د/بوكرديمي نعيمة
الرتبة:استاذ محاضر”ا”
كلية العلوم الانسانية والاجتماعية
جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف (الجزائر)
الملخص:
بالرغم من أزمة الخلاف التي شهدتها الجزائر في بداية خمسينيات القرن الماضي في إطار نضالها ضد المستعمر الفرنسي الغاشم بسبب تقديم المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة للشعب الجزائري، إلا أن ذلك لم يُثن من عزيمتها وإرادتها الفلاذية، ولم يمنع الشعب الجزائري من مواصلة نضاله التحرري في سبيل بلوغ هدفه المنشود في استرجاع سيادته، وكل الفضل في ذلك للنخبة المثقفة من مناضلي التيار الثوري والمتمثل في أعضاء المنظمة العسكرية السرية، والتي استطاعت بفضل ما بذلته من مجهودات كبيرة للمساهمة في تفجير ثورة التحرير المباركة، ومن ثم كتابتها لبداية نهاية الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر، وتحقيق استقلال الشعب الجزائري من دون شك.
الكلمات المفتاحية: الخلاف، المصاليين، المركزيين، المنظمة السرية، شهادات المناضلين، مؤتمر الصومام، محمد لحسن أزغيدي.
Abstract :
Despite the crisis of disagreement that Algeria witnessed at the beginning of the 1950s, within the framework of its struggle against the French colonist who is angry for offering the special interest at the expense of the general interest of the Algerian people, this did not dissuade its determination and its steel will. It did not prevent the Algerian people from continuing their liberation struggle to achieve its desired goal of restoring their sovereignty, and it is thanks to the intellectual elite of the revolutionary movement’s activists who are members of the secret military organization, which was able thanks to its great efforts to contribute to the explosion of the blessed liberation revolution. They then wrote to the beginning of the end of the French colonial presence in Algeria, and undoubtedly the independence of the Algerian people.
Keywords : The disagreement, the two-way, the central, the secret organization, the testimonies of the militants, the Somalis conference, Mohamed Lahcen Azghidi.
مقدمة:
يؤكد المؤرخون والمهتمون بدراسة تاريخ الثورات في العالم والحركات التحررية على أن الثورة الجزائرية تعد واحدة من أهم وأعظم الثورات والحركات التحررية التي شهدها العالم في القرن العشرين، إذ برهن مهندسيها للعالم بأسره على أن الإرادة والعزيمة والإيمان بالقضايا العادلة يصنع المعجزات وليس القوة العسكرية وحدها، فبالرغم من القوة العسكرية للإمبراطورية الفرنسية المدعمة بقوات الحلف الأطلسي، إلا أن إرادة الشعب الجزائري فاقت كل التوقعات، واستطاعت أن تهزم أكبر دولة استعمارية في العالم آنذاك، وبالتالي كذبت المقولة الخاطئة أن القوة الاستعمارية لا تقهر، وأكدت الثورة الجزائرية والمناضلين الجزائريين لشعوب العالم بما فيهم الشعوب المضطهدة والمقهورة والمستعمرة أن فرنسا تلميذ غبي لا يفهم الدروس إلا بالتكرار، ومع ذلك فالثورة الجزائرية، وبالرغم ما حققته من انتصارات، إلا أن هذا الانتصار والهدف المنشود، لطالما اعترضه مجموعة من الانزلاقات كادت أن تؤثر على مسارها وتحقيق مساعيها على المستويين الداخلي والخارجي، ومن ذلك مسألة الصراعات والخلافات والانشقاق التي شهدتها على الصعيد الداخلي ومنها الخلاف بين المصاليين والمركزيين وتأثيره الإيجابي على المنظمة السرية العسكرية من خلال ما ورد من شهادات على لسان بعض مناضليها من خلال كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني لمحمد لحسن أزغيدي 1956-1962، فمتى بدأ هذا الخلاف الداخلي؟ وما هي أهم تطوراته؟ ثم أين تكمن تأثيراته الإيجابية على المنظمة الخاصة من خلال الشهادات التي وردت على لسان بعض مناضليها من خلال مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني لمحمد لحسن أزغيدي؟
أولا: الخلاف بين المصاليين والمركزيين:
- بدايات الصراع:
لقد أدت مشاركة حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية في الانتخابات التشريعية المزورة[1] والتي أعلنت عنها الإرادة الاستعمارية الفرنسية إلى حدوث انشقاق داخل الحزب، حيث رأت العناصر الشابة والمثقفة فيها تراجعا عن الجهود والمساعي المبذولة فرفضوها، وعم الاستياء الكثير من مناضلي الحزب المخلصين، وكادت تحدث أزمة داخل الحزب لولا أن زعيمه السيّد مصالي الحاج تدارك الوضع وذلك بدعوته إلى عقد مؤتمر وطني للحزب وكان ذلك في سنة 1947، واستمر لمدة ثلاثة أيام، انبثقت عنه ثلاثة تيارات:
- التيار الأول: يمثله جزء الشعب الجزائري، ودعى إلى الإبقاء على النشاط السري لحزب الشعب الجزائري للمحافظة على شعبيته.
