخصوص بحيث ينجلي عنه الاحتمالات. فإن قواعد التأويل تجري في كل كلام ونفعها عام يتعلق بفهم معنى الكلام من أي لسان كان، ولكن النفع الأعظم منه في فهم كتاب الله ومعرفة محاسنه للاعتصام به. ولعل باحثاً يقرأ هذا الكتاب فيبين لنا منهج الفراهي فيه بياناً شافيا ويظهر لنا الأفكار الجديدة التي طرحها الإمام الفراهي في كتاباته. فالفراهي عالم عجيب قل أن يكرر في كتبه ما قاله الآخرون دون الوقوف عندها وقفات في غاية الحسن والنفع.
فاتحة نظام القرآن: وهي عبارة عن مقدمة الفراهي لتفسيره “نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان”
دلائل النظام: شرح الإمام الفراهي في هذا الكتاب فكرة النظام في القرآن الكريم. وهو أمر فوق القول بوجود المناسبات في القرآن الكريم بل يعتبر القول بالمناسبة في القرآن جزءاً من أجزاءه. وقد وضح الفراهي فكرته في هذا الكتاب أن للترتيب والنظام حظاً وافراً في كل مركب، ولا سيما في القرآن الحكيم. وأما الذين يزعمون خلاف ذلك فإنهم أخطأوا في زعمهم ولم ينصفوا كتاب الله. ثم يصرح بعد ذلك بأن القرآن الحكيم كلام منظم ومرتب من أوله إلى آخره على غاية حسن النظم والترتيب وليس فيه شيء من الاقتضاب لا في آياته ولا في سوره، بل آياته مرتبة في كل سورة كالفصوص في الخواتم.
منهج الإمام الفراهي في تفسير القرآن:
يتخلص منهج الإمام الفراهي في تفسيره في النقاط الأساسية الآتية:
(1) تفسير القرآن بالقرآن
(2) تفسير القرآن بالسنة
(3) تفسيرر القرآن بأقوال الصحبة رضوان الله عليهم
يقول الامام الفراهي: “أول شيئ يفسر القرآن هو القرآن نفسه، ثم فهم النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه، ولعمري أحب التفسير عندي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ثم يستانف ويقول: ” وإني مع اليقين بأن الصحاح لا تخالف القرآن، لا آتي بها إلا كالتبع بعدها فسرت الآيات بأمثالها، لكي لا يفتح باب المعارضة للمارقين الذين نبذوا القرآن وراء ظهورهم، والملحدين الذين يلزموننا ما ليس له في القرآن أصل، ولكي يكون هذا الكتاب حجة بين فرق المسلمين. فإني ما أردت أن أجمع كل ما يتعلق بالقرآن، فإنه كنز لا ينفد على كثرة المجتهدين والكتب في التفسير كثيرةـ فمن يسرح فيها بنظر التحقيق يؤتي من العلم ما شاء الله، ولكني أردت ما يكون كالأساس والأم والوسط والحكم، ولهذا اقتصرت على ما في القرآن، غير جاحد ما تركته كما جمع الإمام البخاري رحمه الله كل ما ثبت عنده من الحديث متفقا عليه ما ترك كثيرا من الصحاح.”[5]
نظام القرآن وتأويل الفرقان بالقرآن:
