*محمد تائب راعن

إن القرن العشرين وما بعده يعد قرنا حاسما حيث وقعت فيه تغيرات كبيرة وتقلبات مختلفة وتجدد الأدب العربي فيه خاصة النثر العربي وبدأ يعمل بمعالجة اللغة العربية وأساليب الكتابة، ويأخذ شكلا جديدا غير شكل الرسالة والمقامة وما إليهما. وشاعت الفنون المختلفة التي تسربت إلى الأدب العربي من الأدب الغربي من الرواية والمسرح والقصة القصيرة والمقال والصحافة وتجددت. ولعبت هذه الفنون الأدبية الجديدة دورا هاما في ارتقاء الأدب العربي في العصر الحديث. وإن مصر بلد من البلدان العربية التي ترعرع فيها الأدباء البارزون والكتاب البارعون، وبذلوا قصارى جهدهم لتعزيز الأدب العربي واللغة العربية، وبرز اسم الكاتب البارع الأستاذ بهاء طاهر بينهم وطار صيته في العالم العربي وخارجه بعد نشر روايته الأولى “شرق النخيل” عام 1985م.

حياته ونشأته: ولد بهاء طاهر في الجيزة 13 يناير عام 1935م، وتعلم الدراسة الإبتدائية في المدرسة الحكومية في مصر، وأتم دراسته العليا في مجال التاريخ في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1956م، وحصل أيضا على الدبلوم في وسائل الإعلام عام 1973م.[1] وبدأ كتابة القصة القصيرة أثناء دراسته في جامعة القاهرة، وأصدر مجموعتها الأولى عام 1972م واحتل مكانا مرموزا بين معاصريه.[2] ولما منعته السلطة المصرية عن الكتابة بسبب بعض الظروف السياسية، فترك مصر وسافر إلى بلدان أوربا بحثا عن العمل وأقام في جنيف سنة 1981م وبدأ يعمل مترجما في مكتب هيئة الأمم المتحدة. ولم يترك كتابة القصة القصيرة والرواية رغم عمله كمترجم. وعاد إلى مصر بعد كسب الخبرة والصيت في أوربا، ولا يزال ينتج أعمالا أدبية رائعة. [3]

وبرع الأستاذ بهاء طاهر نفسه في توظيف التقنيات الحديثة للحوار والمونولوج الداخلي والتقنيات السردية ولعبت هذه التقنيات الحوارية والسردية دورا كبيرا في إضفاء القيمة الأدبية لأعماله البديعة، واستعمل هذه التقنيات الحديثة جليا وسطر الرواية والقصة على منهجها وترك الطرق التقليدية بأدواتها الفنية التقليدية. ويدعو الأستاذ بهاء في رواياته إلى مواجهة الظلم الداخلي والخارجي والقهر، وروايته الشهيرة الحب في المنفى خير مثال له وسوف أقوم بدراستها التحليلية في السطور القادمة.

الحب في المنفى

       إن رواية الحب في المنفى من أروع روايات الأستاذ بهاء طاهر وحازت على جائزة أفضل رواية عام 1995م. وتحمل هذه الرواية الذكريات المريحة والمؤلمة بلغة سليمة وواضحة وهي تجربة حقيقية ومثال رائع لأدب جديد، لا تنفصل فيها الكلمات عن نفسها ولا عن معانيها ولها أهمية كبيرة عند الأدباء والنقاد والقراء، وتعبر ما تخفيه صدور الإنسان والنفس البشرية جمعاء من مأزق واستبداد الذي يمر بها الإنسان في مصر وخارجها في حياته اليومية.

ويعبر الأستاذ بهاء عن عواطفها بكل صدق وأمانة ولا يغلو فيها، ويعالج بهذه الرواية بعض القضايا العربية المهمة مثل القضية الفلسطينية واللبنانية وكذلك القضايا العالمية مثل القضية لحقوق الإنسان في شيلي وإسبانيا، ويتعامل أيضا مع القضية الإنسانية النفسية في أيام الغربة والمنفى وما يواجهه الإنسان فيها من مشاكل وآلام. وإن رواية الحب في المنفى ليست رواية أسطورية قديمة أو كتابة مزيفة بل هي رواية حقيقية وكتابة حقيقية.