- التيار الثاني: ويمثله تيار الشرعية، ويدعو إلى ضرورة إشراك الحزب في الانتخابات ليعلن مبادئه من أعلى المجالس الرسمية.
- التيار الثالث: يمثله التيار الثوري، ويرى ضرورة البدء في العمل الثوري بتكوين منظمة عسكرية سرية.
وعليه يتضح أن بداية الصراع داخل الحزب تعود إلى اعتبار التيار المحافظ المتمثل في جزء الشعب الجزائري أن مشاركة الحزب في الانتخابات تعد انحرافا عن مبادئ الحزب، وأن مواصلة النضال السري أضمن لبقاء الحزب وخاصة أن أتباعه يشكلون الأغلبية[2].
أما بخصوص التيار الثاني، فقد اعتبر أن الأسلوبين الآخرين غير نافعين ومجديين، ودعى إلى ضرورة التطور مع الأحداث وفي الوقت نفسه مواصلة النشاط السياسي كوسيلة للنضال، وفي المقابل فقد أصبح التيار الثالث ونقد به التيار الثوري لا يؤمن إلا بأسلوب الكفاح المسلح[3].
مما تجدر الإشارة إليه، أن هذه الأطراف الثلاثة أو التيارات كادت أن تعجل في انقسام الحزب وتفكيكه لولا تدخل زعيمه مصالي الحاج، وذلك من خلال إبقاءه على حزب الشعب الجزائري يواصل مهمته السياسية بكل سرية، وإبقاءه على حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية كحزب شرعي وكان يهدف من ورائه إلى تعريف الرأي العام الوطني والفرنسي والعالمي بالقضية الجزائرية، حيث قال في شأنه:” أنه يبلغ صوتنا إلى الجماهير، والرأي العام الفرنسي والرأي العام العالمي، أما بخصوص التيار الثالث، فقد صرح بشأنه قائلا: “أني أوافق على إنشاء جناح عسكري يتولى تدريب المناضلين عسكريا وتكوينهم سياسيا وبذلك نكون قد هيأنا واستعجلنا جميع الوسائل من أجل تحـرير البـلاد”[4].
وبهذا التدخل استطاع الزعيم مصالي الحاج أن يوفق بين التيارات التي ظهرت في المؤتمر، وبالتالي استطاع أن يبعد الحزب على الانقسام والتمزق خاصة وأنه كان يعد قاعدة الجماهير بحكم ما كان يتمتع به من شعبية نظرا لمبادئه الاستقلالية الثورية التي عرف بها منذ نشأته.
وبهذا اضطرت أول منظمة عسكرية سرية كانت النواة الأولى لميلاد جبهة التحرير الوطني والتي ستخطط للإعداد لثورة نوفمبر 1954[5].
لقد استطاعت المنظمة العسكرية في ظرف قصير أن تفرض نفسها وتطور الأسلوب النضالي في الحزب، وذلك بغرس تقاليد نضالية في مناضليها كالطاعة والوفاء والإخلاص والطرحة والأخوة والفداء بالرغم من قلة إمكانياتها المادية[6]، كما استطاعت أن تقوم بعمليات تطبيقية منها عملية تفجير تمثال معسكر، وعملية حادثة تبسة هددت بها الوجود الاستعماري الفرنسي وحسب ما أورده السيد بن طوبال هو الأمر الذي دفع بهذا الأخير إلى ملاحقة زعمائها وبالتالي اكتشافها سنة 1947م[7].
- تطورات الصراع بين المصاليين والمركزيين: بداية الخلاف بين قادة الحزب أنفسهم
إن التطورات التي عرفتها المنظمة العسكرية السرية خاصة مسألة اكتشافها قد اعتبرت أكبر ضربة يتعرض لها التيار الثوري، حيث أدى ذلك إلى حدوث شرخ عميق في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية وبروز موقفين موقف متعاطف مع أعضاء المنظمة الخاصة المنحلة يريدون إشعال فتيل الثورة، وقيادة الحزب التي وبعد اكتشاف المنظمة الخاصة قامت بنفي أي علاقة لها تذكر مع أعضائها، وقامت بالتنصل منها معتبرة أفراد المنظمة مجرد خارجين عن القانون ومتمردين، وسارعت إلى حلها وتحويل بعض قادتها إلى قيادة الحزب، وترحيل البعض إلى الخارج، حيث يوجز الحزب فهم إمكانية اللجوء إلى القاهرة، كما تم إقصاء آخرين، وفي هذا الشأن يشير المناضل عبد السلام حباشي “بأن الأعضاء الفارين بعد حل المنظمة قد وجدوا أنفسهم بدون حماية وملجأ يلتجئون إليه خاصة وأن قيادة الحزب أعطت الأوامر بأن يسلموا أنفسهم بالإضافة إلى ذلك فإنهم كانوا يجدون بأن الملجأ الذي يتم اختياره لهم من طرف قيادة الحزب يكون معروفا لدى السلطات الاستعمارية”[8].
وفي الواقع، إن هدف أعضاء المنظمة الخاصة كان يرمي بكل وضوح إلى التحضير لعمل مسلح، وهذا ما لم نلمسه عند قيادة الحزب التي كانت غير مبالية بهدف المنظمة وأهمية الكفاح المسلح كوسيلة للتخلص من الاستعمار ولم ترغب في العمل المسلح على الأقل في تلك الفترة[9]، حول صلاحيات رئيس الحزب، حيث عرفت سلسلة من الأزمات الداخلية والجانبية أثرت على أدائه، وأعاقت العمل الجاد في سبيل تحقيق طموحاته وآمال الشعب الجزائري، وهو الأمر ذاته الذي ساعد على تحقيق قفزة نوعية لصالح العمل الثوري، وإخراج الحركة الوطنية الجزائرية بكل تياراتها من حالتها الإنزوائية والذاتية إلى حالة الاستجابة لمتطلبات الكفاح القومي من خلال ظهور اللجنة الثورية للوحدة والعمل كطرف محايد من الطرفين المتصارعين داخل الحزب [10].
فللإشارة، فلما وصل الخلاف بين المصاليين والمركزيين ذروته في سنة 1953 لجأ زعيم الحزب إلى حل اللجنة المركزية، فلم يذعن أعضاؤها لقراره، وبذلك انشق الحزب إلى قسمين: الرئيس وأنصاره، واللجنة المركزية وأنصارها[11].
وقد تطورت الخلافات بينهما وتبادلا التُهم باحتكار المناصب الحزبية العليا، والابتعاد عن المبادئ والأهداف المنشودة، الأمر الذي دفع بكلتا الكتلتين إلى عقد مؤتمرين أحدهما في بلجيكا، وقد دعا إليه السيد مصالي، والثاني بمدينة الجزائر، وقد دعا إليه السيد الأحول حسين وجماعته أي المركزيون وكان ذلك في صيف 1954م[12].