بدأ العلامة عبد الحميد تأليفه عندما كان أستاذا في كلية على جراه الإسلامية ولكن أسلوبه يختلف عن أساليب الناس في تأليف هذا التفسير. إنه لم يبدأ من أول القرآن كما فعل المفسرون الآخرون، بل كشف عن نظيرته وهي أن القرآن منظم ومرتبط بعضه ببعض من أوله إلى آخره كما أن في كل سورة نظاما خاصا، بدأ العلامة أن يكتب تفسيره من السور التي كان فيها النظام لكي يتضح هذا الجانب من كتاب الله، كما أنه جعل نصب عينه أن يفسر القرآن أولا السور القصيرة التي تدعو إلى الإيمان بأصول الإسلام وهي التوحيد والرسالة والتبشير والتنذير. يقول عبد الحميد الفراهي عن نفسه: “أني كنت مولعا بتلاوته. القرآن هو أحب الكتب وألذها عندي، ولله الحمد، وقد كنت أسمع أن القرآن أشت الكتب نظما لنزوله نجما نجما، ولكن بعد ظهر لي النظام في سورتين البقرة والقصص حثني عل التدبير في باقيتها، وكنت في حديث السن ومضت عشر سنسن حتى وفقني الله تعالى أن ابتدأت من أول القرآن ويسر لي الاتمام في سنة كاملة.”[6] هذه العوامل التي حضرت الفراهي على القيام بتفسير القرآن الكريم بطريقة جديدة، ومنهج علمي وأسلوب واضح. فشرح كلمات القرآن وألفاظه استنادا إلى أسلوب العرب الذي نزل به ثم بين مقاصد العالمية ومطالبه السليمة في ضوء أصول قوية استمدها من الكتاب والسنة. والمراد هنا بالنظام أن تكون السورة كلاما واحدا، ثم تكون ذات مناسبة بالسورة السابقة واللاحقة أو متصلة بالتي قبلها وبعدها. إن الآيات ربما تكون جملة معترضة كذلك تكون السورة ربما جملة معترضة، وعلى هذا الأصل نرى أن القرآن كله من البداية إلى النهاية كلاما واحدا ذا مناسبة وفي ترتيب في أجزائه. فالنظام هو الذي يعطي السورة وحدانتيها التي بها صارت السورة كاملة مستقلة بنفسها ذات عمود تجري إليه أجزاءها. ولا بد لحسن النظام من أن يكون الكلام حسن الترتيب حسن التناسب، قوي الوحدانية. والنظام عند الفراهي ليس أمرا مقصودا بذاته، وإنما هو المنهج الصحيح لتدبر القرآن، وهو الحكم عند تضارب الأقوال، وهو المرجع عند تعدد الاحتمالات، وهو المفتاح الذي تفتح به كنوز حكمة القرآن. لا يلجأ الإمام الفراهي في الكشف عن نظام القرآن إلى مناهج أهل الفلسفة والمنطق، وإنما يعتمد على القرآن نفسه. وفي ذلك يقول: أجمع أهل التأويل من السلف إلى الخلف أن القرآن يفسر بعضه بعضا، وأنه هو أوثق تعويلا وأحسن تأويلا ، كذلك أن القرآن يفسر مطالب آياته بعضها ببعض وكذلك تدل على نظام مطالبها ومناسبتها. فالحق أن تفسير القرآن بالقرآن هوالأصل الأصيل عند الإمام الفراهي.
نظريته في “نظام القرآن”: انقطع العلامة الفراهي فترة طويلة من عمره إلى تدبر القرآن وفهمه ودرسه، والخوض فيه من كل جهة، والنظر فيه من كل جانب. وكان من أعظم ما يركزه عليه ترتيب بيانه، وتنسيق نظام آياته، منطلقا من أن كل ما تقدم وتأخر من سوره بني علي الحكمة والبلاغة، ورعاية مقتضى الكلام. فلو قدم ما أخر، أو أخر ما قدم، لبطل النظام، وفسدت بلاغة البيان.[7] ابتكر العلامة الفراهي منهجا جديدا وأسلوبا فريدا في نظام القرآن وعمل على تطويره وتعميقه حتى جعله فنا مستقلا، قائما على أصول راسخة وقواعد واضحة، استنبط من أساليب القرآن وقواعد اللسان. وجاء في تقريره لم يهتد إليه أحد من السابقين مما يفتح للمتدبرين في كتاب الله بابا عظيما لفهم أسراره وبلاغته، ويسهل عليهم الانتفاع به علما وعملا.
سجل العلامة عبد الحميد الفراهي أن اهتمام المفسرين السابقين كان منحصرا في الكشف عن المناسبة التي ينتظم بها الكلام من أوله إلى آخره، حتى ييصير بها شيئا واحدا، لا جدة فيه ولا ابتكار، ورأى أنهم قنعوا في ذلك بمجرد بيان المناسبة بينهما، من غير أن ينظروا إلى أمر عام شامل ينتظم به محتوى الآية والسورة، ومن أجل ذلك ركز العلامة في دلائل النظام على التفرقة بين “التناسب” و”النظام” كما نبه إلى أن ما يعينه من النظام ليس مجرد تناسب. وهو يقول: “قد صنف بعض العلماء في تناسب الآيات والسور. وأما الكلام في نظام القرآن فلم أطلع عليه. والفرق بينهما أن التناسب إنما هو جزء من النظام. فإن التناسب بين الآيات بعضها مع بعض لا يكشف عن كون الكلام شيئا واحدا مستقلا بنفسه. وطالب التناسب ربما يقنع بمناسبة بين الأيات المتجاورة مع عدم اتصالها. فإن الآية التالية ربما تكون متصلة بالتي قبلها على بعد منها. ولولا ذلك لما عجز الأذكياء عن إدراك التناسب. [8]
وقد أوضح العلامة الفراهي أن المراد بالنظام أن تكون السورة كلا واحدا، ثم تكون ذات مناسبة بالسورة السابقة واللاحقة أو بالتي قبلها أو بعدها على بعد منها. فكما أن الىيات ربما تكون معترضة، فكذلك ربما تكون السورة معترضة، وعلى هذا الأصل نرى القرآن كله كلاما واحدا، ذا مناسبة وترتيب في أجزائه، من الأول إلى الآخر، فتبين العلامة الفراهي مما تقدم أن النظام شيئ زائد على المناسبة وترتيب الأجزاء.[9] إن معرفة النظام والربط عند العلامة الفراهي هو نصف القرآن، لأنه يعتقد أن من فاته النظام والربط فقد شيئ كثير من فهم روح القرآن. فالنظام يتبين سمت القرآن، والانتفاع بالقرآن والاستفادة منه موقوفة على فهمه. ولا يمكن فهم الكلام إلا بالوقوف على تركيب أجزائه، بيان تناسب بعضها ببعض، لأن الاطلاع على المراد من معاني الأجزاء لا يتأتي إلا بعد الوقوف على الناحية التأليفية ومواقع كل جزء منها. يؤكد الفراهي أن نظام القرآن ليس مقصودا بذاته، وإنما هو المنهاج الصحيح لتدبر القرآن، وهو المرجح عند تضارب الأقوال، وهو المعين عند تعدد الاحتمالات، وهو المفتاح الذي تفتح به كنوز القرآن.[10]
“مفردات القرآن” يحتل هذا الكتاب مكانة مرموقة بين كتب الفراهي في العلوم القرآنية، لأنه ذلك كان أهم العناصر التكوينية لطريقة الفراهي في فهم القرآن، واعظم الكتب التي تمثل مدرسته منهجا وغاية، وأسلوبا وطريقة، لكن المنية عاجلت وحالت دون ما نوى أن يحقق أمله. قد جعل الفراهي كتابه عن المفردات جزءًا من مشروعه القرآني العظيم المشتمل على اثني عشر كتابًا، وكان كتاب المفردات أول الكتب الثلاثة منها التي ألفها لتمهيد الطريق إلى فهم القرآن على الوجه الصحيح، وهي كتاب المفردات، وكتاب أساليب القرآن، وكتاب التكميل في أصول التأويل. أشار الفراهي إلى هدف الكتاب والفكرة الرئيسية في سبب تأليفه كما أشار إلى أهمية فهم الألفاظ المفردة في تدبر كتاب الله عز وجل فقال: ” لا يخفى أن المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام. فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن أغلق عليه باب التدبر وأشكل عليه فهم الجملة، وخفى عنه نظم الآيات والسورة. وربما ترى أن الخطأ في معنى كلمة واحدة يصرف عن تأويل السورة أسرها……، وهكذا ترى الخطأ في حد كلمة واحدة أنشأ مذهبا باطلا ، وأضل به قوما عظيما، وجعل الملة الواحدة بددا، فإن معظم القرآن الحكمة، وهي الأصل، ولا سبيل إلى فهمها من دون الإطلاع على معان كلماتها المفردة.[11] ولا ريب أن المعرفة بمعاني الكلمات المفردة تلعب دورا رئيسيا في فهم مقصور الآيات القرآنية، وبدون العلم بمعاني الألفاظ لا يقدر الإنسان على التدبر في القرآن والتوصل إلى كنه الحكيم اللطيفة المختلفة في طى النظام القرآني، وربما يتغافل عنها الكثير ، ولا يعتنون بأهميتها حق الاعتناء.[12]
وقد استفاد المؤلف بمعرفته للغة العبرانية في تحقيق بعض الألفاظ التي هي من المواد المشتركة بينها وبين العربية، والرد على المستشرقين الذين زعموا أن القرآن الكريم أخذ بعض الألفاظ من اليهود والنصارى. فإنه لا يخفى على من نظر فيها قيمتها العلمية ومكانتها الجليلة بين كتب الدراسات القرآنية، فإنها ليست من نوع التأليف المكرر الذي قصد به التهذيب والتيسير، وإنما هي كتب أصيلة تحفل بنظرات جديدة وتحقيقات بارعة وفوائد نفيسة تخلو منها الكتب الأخرى، فكثير منها عُد من أفضل الكتب المصنفة في بابها.
الإمعان في أقسام القرآن: ألف العلامة الفراهي كتابين في أقسام القرآن: الكتاب الأول كان عبارة عن رسالة صغيرة سماه “أقسام القرآن” والكتاب الثاني الذي أوسع من الأول و سماه ” الإمعان في اقسام القرآن”. نهض الفراهي لتناول هذا الموضوع من جديد في ضوء الدراسات القرآنية التي لا نهاية لها ولا تحديد، ليصل منه ما كان منقطعا ويكمل ما كان ناقصا ويبسط في الكلام ما كان وجيزا مجملا. فألف كتابا وسماه “الإمعان في أقسام القرآن” الذي يختلف تماما عن كتابه الأول في اسمه وحجمه ومباحثه. وقد تناول تاريخ القسم وحاجة الناس إليه قديما وحديثا، وطرقه المتنوعة وبين معاني كلمات القسم ومفهومه الأصلي ومفاهيمه المتشعبة الثاثة من الإكرام والتقديس والاستدلال. وهو باب يدل على اطلاعه الواسع على أساليب كلام غير العرب وأساليب غيرهم من الشعوب والأمم والآداب واللغات والثقافات والديانات. أراد الإمام الفراهي أن يشير إلى الأخطاء في بعض الترجمات للصحف القديمة مما يدل على دراسته المقارنة العميقة للصحف السماوية والديانات المختلفة واستشهد في هذا الباب بأبيات كثيرة للشعراء الجاهليين مما يدل على اطلاعه الواسع على الشعر الجاهلي.
أساليب القرآن: سمى الفراهي هذا الكتاب ” كتاب الأساليب ” بدلا عن “أساليب القرآن”. وذلك لأنه ليس من قصده أن يختصه بالقرآن فحسب، بل كان يريد أن يكون أساس وضعه على أساليب كلام العرب. وهو يقول في هذا الصدد: “هذا االكتاب ليس ككتاب المفردات مختصا بالقرآن ولكنه متضمن لفن برأسه، يجري حكمه في عموم أساليب كلام العرب، غير ما اختص بالقرآن لكونه منولا على رسول.[13] ثم طبع هذا الكتاب باسم ” أساليب القرآن”. وقد كان الفراهي وضع كتاباً آخر كتوطئة واستطراد لها الكتاب يعرف بمفردات القرآن وسيأتي. وذلك أن الطالب لا بد أن يعرف الألفاظ المفردة وبعد أن يفرغ منها يترقى إلى معرفة الجمل والتراكيب. فهنا يأتي دور “أساليب القرآن” لتسليط الضوء على الطرق الموجهة لفهم دلالة التراكيب المختلفة الوجوه التي تدل عليها الأساليب المختلفة. ومن مزايا هذا الكتاب أن كل ما يحتوي عليه من آداب القرآن وأساليبه إنما يقوم على أساس متين ودعامة وثيقة من معرفة سنن العرب في كلامها.
قصد الإمام الفراهي من خلال مأ الفه من الكتب في التفسير أو في فن آخر، لا يكون إلا تعبد الطريق وهو تمهيد السبيل إلى فهم القرآن الكريم، وقد تحث الفراهي في هذا الكتاب عن أساليب اللغة العربية وأساليب القرآن الكريم، ومراده هنا باللغة ” الأدب العربي” الذي نشأ وترعرع في زمان نزول الوحي. ومن هذه الناحية لم يعتبر لغة المولدين لغة يستند إليها أو يوثق بها حيث يقول عن غاية هذا الكتاب. إن المقصود من كتاب المفردات إحاطة العلم حتى الوسع بدلالة الكلام بحرمه ووجوهه، وكذلك المقصود من هذا الكتاب إحاطة العلم حتى الوسع بدلالات الصور والأساليب ومواقع استعمالها. ولم يستطع هذا الفن أن يركز عناية عدد من الباحثين والمحقيين رغم أنه يحمل في طيه أهمية بالغة قصوى، والفراهي هو أول من استشعر أهمية هذا الفن في فهم القرآن الكريم، ولم ير بدا أن يؤلف فيه تأليفا مستقلا. فلم يسبقه أحد في هذا الباب. حاول الإمام الفراهي في هذا الكتاب إلى تسليط الضوء على أساليب الكلام وموقع استعمالها المتنوعة مصحوبة بالأمثلة القرآنية عن طريق العناوين المختلفة التي يصل عددها إلى اثنين وثلاثين بعد وضع الأبواب والفصول التمهيدية، ولا يمكن الوصول إلى المعنى المراد الصحيح إلا بمعرفة هذه الأساليب ومواقع استخدامها.
الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ: تناول الإمام الفراهي في هذا الكتاب موضوع الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم. وهذا الموضوع يعد من الموضواعات المهمة التي شغلت العلماء قديما وحديثا. يشتمل هذا الكتاب على مباحث مهمة في موضوع النسخ كما يظهر من خطة الفراهي ولكن مما يقضي له الأسف أنه قد عاجلته المنية وحالت دون ما نوى إلا أن قائمة المباحث التي يشتمل عليها الكتاب تشير إلى أهمية المنهج الودقة في المبحث والسعة في العرض والتحليل العميق. ولو منحت له الحياة أن يكمل هذا الكتاب لجاء فريدا في بابه. أما المبحث التي يحويها هذا الكتاب القيم كما يلي:
- ما هو النسخ، وتنقيح المسألة
- الحكمة من النسخ
- محل النسخ من الأمور
- الناسخ لا يكون إلا الشارع، وهو الله تعالى ورسوله بإذنه
- غير القرآن لا ينسخ
- أهم النسخ ما جاء به القرآن لما قبله
- أقسام الناسخ
- الحكمة العامة في النسخ وهي تبقى
- القسم الثالث من النسخ الباقي
- جواب قول نفاة النسخ.
- كشف معنى كلمة النسخ وبيان النفاة.
هكذا قدم الإمام الفراهي بترتيب هذا الكتاب. ولو شاءالقدر أن يكمله لجاء بشيئ جديد في العلوم القرآنية.
الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح: تعرض الإمام الفراهي في هذا الكتاب لإبطال ما زعمه اليهود من أن الذبيح إسحاق عليه السلام، والكشف عن تحريفاتهم لإثبات ذلك في التوراة. وقد يظن بعض الناس أن هذه المسألة مسألة فرعية جزئية من التاريخ، سواء إسماعيل كان الذبيح أم إسحاق عليهما السلام. فكلاهما من أنبياء الله ورسله، فليست لذلك أهمية شرعية تستوجب اهتماما كبيرا ، ولكنه ظن لا نصيب له من الصحة.
نظرا إلى أهمية قضية الذبيح الشرعية والتاريخية، نهض الإمام الفراهي لحسم الخلاف والإتيان بفصل الخطاب وإيضاح الحق، قد ألف كتابا قيما حافلا بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة وسماه “الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح”. قد حاول الفراهي في هذا الكتاب أن يثبت بأن إسماعيل عليه السلام هو الذبيح الحقيقي لا غير، وأثبت رأيه أولا من التوراة ومن أقوال علماء أهل الكتاب ثم استدل بالقرآن الكريم بصورة كاملة. وفي الأخير ذكر أقوال علماء الإسلام في هذا الصدد. عندما رأى هذا الكتاب العلامة السيد سليمان الندوي فأعجب به كثيرا وقال: لامانع من أن أقول: “ما رأيت في تاريخ الإسلام رسالة أحسن منها.[14]
القرآن الكريم يحمل في طيات ونظاما معينا من أولو إلى آخره ولا يدكن لأحد أن يقطع أي آية من آياته من النظام الذي يربط بعضها من البعض. والقرآن الكريم يفسر آياته بنفسه فإذا أراد أحد أن يعرف النظام للإنسان في هذا العالم فلا بد أن يرجع إلى النظام الموجود في داخل القرآن الكريم وهذا النظام يهدي إلى منطق جديد دون منطق اليونان ليعرف به الانسان السنن الاتية في الكون والقرآن الكريم. فلا بد أن تدون جميع علومه في ضوء منطق القرآن الكريم ومبادئه. كان للعلامة عبد الحميد الفراهي منهج فريد في التفسير اشتهر به في شبه القارة الهندية. وهو يستحق أن يعد من أوائل المفسرين وممن اخترعوا وأدعوا بأنفسهم القواعد والسنن الخارقة وغاصوا في بحر القرآن. كان الإمام عبد الحميد صاحب مدرسة فكرية، ومنهج جديد في مدرسة القرآن. قام العلامة الفراهي بتأليف العديد من الكتب في الدراسات القرآنية وتناول فيها موصوعات جديدة لم يسبق إليها أحد قبله. يتسم أسلوبه بالجرأة والثقة بالنفس في مناقشة المسائل التي يراها صوابا ولا سيما في المسائل العلمية التي يتسع فيها مجال الأخذ والرد. ومن أببرز خصائص أسلوب كتاباته أنه يمتاز بالرصانة، والجمع بين اتقان الضبط والتدبر العميق، وشرح الدلالات الاستدلالية، بين إظهار مكنونات الضمير بشجاعة نقدية. كان له حسن لغوي وذوق عربي سليم، ولكن مع كل هذاه المزليل التي تجسدت في شخصيته، كانت مزية أخرى غلبت تلك المزايا كلها، وهي حب القرآن الكريم والشغف به طوال عمره. وأكبر دليل على هذا كتابه “مفردات القرآن” الذي يعتبر من أحسن مأ ألف في هذالا الموضوع. أجاد العلامة الفراهي في علوم القرآن وفهمه وتدبره وابتكر في منهجه وأسلوبه في نظامه: يقول سماحة الشيخ أبو الحسن علي الندوي في هذا الصدد: “ولا يأتي ذلك إلا لمن جمع التدبر في القرآن والاشتغال به، والتذوق الصحيح لفن البلاغة والمعاني واليبان في الغة العربية، وبين التشبع من دراسة بعض اللغات الأجنبية والصحف السماوية القديمة، وسلامة الفكر ورجاحة العقل والتعمق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.”[15]
نتيجة البحث:
إن العلامة الفراهي كان من الشخصيات الفذة التي رفعت مستوى اللغة العربية كما رفعت مستوى التصنيف والتأليف لا في الهند وحدها بل في العالم العربي كله. أصبح باجازاته الرائعة في علوم القرآن معجزة للثقافة العربية والدينية حيث يبقي اسمه خالدا في تاريخ علم التفسير في الهند. وكان العلامة الفراهي أنموذجا مشرفا للعالم المسلم، الجامع بين البحر في العلوم العربية والإسلامية، والاطلاع الواسع على العوم العصرية والطبيعية. انقطع العلامة الفراهي فترة طويلة من عمره إلى تدبر القرآن وفهمه ودرسه، والخوض فيه من كل جهة، والنظر فيه من كل جانب. ابتكر العلامة الفراهي منهجا جديدا وأسلوبا فريدا في نظام القرآن وعمل على تطويره وتعميقه حتى جعله فنا مستقلا، قائما على أصول راسخة وقواعد واضحة، استنبط من أساليب القرآن وقواعد اللسان. وجاء في تقريره لم يهتد إليه أحد من السابقين، مما يفتح للمتدبرين في كتاب الله بابا عظيما لفهم أسراره وبلاغته ويسهل عليهم الانتفاع به علما وعملا. والنظام عند الفراهي هو المنهج الصحيح لتدبر القرآن وهو الحكم عند تضارب الأقوال وهو المرجع عند تعدد الاحتمالات، وهو المفتاح الذي تفتح به كنوز حكمة القرآن. لا يلجأ الإمام الفراهي في الكشف عن نظام القرآن إلى مناهج أهل الفلسفة والمنطق، وإنما يعتمد على القرآن نفسه. فالحق أن تفسير القرآن بالقرآن هوالأصل الأصيل عند الإمام الفراهي. لم يقصد العلامة الفراهي من خلال مؤلفاته الاكثار من الـتأليف وإنما الهدف من مؤلفاته هو تقديم الجديد إذا أتت الفكرة ثمارها واستوت على ساقيها. إن معرفة النظام والربط عند الفراهي نصف القرآن، فمن فاته النظام والربط فإنه فاته شيئ كثير من فهم القرآن.
الهوامش:
[1] سيد سليمان الندوي: في ترجمته للفراهي في مقدمة” الإمعان في أقسام القرآن” 1994، دار القلم، دمشق ص، 13
[2] الحسني عبد الحي : نزهة الخواطر، ج8، ص 1267
[3] الفراهي عبد الحميد: حجج القرآن: الحكمة البازغة والحجة البالغة، الدائرة الحيمدية ، عام 2009م ص 28
[4] إصلاحي شرف الدين : ذكر الفراهي ، الدائرة الحميدية عام 2002م ص 67
[5] الفراهي عبد الحميد، فاتحة نظام القرآن، سرائ مير ، أعظم كره، الدائرى الحميدية، ص 7
[6] المصدرالسابق، ص9
[7] ترجمة سيد سليمان الندوي، ص 23
[8] الإمام العز بن عبد السلام: الإشارة الإيجاز في بعض أنواع المجاز المكتبه العلمية، المدينة المنورة ص، 278،
[9] الفراهي عبد الحميد الفراهي: دلائل النظم: الدائرة الحميدية ص 74
[10] المصدر السابق، ص، 17
[11] الفراهي عبد الحميد : مفردات القرآن، ص 4-5
[12] المصدر السابق، ص 8
[13] الفراهي، عبد الحميد: أساليب القرآن: جمع بدر الدين الإصلاحي، سراء مير أعظم كره، الدائرة الحميدية ص 6
[14] الفراهي، عبد الحميد: مجموعة تفاسير فراهي، ص، 43
[15] الفراهي عبد الحميد “إمعان في اقسام القرآن” مقدمة كتبها أبو الحسن علي الندوي، دار القلم، دمشق 1994م