وتحمل هذه الرواية عنصرين أساسيين وقد نجح الأستاذ بهاء طاهر في تحقيقهما بشكل عام، وهما كما يلي:

العنصر الأول: هو الظلم والقهر أم كان هذا الظلم سياسيا أو اجتماعيا. ويظن القارئ أثناء قراءته لهذه الرواية كأن شخصياتها هم بشر حقيقي الذين يحاولون أن ينالوا المودة في طفولتهم والسعادة في شبابهم حسب طبقاتهم الاجتماعية ولكنهم واجهوا الفشل والتناقضات الإجتماعية عكسه بسبب هذا الظلم والقهر.

        العنصر الثاني: هو عنوان الرواية نفسه يعني الحب في الغربة والمنفى وهو أيضا موضوعها الرئيسي. فإن الحب الحقيقي ليس فقط التقاء جسدين بل هو التقاء روحين والأرواح لا عمر لها ولا تموت. ويبقى الحب الحقيقي دائما سواء كان الإنسان يعيش في وطنه العزيز أو يغادره سعيا لحياة سعيدة أو بسبب الظروف السيئة. والحب في هذه الرواية ليس مجرد حب بين ذكر وأنثى فقط، بل إنه حب حقيقي تأتلف به روح الإنسان حيثما يعيش.

        إن رواية الحب في المنفى تعبر عن الروح الحقيقي والحب الحقيقي المنثور عبر الحوار بين شخصيات الرواية والسرد والأحداث بلسان الشخصيات فيها، مثل شخصية راوي القصة نفسه وإبراهيم المحلاوي ويوسف ومنار وشادية وخالد وهنادي وغيرهم الشخصيات الأجنبية الأخرى كشخصية بريجيت وزوجها وأبوها والدكتور مولر والصحفي برنار وإيلين والممرضة النرويجية ماريان. وكذلك تتحدث الرواية عن القضايا التي تحمل الأهمية الكبرى في العالم العربي مثل القضية الفلسطينية والصراع بين النظام العالمي الجديد بما فيه الدولة الصهيونية وسندها الأساسي أمريكا والحق العربي، وتتكلم عن القضية الإنسانية النفسية التي تبحث عن العدل وحقوق الإنسان في العالم كله. قد كشف الكاتب أيضا الهم العربي والنضال العربي بتقديم هذه الرواية الذي يعانيه كل من شخصياتها.

قبل أن نخوض في تحليل نصوص الرواية للإجابة عن هذه الأسئلة يجدر بنا أن نتعرف شخصيات الرواية وعواملها النفسية التي شكلت هذه الرواية في السطور الآتية.

تحليل شخصيات الرواية: تضمنت الرواية عددا من الشخصيات من الجنس العربي والإفريقي ومن الجنس الأوروبي، كل منهم يجتمع في مقهى ويتحاور ويتقابل همومهم وغمومهم. ومن الشخصيات الرئيسية – كما أعتقد – هو الرواي نفسه الذي يحكي لنا أحداث الرواية ويتذكر ذكرياته سواء كانت هي سيئة أو مريحة. وتجري أحداث الرواية ووقائعها من البداية إلى نهايتها على لسان الراوي الذي يقيم في إحدى المدن الأوروبية وقد رمز إليها أيضا بحرف (النون)، يقول الراوي: “اشتهيتها اشتهاء عاجزا، كخوف الدنس بالمحارم. كانت صغيرة وجميلة وكنت عجوزا وأبا مطلقا. لم يطرأ على بالي الحب، ولم أفعل شيئا لأعبر عن اشتهائي.

لكنها قالت لي، فيما بعد: كان يطل من عينيك.

كنت قاهريا. طردته مدينته للغربة في الشمال. وكانت هي مثلي، أجنبية في ذلك البلد، لكنها أوروبية وبجواز سفرها تعتبر أوروبا كلها مدينتها. ولما التقينا بالمصادفة في تلك المدينة (ن) التي قيدني فيها العمل، صرنا صديقين”[4].

