د. نعيم أحمد
نشأته وحياته:
بدر الزمان القاسمي الكيرانوي هو من أكبر أولاد معلِّم اللغة العربية العبقري الوحيد فضيلة الشيخ وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي رحمه الله (1349-1415هـ = 1930-1995م).
وُلِدَ بدر الزمان القاسمي يوم 6/يناير 1958م بـ ((كَيْرَانَه)) في أسرة علمية ودينية أنجبت سلسلة من العلماء. تلقى مبادئ القراءة ببلدته ((كَيْرَانَهْ)) وحفظ بها القرآن الكريم كاملاً، ثم تَوَجَّهَ إلى أكبر الجامعات وأعرقها في شبه القارة الهندية: الجامعة الإسلامية دار العلوم/ديوبند، وانتسب إليها ليتلقّى بها التعليم المتبقي وتخرج فيها حاملاً لشهادة الفضيلة في العلوم الدينية والشريعة الإسلامية بعلامات ممتازة، وكسب إتقاناً وأهليّة جديرة بالذكر في العلوم التي درسها بالجامعة إلى جانب إتقانه للغة العربية. وذلك في الفترة ما بين (1972-1978م). وكان من أساتذته بجامعة دار العلوم/ديوبند مولانا شريف الحسن رحمه الله، مولانا معراج الحق رحمه الله، مولانا سالم القاسمي رحمه الله، الشيخ وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي رحمه الله، المفتي سعيد أحمد البالنبوري – حفظه الله، الشيخ الذكي العبقري رياست علي البجنوري-رحمه الله، مولانا زبير رحمه الله، مولانا بهاء الحسن رحمه الله، مولانا قمر الدين حفظه الله.
إثر تخرجه من جامعة دار العلوم/ديوبند، حصل على شهادة الليسانس في اللغة الإنجليزية من جامعة علي كره الإسلامية، انتقل إلى دهلي – عاصمة الهند السياسيّة والثقافية، وانضمّ إلى وظيفة المترجم في سفارة المملكة العربية السعودية بدهلي الجديدة، ثم ذهب إلى دولة قطر، وتولى منصباً رسميٍّا عشر سنوات، وبعد ذلك رجع إلى الهند، ثم التحق بالسفارة السعودية عام 1998م، ولا يزال يشتغلُ منصب الباحث. و يكملُ الأعمال العلمية التي خلّفها أبوه مسوّدة تحتاج إلى المراجعة والتدقيق.
بلدة كيرانه:
تقع مدينة ((كيرانه)) بمديرية ((مظفر نجار)) (Muzaffarnagar) سابقاً ومديرية ((شاملي)) (Shamli) حاليّاً. ينتهي نسب هذه الأسرة الأبوي إلى سيدنا أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – ونسبها من جانب الأم إلى سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -. وتعد هذه البلدة من البلدات التي قدمت تضحيات كبيرةً في سبيل تحرير البلاد من سيطرة الحكم الاستعماري البريطاني، ويعود تاريخ هذه البلدة إلى زمن قديم، وتدل الشواهد التاريخية على أنه قد قام ببنائها وتعميرها إمبراطور من أسرة الباندو، وكان اسمه المهاراجا كرن فسميت هذه البلدة بكيرانه، فأصبحت فيما بعد عاصمة ملوك أشوهان وراجفوت، ومن الوقائع التاريخية التي ترتبط بهذه البلدة أن القائد الإسلامي المعروف سيد سالار مسعود غازي هجم على هذه البلدة مع عدد كبير من الغزاة، وما زالت آثار هذا الهجوم موجودة حتى الآن في هذه البلدة. وقد أنجبت عدداً لا بأس به من شخصيات بارزة لها دورٌ كبيرٌ في معركة تحرير هذه البلاد وفي مجال العلم والدعوة([1]).
الأستاذ بدر الزمان القاسمي هو حفيد انتظام أحمد بن حافظ حبيب أحمد الصديقي الذي كان ينتمي إلى أسرة علمية مشهورة من مدينة كاندهله، ولاية أترابراديش. ولهذه الأسرة فضل كبير في إعداد العلماء الكبار، فأثرت في تربيته حتى أصبح عالماً من علماء اللغة العربية، وهذه الأسرة بالجملة ميسورة الحال من الناحية الاقتصادية، وقد ذكر أن أسرته أنجبت عدداً ملحوظاً من العلماء، ومن أعضاء هذه الأسرة من حصلوا على الشهادات الجامعية، ويشتغلون في الدوائر الحكومية، ويُذكر والده ودوره الكبير في تربيته العلمية والدينية، وكذلك كان من أكابره من تركوا آثاراً علمية خالدةً، وعلى رأسهم الشيخ قطب الدين صاحب مظاهر الحق.
منجزات الأستاذ بدر الزمان في تطوير اللغة:
إن تطوُّرَ المواصلات قد سهّل لنا إرسال كلمة الإسلام إلى جميع أنحاء المعمورة كما مكّنَنا الإنترنت من التفاعل مع أيِّ أمةٍ من الأمم قابعين في منازلنا. واللغة الإنجليزية في زماننا هذا أداة تواصل واتصال بين الشعوب المختلفة، وهي وسيلة للتعرف على النتاج العلمي والأدبي والفني الذي يصنع التقدم البشري على المستوى العلمي والحضاري. وقد طرأت على المدارس في الزمن الأخير نسمة رائعة من التغيير جديرة بالتقدير والاحتفال، وهي أن اللغة الإنجليزية قد تسجلت في المقررات الدراسية كموضوع في المدارس الإسلامية مما أفضى إلى إبراز عديد من الكتب تلبيةً لحاجات الطلبة للمدارس، وهذه الكتب تتنوع فيما بين الإنشاء والترجمة والقواعد النحوية والأدبية واللغة. لقد قام كاتبنا في هذا الصدد بمبادرة قيمة فكتب عدةَ الكتب التي طُبعتْ من المكتبة الوحيدية بدهلي، وحُظيتْ في الأوساط العلمية بالقبول والتقدير، فمن بين هذه الكتب “جدید عربی ایسے بولیے” (كيف نتكلم اللغة العربية الجديدة)،”جدید عربی اور انگریزی بولنا سیکھئے”(تعلمْ اللغة العربية والإنجليزية الحديثة)، “خطوط نویسی” (أسلوب الرسائل) فيما يلي نستعرض أهم كُتُبِه التي لعبتْ دوراً هاماً في تعليم اللغة العربية وتطويرِها في الهند، والتي تحظى بالقبول بين طلبة المدارس خاصة وطلبة اللغة العربية عامة.
أسلوب الرسائل (في العربية والإنجليزية والأردوية):
هذا الكتاب قد ألّفَه المؤلفُ تذليلاً للصعوبات التي يعانيها طلابُ اللغة العربية والإنجليزية عند كتابة الرسائل والطلبات لمختلف الأغراض، فالكتابُ قد جاء حاملاً لعديدٍ من الرسائل والطلبات النموذجية حسب عدةِ المناسبات، كالرسائل الإدارية والتعليمية، ورسائل التهنئة، ورسائل الأصدقاء، ورسائل عائلية، ورسائل التعازي، ورسائل البنوك، وإلى ذلك من الرسائل التي نستعملها في حياتنا اليومية. إلى جانب ذلك فقد أضاف المؤلف إلى أخير الكتاب بعض التعبيرات المستعملة في المراسلات، وفهرس البلدان ومُدُنِها الشهيرة، لكي يكون الكاتب ماموناً من الأخطاء في أسماء البلدان والمدن، هكذا هذا الكتابُ قيمٌ ومفيدٌ جداً لطلاب اللغة العربية والإنجليزية والأردوية على السواء.
القاموس الفريد وميزاته:
ومن أهم هذه الكتب جميعاً قاموسه المسمى بـ ((القاموس الفريد)) هو قاموس ثلاثي اللغة، يشتمل على نحو 75 ألف كلمة ، ويقع في جزأين كبيرين يحتويان على 2760 صفحة من ثلاثة أعمدة، فيه ألفاظ حديثة وقديمة ومصطلحات علمية.
وقد استفاد المؤلف خلال مهمته للتأليف من عدد لا بأس به من اللغات، قائمته فيما يلي:
اللغات العربية: المُعجم الوسيط، المُنْجِد، القاموس المُحيط، القاموس العربي الشامل، مُعجمي الحي.
العربي، اللغات الأردية: القاموس الوحيد، القاموس الجديد، القاموس الاصطلاحي، المُنجد. (اللغة الأردية) مصباح اللغات.
العربي، اللغات الإنجليزية: المَوْرد، مُعجم اللغة العربية المعاصرة، القاموس العصري، مُعجم مُصطلحات علمِ اللغة الحديث.
الإنْجلِيزِيّ، اللغات العربية: المورد، المُنجد، القاموس العصري، قاموسُ أكسفُورد المُحيط، المُغني الأكبر الجديد، قاموسُ مُصطلحات العَلاقات والمُؤتمرات الدّولية، مُعجم العبارات السياسية الحَديْثَة، مُعْجمُ مُصطلحات المعْلُوماتيّة والحاسباتِ الإلكتُرُونية والآلية، الفالُوجي: مُعجمٌ مِعْياريّ، مُعجمُ المُصطحاتِ العلمية والفنّية والهندسيّة، المُعجم الاقتصادي والتّجاري.
انگلش، اردولغات: قومی انگریزی اردو لغت، اوکسفرڈ انگلش اردو ڈکشنری، جامع اردو انگلش ڈکشنری۔
٭ رتب المؤلف هذا القاموس الثلاثي اللغات على حروف التهجي أي وَفْقَ الحروف الأولى للكلمات، دون الاعتداد بجذر الكلمة أو الأصل المجرّد الذي اشتقّتْ منه. فكلمة ((استغفار)) تردُ في باب الألف، مثل أي قاموس أردوي، دون في مادة “غفر” كما كان أسلوب المعجم الوسيط والمنجد. وكلمة ((تَعَامَلَ)) في باب التاء، و ((عامل)) في باب العين، و ((مُعامَلَة)) في باب الميم.
٭ وقد ذُكر الفعل الثلاثي مع وزنه ومصدره، ومصادر الفعل الثلاثي المزيد، مجرد الرباعي ومزيد الرباعي بين القوسين، التي يترك عامة اعتماداً على فهم القارئ؛ لأن هناك من الأفعال لا يصل القارئ الذكي إلى مصادرها، فضلاً عن عامة الناس.
٭ رجّح المؤلف تضمين الكلمات في القاموس التي كانت شائعة ومتداولة في الكتابة والتكلم أو ليست مهجورة أقل بقليل، وأغفل المؤلف عن الكلمات المندثرة والعبارات المهملة، لكي يكون القاموس تضامناً وفاءً بحاجةِ العصر ومقتضياته.
٭ وقد حاول المؤلف بكل ما في وسعه أن يكون قاموسه متضمّناً لجميع الألفاظ العربية والإنجليزية التي تشكّلُ شتى العلوم والمعارف من صحافة، سياسة، تاريخ، طب، رياضيّات، فلك، فلسفة، اقتصاد، تجارة والمصطلحات المتعلقة بشتى الأديان وما إلى ذلك.
٭ قد أورد المؤلف لكل لفظةٍ عربيةٍ لفظةً أو جملةً مترادفةً تشرحها، ثم أورد عدة الكلمات المترادفة لها بالأردية والإنجليزية. وقد علل المؤلفُ كثرةَ الترادف بأنه فعل ذلك آخذاً المطالب الأدبية بعين الاعتبار مما أدّى إلى طول حجم القاموس، لكنه مع ذلك تضاعفت قيمته تضاعفاً لتحوُّلِه إلى قاموس المترادفات، ومما يجدر ذكره أن المؤلف قد رعى في الإتيان بالمترادفات الأردية الذوق الأدبي كل الرعاية ولم يأت من الألفاظ إلا بتلك التي تؤدي المعنى الصحيح وتتمتع في الوقت ذاته بالروعة والجمال والأناقة وإن لم تكن متبعة في اللغة اليومية.