انعقد مؤتمر المصاليين في أورلي ببلجيكا من 13 إلى 15 جويلية 1954، ومن أهم النقاط التي خرج بها نذكر:
- إدانة الخروج عن السياسة العامة للمركزيون التي بدأت تظهر في سنة 1953.
- الدعوة إلى المبادئ الثورية.
- منح الثقة المطلقة لمصالي[13].
أما فيما يخص مؤتمر المركزيون، فقد انعقد ما بين 13 و16 أوت 1954 بالجزائر، ومن أهم نقاطه التي خرج بها نذكر:
- إدانة قرارات مصالي وجماعته.
- عدم الاعتراف بالاتهامات الموجهة من طرف مصالي.
- مواصلة الكفاح.
كما تقرر كذلك دعوة إلى إقالة مصالي وجماعته من مسؤوليتهم الحزبية وإدانة قرارات بلجيكا[14].
وعليه، فما يمكن استخلاصه من الخلاف القائم بين قادة الحزب، هو أن كلا الطرفين سواء المصاليين أو المركزيين، كان يحاول السيطرة على الحزب، ومن ثم راح يتبادل التهم بينهما للتغطية عن هدف كل واحد منها والمتمثل في الحفاظ على السلطة الحزبية، وهذا بعد خروجه عن أهداف الحزب الذي تبنى مبادئ حزب الشعب الجزائري، حيث أن الجناحين المصاليين والمركزيين كان يريدان العمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، لم يحن أوانه، لأن الأمر مرتبط بثلاث عوامل أولها يتمثل في مساهمة الشعب، وثانيا وفرة الوسائل كما وكيفا، وثالثا ملاءمة الظروف الدولية[15].
ثانيا: التأثيرات الإيجابية على مناضلي المنظمة العسكرية السرية من خلال الشهادات الواردة ضمن كتاب مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير لمحمد لحسن أزغيدي:
إن الانشقاق الذي حدث داخل حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية، كما كان له أثرا سلبيا على الحزب ومناضليه، وذلك بخروجهم عن الهدف المرسوم لاستقلال البلاد وانشغالهم بالخلافات، كان له أثر إيجابي على مناضلي المنظمة العسكرية السرية، حيث ساهم الخلاف في السماح للطاقات الشابة والطموحة أن تنطلق للعمل الثوري المسلح وهذا ما صرح به وأكده السيد بن طوبال في شهادته قائلا: “في ذلك الوقت بدأنا الاتصالات بين بعضنا بعض، وبدأنا نتفاهم في أسباب الأزمة…ورأينا في ذلك الوقت لو نتبعهم…ما تصير ثورة”[16]….”ولا نستقل لأنهم أصبحوا يؤمنون بالطرق السلمية والطرق…السياسية”[17]، وتلك القاعدة كانت في نظر أعضاء المنظمة تشبه الخيانة[18].
ولم تفتر همة أعضاء المنظمة العسكرية، أمام الأزمة التي وصل إليها الحزب، بل زادت في عزيمتهم وإصرارهم على مواصلة العمل النضالي لتحقيق رغبات الشعب الذي كان متحمسا لذلك في الوقت الذي انغمس الحزب في خلافاته الداخلية، وحول هذا الموضوع يذكر السّيد بن طوبال قائلا:” كان الناس دائما ينتظرون متى يأتي الأمر من الحزب للدخول في الكفاح المسلح…وجدنا الشعب قد سبقنا بخطوات أي سبق الحزب ووجدنا في ذلك الوقت أن الحزب هو الذي كان متأخرا عندما كان يقول بأن الشعب ليس مستعدا…لأن الانفصال قد وقع بين القيادة والشعب، وقد كنا نعيش في المدن ولا نعرف حقيقة الوضع في البوادي”[19].
ومما سبق يتضح لنا مدى ابتعاد حزب حركة انتصار الحيات الديمقراطية عن واقع القاعدة الشعبية، خاصة أصحاب البوادي والأرياف الذين يكونون الغلبية، في الوقت الذي أدرك فيه أعضاء المنظمة العسكرية السرية واقتنعوا بأن الشعب سوف يكون إلى جانبهم إذا عملوا على تحقيق آماله في التعجيل بالثورة، ومن منطلق هذه القناعة وهذه الحقيقة، استغلوا الخلافات بين طرفي الحزب، وأخذوا يهيئون الجو ويعملون بجد من خلال عقد الاجتماعات والحصول على الأسلحة وإخفائها وتحضير الأموال الضرورية للعمل المسلح[20].
كما قرر أعضاء المنظمة حجب الثقة عن زعيم الحزب، وأعضاء اللجنة المركزية جميعهم[21]، وقرروا الانتقال إلى العمل الثوري، وذلك من خلال تأسيس حركة قوية تأخذ على عاتقها مهمة إعادة بناء حركة انتصار الحريات الديمقراطية ولها تأثير في المصاليين والمركزيين على السواء، تكون قيادتها جماعية، وقراراتها إجماعية وسياستها الكفاح المسلم أطلقوا عليها اسم اللجنة الثورية للوحدة والعمل وكان ذلك في مارس 1954[22] وصدور صحيفة تسمى المواطن كلسان حال الحركة الجديدة، وكانت مهمتها نشر الوعي السياسي بين المواطنين، والرغبة في القضاء على الهيئات السياسية التي تدعي لنفسها التوعية هو وحده الذي يجمع كل الجزائريين الراغبين في الكفاح المسلح ضد المستعمر[23] وإطلاع الشعب بصراع قيادة الحزب على السلطة، وعملت على إقناع الشعب بأهدافها وعلى رأسها قرار تفجير الثورة بالوسائل المحلية، وإشراك الشعب فيها، وبذلك عملت على رفع المعنويات عند الشعب وتوحيده وتهيئته للثورة بعدما يئست من كل المحاولات لتوحيد الحزب وشرعت في الإعداد للثورة والتخطيط لها[24].
وحسب حديث بن طوبال فبعد ما تم الاتصال بين أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل، اتفقوا على أن يكون اجتماعهم بعيدا عن كل من المركزيين والمصاليين[25]، بكلو صالمبي في 25 جويلية 1954[26].
وعن ذلك يقول السيد محمد بوضياف:” كانت الجلسة برئاسة مصطفى بن بولعيد، أما أنا فكنت أقدم التقرير الذي تم في الاجتماعات التمهيدية من طرف المجموعة كلها”[27].
وقد تمثلت النقاط المطروحة للمناقشة في:
- تاريخ المنظمة الخاصة من نشأتها إلى ذوبانها.
- تقرير حول فضح الهيئة المخرجة لإدارة الحزب.
- العمل المنجز من طرف قدماء المنظمة ما بين 1950-1954.
- أزمة الحزب وأسبابها العميقة من أجل معرفة الصراع بين خط إعادة البناء للإدارة والتخمينات الثورية للقاعدة، الأزمة التي كانت نتيجتها مقاطعة الحزب وعدم صلاحياته.
- تفسير وضعية أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل بالنسبة للأزمة والمركزيين إضافة إلى نقاط أخرى[28].
وحسب شهادة المرحوم محمد بوضياف انتهى التقرير بهذه الكلمات:” نحن قدماء المنظمة السرية يجب علينا اليوم أن نقرر من أجل المستقبل”[29].
وبعدما قدم الحاضرون تقارير بخصوص أوضاع مناطقهم، أكد السيد مصطفى بن بولعيد على ضرورة التعجيل بالانتفاضة، لأن التحضيرات بالأوراس الأشم أصبحت أو كانت متنقدمة جدا[30].
وعن مسألة التعجيل بالثورة هذه، فقد أكد الشهيد البطل مراد ديدوش قائلا:” إن الشعب أشبه بغصن يابس لا ينتظر سوى النار ليشتعل، يجب إلقاء عود الثقاب أيها الإخوة، يجب إلقاء عود الثقاب”[31].
وبخصوص مشكلة الوسائل فقد رد ديدوش مراد رحمه الله قائلا بحضور ذلك:” إذا كنت تمتلك رصاصتين لبندقيتك فهما كافيتان لتستولي على سلاح عدوك”[32].
كما واصل قائلا:” يجب أن نعطي الانطلاقة، وإذا استشهدنا فسيخلفنا آخرون يواصلون السير بالثورة قدما نحو الاستقلال، يجب أن نشعل الفتيلة ومن أجل هذا فلسنا في حاجة إلى وسائل ضخمة”[33].
أما الشهيد محمد العربي بن مهيدي فقد أكد حول مبدأ السرية قائلا:” إن السر هو قاعدة الحرب السرية، لا تتصلوا فرادى بأزيد من خمسة أشخاص ثقات واتركوهم يجندوا مناضلين آخرين ويشكلوا أفواجا تراقبونها دون أن يتعرف أعضائها عليكم”[34]، وواصل حديثه قائلا:” أي يجب أن تتوصلوا إلى مراقبة مناضلين لا يعرفونكم ولا يتعارفون مع بعضهم ما عدا الخمسة الذين يشكلون نفس الفوج، ولا تتغافلوا عن إعطاء ألقاب اضطرارية لتأخير أبحاث الهوية”[35].
عن هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فوا في 7 ماي 1954 والتي كانت المتنفس لجيش التحرير على فوز معركته المنتصرة معها قال مصطفى بن بولعيد:” إنها علامة تشجعنا على خوض الطريق الصعب الذي اخترناه، وإن هذه الحرب التي تنتهي هناك يجب أن تبدأ هنا”[36].
ذلك هو الجو الذي ساد الإجماع، حيث اتفق المجتمعون في نهاية المطاف على حل حزب انتصار الحريات الديمقراطية والقضاء على تأثيرات الأزمة، وإنقاذ الحركة الثورية من السقوط، كما تقرر انطلاق الثورة المسلحة كوسيلة وكخيار وحيد من أجل تحرير الجزائر.
كما اتفق المجمعون على انطلاق الثورة لأنهم رأوا فيها الحل الوحيد في خلاص الجزائر من الاستعمار، وإعادة ثقة القاعدة الشعبية بهم، بعدما فقدوا ما باللجنة المركزية وأتباع المصاليين[37].
وحول هذا الاتفاق يؤكد لنا المرحوم المجاهد محمد بوضياف قائلا:” وفي اليوم التالي اتصلت بابن بولعيد وديدوش، وابن مهدي وبيطاط الذين ساهموا في كل الأعمال التمهيدية من أجل إنشاء اللجنة المكلفة بتطبيق قرار الاثنين والعشرين”[38]، وقد أضيف إليهم فيما بعد السيد كريم بلقاسم، وهكذا أصبحت القيادة تتكون من ستة أعضاء، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء كانوا في الخارج هم “أحمد بن بلة، ومحمد خيدر، وآيت أحمد الحسني”[39].
وقد عقدت القيادة الموجودة في الداخل أول اجتماع لما يقول عنه السيد بوضياف”في اجتماعنا الأول كان عند قشيدة عيسى (شارع بربروس)[40] كانت مهمتنا دراسة تقرير الاثنين والعشرين وكيف نطبقه”[41] وتقرر فيه:
- جمع الأعضاء القدماء للمنظمة العسكرية السرية ووضعهم في التنظيم.
- بعث تربية عسكرية على قرار التنظيم القديم للمنظمة العسكرية.
- إقامة تربصات للتدريب على المتفجرات كصناعة القنابل اللازمة لاندلاع الثورة كما تم خلال الاجتماع توزيع المسؤوليات على أعضاء اللجنة[42].
كما قسمت البلاد كذلك إلى مناطق هي كالتالي:
- المنطقة الأولى (الأوراسي)
- المنطقة الثانية (الشمال القسنطيني)
- المنطقة الثالثة( القبائل)
- المنطقة الرابعة( العاصمة وضواحيها)
- المنطقة الخامسة( وهران)[43].
كما تم دراسة مسائل التسليح ومسألة التنسيق بين الداخل والخارج والتمثيل السياسي والتمثل الخارجي، كما تمت اتصالات بين هذه اللجنة وثوار كل من تونس والمغرب، وتم الاتفاق على أن سير الكفاح المسلح حتى الاستقلال بلاد المغرب العربي وبأكملها[44].
الخاتمة:
وفي الأخير يمكننا القول بأن من الأزمة تلد الهمة وبأن حقيقة أن الاستقلال الذي وقع داخل حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية بقدر ما كانت له انعكاسات سلبية، كانت له ثمار إيجابية استغلها مناضلي المنظمة العسكرية السرية في تهيئة الجو المناسب وخلق الظروف الملائمة لخوض الكفاح المسلح كوسيلة لتحرير البلاد والعباد من الغطرسة الاستعمارية الفرنسية وجرائمها في حق الشعب الجزائري الأعزل والأبي والصنديد، وذلك بفضل تلك الفئة الشابة والطموحة والوطنية التي احتوتها.
الهوامش:
[1] -تم تنظيم الانتخابات التشريعية المزورة من قبل الإدارة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، قررت من خلالها تقسيم البلاد إلى ثلاثة مقاطعات، وإنشاء مجلس نيابي يتكون من ستين نائبا يمثلون خمسمائة ألف أوربي، وعدد مماثل من أبناء الجزائر لتمثيل ثمانية ملايين مسلم، وتقرر أن تكون السلطة التنفيذية بيد الحاكم العام ويساعده في ذلكمجلس موسع. ينظر: عمار بوحوش، العمال الجزائريون في فرنسا، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط2، الجزائر، 1977، ص112. أزغيدي محمد لحسن، مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجزائرية، 1956-1962، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1989، ص44.
[2] – أزغيدي محمد لحسن، المرجع السابق، ص45.
[3] -المرجع نفسه، ص46.
[4] – محمد الطيب العلوي، جبهة التحرير وبيان أول نوفمبر محاضرة المنظمة الوطنية، ص9. أزغيدي، المرجع السابق، ص46.
[5] – المرجع نفسه، ص46.
[6] – محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص50.
[7] -ينظر: حديث السيد بن طوبال ضمن مجلة الباحث، العدد1، المطبعة المركزية للجيش الجزائري، جويلية، 1982، ص57-58 نقلا عن محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص50.
[8] -عبد السلام حباشي من الحركة الوطنية إلى الاستقلال مسار مناضل، تر: عبد السلام عزيزي، صبيحة بخوش، مراجعة م.ع. أوزغلة، دار القصبة، الجزئر، 2008، ص67.
[9] – غزلي الغالي، فرنسا والثورة الجزائرية 1954-1962 دراسة في السياسات والممارسات، غرناطة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009، ص71.
[10] -أسماء حمدان، الحركات المناوئة للثورة الجزائرية، جامعة بسكرة، 2012-2013، ص11.
[11] -محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص50.
[12] – ينظر: الأمير يحي شرقي، ص17-18 نقلا عن أزغيدي، المرجع السابق، ص50.
[13] – Claude collot- Jean Robert Henri : Le Mouvement National Algérien texte 1912-1954, 2 édition, office des publication universitaires Alger, 1981, PP332-333.
[14] -Op, Cit, P233.
[15] -محمد تروزين، اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر (محاضرة) ضمن المنظمة الوطنية للمجاهدين، الجزائر، 1981، ص8.
[16] – يقصد لا تكون هناك ثورة.ينظر: حديث بن طوبال، ضمن مجلة الباحث، العدد1، المطبعة المركزية للجيش، الجزائر، جويلية 1982، ص ص59-60.
[17] -حيث بن طوبال، المرجع نفسه، ص60.
[18] -نفسه، ص60.
[19] – ينظر: حديث لخضر بن طوبال- ضمن مجلة أول نوفمبر، العدد 55، الجزائر، ماي 1982، ص55.
[20] -ينظر: محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص53.
[21] – ينظر: المحافظة السياسية للجيش الشعبي الوطني، ص9 نقلا عن أزغيدي، المرجع السابق، ص63.
[22] -محمد تروزين، المصدر السابق، ص08.
[23] -محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص63.
[24] – بوطمين جودي الأخضر، لمحات من ثورة الجزائر كما شهدتها وقرأن عنها، دار الشعب، قسنطينة، 1981، ص6.
[25] -حديث السيد لخضر بن طوبال ضمن مجلة الباحث، ص60.
[26] -حي بالجزائر العاصمة يسمى بالمدينة حاليا.
[27] -Mohamed Boudiaf : El Jarida, N°15, Paris, Nov, Dec, 1974, P10.
[28] – محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص55.
[29] – Op, Cit, P19.
[30] – محمد تروزين، المصدر السابق، ص08. محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص55.
[31] -حديث ديدوش مراد، نقلا عن محمد تروزين، المصدر السابق، ص ص12-13.
[32] -نفسه، ص19.
[33] -محمد تروزين، المصدر السابق، ص19.
[34] – نفسه، ص14.
[35] – Mohamed Boudiaf ,P 11.
[36] – محمد تروزين، المصدر السابق، ص14.
[37] – محمد لحسن أزغيدي، المرجع السابق، ص66.
[38] – Mohamed Boudiaf ,ibid, P11.
[39] -ينظر: حديث السيد بن طوبال، ضمن مجلة الباحث، ص62.
[40] -شارع في الجزائر العاصمة، ينظر: أزغيدي، المرجع السابق، تهميش رقم 64، ص81.
[41] – Mohamed Boudiaf, Ibid, P11.
[42]– Ibid, P11.
[43] – أزغيدي، المرجع السابق، ص57.
[44] – المرجع نفسه، ص58.
قائمة المصادر والمراجع:
- أسماء حمدان، الحركات المناوئة للثورة الجزائرية، جامعة بسكرة، 2012-2013.
- الأمير يحي شرفي.
- بوطمين جودي الأخضر، لمحات من ثورة الجزائر كما شهدتها وقرأن عنها، دار الشعب، قسنطينة، 1981.
- حديث السيد بن طوبال ضمن مجلة الباحث، العدد1، المطبعة المركزية للجيش الجزائري، جويلية، 1982.
- حديث لخضر بن طوبال- ضمن مجلة أول نوفمبر، العدد 55، الجزائر، ماي 1982.
- عبد السلام حباشي من الحركة الوطنية إلى الاستقلال مسار مناضل، تر: عبد السلام عزيزي، صبيحة بخوش، مراجعة م.ع. أوزغلة، دار القصبة، الجزئر، 2008.
- عمار بوحوش، العمال الجزائريون في فرنسا، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ط2، الجزائر، 1977.
- غزلي الغالي، فرنسا والثورة الجزائرية 1954-1962 دراسة في السياسات والممارسات، غرناطة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009.
- المحافظة السياسية للجيش الوطني الشعبي ربع قرن من نضالنا إلى ثورة أول نوفمبر 1954، محاضرة المنظمة الوطنية للمجاهدين، 1981.
- محمد الطيب العلوي، جبهة التحرير وبيان أول نوفمبر محاضرة المنظمة الوطنية.
- محمد تروزين، اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر (محاضرة) ضمن المنظمة الوطنية للمجاهدين، الجزائر، 1981.
- محمد لحسن أزغيدي، مؤتمر الصومام وتطور ثورة التحرير الوطني الجزائرية، 1956-1962، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1989.
Claude collot- Jean Robert Henri : Le Mouvement National Algérien texte 1912-1954, 2 édition, office des publication universitaires Alger, 1981.
- Mohamed Boudiaf : El Jarida, N°15, Paris, Nov, Dec, 1974.