        ويصور الراوي العلاقة الحميمة بينه وبين حبيبته منار وتفاصيل أسرتها وتقاليدها من أيام الخطوبة حتى إلى عقد الزواج وبعده. وأنجب الراوي من زوجته ابنه خالد وبنته هنادي، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت تظهر الخلافات الزواجية بينهما وخاصة بعد تنحيته عن وظيفة نائب رئيس التحرير، وكذلك يرسم لنا الراوي مشاهد الخلافات الزواجية في المجتمع.

        ومن الشخصيات الرئيسية غير العربية هي بريجيت شيفر، فطفولتها وتأملاتها النفسية والاجتماعية كانت مثل تأملات الراوي تماما حيث أنها واجهت مشاكل عديدة في مسار حياتها. وقد روت قصتها بنفسها وتدخل الراوي أحيانا ليروي على لسانها، لكنها قدمت لنا طفولتها في لحظة تدفق إنساني، وعبر عنه الكاتب في الفصل الثالث من الرواية تحت عنوان (هذا المساء أريد أن أتكلم). وتمضى بريجيت في الحديث عن فشل والدها إلى أن تروي لنا علاقة الدكتور مولر بوالدتها ثم يصور لنا علاقتها الغرامية بالطالب الغيني (ألبرت) الذي أحبته أثناء دراستها في الجامعة، وحينما قررا الزواج ظهر رفض عنيف في بيتها وأسرتها وجامعتها وحتى في بلدتها. وكذلك تمضي الأيام والليالي إلى أن وقع شجار بينهما وبين شباب من أبناء البلدة حينما خرجت شيفر وزوجها ألبرت إلى النزهة في الساعة الخامسة عصرا إلى شاطئ النهر، فأجهضت شيفر أثناء هذا الشجار وفقدت جنينها الذي كان ينبت في بطنها، وليست فقدت جنينها بل إنها فقدت ألبرت معه وفقدت نفسها في تلك اللحظات. أما زوجها ألبرت فقد تغيرت حياته تماما حيث أنه أدمن نفسه على الخمر ليلا ونهارا ثم يعود إلى غينيا وسط احتقار زملائه الأفارقة.[5]

        ومن الشخصيات البارزة في هذه الرواية هو إبراهيم المحلاوي صديق الراوي وخصمه في أيام المدرسة. كان صديق الراوي شيوعيا في تلك أيام المدرسة ونشأ في أسرة ذي ثروة وكان أبوه إقطاعيا كبيرا في القرية وكان يعمل في مزرعته عدد كبير من الفلاحين والعمال لأجل ثمن رخيص، وطفولته قد تركت أثرا بالغا في حياته وهو لم يستطع التحرر منه طيلة حياته، لأنه لم يذق السعادة في طفولته ولا في زواجه مع شادية وحتى مع أمه وأبيه وبذلك أنه اعتنق الماركسية وتحول عن عقيدته الدينية ويهاجم القومية العربية. وكذلك نرى أن معظم حوار الرواية ومحادثتها قد جرت بينه وبين الراوي وسوف نلقى الضوء عليها فيما بعد، وشخصية إبراهيم شخصية مهمة جدا في هذه الرواية. قد ذكر الكاتب عددا من الشخصيات مثل يوسف والأمير الخليجي حامد وخالد وهنادي وشادية من الجنس العربي ومثل إيلين والصحافي برنار والدكتور مولر والممرضة ماريان من الجنس الأوربي. هذه الشخصيات كلها جاءت رافدة ومساندة للشخصيات الرئيسية وعاملا من عوامل أحكام بنائها. فكل هذه الشخصيات من صلب البناء المحكم لهذه الرواية.

