عبد الحكيم
التمهيد:
إن أدب الرحلة نوع خاص من أنواع الأدب الذي يقوم الكاتب أو الرحالة فيه بتصوير أهم ما يجري له من أحداث ومشاهدات عبر الأمصار والبلدان، وتعتبر كتب الرحلات من أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، لأن الكاتب يستمد الحقائق الناصعة والمعلومات القيمة من مشاهداته الحية الواقعية، كما يستقي النحل العسل من بين الأزاهير المختلفة، ويقوم بتصويرها على أوراق كتابه تصويرا مباشرا نابضا بالحياة، مما يجعل قراءة كتب الرحلات ممتعة ومسلية وغنية بالمعلومات المتنوعة التي لا نجدها في مصادر أخرى. وأما العلامة أبو الحسن علي الندوي كونه عالما إسلاميا، وأديبا فذا، وداعية شهيرة، ورحالة كبيرا، قام برحلات عديدة إلى مختلف أنحاء العالم شرقا وغربا داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، محاولا إعلاء كلمة الإسلام بالكلمة المسموعة والمقروءة، وبالعمل الإيجابي البناء في كل مجال من مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والثقافية والأدبية، ويدعو الناس على اختلاف مذاهبهم وأديانهم إلى ضرورة التمسك بقيم الحضارة الإسلامية والخلقية المثالية وطابع الأمة الخاص والاستفادة من الحضارة الغربية في نواحيها الإيجابية وتجاربها المفيدة التي تتفق مع تعاليم الإسلام كي تتمكن الأمة الإسلامية من استعادة عزها ومكانتها اللائقة ومرتبتها العالية في العالم كله.
سافر العلامة الندوي إلى العديد من المدن والأمصار في العرب والغرب على حد سواء، وأنه لم يكتف في كل ما قام به من الرحلات الدعوية والإصلاحية بل قيدها في مذكراته اليومية بكل رغبة شديدة بهدف استخدام وقائعها وأحداثها الهامة كوسيلة للتذكير والتبليغ والدعوة الإسلامية، وإذا بحثنا عن أسباب هذه الرحلات المتعددة إلى هذه البلدان العربية والغربية وما عداها، فاتضح الشيء الوحيد حسب معلوماتي أن رحلاته لم تكن للمتعة النفسية وطلب الراحة والسكون، بل لطلب العلم والفنون والمعرفة، ونشر تعاليم الدين السماوية التي جاء بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولقاء أهل العلم والمعرفة والدعوة والتناصح معهم حول قضايا الأمة المسلمة في العالم كله.
المحور الأول: رحلاته إلى أوربا (الغربية)
رحلته إلى إنكلترا
قام العلامة الندوي برحلته الأولى إلى إنكلترا في عام 1961م، وأقام في منزل الدكتور عبد الله عباس الندوي.[1] ثم قام برحلة إلى أوربا في سبتمبر عام 1963م للمشاركة في الجلسة الاستشارية للمركز الإسلامي بجنيف وقضاء أيام مع طلاب المسلمين العرب وغيرهم المقيمين في المنطقة الوسطى بأوربا، وأن هذه الرحلة بدأت في 19/سبتمبر عام1963م وانتهت في نوفمبر عام1963م، وقد زار الشيخ في هذه الرحلة جنيف، ولوزان، وبرن، وباريس، ولندن، وآكسفورد، وغلاسغو، وايدامبرا، وقد ألقى خلال هذه الرحلات خطبا ومحاضرات منها: حديث في المجلس الإسلامي بجامعة إيدمبرا، وخطاب في قاعة الاتحاد الطلابي بجامعة لندن، وألقى خطابات في إذاعة(B.B.C) أحدهما بعنوان “انطباعات لأحد زوار لندن” وكان الثاني حوارا حول موضوع “الإمكانيات لرقي اللغة العربية وتقدمها وصلات البلدان الإسلامية بها” [2] وكانت أهم محاضرته التي ألقاها الشيخ الندوي في اتحاد الطلابي لجامعة لندن في 11/أكتوبر عام 1963م بعنوان “رسالة الإنسانية للشرق والغرب” في حفلة حضرتها نخبة من طلبة الجامعة والمشتغلين بالبحث والدراسة في لندن.[3] والتقى في هذه الرحلة من فضلاء الغرب والمستشرقين كرئيس القسم العربي بجامعة آكسفورد والبروفيسور Beeston والمستشرق الفاضل المعروف Dr.Arbery والأستاذ Bashen والمستشرق المعروف Ericberth الذي كان رئيس أصدقاء الشرق الغربي بأمريكا، وكذلك التقى بفضلاء المسلمين كالأستاذ محمد أسد، والدكتور حميد الله، والدكتور زكي علي، وقد استفاد كثيرا أيام إقامته بلندن بمكتبة المتحف البريطاني (British Museum) ومكتبة أنذيا آفس، والجدير بالذكر أن العلامة قد كتب أثناء هذه الإقامة مقدمة كتابه “الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية” [4]
ثم سافر العلامة الندوي بمرافقة الشيخ محمد الرابع في شهر أكتوبر عام 1964م إلى جنيف للمشاركة في مجلس المركزي الإسلامي التنفيذي بجنيف، ونزل هذه المرة في لندن في بيت الأستاذ السيد منور حسين البهاري(Finsbury Park) بلندن.[5] ثم ألقى محاضرته في المركز الإسلامي في لندن في 17/أكتوبر عام 1964م حول موضوع “حديث مع الشباب المسلم المتعلم في الغرب” وقال للطلاب المقيمين فيها بكل صراحة “أيها الأبناء والشباب! إنني لا أدعي النبوة أو الولاية، ولا أتنبأ ولا أتكهن، ولا أزعم أن لي عينا بصيرة تهتك الأستار وتكشف الأسرار، ولكن أحب الساعة أن أقول: إن في هذا الجمع شبابا يملكون غدا مقاليد الحكم في بلادهم، ويتقلدون مسؤوليات ضخمة دقيقة في أيامهم القادمة، إنكم تدرسون في هذه البلاد وكراسي الحكم وعروش القيادة والتوجيه شاغرة في أوطانكم تنتظر قفولكم وتنتظر قبولكم”.[6]
وفي 6/يوليو عام 1969م ارتحل إلى جنيف للمشاركة في الجلسة الاستشارية للمركز الإسلامي بجنيف، وفيما بعد توجه إلى انكلترا، وأقام في لندن، وزار الأماكن المهمة منها: برمنغم، مانشتر، بليك برن، شيفلد، وديوزبري، ليدس، وألقى خطابات ومحاضرات قيمة أمام المسلمين في جميع الأماكن، وكانت عامة الخطب تدور حول “تذكير المسلمين بمسؤوليتهم الدعوية وإثبات وجودهم ونفعهم للبلاد، والحفاظ على خصائصهم ومعتقدات الجيل الناشي في هذه البلاد، وتربيته على الأسس الإسلامية” وكانت جامعة ليدس من الجامعات التي ألقى فيها محاضرات أمام الطلبة والأساتذة المسلمين، وأصر عليه بعض الطلاب العرب الذين كانوا على معرفة واتصال به عن طريق كتبه لزيارة غلاسكو، فزارها الشيخ الندوي معهم وألقى فيها يوم الجمعة بعض الخطب بالأردية والعربية سواء، وقضى فيها سهرة في المسجد الجامع مع هؤلاء الطلاب العرب الذين كانوا أكثرهم من الإخوان.[7]
قد جاءت إليه في أحد أيام شهر مايو1983م رسالة من الباحث الإسلامي الكبير البروفيسور خليق أحمد نظامي أن هناك فكرة في إقامة مركز إسلامي بجامعة أكسفورد، وكان هذا لأول مرة في تاريخ الجامعة الممتد على سبعة قرون أن يفكر في القيام بخطوة جادة نحو دراسة الإسلام، وبحثه وتعريف فضلاء الغرب وعلمائه، وطلاب الحق وناشديه به بإقامة هذا المركز في بيئة علمية وتعليمية ومسيحية، ومن أكثر المهتمين بهذا الموضوع نائب عميد(St.cross college) وأستاذه (Dr.D.G Browning) يود أن تشارك في هذا العمل الخير.[8] وكان الدكتور براؤننغ طلب من الشيخ الندوي أن يعد بحثا للاحتفال العام الذي سيعقد في 22/يوليو عام 1983م تمهيدا لفكرة هذا المركز وإنارة للفكر العام، واقترح أن يكون موضوعه “الإسلام والغرب” وقد أعد الشيخ هذا البحث في آخر أيام رمضان حرصاً على أن ينتفع بهذه الفرصة أكبر انتفاع، فأعده في ثلاث لغات، الإنجليزية، والعربية ،والأردية.[9]
ثم سافر العلامة الندوي في 21/يوليو عام 1983م إلى انجلترا.[10] وحضر الاحتفال في إحدي قاعات الجامعة في 22/يوليو عام 1983م، وقد حضره لفيف من أساتذة الجامعة، والمشتغلين بالبحث والدراسات والعاملين في مجال العمل الإسلامي من المسلمين، وألقى كلمة بليغة باللغة العربية الفصحى حيث قال “سادتي! يسعدني ويشرفني أن أتحدث إليكم في هذه المناسبة الجميلة باللغة العربية التي كانت الوسيلة الوحيدة قبل قرون لنقل التراث العلمي والقديم من علوم الحكمة والرياضة والطب من أسبانيا الإسلامية الرسمية العالمية العلمية، وكان من أثمن الهدايا التي أتحف بها الأندلس والعالم العربي الغرب هو المنطق الاستقرائي (Indutive Logic) الذي حل محل المنطق القياسي والاستخراجي (Deductive Logic) الذي كان سائدا على الغرب”.[11] مكث فيها بعد انتهاء هذا الحفل ستة أيام، وزار خلال هذه الفترة المراكز الإسلامية في(Midland) وتجول في القرى التي يسكنها عدد كبير من المسلمين، وزار أيضا المراكز التبليغية وأهم المساجد، والمركز الإسلامي في ليشتر(Leicester) بتفصيل، وكان الموضوع المشترك في الخطابات التي ألقاها كانت هي “مسؤولية المسلمين المقيمين ببريطانيا”.[12]
ثم ارتحل إليها في 8/أكتوبر عام 1985م لافتتاح المركز الإسلامي للدراسات الإسلامية بجامعة آكسفورد بلندن، وكان من خطة العمل لهذا المركز أن يتم تكوينه في صورة “وقف” يتولاه لجنة من أولياء أموره، انتخب 14 كأولياء أمره، واختير منهم إثنان كممثلين عن الجامعة وكلية(St.Cross College) واختير12 من كبار علماء العالم الإسلامي، هكذا قد برز هذا المركز للدراسات الإسلامية بآكسفورد، وأعلن عنه في 11/أكتوبر عام 1985م أمام مسؤولي الجامعة وكبار رجالها، وشخصياتها في جلسة موقرة مهمة، افتتح هذا المركز الإسلامي الشيخ الندوي وألقى كلمة مختصرة.[13] قام الشيخ الندوي بسفر للمشاركة الجلسة الإدارية للمركز الإسلامي المنعقدة في27/أغسطس عام 1986م بأكسفورد، وأقام بها من 27 إلى 29/أغسطس عام 1986 بأكسفورد، ثم توجه إلى لندن وأقام بها يومين30-31/أغسطس عام 1986م.[14] ثم في 23/أغسطس عام 1989م توجه إليها للمشاركة في الحفلة الإدارية السنوية للمركز الإسلامي بأكسفورد التي عقدت في 23/أغسطس عام 1989م، وقدم مقالا قيما حول موضوع ” المحسن الأعظم للإنسانية والواجب الخلقي العالم المتمدن الشريف ” في قاعة المركز الإسلامي بجامعة أكسفورد باللغة العربية، وكان قد حضر في هذه الحفلة عدد وجيه من المثقفين الذين ينتمون إلى الهند وباكستان وبريطانيا وإفريقيا، وقدم هذا المقال أيضاً في مركز الإسلامي العالمي بلندن باللغة العربية والأردية.[15]
وكذلك رحل العلامة إلى إنكلترا عام1991م على دعوة من المؤسسة الإسلامية الواقعة في إنكلترا، وبعد انتهاء دورة مركز أكسفورد توجه إلى المؤسسة الإسلامية لحضور حفلتها، وألقى خطابا قيما حول موضوع “الدين الحق والدعوة الإسلامية شجرتان شامختان”[16] وسافر إلى انجلترا في سنة 1992م للمشاركة في الدورة السنوية الإدارية لمركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، التي انعقدت في 10/سبتمبر عام 1992م في رئاسته، اشتركت فيها عدة شخصيات إسلامية بارزة من العالم الإسلامي والعربي كأعضاء للمركز الإسلامي، وبعد انتهاء دورة مركز أكسفورد توجه إلى فيلد ليستر، وألقى خطابا باللغة العربية والأردية حول الموضوع “دورة الأمة الإسلامية في إنقاذ البشرية وإسعادها” وقد حضر فيها عدد كبير من الأساتذة وطلبة الجامعات والباحثين والشباب العرب، بالإضافة إلى الهنود والباكستانيين المقيمين في بريطانيا.[17] وكذلك في 27/أغسطس عام1994م رحل للمشاركة في الدورة السنوية الإدارية للمركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، وقد شارك أيضاً في الجلسة لرابطة الأدب الإسلامي العالمية التي عقدت في 29/أغسطس1994م في قاعة(Brooks University).[18]
رحلته إلى بلجيكا
ارتحل العلامة الندوي إلى بريطانيا وبلجيكا (Beljium) في 18/أكتوبر عام 1985م على دعوة من بعض الفضلاء العرب ولاسيما الدكتور جمال الدين عطيه، للمشاركة في جلسة إدارية للمجمع العلمي للبحث والدراسات الإسلامية، وقضى في بريطانيا عدة أيام، ثم توجه في 12/أكتوبر عام 1985م إلى بلجيكا، وشارك في هذه الجلسة ورأسها، وقابل لأول مرة الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي رئيس الدراسات الإسلامية في جامعة بفلادلفيا(Temple University Philadelphia) وقد شكلت هذه الجلسة اللجنة المستقلة، واختير مسؤولون جدد، واستعرضت البحوث الدراسات ووزع العمل للدراسات والاستعراض في المستقبل على مراكز علمية مختلفة.[19]
رحلته إلى ألمانيا
وكذلك سافر العلامة الندوي برفقة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في أكتوبر عام 1964م لحضور مجلس المركز الإسلامي التنفيذي بجنيف، ونزل في لندن، ثم توجه في هذه الرحلة إلى ألمانيا بدل فرنسا، ومكث قليلاً في برلن، وآخن، وميونخ، ومر ببون، وقد شاهد في برلن الشرقية قهر النظام الإشتراكي وكبته، وألقى خطابا في 27/أكتوبر عام 1964م أمام الشعب الألماني في جامعة الهندسة ببرلن، وقال فيما قال “أيها السادة! أقوم لأول مرة في بلد كبير في ألمانيا كبرلن، أحيي الشعب الألماني العظيم وأتحدث إليه، وأتحدث عن الإسلام، وتلك فرصة سعيدة أقدرها حق قدرها وأعرف قيمتها وفضلها، لقد اتسم الشعب الألماني في الزمن القديم بالرجولة وحب المغامرة، والجد والكفاح، لقد كانت نتيجة ذلك أن نهض في هذا الشعب رجال وعصاميون كان لهم التأثر الواسع العميق في المجتمع الغربي وفي الفكرة الغربية”.[20]
رحلته إلى أسبانيا
قام العلامة برحلة إلى الغرب في سنة 1963م، وقد زار خلال هذه الرحلة أسبانيا، ومدريد، وطليطلة، وإشبيلية، وقرطبة، وغرناطة، وكذلك زار مدينة الزهراء، وآثار الحمراء، وسقوفها وجدرانها ونقوشها وجمالها، وبعد مشاهدة هذه الآثار القديمة التاريخية توجه إلى طليطلة بالحافلة (Tourist Bus) مع دليل كان يتحدث بالإنجليزية، وكان يعرفه بالآثار التاريخية، وكان إذا عرف بشيء بدأه بكلمته (When We Expelled The Arabs) سمع العلامة هذه الكلمة مرة أو مرتين ثم قال له برفق من فضلك لاتكرر هذه العبارة فإنها تؤلمنا، فامسك عنها، ثم توجه إلى قرطبة على القطار وصلى كالدكتور إقبال رغم عدم السماح ركعتين، من الممكن أن نلاحظ بألفاظ العلامة الندوي إذ يقول “وكان وقت العصر،وخرجنا ثم صلَّينا في صحن المسجد صلاة العصر بأذان وجماعة، وكان ينظر هذا المنظر سكان المدينة المسيحيون في حيرة وعجب إلى هذا المشهد الغريب”.[21]
وأثناء إقامته بغرناطة قد جاء يوم الجمعة، فدعا العلامة الطلاب العرب الذين كان أكثرهم من المغرب الأقصى إلى أن يقيم الجمعة، ولم يحضر لضيق الوقت وقلة همة الشباب وعزيمتهم إلا عدد قليل من الطلاب العرب وصلى الجمعة في غرفة أحد الطلاب.[22]
المحور الثاني: رحلاته إلى أمريكا الشمالية وكندا
قام العلامة الندوي برحلة إلى أمريكا في عام 1977م على دعوة من المنظمة الإسلامية المعروفة M.S.A)) لحضور مؤتمرها السنوي المنعقد في بلومنجتن (Bloomington) انديانا (Indiana) واستغرقت الرحلة الفترة ما بين 27/مايو عام1977م و16/أغسطس عام 1977م.[23] وألقى في هذا المؤتمر خطابا في 18/مايو1977م بعنوان “العلاقات بين العاملين للإسلام” وألقى كلمة بليغة أمام الأخوة العرب، وكلمة بليغة أخرى عامة في صورة حديث حر، وألقى يوما درسا في القرآن الكريم.[24] وقد نظم القائمون على المنظمة في نهاية المؤتمر زيارة لشمالي أمريكا وكندا لمدة 20 يوما تغطى أهم المدن والمراكز الحضارية الصناعية الثقافية في أمريكا وكندا.[25] قد بدأت هذه الرحلة من نيويورك ستي وانتهت في”شيكاكو” واستوعبت من بين مدن أمريكا الشمالية: نيويورك سيتي، وجرسي سيتي، فلادلفيا، بالتي مور، بوستن، وشيكاكو، و دترائت، وسالت ليك سيتي، سان فرانسسكو، وسان جوزي، ولوس انجلوس(كاليفورنيا) وفي هذه الزيارة قد ألقى عشرين محاضرة، عشر منها في اللغة العربية، وعشر منها في اللغة الأردية، وألقى المحاضرات في هذه الرحلة بخمس جامعات الكبرى الشهيرة في أمريكا، وهي جامعة كولمبيا (نيويورك) وجامعة هارفارد (كمبرج) وجامعة دترائت (ان آربور) وجامعة كاليفورنيا الجنوبية (لوس انجلوس) وجامعة أوتا (سالت ليك سيتي).[26]
كما ألقى خطب الجمعة في قاعة الصلاة بالأمم المتحدة “نيويورك” وجوامع” تورنتو” و”دترائت” وقد استمع إلى هذه المحاضرات الطبقة المثقفة من المسلمين ومعظم المسلمين المقيمين في أمريكا، وعدد كبير من الشباب الإسلامي والعربي والهندي والباكستاني، بحماس كبير ورغبة قوية.[27] ويقدر مما يلي من الخلاصة ما ارتكزت عليه محاضرات العلامة الندوي وخطبه “إن أمريكا تتمتع بحياة ميكانيكية، ورقي مادي علمي وتكنولوجي، ولكن الإنسانية فيها في سقوط وزوال، فلو نالت هذه البقعة ثروة الدين القيم لكان تاريخ العالم اليوم غير تاريخه، إن أمريكا شقية وسعيدة في آن واحد، سعيدة لأن الله تعالى قد أنعم عليها بالخيرات المادية الوفيرة القوية الكبيرة، والوسائل الكثيرة، وشقية لأنها حرمت نعمة الدين الحق، ولأنها اعتنت بالمادة مثل مالم تعتن بالأخلاق الفاضلة والوجهة الصحيحة، فلو سئلت: أي ديانة أنسب وأولى لغرب؟ وأي ديانة أضر بها وأقل مناسبة؟ لكانت الإجابة الصريحة الواقعية أن أنسب ديانة لها كانت الإسلام، وأن أضر ديانة بها كانت المسيحية”.[28] وقد وجهت إليه أسئلة بعد محاضراته القيمة تتعلق بالقضايا المعاصرة المهمة، وأما الناس فكلهم كثيرون وهم يسجلون هذه المحاضرات وينشرونها بين معارفهم وأصدقائهم ويقدمون نسخها هدايا للناس أجمعين.
عقد اجتماع للأديان العالمية في شيكاغو(أمريكا) في 28/أغسطس عام 1993م إلى5/سبتمبر عام 1993م، وقد وجهت الدعوة إلى خبراء الأديان العالمية، ورجال الدين، والزعماء والعلماء والباحثين، ويعقد هذا المؤتمر بعد مئة سنة، فقد انعقد مؤتمر من هذا القبيل هنا في عام 1893م، وحضر هذا المؤتمر زعيم الدين الهندوسي المعروف سوامي وويكانند، وتحدث فيه، وقد وجهت الدعوة أيضاً إلى الشيخ الندوي لحضور هذا المؤتمر للأديان.[29] سافر العلامة الندوي وشارك فيه وقدم مقاله القيم حول موضوع “الإسلام والغرب” ثم عقد المؤتمر في نفس اليوم مساءاً، حيث حضر ورأس المؤتمر، وقدم مقالا طويلا بالأردية بعنوان “رسالة مهمة للمسلمين المقيمين في الغرب” وكانت القاعة مكتظة بالحضور، ثم بعد قضاء ثلاثة أيام في شيكاغو عاد إلى الهند.[30]
المحور الثالث: آراءه وانطباعاته حول مجتمع أوربا الغربية وأمريكا الشمالية وكندا
إذا ألقينا نظرة عابرة على الخطب والمحاضرات التي ألقاها العلامة الندوي خلال رحلاته إلى دول أوربا نجد أنه كان من أكبر العلماء والأدباء من قام بنقد الحضارة الغربية نقدا علميا عميقا، لأنه كان خبيرا بحقائق هذه الحضارة الغربية بحكم دراسته ومطالعته المخصوصة التي تلقاها من أخيه الكبير الدكتور السيد عبد العلي الحسني الذي كان خبيرا وماهرا كبيرا عن الحضارة الغربية ونظمها وفلسفاتها، وعلومها وفنونها، وينتقدها من الوجهة الدينية الخالصة إلى حد ما، لأنه كان خريجا من الجامعات الإسلامية والجامعات العصرية وحائزا على شهادة البكالوريوس في الطب(M.B.B.S) وكان والده يعد من الباحثين والمحققين والعلماء الكبار في الهند.
لا شك فيه أن الغرب لها أهمية كبيرة بارزة في العالم كله، يتوجه إليها الطلاب والطالبات للتعليم العالي من أنحاء العالم كله، وأن الغرب تعتبر من منابع العلوم المتنوعة والفنون المختلفة والتكنوجيا وهي البلاد التي لعبت دورا مهما في تطور العلوم الجديدة وأن علماءها وأدباءها يعدون من أهم الأدباء وينالون الشرف والمجد من كل بلد من بلاد العالم بمآثرهم العلمية المتنوعة على الرغم من ذلك كله أن الشيء الوحيد الذي اتضح بعد دراسة رحلات العلامة الندوي إلى الغرب أن ذهن أدباءها وكتابها مشرق ومنور بالعلوم الجديدة والتكنولوجيا المتنوعة لكن قلوبهم خالية تماما من الربانيين، وقد ألقى العلامة الندوي ضوءا كاشفا على الحياة الغربية وحضارتها وتقاليدها وشخصياتها الممتازة التي لها صيت ذائع في مجال العلم والأدب بكل صراحة ووضوح يقول في سيرته الذاتية “إنه لا بد مع ذكر إنكلترا من ذكر الإنكليز، ومع ذكر أوربا من ذكر الفرنج، لقد قضت المادية وحب الدنيا، والخوض في متاع الحياة والتنازع للبقاء والمقاييس المصطنعة والمثل المفروضة، والسعي الحثيث وراء الحصول على الأغراض والأهداف التافهة، على المشاعر الرقيقة والشعور بالفراغ الروحي، وعواطف الخضوع لله، ولذلك فإنهم – رغم جميع استعداداتهم وصلاحياتهم العقلية وقوة إرادتهم وشعورهم بالمسؤولية، ونظامهم وتمسكهم بالأصول وكثير من الحسنات فيهم- محرومون من الحركات الروحية الصحيحة، والفتوح الدينية، وإن هذه الأرض المليئة بالمتخصصين في كل فن خالية تماما من الربانيين”.[31]
وقد صدق الدكتور محمد إقبال المطلع على خفايا هذه الحضارة إذ قال عن الغرب ” إن هذا الوادي الأيمن لا يليق بـ”التجلي” ولا يستأهل له، وقد احتجت فطرته السليمة ضد هؤلاء السحرة الإنكليز بعد أن مكث برهة من الدهر فيهم فقال: لقد جالست خيار هؤلاء وعاشرتهم مدة من الزمن، فلم أر أياما في حياتي أكثر ظلاما منها، وأشد خواء وفراغا روحيا”.[32]
كان العلامة الندوي من بين العلماء الكبار والدعاة العظام والمفكرين القلائل الذين كانت لديهم معلومات كثيرة عن الحضارة الغربية وثقافتها اللادينية وتاريخها الضئيل، كما أنهم كانوا مطلعين على الأحوال التي كانت تجري في الغرب من تفسخ في الأخلاق واستبداد في الحكومات وتحزب في السياسة، لذلك نحن نرى أنه أينما يخاطب الناس كان ينبههم عن الحضارة الغربية، ويكشف للناس عما كانت فيها من القبح والسيئات ويرشدهم إلى طريق التجنب من مضارها، كما نشاهد أنه يكتب في رسالة أرسلها من باريس في سنة 1963م إلى أخيه محمد الحسني رحمه الله عن مكانة المرأة وكرامتها في أوروبا يكتب في كتابه في مسيرة الحياة “لقد تحطم طلسم مكانة المرأة وكرامتها في أوروبا وزال سحرها، فقد ظلت المسكينة خادمة مهانة، فهي البائعة في الدكان، وهي الحمالة للأثقال، وهي الموظفة لكل عمل، وتزاحم وتدفع في القطار، السيارات و الباصات، فالرجل جالس في راحة والمرأة واقفة في تعب، لقد فقد منها كل عناصر الحياة والأنوثة والجاذبية، وبذلك أدركت السبب وراء هذا الأدب وهذه الصور والأفلام وهذه النزعة المعاصرة في الروايات والتمثيلات، والعري والفاضح الذي يستمر يوميا في التقدم، كل ذلك بسبب أن المرأة بفطرتها لم تعد تملك تلك الجاذبية والفتنة والجمال، فيريدون أن ينشئوها بهذه الوسائل الصناعية ويوقظوا في الرجال نوازعهم الفطرية الميتة”.[33]
مما لاشك فيه أن العلامة الندوي قد أدرك بنظره الثاقب وفراسته الإيمانية وغيرته الدينية ومعرفته الإسلامية الأخطار التي تمر بها الأمة الإسلامية عبر العصور في أوربا وأمريكا وكندا، والتي لا يدركها العامة من الناس، بل الخاصة من العلماء الربانين والرجال السياسيين والأدباء العباقرة، والرحالة الكبار، والمفكرين القلائل، والمصلحين العظام، وذلك من أجل تربيته وثقافته المخصوصة التي تلقاها بمطالعته وقراءته المختلفة وبدراسته التاريخية القديمة والحديثة ونظره العميق عن الحضارة الغربية وسياستها، فإن هذه الحضارة الخطيرة ليست قضية حضارة الأمة الإسلامية وثقافتها فقط، بل هذه الحضارة تستمد قوتها من النظرية الزائغة التي ترفض الدين، وأن هذه الحضارة القبيحة توجد فيها ثوابت ومعتقدات علمية معقدة، تصل في بعض الأحيان إلى الكفر والطغيان وتهدي من اعتمد عليها إلى الالحاد والزندقة، لأن الحضارة الغربية في الحقيقة مثل حضارة وثنية، بنيت على الوثنية الإغريقية التي لم تأت بشيء جديد في المعنى الحقيقي، وهذا أمر مهم أن الحضارة الغربية وثنية وفيها عنصر لا ثبات له، وإنها ردة فكرية ملحدة تهدد العقائد ولا تزال تبسط سيطرتها عليها، حيث لا تصل عيون عامة من الناس في العالم العربي والشرقي، يقول الشيخ الندوي مشيرا إليها في إحدى محاضراته القيمة “ولكن جرب العالم الإسلامي في العهد الأخير ردة اكتسحت عالم الإسلام من أقصاه إلى أقصاه ونبذت جميع حركات الردة التي سبقتها في العنف وفي العموم، وفي العمق وفي القوة، ولم يخل منها قطر، وقلما خلت منها أسرة من أسر المسلمين، هي ردة تلت غزو أوروبا للشرق الإسلامي، والغزو السياسي والثقافي، وهي أعظم ردة ظهرت في العالم الإسلامي وفي تاريخ الإسلام، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا”.[34]
وهناك مقتطف آخر قام بتسليط الضوء على الحضارة الغربية وهو ينتقدها كما نلاحظ بألفاظه حيث يقول ” إنها ردة ولكنها لم تلفت المسلمين، لم تشغل خاطرهم، لأن صاحبها لا يدخل كنيسة أو هيكلا ولا يعلن ردته وانتقاله من دين إلى دين، لا تنتبه لها الأسرة فلا تقاطعه ولا تقصه، بل يظل يعيش فيها ويتمتع بحقوقها وقد يسيطر عليها، ولا ينتبه لها المجتمع فلا يحاسبه ولا يعاتبه ولا يفصله، بل يظل يعيش فيه ويتمتع بحقوقه وقد يسيطر عليه، إنها قضية العالم الإسلامي الكبرى، إنها مشكلة الأمة الإسلامية الكبرى، ردة تنتشر وتغزو المجتمع الإسلامي ثم لا ينتبه لها أحد، ولا يفرغ لها العلماء ورجال الدين، لقد قالوا قديما “قضية ولا أبا حسن لها” وأقول “قضية ولا أبا بكر لها”.[35]
حينما نبدأ بمطالعة الكتب المتعلقة بحياة العلامة الندوي وجدنا أن حياته كانت مليئة بالرحلات والأسفار، ما من أي بلاد في العرب والغرب لم يرحل إليها العلامة الندوي في حياته، وفي الحقيقة أنه قد قام برحلات عديدة إلى البلاد العربية والغربية فقط للدعوة والتبليغ، والتربية الإسلامية، ولفت أنظار الناس إلى الشعور بمسؤوليتهم عن الاحتفاظ على حقوق المسلمين وغير المسلمين، وأداء واجباتهم وفرائضهم التي عيَّنها الله عليهم نحو الإنسانية، وترسيخ جذور الإيمان في قلوب المسلمين، والتمسك بسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عن طريق الندوات والمؤتمرات والاجتماعات العامة، يقول الشيخ الندوي وهو يخاطب الطلاب المقيمين في الغرب إذ يقول “عليك أن تمثل هذا “الإسلام” تمثيلا صحيحا في أوروبا وتظهر بالعقيدة الإسلامية وتحافظ على فرائض الإسلام وأخلاقه وشعاره في شجاعة وثقة، لأنك تمثل أفضل دين وصبح عقيدة في بيئة تفتقر إليها أشد افتقار، وبذلك تحسن إليها وتحسن إلى كثير من زملائك وإخوانك المسلمين وإلى الذين هم في سنك في الشرق الإسلامي الذين يخجلون من تمثيل الإسلام والظهور في مظهره في الحواجز الإسلامية والجامعات العربية، وتسن لهم سنة حسنة لك أجرها وأجر من عمل بها، وبهذه الحياة الإسلامية النزيهة العفيفة التي فيها الصلاح والتقوى والصدق والأمانة، والذكر والعبادة، والرضا والقناعة، والنشاط والقوة، ورقة العاطفة واشراق الروح، تسطيع أن تجذب إلى الإسلام عددا كبيرا من أصدقائك وزملائك وأساتذك، وجيرانك، وهكذا دخل العدد الأكبر من المصفين والعقلاء في حضانة الإسلام في البلاد التي لم يغزها جيش إسلامي ولم يلمع فيها سيف مجاهد”.[36]
مما لا شك فيه أن هذه الحضارة الغربية الخادعة التي يوجد فيها مكر وغش كثير أكبر خطر للإسلام وأعظم تحدي للأمة الإسلامية كما أشار إليه العلامة الندوي في كتابه الشهير” الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية” وهو يلقى ضوءا على المشاكل والمصائب التي يواجهها العالم الإسلامي العربي في القرن التاسع عشر المسيحي إذ يقول” واجه العالم الإسلامي في منتصف القرن التاسع عشر المسيحي مشكلة في غاية الدقة والتعقد والخطورة، وعلى الموقف الذي يتخذه تجاه هذه المشكلة الحاسمة يتوقف مستقبله كعالم له شخصيته وكيانه، هي مشكلة الحضارة الغربية الفتية، الدافقة بالحياة والنشاط والطموح وقوة الانتشار والاستيلاء، وهي من أقوى الحضارات البشرية التي عرفها التاريخ، والتي لم تكن إلا مظهرا من مظاهر العوامل التي تكونت واختمرت قديما، وظهرت في أوانها، واجه العالم هذه المشكلة وجها لوجه، لأنه هو زعيم الرسالة الدينية الخلقية، وصاحب الوصاية على المجتمع البشري، بعدما انسحبت الديانات القديمة من معترك الحياة، وصاحب القوة الكبرى التي يحسب لها الحساب، وصاحب الدول الواسعة في هذا القرن، فكان تحدي هذه الحضارات المادية الآلية للعالم الإسلامي أعظم من تحديها لأي أمة، ولأي حضارة، ولأي مجتمع بطبيعة الحال”.[37]
رحل العلامة الندوي إلى أمريكا في سنة 1977م، واستغرقت هذه الرحلة الفترة ما بين 27/مايو و6/أغسطس عام 1977م، أنه قد زار في هذه الرحلة أهم المدن والمراكز الحضارية والصناعية والثقافية واشترك في مختلف الندوات والمؤتمرات والاجتماعات العامة فيها، وقد تحدث عن الحضارة الغربية والمدنية الأمريكية المادية وحللها على مستوى عال بكل صراحة يقول العلامة الندوي بنفسه عن حضارة أمريكا الخاوية التي لا روح حية فيها ولا هدف لها ولا يوجد لديها شيء جديد في المحاضرة التي ألقاها في مدينة(Salt Lake City) حيث يقول “هذه الحضارة الغربية حضارة ميكانية، حضارة مادية محضة، لا روح فيها، إنها حضارة لا هدف لها الآن، قد أصبحت كالبعير المجتر الذي يجتر ما في بطنه، ما هنالك شيء جديد، هذه الحضارة الغربية قد قالت كلمتها الأخيرة قبل زمن، الآن هي تعيش على امتدادها تعيش على ما حققت من انتصارات، ومن فتوح في المجال الحضاري والصناعي، والتكنولوجي لا شيء جديد لا رسالة لها للإنسانية، إنها في الحقيقة لا تفكر في مستقبل الإسانية، أنها الآن تعيش لنفسها فقط”.[38]
ولا ريب فيه أن رحلات العلامة الندوي إلى أمريكا كانت تشتمل على أكثر من شهرين، خلال هذه الرحلة أنه قد قام بزيارة أهم المدن التي يوجد فيها عدد كبير من الجاليات الإسلامية والطلاب المسلمين والشباب الإسلامي المثقف وكثير من أبناء الإسلام العرب والهنود والباكستانيين الذين كانوا يدرسون فيها ويعملون في كل مجالات الحياة المختلفة، في هذا السفر أنه قام بمشاهدة عدة أشياء أعجوبة من أمريكا إلى كندا ووجد فيها عدة أشياء بديعة مدهشة لكن في الأمر الحقيقي لم يجد الإنسان الحقيقي الذي يحمل في صدره قلبا حيا نابضا متدفقا، هنا يمكن لنا أن نلاحظ بكلمات الشيخ الندوي التي ألقاها في مركز الجالية الإسلامية بشكاغو(Muslim Community Centre,Chicago) في 19/يونيه عام 1977م حيث يقول ” والشيء الوحيد النادر المفقود الذي لا أجده، هو الإنسان، ذلك الإنسان الحقيقي الذي يحمل في صدره قلبا ،حيا، نابضا، متدفقا، لا ماكينة متحركة، فقد خضع الإنسان لحياة الماكينات خضوعا جعله لا يفكر إلا في الماكينة وأصبحت خواطره ومشاعره كلها ماكينات، وتتسم بمزايا الجمادات والفولاذ، فلا رقة فيها ولا مرونة، ولا لين فيها ولا نعومة، وقد بعد عهد العيون بالدموع، وعهد القلوب بالخشوع، تلك هي الحقيقة التي لمستها في الولايات المتحدة الأمريكية”.[39]
إن هذه الحقيقة الناصعة لا تخفى على الداني والقاصي أن أوروبا الغربية ولاسيما أمريكا الشمالية والجنوبية تعتبر من أهم البلاد في العالم كله، فإنها تنفذ الأحكام على جميع البلاد في العالم وتتدخل في السياسة الدولية وتديرها كما تشاء، وهنا أقول مع الأسف الشديد إن دول العالم كلها تقريبا خاضعة لأمريكا وتابعة لها، وهي البلاد التي تضع المشاريع والخطط وتطبقها على سائر البلاد الإسلامية وغير الإسلامية حتى على بلادنا الهند وأن قادتنا وزعماءنا الهنود يقبلونها بكل فخر واعتزاز.
خاتمة البحث
عرفنا فيما سبق أن رحلات العلامة أبي الحسن علي الندوي إلى أي بلد من البلاد لم تكن للمتعة النفسية وطلب الراحة والسكون والطمانينة بل كانت لطلب العلم والفن والأدب والتاريخ ونشر تعاليم الإسلام السماوية التي جاء بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، واستهدف إلى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وإعلاء كلمة الإسلام، نظرا إلى هذه الأعمال قام برحلة علمية ودعوية إلى أوربا وأمريكا حيث التقى بالعلماء والأدباء والشبان وكبار الشخصيات البارزة في العلم والأدب والتاريخ والدعوة الإرشاد وناقش معهم حول الأمور ذات الأهمية الكبيرة ولاسيما قضايا الأمة المسلمة في العالم كله، وقد شارك في المؤتمرات والندوات والجلسات وألقى فيها خطابا قيما ذات أهمية كبيرة، ودون وسجل مشاهداته ومحاضراته وخطبه ولقاءاته وانطباعاته من كل ما رأي وشاهد وسمع خلال رحلاته وأسفاره عبر البلدان الغربية في مذكراته بكل رغبة شديدة وقدمها أمام القراء كوسيلة للتذكير والتبليغ والدعوة والإرشاد، والجدير بالذكر أن العلامة الندوي أينما حل ونزل في هذه الأسفار إلى أوروبا وأمريكا فإنه حاول أن يحول هذه المهمة إلى هدفه الأساسي وهو الدعوة والإرشاد إلى الدين السماوي، والتناصح مع الطلاب المقيمين في أوربا والتنبه من حذر تقليد الحضارة الغربية الخادعة.
المصادر والمراجع
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : في مسيرة الحياة، في ثلاث مجلدات دار القلم دمشق الطبعة الأولى1987م.
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : كاروان زندكي (الأردية) في سبع مجلدات، مكتبة اسلام54/172 محمد علي لين كوئن رود لكهنؤ طبعة عام1994م.
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : كاروان زندكي الأردية،الجزءاالسابع مكتبة اسلام54/172 محمد علي لين كوئن رود لكهنؤ الطبعة الأولى1999م.
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : أحاديث صريحة في أمريكا(مجموعة محاضرات ألقاها الشيخ الندوي في أمريكا وكندا) مؤسسة الرسالة بيروت لبنان الطبعة الأولى 1978م.
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : الإسلام والغرب، مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1987م.
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، الإسلامي العلمي ندوة العلماء ص ب 119 لكناؤ- الهند 1426هــ
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : حديث مع الغرب، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع بيروت الطبعة الأولى 1967م.
- الندوي، العلامة أبو الحسن علي، : ردة ولا أبا بكر لها، مكتبه السراوي للنشر والتوزيع القاهرة الطبعة الثانية 1992م.
[1] كاروان زندكي الجزء الثاني (بالأردية) للشيخ أبي الحسن علي الندوي الندوي ص:58
[2] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:289-290
[3] حديث مع الغرب للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:14
[4] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:290-291
[5] المصدر السابق ص:297
[6] حديث مع الغرب للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:44
[7] كاروان زندكي الجزء الثاني (بالأردية) للشيخ أبي الحسن علي الندوي ص:58-59
[8] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:424
[9] الإسلام والغرب للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:7
[10] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:425
[11] الإسلام والغرب للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:7-8
[12] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:427
[13] في مسيرة الحياة المجلد الثاني للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:80-81
[14] المصدر السابق ص:131
[15] المصدر السابق ص:113
[16] كاروان زندكي الجزء الخامس (بالأردية) للشيخ أبي الحسن علي الندوي ص:49-50
[17] في مسيرة الحياة المجلد الثالث للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:160-161
[18] كاروان زندكي الجزء السادس (بالأردية) للشيخ أبي الحسن علي الندوي ص:29
[19] في مسيرة الحياة المجلد الثاني للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص: 80 -83
[20] حديث مع الغرب للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص: 32
[21] المصدر السابق ص: 289 -293
[22] كاروان زندكي الجزء الأول (بالأردية) للشيخ أبي الحسن علي الندوي ص:492
[23] أحاديث صريحة في أمريكا للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:5
[24] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:380
[25] أحاديث صريحة في أمريكا للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:05
[26] المصدر السابق ص:من 05 إلى06
[27] أحاديث صريحة في أمريكا للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:06-07
[28] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص: 382
[29] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:244
[30] كاروان زندكي الجزء الخامس (بالأردية) للشيخ أبي الحسن علي الندوي ص:240-241
[31] في مسيرة الحياة المجلد الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:296
[32] المصدر السابق ص: 296
[33] رسائل أوربا ص:27 نقلا عن في مسيرة الحياة الجزء الأول للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:295
[34] ردة ولا أبابكر لها للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:4-5
[35] المصدر السابق ص:4-5
[36] حديث مع الغرب للعلامة أابي الحسن علي الندوي ص:64-65
[37] الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:11
[38] أحاديث صريحة في أمريكا للعلامة أبي الحسن علي الندوي ص:28-29
[39] المصدر السابق ص:62