محمد سراج الإسلام

الباحث في الدكتوراه في جامعة جواهر لال نهرو، نيو دهلي

 

الملخص:

تبذل المملكة العربية السعودية بصفتها دولة إسلامية جهودا مشكورة على مختلف الصعد في نشر الثقافة الإسلامية وترويج الدراسات الدينية في شتى أرجاء المعمورة. فتقوم ببناء المساجد والمراكز التعليمية في جميع بلدان العالم، وخاصة في  بلاد الأقليات الإسلامية لتعليم أبناء المسلمين العلم الشرعي والثقافة الإسلامية، وتتيح الفرصة للطلاب المسلمين لتعلّم الدراسات الإسلامية في الجامعات السعودية، وتوفر المنح الدراسية لمواصلة دراستهم. كذلك تحاول نشر الثقافة الإسلامية من خلال عقد الندوات والمؤتمرات العالمية حول الثقافة الإسلامية، وتقوم بتأسيس المنظمات والرابطات العالمية والإسلامية لخدمة الإسلام ونشر الثقافة الدينية، وتقدّم الجوائر العالمية للذين يقومو بنشر الإسلام، وتهتم بعقد المسابقات الدولية بين حفاظ القرآن الكريم لتشجيعهم على تلقّى العلم الشرعي، كما تقوم بنشر المجلات الدينية، وإذاعة البرامج الإسلامية، وإصدار الفتاوى والخطب والمحاضرات والدروس عبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية وشبكة الأنترنت. وتخصص العلماء الكبار لإلقاء الدروس والمحاضرات في مختلف اللغات بين الحجاج الكرام والمعتمرين والعمال، وتوزع الكتب الدينية، والأقراص المدمجة، ونسخ القرآن الكريم وتراجمه وتفاسيره مجانا.

الكلمات المفتاحية:

المملكة العربية السعودية، والثقافة الإسلامية، والمساجد، والقران الكريم، والمؤتمرات، والانترنيت

 

المقدمة:

قامت المملكة العربية السعودية في عام 1932م بيد الملك عبد العزيز رحمه الله، وعزم كل من قادتها على الالتزام بالكتاب والسنة التزاما تاما، واتخاذ المنهج الشرعي، وتطبيقه تطبيقا عمليا في كل مناحي الحياة، وفي جميع أوجه النشاط الإنساني: في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والعادات، والتقاليد، والاجتماع، والثقافة، والتربية والتعليم، والأجهزة الرسمية والشعبية، والمصالح الحكومية، وسائر المرافق. واستندت المملكة في كل أحكامها وجميع شؤونها إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما أجمع عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، وحملت على عواتقها مسؤولية الدعوة الإسلامية ونشر الثقافة الإسلامية في أنحاء العالم. فلا تزال تعمَل منذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز رحمه الله لخدمة الإسلام والمسلمين ونشر الدعوة الإسلامية، وتبذل كل الجهود لترويج الثقافة الإسلامية في أقصاء المعمورة. فيهدف هذا البحث إلى الكشف عن جهود المملكة المباركة التي قامت وتقوم ببذلها في نشر الثقافة الدينية من خلال طرائق مختلفة في العالم بأسره. وقبل الخوض في صلب الموضوع أناسب أن أذكر تعريف الثقاقة.

تعريف الثقافة:

جاءت كلمة (الثقافة) ومشتقاتها في اللغة العربية لِمَعانٍ عدة، منها: الحذق والفطنة، وسرعة أخذ العلم وفهمه، والتهذيب، وتقويم الأشياء. يقال: ثقُف الرجل ثقفا وثقافة: أي صار حاذقا فطنا، وثقفتُ العلم أو الصناعة في أوهى مدة: إذا أسرعت أخذه، ويقال: ثقّف الصبيّ: أي أدّبه وهذّبه، وثقّف الرماح: أي سوّاها وقوّم اعواجها.

وقد تستعمل مادة (الثقافة) بمعنى الأخذ والإدراك والظفر)[i]، كما في قوله تعالى: “واقتلوهم حيث ثقفتموهم” (النساء: 91)، وقوله تعالى: “فإما تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلهم يذّكّرون” (الأنفال: 57).

ويتضح من عرض المعاني المتعددة لكلمة (الثقافة) في اللغة العربية –كما ذكرت المعاجم اللغوية- أنها تستعمل في الأمور المعنوية والحسية، غير أن دلالتها على الأمور المعنوية والعقلية أكثر من دلالتها على الحسيات[ii].