التحليل الفني: وظف الأستاذ بهاء طاهر عددا من التقنيات الحديثة والأدوات الفنية في هذه الرواية رغم ذلك أنه صور الشدائد والأزمات الإنسانية والقضايا العالمية المتعددة وفوق ذلك أنه حاول الكشف عن التأملات النفسية واللحظات العاطفية من هذا المأزق السياسي والاجتماعي لدى الإنسان. وفي هذا الكشف يبرز العنصر السياسي أكثر من العناصر الأخرى. وهذا العنصر السياسي ربما يتسع ويضيق حيث يلتقى فيه الزمان والمكان والأشخاص حتى يبدو المشهد الروائي واضحا فيها وبعده العنصر الإنساني بالتوقيت اليومي والمناخ الفصلي والحدث الدرامي، أو الموروث السياسي والثقافي والفكري.

البيئة الزمانية والمكانية: ركز الأستاذ بهاء طاهر في هذه الرواية على سرد الأحداث بين الماضي والحاضر محاولا للمستقبل المزدهر. وأول مكان في بداية الرواية هو المؤتمر الصحفي حين يلتقى الحاضر بالماضي، الحاضر المتمثل في المؤتمر الذي نظمته لجنة الأطباء الدولية لحقوق الإنسان وكان رئيسها الدكتور مولر الذي أصبح بالفعل ناشطا في قضايا حقوق الإنسان، ويحضر الراوي في هذا المؤتمر مراسلا صحفيا مع صديقه إبراهيم المحلاوي وكذلك يحضر الصحفي برنار، وكلهم يطلبون فضح انتهاكات لحقوق الإنسان. وتدخل بريجيت المؤتمر التي جاءت في غياب المترجم لتنفذ الموقف بحكم معرفتها باللغة الإسبانية. كل الشخصيات للرواية رغم اختلاف جنسيتها تتبادل وتتحاور وتتشاجر مواقفها ورؤيتها ضد المأساة الإنسانية و الأزمة العالمية.[6]

        تلك هي الدائرة الزمنية والمكانية للرواية تتداخل وتتشابك في كأس واحد وتفوق ماءه من الأزمة الإنسانية في فلسطين ولبنان وتعلو الأزمة نفسها في إسبانيا. إذ أمكنة الرواية وأزمنتها هي الضمير الإنساني والنفس البشرية. يكتب محمود أمين العالم قائلا: “ولهذا ينعكس هذا التكدس الإنساني الحدثي في بنية الرواية. برغم أن لكل فصل من فصول الرواية عنوانا، فلن نجد لهذا العنوان في الفصل إلا إشارة قد تكون أحيانا عبارة أو جزئية داخل الفصل. أما الفصل في الرواية فهو حركة عرضية أفقية متحركة بكل ما يتكدس فيها ويتشابك ويتداخل من حكايات وأحداث وحوارات متنوعة ولهذا لا يكاد يستقل أي فصل بشخصية واحدة أو ببلد واحد أو بحدث واحد”.[7]

الحوار والسرد: تضمنت الرواية أنواعا من الحوار سواء كان هو الحوار الداخلي (المونولوج) في مقابل الحوار الخارجي (الديالوج)، وبما نعلم جيدا أن الحوار يعد جزء من البناء العضوي للرواية وله ضرورته وحتميته في عرض الأحداث، وسوف يطول بنا الأمر لو نتكلم عن جميع أنواع الحوار الذي ورد في هذه الرواية ولذا سنكتفي بإيراد مثال واحد منها.

وفي النص التالي يكتشف الأستاذ بهاء طاهر بواطن شخصيات الرواية وما يجول في خاطرها، ويعكس هذا النص للرواية العلاقة بين الراوي وحبيبته بريجيت، وهذا النص كما يلي: “وهل كنت أنت أيضا يا بريجيت تشعرين بالخطر؟ كنت تعطين من نفسك دون تردد، نلج معا آفاقا لم نرتدها من قبل في لهفة محمومة لا نريد أن تضيع دقيقة. وكنت أحتضنك أتحسس كل جزء من جسمك كأني لو تركتك يدي فستتسربين من بين أصابعى، ستخلد إلى الأبد هاتين الوجنتين حين تتضرخان بالرغبة، حين ترسم فيهما تلك الخطوبة وأنت في قمة النشوة وكأن وجعا لا يحتمل فرحة لاتحتمل، أتحسس الشفتين اللتين تنفرجان في تأوه يرتعش له الجسد كله، والعنق الأبيض الطويل الذي يبرز فيه عرق واحد أزرق حين تضخب فيه دماء الحب. أتحسس كتفيك الملساوين المدورين، أريد أن أثبت في أصابعى لحظة انتفاضهما تلك لتظل حية إلى الأبد، حين ينهض صدرك شامخا مستنفرا وأنت تلهثين. أمر بيدي على ذراعيك الجميلتين، على ساقيك البيضاوين الطويلتين، على هاتين القدمين الرقيقتين الناعمتين، اللتين تحملانك فوق الأرض بخفة، كجناحي حمامة بيضاء. أمرّ بشفتى على جبينك، أتحسس عند منبت الشعر زغبا يدغدغ كل حواسي. أقبل جفنيك وأمر بجانب يدي على تلك الرموش الطويلة الناعمة. أتأمل عينيك الزرقاوين حين تنيران بلمعة الصبوة”[8].

        يتضح من هذا الاقتباس أن المونولوج قد كشف حالة البطل في علاقته بالحبيبة، واستخدم الأستاذ بهاء طاهر في المونولوج صيغة المخاطب أي أنه يخاطب نفسه في هذا الحوار. ويكتب جهاد محمود عواض قائلا: “قد لجأ بهاء طاهر في هذا المشهد إلى المونولوج، لأن الإنسان عادة يعيش مع نفسه أكثر مما يعيش مع الآخرين ولأن حديثه مع نفسه وهو وحيد يكون أكثر صراحة وأكثر دلالة من حديثه وعلاقاته التي يعرضها على الآخرين، والتي يحاول غالبا أن يخفى بعض جوانبها. ولكن البطل هنا لم يخف أي شيء في علاقته الجنسية مع بريجيت وشرح أدق التفاصيل، حتى جعلنا نحن القراء نتخيل ما حدث بينهما وأن نسمع وأن نرى كل شيء”[9].

        إن المقهى في هذه الرواية أصبح مجمع الأبحار تلتقى فيه الأفكار والنظريات المختلفة، وهذه الأفكار تنتج من الحوار الثلاثي أو الحوار الرباعي. وهذا النوع من الحوار يحدث كثيرا في هذا المقهى عندما تلتقى فيه الشخصيات ويقدم كل منهم وجهة نظرته ليقنع بها الآخرين ومن ثم نرى الحوار يجري فجأة من الأشخاص الآخرين بين التدافع والتناظر حول موضوع معين.

        أما فيما يتعلق بالسرد والعرض لأحداث الرواية ورؤيتها فإنه عنصر مهم ويخيل القارئ خلال قراءة الرواية كأنه يشاهد فيلما دراميا على الشاسة أو ينظر مسرحية درامية على الساحة المسرح لأن الأستاذ بهاء ماهر وخبير وله يد طولى في حكاية أحداث الرواية في عرض درامي. حكى لنا الراوي كثيرا من الأحداث ضمن نصوص الرواية، ويتناول الكاتب حرب لبنان وما ارتكبته فيها إسرائيل من الجرائم والمجازر وغزو المخيمات ومذابح صبرا وشاتيلا ويعرض معظم الأحداث بكل الحنكة والتمرس والغيرة القومية وينقل الرسالة بكل نجاح.

لغة الرواية وأسلوبها: استخدم الكاتب في هذه الرواية كل من اللغات الفصحى والعامية ولكن الفصحى غلبت على الأخرى، يستخدم الراوي اللغة العامية حينما سئم من حالته النفسية فيحاول أن يتصل بولدين خالد وهنادي ويتكلم كل منهما على التيليفون بتلك اللهجة العامية المصرية. ويروي الكاتب جميع أحداث الرواية بلغة فصيحة وسليمة وبأسلوب سردي وبضمير المتكلم إلا في بعض الأحيان، كما كتب محمد مصطفى بدوي قائلا: “إن الرواية جميعها مكتوبة بضمير المتكلم اللهم إلا قصة زواج بريجيت بألبرت، فهذه ترويها بريجيت نفسها حين تقصها على الراوي. ولضمير المتكلم مزاياه وعيوبه في السرد، فهو يتيح للروائي فرصة أن يعرض للقارئ جميع ما يطرأ في ذهن الراوي من أفكار وهواجس وخطرات وانفعالات، مما يضفي على السرد غزارة وعمقا وواقعية يوفرها الاعتماد على تيار الوعي. إلا أنه في بعض المواقف، وعلى مستوى سطحى، يقلل من الواقعية بمدلولها الساذج، وهو ما نشعر به في نهاية الرواية حين يصف لنا الراوي تجربة إشرافه على الموت مما يجعلنا نتساءل عن مصداقية مثل هذا الوصف وكيف أمكن توصيله إلى القارئ، وطبعا لا يطرأ هذا التساؤل حين يتقمص الروائي شخصية الراوي العليم بكل شيء”.[10]

            خلاصة القول أن هذه الرواية “الحب في المنفى” رواية رائعة بالغة الأهمية يبرز بها الأستاذ بهاء طاهر الضمير الإنساني ضد الانتهاكات لحقوق الإنسان في كل صوب وحدب ويضيء بها النفس البشرية ضد الجرائم الوحشية والظلم والقهر.

وقد جاءت على غلافها الأخير عدد من التعليقات والملاحظات للأدباء والنقاد التي توضح مكانة هذه الرواية وأهميتها الأدبية والفنية، ووصفها علي الراعي بأنها “كاملة الأوصال” ووصفها شكري عياد بأنها “نموذج جديد للرواية الواقعية” بينما رأى محمود حنفي كساب أنها “مجرد سيرة ذاتية للكتاب، لا تضيف شيئا عما قدمه الرواد من تجارب السفر إلى الغرب والإنحراط في ثنايا لنسائه وبين أحضانهن فنالوا الفتات وبخلت عليهم بالعقل والمعرفة والتقدم”.

يقول محمود عبد الوهاب تعليقا عليها: “إن بهاء طاهر لا يؤرخ لحلقة من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي. ولا يحدثنا من منبر التنظير الأيديولوجي أو التحليل السياسي، لذا لا ينبغي التوقف طويلا أمام تلك الفصول التسجيلية بكل ما تضمنته من صدق صارخ وجارح معا، لأن ذلك التوقف قد يؤدي إلى تقزيم الرواية وتحويلها من عمل فني إلى منثور تحريضي، وقد يؤدي إلى طمس دلالات شكلها الفني بكل ما تضمنته من شخصيات وعلاقات وأزمنة نفسية وتداعيات ومحاورات وبكل ما يعزفه من تنويعات لتحولات شخصياته الرئيسية والفرعية”[11].

*الباحث في قسم اللغة العربية وآدابها
الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي

الهوامش

[1] طاهر، بهاء: خالتي صفية والدير. ص 17

[2] نفس المرجع السابق ص 16

[3] حسين، البهاء: قريبا من بهاء طاهر. ص 4

[4] طاهر، بهاء: الحب في المنفى، ص: 1، دار الهلال، مصر، مطبوع: إبريل 2001

[5] نفس المرجع السابق ص: 115-116

[6] وهيب، يوسف: الحب في المنفى، جغرافية الفقد أو قيامة الماضي، الثقافة الجديدة، القاهرة، أكتوبر 1995م، ص: 16-17

[7] العالم، محمود أمين: ملاحظات على هامش الثقافة الجديدة، القاهرة، الحب في المنفى، يناير 1997، ص: 49

[8] طاهر، بهاء: الحب في المنفى، دار الهلال، مصر، مطبوع: إبريل 2001. ص 206-207

[9] عواض، جهاد محمود: حوليات آداب عين شمس – الحوارية في الإبداع الروائي لبهاء طاهر-، المجلد 42 (أكتوبر- ديسمبر 2014) ، ص: 284

[10] بدوي، محمد مصطفى: رواية الغربة-الحب في المنفى، فصول، المجلد 16، العدد 3، القاهرة، ص: 152

[11] مامكغ، لانا محمد خير: بهاء طاهر قصصيا وروائيا –رسالة الدكتورة قدمت في كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية، عام 2002 – ص: 201

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *