د. صغير أحمد
إن الإسلام دين يهتم بجوانب الحياة الإنسانية كلها ويحث المسلمين أن يكونوا خير الناس في جميع الأمور. ولا شك أن الأخلاق لها أهمية هامة في حياة الإنسان ولهذا السبب نحن نجد أن الإسلام يركز على الأخلاق تركيزا بالغا. قال الله عزوجل لنبيه عليه الصلوة والسلام{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ”.
الأخلاق لغة: الأخلاق جمع خلق ويقول ابن منظور : (الخُلُقُ بضم اللام وسكونها هو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها). أما الأخلاق في الاصطلاح فعرف الجرجاني الخلق بأنه (عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا).
الأخلاق لها صلة وثيقة بالإيمان والعبادات والمعاملات. أذكر كلها بالاختصار فيما يلي:
صلة الأخلاق بالإيمان: يقول الله عزوجل { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ ” في قول الله عزوجل وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم نحن نجد ذكر الإيمان متصلا بذكر الأخلاق الفاضلة والحميدة. وهذا الأمر يدل دلالة واضحة على أهمية الأخلاق.
صلة الأخلاق بالعبادات: يقول الله عزوجل { إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ههنا نجد أن العبادات تلعب دورا بالغا في تنمية الأخلاق لأن الصلاة تنهى عن الأخلاق الرديئة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ” يظهر من هذا الحديث أن الصيام يحث الإنسان على الأخلاق النبيلة وهو ترك قول الزور والعمل به.
صلة الأخلاق بالمعاملات: يقول الله عزوجل: { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)} في هذه الآيات الكريمة يبين الله عزوجل عن سوء الأخلاق في المعاملات ويحث الناس أن يجتنبوا من الأخلاق الرذيلة في معاملاتهم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي” في هذا الحديث يحث نبينا صلى الله عليه وسلم على معاملة حسنة مع الأهل.
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا وقد ذكر الله عزوجل عن خلقه حيث قال {وإنك لعلى خلق عظيم}. وعندما “سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن”. ولهذا السبب علينا أن نشاهد كيف كان معاملة النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع أصحابه وخدمه وأهله وعامة الناس.
فيما يلي أذكر قصة معاوية رضي الله عنه عندما تكلم في الصلاة وكيف عامل النبي صلى الله عليه وسلم معه بالرفق واللين:
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قلبه ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أنبأنا وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم……
لا شك أن المسجد يحتل مكانا مرموقا في المجتمع الإسلامي وكل مسلم يهتم اهتماما بالغا بنظفه وطهارته. ولكن عندما جاء أعرابي وبال في المسجد مازجره النبي صلى الله عليه وسلم بل منع الذين كانوا يضجرونه كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله أنه قال: (جاء أعرابيٌّ فبال في طائفةِ المسجد، فزجره الناس، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذَنُوب من ماءٍ فأُهريق عليه)؛ متفق عليه.
كان من خلقه صلى الله عليه وسلم العفو والرحمة وقد بين الله تعالى مادحا خلقه حيث قال{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل معاملة حسنة مع أهله وفيما يلي أذكر الحديثين الكريمين اللذين يدلان على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع عشيرته.
روى مسلم في صحيحه عن سعدٍ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه أنه قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله، يلاطفهنّ ويمازحهنّ، ويعاملهنّ بالود والإحسان. وروى البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما وكان يعامل معاملة حسنة مع أصحابه. أذكر فيما يلي الأحاديث التي تدل على رفقه وحسن معاملته مع أصحابه وأخلاقه الفاضلة. عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه قال :كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحْسنَ النَّاسِ خُلقاً .متفقٌ عليه. وعنه قال : مَا مَسِسْتُ دِيباجاً ولاَ حَرِيراً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلاَ شَمَمْتُ رائحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِن رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عشْرَ سِنينَ ، فَما قالَ لي قَطُّ : أُفٍّ ، وَلا قالَ لِشَيْءٍ فَعلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَهُ؟ ولا لشيءٍ لَمْ افعَلْهُ : أَلاَ فَعَلْتَ كَذا ؟ متفقٌ عليه .
وعن النَّوَّاسِ بنِ سمعانَ رضي اللَّه عنه قال : سأَلتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عنِ البِرِّ والإِثمِ فقالَ : « البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ ، والإِثمُ : ما حاكَ في نَفْسِكَ ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ » رواهُ مسلم . عبد اللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال : لم يكن رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَاحِشاً ولا مُتَفَحِّشاً . وكانَ يَقُولُ : « إِنَّ مِن خِيارِكُم أَحْسَنَكُم أَخْلاقاً » متفقٌ عليه. وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل رواه مسلم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد. فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه. فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده. فقال لي: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله. ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال قلت: الله. قال: فشام السيف. فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم
عن أنس قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا، كان يقول عند المتعبة: ((ما له ترب جبينه؟)) رواه البخاري
عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة رواه مسلم
أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا رواه البخاري
من الممكن أن نستنج أن الأخلاق لها أهمية بالغة في الإسلام ولهذا السبب نحن نجد أن الإسلام يرتبط الأخلاق بالإيمان والعبادات والمعاملات. وكذلك نحن نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا وقد تاثر الناس كثيرا بحسن خلقه.
المراجع والمصادر
- القرآن الكريم
- الجامع الصحيح للبخاري
- الصحيح للمسلم
- الأخلاق الاسلامية وأسسها، الطبعة الخامسة، عبد الرحمن حسن، دار القلم، دمشق،1999
- الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها، الطبعة السابعة، عبد الله بن ضيف الله الرحيلي،وكالة المطبوعات والبحث العلمي، الرياض،2013
- حسن اخلاق قرآن و سنت کی روشنی میں،ایڈیشن دوم، فرحت ہاشمی، الھدی پبلیکیشنز، اسلام آباد،2012۔