تعريف الثقافة اصطلاحا:

لا نجد عند العلماء القدماء مفهوما اصطلاحيا للثقافة، لأن هذه الكلمة لم تكن شائعة الاستعمال عندهم. وحينما دخلت الثقافة الإسلامية – بوصفها علما- في حياة المسلمين المعاصرة، انتشر التعبير بهذه الكلمة، فأصبحنا نصف فلانا بأنه مثقف أو واسع الثقافة. وعلى هذا، جاء تعريف الثقافة بالمعنى الاصطلاحي تعريفا حديثا على يد المجمع اللغوي الذي عرّفها بأنها: جملة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق بها”[iii]. وعرّفها علماء الإنسان بأنها: أسلوب الحياة في مجتمع ما بما يشمله هذا الأسلوب من تفصيلات لا تحصى من السلوك الإنساني. وعرّفها بعض المفكرين المسلمين بأنها التراث الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية الذي تمتاز به الأمة وينسب إليها، ويتلقاه الفرد منذ ميلاده حتى وفاته[iv].

أما التعريف الاصطلاحي للثقافة عند العلماء والمفكرين للغرب، فعرّفها جون لوك (J.Lock) بأنها تهذيب العقل أو تهذيب الإنسان. وعرّف كلباترك (W.H. Kilpatrick) الأمريكي بأنها: كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من مظاهر البيئة الاجتماعية[v].

تعريف الثقافة الإسلامية:

قد اختلفت أقوال المعرفين لها، من حيث المعاني السابقة وخاصية ثقافة كل أمة، فجأت تعريفات متعددة للثقافات الإسلامية تبعا لتعدد اتجاهات:

يرى بعض العلماء والمفكرين أن الثقافة الإسلامية مصطلح يعبر عن حياة الأمة الإسلامية، وهويتها الدينية والحضارية، فعُرّفت الثقافة الإسلامية على هذا الأساس بأنها: معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، من دين، ولغة، وتاريخ، وحضارة، وقيم، وأهداف مشتركة.

ويرى بعض منهم أنها مصطلح يعبر عن مجموع العلوم الإسلامية الصرفة أو الشرعية، فعرفت الثقافة الإسلامية على هذا الأساس بأنها: معرفة مقومات الدين الإسلامي بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، والمصادر التي استقيت منها هذه المقومات.

ويرى الآخرون أنها مصطلح يعبر عن علم جديد، يضاف إلى العلوم الإسلامية، وهو علم ظهر نتيجة التحدّيات المعاصرة للإسلام والأمة الإسلامية، فعرفت على هذا الأساس بأنها: معرفة التحدّيات المعاصرة المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامي[vi].

و هناك جاء تعريف جامع للثقافة الإسلامية، بأنها: مجموعة المعارف والمعلومات النظرية، والخبرات العملية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، التي يكتسبها الإنسان، ويحد على ضوئها طريقة تفكيره، ومنهج سلوكه في الحياة[vii].

خصائص الثقاقة الإسلامية:

تمتاز الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات بمجموعة من المزايا والخصائص، لعل أبرزها ما يلي:

ربّانية المصدر: من المعلوم أن الثقافة الإسلامية مصدرها الرئيسي القرآن الكريم والسنة النبوية واجتهادات علماء الأمة، وهي مختلفة تمام الاختلاف عن الثقافات الأخرى، فهي جديرة بأن يكتب لها الخلود وأن تحقق الريادة.

التوازن: تحقق الثقافة الإسلامية التوازن لكون طبيعة الإسلام الذي هو مصدر الثقافة الإسلامية متصفة بالتوازن والتواسط، فتوازن بين المادة والروح، وبين العلم والإيمان، وبين العقل والوجدان.

الشمول: تغطّي الثقافة الإسلامية كل جوانب الحياة، وتشمل آباد الزمن، وتنتظم آفاق الأمم، وتستوعب شؤون الدنيا والآخرة، غير محدودة بعصر ولا جيل، ولا بمكان ولا أمة، ولا بشعب ولا طبقة.

الإنسانية: إن الثقافة الإسلامية قائمة على حقيقة واحدة وهي أن الإنسان كلهم مخلوق مكرم على سائر المخلوقات، ومستخلف في هذه الأرض، ومسخر له كل ما فيه، وأن الناس متساوون، ومعيار تفاضلهم هو العمل لا شيء غيره، وتنظر إلى الإنسان جمعاء بحيث الإنسانية، ولا تفرق بين جنس ولا لون ولا عرق.