٭ اهتمَّ المؤلفُ بروح المصطلحات الدينية اهتماماً بالغاً، بحيثُ أنه ذكر لهذه المصطلحات المعاني التي تتوافق مع روح القرآن والسنة دون المعاني الشائعة في الأوساط المضادَّة للإسلام، نحو كلمة “الجهاد” و “القدر والجبر” وما إلى ذلك، إذ أن القواميس المطبوعة من المطابع المسيحية ربما تقع في الخطأ في شرح أمثال هذه الألفاظ.
٭ أسقطَتْ ((أل التعريف)) من الكلمة في ترتيب المواد إلاّ إذا كانت لازمة. غير أن الكلمة التي يتغيّرُ رسْمها (أي طريقة كتابتها) عند دخول ((أل التعريف)) عليها، قد أُتْبِعَتْ بطريقة رسمها مع ((أل التعريف)) ضمن قوسين. مثلاً:
قاضٍ (القاضي)، عاصٍ (العاصي)، فانٍ (الفاني).
٭ تَرِدُ الكلمةُ بصيغة المُفرد مع الجمع، وبصيغة المُذكّر لا المُؤنّث. تُستثنى من ذلك الكلماتُ التي تتَّخِذُ دلالة خاصةً في صيغة المُونَّث.
٭ تَفْصِلُ بين الكلمات الإنجليزية فاصلةٌ (،). أما الشَّوْلَةُ المنقوطةُ (؛) فتفصلُ بين الكلمات الإنجليزية ذات الدلالة المختلفة اختلافاً يسيراً أو بين ظلال المعاني المتقاربة ولكن دون أن تكون مترادفة.
٭ وتستعملُ القوسان أيضاً للدلالة على نوع الاسم أو جنسه، مثلاً:
سَمُّور، سِنْجاب (حيوان) ذُبَابَة، بَقّ (حشرة) تُرُنْج، تَنْبُوْل (نبات).
٭ القوسان المعقوفتان [ ] تدّلان على أن الكلمة التي قَبْلَهُما تُستَعْمَلُ في علمٍ من العلوم أو أن لها معنى خاصّاً في هذا العلم. مثلاً:
ابتِناء [أحياء] إثيل [كيمياء]
الخاتمة
تناولتُ في هذا المقال مساهمةَ بدر الزمان القاسمي الكيرانوي في تطوير اللغة العربية، هو كاتبٌ عربيٌ ينتمي إلى أسرة معروفة بالعلم والمعرفة، وقف حياته لخدمة اللغة العربية ونشرِها وتطويرِها في الهند، لتكون لغةً حيةً كتابةً وتكلماً. وتوسل إلى ذلك باللغة الأردية باعتبارها لغةً شائعة بين أبناء الهند ومفهومةً لديهم، كما أضاف إلى الأردية اللغة الإنجليزية لحاجة ملحة في هذا العصر.
لقد ألف الكاتب عدة كتب لتعليمِ اللغة العربية لغير الناطقين بها، منها: “جدید عربی ایسے بولیے” (كيف تتكلم اللغة العربية الجديدة)، و “خطوط نويسي” (أسلوب الرسائل) في العربية والإنجليزية والأردوية، والقاموس الفريد.
[1] الأستاذ نور عالم خليل الاميني: وہ کوہ کن کی بات، ص237 الطبعة الثالثة، ديسمبر2000م.
المصادر والمراجع
- الاتصالات الهاتفية بالمؤلف مولانا بدر الزمان القاسمي الكيرانوي.
- الأستاذ نور عالم خليل الاميني: وہ کوہ کن کی بات، ص237 الطبعة الثالثة، ديسمبر2000م.
- بدر الزمان القاسمي الكيرانوي: القاموس الفريد، الطبعة الأولى 2015م، المكتبة الوحيدية بدهلي الجديدة.
- مجلة الداعي، محرم-صفر 1437هـ = أكتوبر-ديسمبر 2015م، العدد: 1-2، السنة 40، الشيخ عميد الزمان القاسمي الكيرانوي – رحمه الله: بقلم رئيس التحرير الأستاذ نور عالم خليل الأميني.