الدكتور شهنواز أحمد*
إن الفن المسرحي فن نشأ في الغرب وبلغ أشده مع مرور بمختلف مراحل الحياة، ثم دخل هذا الفن في الشرق بسبب اتصال العرب بالغرب والاحتكاك بينهم اجتماعيا وسياسيا وثقافيا. فهكذا مصر شاهدت هذا الفن المسرحي في القرن الثامن عشر حينما هاجمت فرنسا عليها بقيادة نابليون بونا بارت سنة 1798م.
واتفق كثير من الباحثين على أن سنة 1847م هي تاريخ ميلاد المسرح العربي، حينما قدم مارون النقاش مسرحيا عربيا خالصا بعنوان “البخيل” الذي كان مأخوذا عن مسرحية “البخيل” للكاتب الفرنسي “موليير”.
إنّ لفظة ترفيه واسعة الدلالة، يدخل فيها معنى التسلية، وعادة تكون تابعة لرد الفعل والاستجابة عند المشاهد، وتفسر على أنها إشباع للحواس. فعلاقة الفن بالحياة علاقة متينة، فالفنان يقبل على الحياة بكل حواسه، وينظر إلى جميع شعبها، وهو مع ذلك إما أن يرى فيها نقصا يريد استكماله بوسيلة فيه، أو يرى فيها كمالا يسعى لمحاكاته، وفي كلا الحالتين يلقي الضوء على الحياة بجميع قوته في فنه.
لقد أدرك أولئك الذين حاولوا تأصيل المسرح العربي، أهمية العنصر الترفيهي في الفن المسرحي، وأيقنوا أن العمل المسرحي، يأخذ مكانته، وقيمته الفنية ممّا يقدّمه من تهذيب وتثقيف وتوجيه، وبما يحتويه من عنصري التشويق والمتعة. لذا فإن نجاح العمل المسرحي عند المؤصلين المسرحيين يتوقف على تحقيق عناصر ثلاثة يمكننا أن نلقي الضوء عليها في السطور التالية:
فالعنصر الأول قوة الإيهام، يتبيّن أن نسيان المشاهد كيانه الذاتي أو وجوده المؤقت، ليدخل في مشاركة الممثلين لعبتهم على المسرح، في الحياة التي يعرضونها، وواقعهم الذي هو في الأصل واقع المشاهد، يعطيه إحساساً بالمتعة.
الإيهام هو ان يأتي الكاتب أو الفنان بلفظ يوهم معنى لايراد وإنما المراد معنى آخر، فهو عملية الاقتناع بان ما يعرض على خشبة المسرح هو غير حقيقي وغير واقعي وغير صادق.
والعنصر الثاني هو عنصر المشاركة، هو عنصر هام من عناصر المتعة وهو أحد العوامل المؤثرة في العمل المسرحي، إذ يستطيع الكاتب المسرحي أن يوصل ما يريد إلى المتفرج من خلال رسالة يؤديها دون افتعال أو خطاب مباشر، أضف إلى ذلك أهمية المشاركة في تلقي الأثر الفني، فعندما تشترك مجموعة ما في مشاهدة عمل مسرحي، فإن التأثير الجامع يكون أقوى وأبعد، وهذا ما يسمى بالتجاوب أو الاستجابة بين المسرح والجمهور، فالمشاهدة المشتركة للمسرحية فرصة لاجتماع الناس حول مشاعر موحدة، وقد تطرح هذه المشاركة نوعاً من الراحة النفسية والطمأنينة، وتشعر المتفرج بالمتعة والراحة.
والعنصر الثالث هو التشويق والحركية، وهو إثارة اهتمام المشاهد عن طريق إحساس داخلي من القلق الممزوج بالمتعة ،وهذا الاهتمام يخلق ترقبا لفترة محددة يعقبها إشباع وراحة من التوتر. فإنه يعتمد على إثارة المفارقات، والمفاجآت التي تلقى قبولاً واستحساناً يسعد المتفرج، ويملؤه غبطة وحبوراً.
هو إثارة نزعتي الخوف والأمل في نفس المشاهد، الخوف علي مصير الشخصية، والأمل في نجاتها ويتم عن طريق إثارة اهتمام المشاهد عن طريق تحريك شئ من القلق الممزوج بالمتعة هذا الاهتمام يخلق ترقباً لنتيجة ما لفترة زمنية محددة حتي إذا فُجرت الذروة المسببة لذلك التوقع حدث إشباع الاهتمام.
ولعل المؤصلين المسرحيين العرب في دعوتهم إلى الاستمداد من التراث العربي، والتركيز على الواقع المعيش في العملية المسرحية، كانوا على وعي تام للدور الترفيهي للمسرح الذي يحقق عملية التواصل، ومن ثم القدرة على توصيل الرسالة المراد قولها، ولتفسير هذه الظاهرة لابد أن نشير إلى أن مجرد مشاهدة عمل مسرحي يستمد مادته من التراث، بما يحويه من شخصيات وأفكار ومعتقدات، يُشعر المتفرج بمتعة الإطلاع على حياة الأسلاف، في مرحلة من مراحل الحياة، وهذا يُعدّ اكتشافاً، والاكتشاف بحد ذاته متعة.
أما إذا تعرض العمل المسرحي إلى قضية صراع الإنسان للسيطرة على عالمه، وهو يناضل في سبيل تحقيق وجوده، فإن مجرد شعور المتفرج بقوة الإنسان وقدرته تعطي نوعاً من المتعة، ونشوة الانتصار.
أما عندما يعرض العمل المسرحي الحياة الواقعية فهو يكشفها، ويكثّفها، ويحللها ويشير إلى العادات والتقاليد، ويركز على دقائق الأمور فيها، عن طريق التمحيص والتكثيف، ومحاولة تصحيح المسيرة، ومجرد شعور المتفرج بأنه جزء من هذا الواقع، وهو مسؤول عن تصحيح ما يعتريه من أخطاء وما يحكمه من فساد، يشعره بالمتعة.
فلهذا نقول أن هذا الفن المسرحي من اختصاص الإنسان، وفلذا لا يمكن أن يحتل الحيوان أو الأثاث دور الصدارة في المسرحية أو دورا أهم من دور الإنسان فيها، لكن يمكن لهذه الأشياء دور كبير في المسرحية، كما في حياتنا اليومية دور متميز لهذه الأثاث والحيوانات.
وهكذا فإن الفن المسرحي هو النشاط الذي يتأمل فيه الإنسان نفسه، ويعايشها، لذا فهو يحدث أثره ويحقق دوره كنشاط اجتماعي، ومن ثم فإن أثره يكون مزدوجاً، فهو من جهة يخلق الانفعال والرغبة في التغيير، ومن جهة أخرى يوفر اللذة بمجرد اكتشاف الإنسان أنه يتمرد في الاتجاه الإيجابي، حيث يعانق الحقيقة البشرية الكلية.
* أستاذ ضيف فى قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة خواجه معين الدين جشتي الأردية والعربية والفارسية بلكناؤ، الهند.
المراجع والمصادر
- الأدب القصصي والمسرحي في مصر: محمد حسين هيكل، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة 1983م.
- أضواء على تاريخ المسرح العربي: طليمات، زكي، محاضرات الموسم الثقافي الرابع، مطبعة حكومة الكويت، 1958م.
- دراسات في الأدب العربي الحديث ومدارسه: الدكتور عبد المنعم الخفاجي، ج2، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت 1992م.
- دراسات في الأدب المسرحي: دكتور سمير سرحان، دار غريب للطباعة، القاهرة.
- دراسات في القصة والمسرح: محمود تيمور، مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1998م.
- دراسات في المسرح: د. فؤاد علي حارز الصالحي، دار الكندي للنشر والتوزيع، الأردن 1999م.
- فن كتابة المسرحية: د. رشاد رشدي، الهئية المصرية العامة للكتاب.
- فن المسرحية: میلیت، فرد ب. و بنتلي، جیرالد إیدس، ترجمة صدقي حطاب، مؤسسة فرنكلین للطباعة والنشر، نیویورك، 1966م.
- قضايا المسرح المعاصر: سامي خشبه، منشورات وزارة الاعلام –الجمهورية العراقية 1977م.
- مراجعات في المسرح العربي منذ النشأة حتى اليوم: فرحان بلبل، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، بدمشق 2001م.
- المسرح: محمد مندور، نهضة مصر، القاهرة 1989م.
- المسرح بين الفن والحياة: د. نهاد صليحة، مهرجان القراءة للجميع 2000م مكتبة الأسرة.
- المسرح بين الفن والفكر: د. نهاد صليحة، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م.
- المسرح في الشرق –دراسة في الرقص والمسرح في آسيا: فوبيون باورز، ترجمة أحمد رضا محمد رضا، دار الكتاب العربي للطباعة والنشربالقاهرة.
- المسرح في الوطن العربي: د. علي الراعي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1979م.
- المسرحية في الأدب العربي الحديث – 1847-1914م: الدكتور يوسف نجم، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت- لبنان 1999م.
المسرحية في الأدب العربي الحديث –تأريخ، تنظير، تحليل: د. خليل الموسى، من منشورات اتحاد الكتاب العرب 199