عالمية الثقافة الإسلامية:

عالمية الثقافة الإسلامية: هي محاولة مجتمع معين تعميم نموذجه الثقافي على المجتمعات الأخرى بوسائل سياسية، واقتصادية، وثقافية، وتقنية[viii]. ولاشك في أن الثقافة التي تمتلك الخصائص المذكورة هي جديرة بأن تسود العالم وأن تحقق العالمية. لا نفترض أن يكون الناس جميعا على دين أو مذهب أو فلسفة أو فكر واحد، لأن الدين الإسلامي يعلّمنا بنص صريح أن ذلك مستحيل، ومنطق العقل والوعي لا يؤيده. ولكننا ندعو إلى المحافظة على قيم فطرتنا الإنسانية المشتركة التي لاتعبّر فقط عن خاصية دينية، ولا فكرية، ولا ثقافة معينة، بل تدعو جميع الإنسان من حيث الإنسانية، ميّزهم الخالق بالعقول والقيم المشتركة عن بقية المخلوقات.

إن الإسلام دين الله للبشرية جمعاء، ومحمد صلى الله عليه بعث رسولا إلى العالم أجمع. قال تعالى: “ومآ أرسلناك إلا كآفّة للناس بشيرا ونذيرا” (سبأ: 28). ونحن المسلمين مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الثقافة الإسلامية على النطاق العالمي. قال تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” (آل عمرأن: 110). فيجب على المسلمين أن يبذلوا كل الجهود في نشر الثقافة الإسلامية عالميا.

جهود المملكة العربية السعودية في نشر الثقافة الإسلامية عالميا:

تتخذ المملكة العربية السعودية لنشر الثقافة الإسلامية عالميا طرائق مختلفة، وتتنوع أوجه جهودها، ولاتتوقف على نشاط أو مجال معين، فمن تلك  الجهود والطرائق المتعددة التي تمارسها ما يلى:

موسم الحج العمرة:

 لا يجحد أحد أهمية موسم الحج العمرة في انتشار الثقافة الإسلامية من المملكة إلى أنحاء العالم، بحيث أن الناس يأتون إلى المملكة العربية السعودية من أرجاء المعمورة لأداء فريضة الحج والعمرة، فتنتهز المملكة هذه الفرصة الطيبة لنشر الثقافة الإسلامية بين الحجاج والمعتمرين، وتبذل كل الجهود لتعميم الثقافة الإسلامية بينهم. فمن ضمن هذه الجهود المباركة تخصيص العديد من العلماء الكبار لإلقاء الدروس والمحاضرات في اللغات المختلفة في أثناء هذه المناسبة المباركة، وتوزيع المصاحف على حجاج بيت الله الحرام بحيث يعطي لكل حاج هدية مصحف القرآن الكريم وترجمته، وإضافة إلى المطبوعات الإرشادية التي تتكون من أربعة كتب وشريط لكل حاج بلغة بلاده، فيرجع الحجاج إلى بلدانهم ومعهم بعض الكتب الإسلامية أو النسخ من القرآن الكريم، مما يساعدهم على فهم الثقافة الإسلامية والتهذب بها.

إسهام العلماء السعودين:

مما لا شك فيه أن المملكة قد أنجبت عددا كبيرا من العلماء الجهابذة الذين تخصصوا في الدراسات الإسلامية، واشتهروا في مجال التدريس والتعليم والصحافة والتأليف عالميا، وأسهموا إسهاما كبيرا في تعميم الثقافة الإسلامية في العالم كله. فمن أشهر العلماء الذين يشار إليهم بالبنان الشيخ ناصر الدين الألباني، الشيخ ابن عثيمين، والشيخ ابن باز، وعبد الرحمن السديس، وسعود الشريم، وعبد الرحمن العشماوي، وغازي القصيبي، وغيرهم.

طِباعة الكتب الدينية وتوزيعها مجانا:

تعتني المملكة بطباعة الكتب القيمة النافعة ونشرها مجانا لصالح ترويج الثقافة الإسلامية، وأول تلك الجهود المباركة كانت وقفيات مؤسس الدولة الملك عبد العزيز من الكتب المفيدة، أما الكتب التي قام الملك عبد العزيز رحمه الله بطباعتها على نفقته الخاصة، أو ساعد على طباعتها ونشرها فهي كثيرة جدا، وبلغ عددها ثمانية وتسعين كتابا، كلها في التفسير والحديث والفقه والعقيدة والتاريخ الإسلامي، والآخلاق، والآداب الإسلامية[ix]. وفي الوقت الحالي يتم الطبع والتوزيع لعدد ضخم من الكتب الإسلامية في مناسبات مختلفة، كموسم الحج والعمرة، أو في معرَض الكتب الدولي المنعقد في الدول المختلفة، أو مناسبات أخرى.

المكتبات:

لاتخفى على أحد أهمية المكتبة في نشر الثقافة الإسلامية، فنظرا إلى أهميته، تهتم المملكة العربية السعودية اهتماما لاحدّ له بتزويد المكتبات من الكتب المفيدة وتسخيرها لفائدة عامة الناس، لكي يمكن لزائرها الاستفادة من كتبها قرأة وتحميلا، بل بعض المكتبات يمكن تنزيلها على الكمبيوتر كالمكتبة الشاملة. ومن المكتبات السعودية الهامة: المكتبة الرقمية السعودية، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، مكتبة دارة الملك عبد العزيز، مكتبة الملك فهد الوطنية، وغيرها من المكتبات التي تضم عددا من الكتب النفيسة والمخطوطات النادرة والمطبوعات القيمة التي تفيد أي باحث، وتثري أي طالب علم، وتساعد على نشر الثقافة الإسلامية في داخل المملكة وخارجها.

الترجمة:

لايخفى على كل ذي بصيرة الدور الحيوي الذي تؤديه الترجمة في نقل حضارات الشعوب وثقافاتها وفي التفاهم بين الشعوب التي تعددت ألسنتها، فتحظَي الترجمة في العصر الحديث باهتمام منقطع النظير لكونها جسر التواصل بين الثقافات والحضارات، وتعد حركة الترجمة منذ قديم الزمان أهم وسيلة في إثراء الثقافات وتزويدها بالتعارف، فنظرا لأهميتها أولت إليها المملكة عنايتها البالغة، وعينت عددا من المترجمين ألذين يقومون بترجمة الكتب المشتملة على الثقافة الإسلامية إلى مختلف اللغات المتواجدة في العالم، ثم يتم توزيعها مجانا بين الشعب.

تعمير المساجد:

لا يجحد أحد أهمية المساجد في غرس الثقافة الإسلامية في قلوب الشعب، فيربط بها الناس روحيا، ويتأثرون بأقوال أئمتها دينيا وخلقيا وثقفيا. فنظرا لأهميتها، تقوم المملكة بالتمويل لإنشاء المساجد، وإعمارها وصيانتها، لتؤدي أهدافها، وتنجز أغراضها الإيمانية وتنشر الثقافة الإسلامية. فأنشئت آلاف المساجد في مختلف أنحاء العالم، ومازالت تنشأ بإنفاق قادة المملكة، وأغنيائها ومحسنيها.

طِباعة المصاحف وتوزيعها:

من المعلوم أن القرآن الكريم هو مصدر الثقافة الإسلامية، ويهتم المسلمون به قراءة، وحفظا، وفهما، فأولت المملكة جلّ عنايتها بخدمة القرآن الكريم، من حيث طباعته وترجمته ونشره وتوزيعه مجانا. وأنشأت مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عام 1405ه. ويعتبر هذا المجمّع صرحا إسلاميا شامخا الذي خصص لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية، ويعد من أكبر المطابع المتخصصة في العالم، وتكمن أهميته في طبيعة عمله التي تجعله واحدا من أهم مراكز البحث العلمي في مجال القرآن الكريم وعلومه، والسنة النبوية المطهرة في العالم[x]، فنجد المصاحف المطبوعة من هذ المجمع موضوعة في أدراج المساجد في مختلف البلاد. كما يقوم المجمع بترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف لغات العالم، فالآن بلغ عددها 44 لغة[xi]. والعمل جار لإنجاز ترجمات أخرى. فيقدّم المجمع ترجمات صحيحة لمعاني القرآن الكريم، ويحمي المسلمين من أخطار الترجمات المحرفة التي تقوم بإعدادها وطبعها ونشرها بعض الفئات المنحرفة مثل القاديانية والباطنية، أو مراكز الاستشراق والتنصير المنتشرة في كثير من أقطار العالم، وذلك لزعزعة العقيدة الصحيحة في نفوس المسلمين. وفضلا عن ذلك، يقوم المجمع بإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة والسيرة النبوية، وبإعداد المعاجم الخاصة بالقرآن الكريم، وبتسجيل تلاوة القرآن الكريم بأصوات مشاهير القراء، وترجمة معانيه على أشرطة الكاسيت، والأقراص المضغوطة C.D..

الاهتمام ببناء المدارس والمراكز التعليمية:

تهتم المملكة اهتماما كبيرا بإنشاء المدارس الإسلامية والمراكز التعليمية في جميع أنحاء العالم، وتنفق أموالا طائلة على الطلاب والمدرسين والأدوات الدراسية وغير ذلك. لأن المدارس ودور العلم تعتبر من المؤسسات الهامة التي تعتني بالعلم الشرعي ونشره، وتهتم بأبناء المسلمين وتعليمهم وتربيتهم وتخريج أجيال متعلمة صالحة تثقف الأمة بالثقافة الإسلامية. فمن أهم المدارس في الهند الجامعة السلفية ببنارس، الجامعة الإسلامية بسنابل، جامعة الإمام ابن تيمية وغيرها.

الإنفاق في مجال الدعوة إلى الله:

يتنوع هذا الإنفاق ليشمُل مناشط عديدة لنشر الثقافة الإسلامية بين المسلمين أو غيرهم، فتنفق أموالا كثيرة على الدعاة الذين يقومون بالدعوة إلى الله، وبنشر الدين بين عامة الناس في داخل المملكة وخارجها، وتقدّم إليهم دعما ماديا ومعنويا، وتتكفل بنفقاتهم وتنقلاتهم واحتياجاتهم، وتساعدهم كل المساعدة للقيام بأعمالهم في أحسن طريقة. فنجد  عددا كبيرا من الدعاة الذين يعملون داخل المملكة بين العمال الذين يأتون إليها للعمل، كما نجد قائمة طويلة من الدعاة الذين يعملون خارج المملكة في أرجاء المعمورة، ويأخذون رواتبهم من المملكة. وكذلك تنفق المملكة على المدعوين، لتأليف قلوبهم على الإسلام، وتثبيتهم عليه، وتحبيب الدين إليهم. فهناك مئات الجمعيات الخيرية التي تقوم بإيصال إحسان المحسنين وصدقاتهم داخل المملكة وخارجها لنشر الثقافة الإسلامية.

المنظمات والهيأت الإسلامية:

تقوم المملكة ببذل العطاء والعون على المنظمات والهيئات والمؤسسات الإسلامية التي تهتم بأحوال المسلمين وبنشر الثقافة الإسلامية في مختلف دول العالم، كمركز عبد الله بن عبد العزيز  الدولي لخدمة اللغة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، والرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وجمعية أهل الحديث في مختلف البلاد، وغيرها من الهيئات والمؤسسات التي تحاول كل المحاولة لنشر الثقافة الإسلامية عالميا بواسطة طرائق مختلفة.

الندوات والمؤتمرات:

تنظم المملكة الندوات والمؤتمرات في داخل المملكة وخارجها، وتدور موضوعاتها حول الثقافة الإسلامية، فيقدم فيها الباحثون والمتخصصون ورقاتهم البحثية القيمة، ويعرضون الاقتراحات والتوصيات لإمكانيات نشر الثقافة الإسلامية في العالم بأسره. كما انعقد مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر حول الثقافة الإسلامية- الأصالة والمعاصرة، نظمته رابطة العالم الإسلامي بين الفترة 28-30 سبتمبر 2014م. ويقول الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور يوسف القرضاوي: إن المملكة قد بذلت جهودها في تنظيم مؤتمرات تاريخية متخصصة، حضرتها شخصيا، من بينها المؤتمر الأول للفكر الإسلامي، المؤتمر الأول للتعليم العالمي، والمؤتمر العالمي الأول للتوجيه ودعوة الدعاة، والمؤتمر العالمي الأول لمحاربة المخدرات والتدخين والقات، والمؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، فكل تلك المؤتمرات وضعت اللبنات الأساسية لإيجاد تنظيمات لعمل إسلامي مشترك في عدة مجالات متخصصة[xii].

الجامعات السعودية:

توجد في المملكة عديد من الجامعات والمراكز التعليمية التي يتم فيها تخصيص المقاعد للطلاب الخارجين، ويتوجه إليها الطلاب من كل دول العالم للدراسة فيها، وينهلون من معين المملكة الصافي، ويعودون إلى بلادهم دعاة علم ونور وخير وحب وسلام. فمن أشهر الجامعات في المملكة: الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، جامعة أم القرى في مكة المكرمة، وجامعة الملك عبد العزيز  في جدّة، وغيرها. والجدير بالذكر أن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تلعب دورا رياديا منذ نشأتها في نشر العلم الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، حيث تخرج فيها آلاف من طلبة العلم من مختلف بلدان العالم الإسلامي الذين  كان لهم الأثر البالغ في نشر علوم الشريعة والثقافة الإسلامية.

تنفيذ الحدود:

ليس في العالم بلد يقيم الحدود ويعلن عن تنفيذها في نشراته الأخبارية الرسمية أمام العالم كله إلا البلاد السعودية، فتقوم بتنفيذ الحدود الشرعية علنيا وتظهر الثقافة الإسلامية في داخل المملكة وخارجها.

عَلَم المملكة:

من المعلوم أن علم المملكة يحمل الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فلا نجد في علم من أعلام دول العالم كله مكتوبة فيه كلمة الشهادتين إلا علم المملكة الذي يرتفع فوق إدارتها ووزاراتها، وسفاراتها، ومكاتبها وقنصلياتها المختلفة في أرجاء العالم، ويظهر الثقافة الإسلامية أمام الناس.

الصِحافة:

لا يشك أحد أن الصحافة تلعب دورا بارزا في نشر الثقافة الإسلامية  في أوساط الناس، لأنها واسعة الانتشار، وتعطي تفاصيل أكثر للأخبار التي تنقلها الإذاعات والتلفازات، ومع استخدام الصحف لتقنية الأقمار الصَناعية أصبح انتشارها واسعا على نطاق دولي. فاهتمت المملكة بالإعلام المكتوب بشكل كبير، فهناك قائمة طويلة من الصحف والجرائد اليومية والمجلات الشهرية أو نصف شهرية، سواء كانت حكومية أو شخصية، تعتني بنشر الثقافة الإسلامية بجانب من نشر الأخبار، بل تكون فيها ملحقات خاصة في المناسبات الدينية، كشهر رمضان، ويوم الجمعة، وموسم الحج، أو أثناء انعقاد مؤتمر أو ندوة عن الموضوعات الإسلامية. فمن أشهر الصحف والجرائد: جريدة المدينة المنورة، وجريدة الرياض، وجريدة رياض ديلي بالإنجليزية، وجريدة الجزيرة، وجريدة عكاظ، وجريدة عرب نيوز بالإنجليزية وغيرها. وأما المجلات الشهيرة فهي: مجلة الدعوة، ومجلة المنهل، ومجلة الفيصل، والمجلة العربية، ومجلة اليمامة، وغيرها من المجلات التي تنشر العديد من المواضيع المتعلقة بالثقافة الإسلامية.

القنوات الإذاعية والتلفزيونية:

تبذل مؤسسات الإنتاج الإذاعي والتلفازي في المملكة جهودا طيبة في مجال إشاعة الإسلام عالميا. وتعد الإذاعة أكثر انتشارا من وسائل الإعلام، وتخاطب جميع الفئات باختلاف مستوياتهم التعليمية. فالمذياع وسيلة مناسبة للمسلم كي يستمع إلى القرآن الكريم والبرامج الدينية الأخرى في سفره وتنقله، ويمكن عبر الإذاعة إيصال التلاوات القرآنية والبرامج الدينية إلى المسلمين في كثير من الدول الإسلامية، ومن المعلوم أن الإذاعة تعتمد على الكلمة، وللكلمة تأثير قوي، ولاسيما إذا ارتبطت بالعاطفة الدينية، فتستطيع الإذاعة أن تقوم بشكل مؤثر بإثراء الدروس العلمية ونشر الثقافة الإسلامية. فمن أشهر القنوات الإذاعية، إذاعة التوعية الإسلامية في الحج، وإذاعة القرآن الكريم من مكة المكرمة، وإذاعة نداء الإسلام، وإذاعة جدة، وإذاعة الرياض، وإذاعة البرنامج الأوربي وغيرها.

إن التلفاز أعمق أثرا من وسائل الإعلام في قلوب الناس، لما له من عناصر جذب وتشويق، ولقدرته العالية على الإقناع. فينقل التلفاز معلوماته إلى مشاهديه عبر الصوت والصورة، ويقرر العلماء أن الإنسان يكتسب 97% من معارفه عبر حاستي السمع والبصر، فهو وسيلة تحمل رسائلها إلى كل بيت مما يسبب وصول المعلومات إلى الناس وهم جالسون أو متكئون. وتبرز أهمية استخدام التلفاز في مجال نشر الثقافة الإسلامية، من حيث يمكن بث الثقافة والمعرفة لجميع فئات وطبقات المجتمع. ويفوق التلفاز جميع الوسائل الأخرى في مجال البرامج العلمية، وفي تعليم الناس عن الإسلام وأحكامه. وتعمل في التلفاز السعودي قناتان: إحداهما باللغة العربية، والأخرى بالإنجليزية. وتقدم كل منهما البرامج دات الطابع العلمي والديني. ومن أشهر  القنوات التلفزيونية في السعودية: قناة القرآن الكريم، وقناة السنة النبوية، والقناة الثقافية، وقناة إقرأ، والقناة السعودية، وقناة ابن عثيمين، وقناة فور شباب، وغيرها من القنوات التي تهتم بإشاعة الثقافة الإسلامية.

شبكة الإنترنت:

تعد شبكة الإنترنت من أحدث الوسائل الإعلامية التي تصل إلى ملائين الناس، وفي هذه الشبكة مواقع سعودية عديدة تعتني بالقرآن الكريم والسنة المطهرة والعلوم المتعلقة بهما، وأول موقع اتخذ هذا الإجراء هو موقع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية[xiii]. وتحرص المملكة كل الحرص أن تسخدم الانترنت لخدمة الإسلام والمسلمين، فهناك عديد من المواقع الرسمية والشخصية التي تهتم بإذاعة القرآن الكريم، حيث يستطيع زائرها الدخول إلى الإذاعة وسماع برامجها، كما تجعل المملكة كثيرا من الكتب الدينية والدروس والمحاضرات والخطب والفتاوى والفيديو على شبكة الانترنت واليوتيوب لنشر الثقاقة الإسلامية لكي يسهل لكل شخص الزيارة والاستفادة منها قرأة واستماعا ومشاهدة وقياما بتحميلها.

الحواشي:

[i]. لسان العرب، ابن منظور 9/19، أساس البلاغة، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري 1/110، مختار الصحاح، محمد بن أبو بكر بن عبد القادر الرازي 1/49.

[ii] . أضواء حول الثقافة الإسلامية، أحمد السايح، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، 1993م، ص 14-15.

[iii] . بحث “الثقافة الإسلامية: تعريفها، نشأتها، وخصائصها” للدكتور مفرح بن سليمان القوسي، تم تقديمها في مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر، رابطة العالم الإسلامي، ص 6.

[iv] . دراسات في الثقافة الإسلامية، دكتور رجب سعيد شهوان وآخرون، ص 8.

[v]. بحث “الثقافة الإسلامية: تعريفها، نشأتها، وخصائصها” للدكتور مفرح بن سليمان القوسي، تم تقديمها في مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر، رابطة العالم الإسلامي، ص 7.

[vi] . دراسات في الثقافة الإسلامية، دكتور رجب سعيد شهوان وآخرون، ص 11-12.

[vii] . الثقافة الإسلامية تعريفها مصادرها مجالاتها تحدّيتها، الأستاذ الدكتور مصطفى مسلّم والأستاذ الدكتور فتيحي محمد الزعبي ص 18.

[viii] . بحث “عالمية الثقافة الإسلامية في عصر العولمة”، الدكتور محمد الأمين سيد المختار شعيب، تم تقديم إلى مؤتمر مكة المكرمة الخامس عشر، ص 10.

[ix] . بحث “الوقف وأثره في نشر الدعوة وجهود المملكة العربية السعودية في هذا المجال”، عبد الرحيم بن محمد المغزي، تم تقديمه في المؤتمر المنعقد في مكة المكرمة عام 1422ه،  ص 64.

[x] . تقرير “جهود المملكة العربية السعودية في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم من خلال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة”، مركز الترجمات، ص 8.

[xi] . جريدة الرياض، العدد 15511، 12 ديسمبر 2010م.

[xii] . WWW.al-madina.com. 20/12/2010

[xiii] . ندوة “عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه” المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة في الفترة من 3-6 رجب 1421ه، ص 560.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *