Main Menu

موقف أدباء القصة القصيرة والشعراء من القضية الفلسطينية بلاد الشام أنموذجا

   عزيزالرحمن ضياء الله

                                                                                  الباحث في الدكتوراه 

الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي

 الملخص

مما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية تعد من القضايا المهمة منذ أن تجلت على الساحة، كما تمثل هي من القضايا المؤلمة للغاية فى جبين الأمة الإسلامية، وترى أنها ستبقى قضية معقدة مع مرالعصور وكر الدهور فى العالم، خاصة فى العالم العربي في المستقبل، إذ لا بشارة للخروج من هذا المأزق نظرا إلى الدسائس والمؤامرة العالمية وتخلى الناس عن هذه القضية وهوادة الهمم للقيادة الإسلامية العالمية وركود اهتمامها بها، ومع هذا وذاك، أن الله على كل شيء قدير، فليس من المستحيل من لدنه أن ينقذ دولة الفلسطين المظلومة إلى بر النجاة…

                وهذه القضية قد تأثرت تأثيرا جذريا في كل شأن من شؤون الحيا ة البشرية في كل أرجاء المعمورة، فقام الأدباء والشعراء بدحض هذه القضية المهلكة التي حرمت البلاد والاستيطان والهوية الإنسانية والأمن والسلام، وأجبرت على التخلي عن البيوت و البلاد والعيش فى حياة المنفى، فدافع الكتاب والأدباء والشعراء منهم على شكل أساسي مستخدمين قوة قلمهم مدافعة جماعية شديدة، فتتنوعت الكتب، وتتعددت صور المدافعة من خلال القصة والرواية والقصيدة والقصة القصيرة والأقصوصة و المقالات و ما إلى ذالك من آلات المقاومة والمدافعة ضد الاحتلال.

ومن المعلوم أن القصة القصيرة تحتل مكانة مرموقة فى المجتمع البشري، و تمثل دورا بارزا بمعالجة القضية الإجتماعية والإنسانية، ولذا توجه الأدباء والكتاب إليها لحل هذه القضية الفلسطينية، وبدؤوا يبرزون القضية الفلسطينية والمعاناة البشرية التي عانتها الشعب الفلسطيني وبالتالي ساكني الحدود من الدول العربية المجاورة عبر العصور المتعاقبة ولا يزالون يعانون ألوانا من الاضطهاد والنكبة والنكسة وهزيمة حزيران وحصار غزة وقتال سافر من الأطفال والصبايا والرجال والنساء وما إلى ذالك من الهموم والغموم ….

                والجدير بالذكر أن الشعراء والأدباء قد اتخذوا موقفا صارما منذ صدور وعد بلفور عام1917م والذي اعترف بحق اليهود المزعوم في إنشاء وطن لهم في أرض فلسطين، واحتلت قضية فلسطين مكاناً واسعاً في أدب فلسطين، إذ لايكاد يخلو نص يقدمه أديب أو شاعر من الشعراء المبدعين في فلسطين وما يعانيه من ظلم الصهاينة وعدوانها وجورها وما  إلى ذلك من ألوان العذاب والدمار والهلاك.

وقد تناولت في هذه الورقة البحثية إبداعات بعض الأدباء والشعراء كدراسة نموذجية، مثل: قصص غسان كنفاني، إميل حبيبي، سميرة عزام، نجاتي صدقي، زكي العيلة، ويوسف إدريس…، وقبل الخوض في غمار الموضوع يجدربنا أن نطلع على القصة القصيرة الفلسطينية لكي نقوم بتحليل عناصر الموضوع بسهولة.

تعريف القصة القصيرة ومفهومها

فالقصة القصيرة حكاية تجمع بين الحقيقة والخيال، تتناول  قطاعا عرضيا من الحياة، تعتمد الحدث النامي ووحدة الموقف من خلال عنصر التركيز، وتتبع الانفعال المثار عن هذا الموقف حتى إشباعه”. وهي تمثل حدثا واحدا، في وقت واحد، وتتناول شخصية مفردة أو حادثة مفردة أو عاطفة مفردة أو مجموعة من العواطف التي أثارها موقف مفرد، ويمكن قراءتها في مدة قصيرة تتراوح بين ربع ساعة وثلاثة أرباع الساعة، وتكون على جانب من التشويق والإمتاع، وتتفق نسبيا، مع المسرحية الكلاسيكية في قواعدها الثلاث: الزمان والمكان والحدث.[1]

                ولقد تضاربت الأراء وتعددت الأقوال عن بداية القصة القصيرة في فلسطين، ولكن بعد الدراسة المتأنية نصل إلى نقطة مهمة بأن القصة القصيرة الفلسطينية قد بدأت تظهر في العشرينيات حيث صدرت خليل بيدس المجموعة القصصية والتي نشرت في القاهرة عام 1924م بعنوان”مسارح الأذهان”، ويُعدّ خليل بيدس من الرائد الأول في عالم القصة القصيرة في فلسطين، وهو أول معلم من معالم القاصين الفلسطينيين.[2]، كما كان رائداً في الترجمة ومؤسساً للقصة القصيرة المعاصرة في فلسطين، وجاء بعده محمود سيف الدين الإيراني الذي شهد ميلاد القصة القصيرة في فلسطين والأردن وأسهم فيها إسهاما رائداً، فقد صدرت له ستَ مجموعات قصصية بدأت بـ “أول الشوط” (1937)، وكان له أثرعميق في تطوير الأدب القصصي ونموه قبل العام 1948. ويعدّ نجاتي صدقي وجبرا إبراهيم جبرا ومحمود الإيراني من الرواد الأوائل،  وقد برز هناك رواد آخرون في القصة القصيرة والأدب الفلسطيني في هذه المرحلة منهم: عبد الحميد ياسين، وأحمد شاكر الكرمي، ومحمد أديب العامري، وعارف العزوني، ورشيد الدجاني، واسكندر الخوري. وشاركهم عدد من الكتاب الذين كتبوا قصصاً طويلة، أمثال جبرا إبراهيم جبرا، وعبد الحليم عباس، وإسحاق موسى الحسيني.[3]، وقد عُدَّت القصة القصيرة الوليدة على أيدي هؤلاء اللبنة الأولى للقصة القصيرة في فلسطين لاحقاً.

أما الموضوعات التي تناولتها قصصهم، فتشمل التعبيرَ عن واقع الإنسان الفلسطيني وهمومه وقضايا مجتمعه. وقد تأثر هؤلاء بالأدب العالمي عبر الاطلاع على هذا الأدب بلغاته الأصلية أو بترجمة بعض نتاجاته، فظهرت لديهم قصص لا تقل أهميتها عن تلك التي ظهرت في البلدان العربية الأخرى، كمصر مثلاً، في مطلع القرن العشرين. ومثل هؤلاء الكتاب كانوا، أول من عبد الطريق ووضعوا حجر الأساس للقصة الفلسطينية الحديثة، ترجمة وتأليفا لتصبح بعدهم الأساس والمنطلق لكتاب القصة الذين أتوا من بعدهم.ثم بدأت القصة الفلسطينية القصيرة تنمو وتتطور و وزادت نطاقها وتوسعت دائرتها إلى أن تكون شاملا إلى مجالاتها المتنوعة،أولها:المجال الرومانسي، وثانيها: المجال الذي تلتقي فيه الرومانسية بالواقعية الجديدة، وثالثها: المجال الذي تلتقي فيه الرومانسية بالرمزية.

موقف الأدباء من القضية الفلسطينية

من المعلوم أن القضية الفلسطينية قضية دامية ومؤلمة تسكن قلب كل أديب وشاعر عربي وغير عربي، وإنها لاتزال تؤلم العالم العربي عامة والشعب الفلسطيني خاصة، فسخّر الأدباء والشعراء الحرف كشكل من أشكال الثقافة المقاومة، ويجندونه كسلاح يشهرون به سيوف النضال المفعمة بشحنات الرفض والتمرد على المحتل الظالم.

ونجد بعض الأدباء والشعراء الذين ساهموا مساهمة كبيرة في نشر القضية الفلسطينية والتي تنبض في عروقهم، وجعلوها سمة العروبة وعزها، على سبيل المثال: محمود درويش، وغسان كنفاني، وسميح القاسم، وفدوى طوقان، وإبراهيم طوقان، ومظفر النواب، وأمل دنقل، وجبرا إبراهيم جبرا، وعبدالرحيم محمود، وتوفيق زياد، وغريب عسقلاني، وعبد الله تايه، وزكي العيلة، ومحمد نفاع، وحسن يخلف، ومحمود غنايم، ومحمود شقير، وإميل حبيبي، ومحمد على طه، وسميرة عزام، وخليل سواحري، ونجاتي صدقي، وصبحي شحروري، وأحمد زياد محبك، ومحسن غانم، وعلى المزعل، ورشاد أبو شاد، وإبراهيم نصرالله، وماجد أبو شرار، ورجب توفيق، وكمال فحماوي، ونبيه القاسم، وخليل بيدس، ومي زيادة، وخليل السكاكيني، وميخائيل جرجس، وسالم جبران، وخليل سلامة السواحري، وفخري صالح، وهارون هاشيم رشيد، وحنا أبو حنا، ومحمود سيف الدين الإيراني، وسلمى الخضراء، ويوسف جاد الحق، ونايف سليم، وراشد حسين، وحسن حميد، ونزيه خير، وفوزي الأسمر، وممدوح صفدي، وعطاء الله منصور، وفوزي أبوبكر، وتمر مرمس، وميشيل حداد، وجمال موسى، وقيصر كركبي، وفهد أبوخضرة، ونجيب بنواتي، وأكرم توفيق ابوحنا، وعدنان أبو السعود، وعفيف سالم، وديب عابدي، ومعين بسيسو، وغيرهم من الأدباء والشعراء الذين بذلوا جهودا مضنية تجاه القضية الفلسطينية، واهتموا بالقضية الفلسطينية اهتماما خالصاً، وسعوا ليميطوا اللثام عن المؤامرات البشعة التي يضمرها الصهاينة للعرب والمسلمين، وقد أدوا رسالتهم في هذا المضمار خير ما تؤدي رسالة، ولكن في آذان الملوك صم وعلى أبصارهم غشاوة، ولم يكن معظم الفلسطينيين ملتفتين إلى تصوير أوجاع الفلسطينيين والمشاركة في الأمم، بل إنهم استوعبوا قضية فلسطين في جميع نواحيها مناهضين عن العدو الصهيوني والاستعمار البريطاني المجرم الأعظم- الذي وفر “وعد بلفور” لليهود، حقاً لمن ليس له حق في الأرض- مؤكدين تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم .

ومن الملاحظ أن الأدباء والكتاب الفلسطينيين في الأرض المحتلة (1986 -1987) قد قاموا بدور كبير في إثراء القصة الفلسطينية القصيرة في الأرض المحتلة حيث بلغت عدد القصة القصيرة الفلسطينية تقريبا إلى 3208 قصة قصيرة التي نشرت في مختلف المجلات الأدبية والاجتماعية في الأرض المحتلة بعد النكبة الأولى، إن دل على شيء، فإنما يدل على تطور القصة الفلسطينية القصيرة ومساهمتها في معالجة القضية الفلسطينية في الأرض المحتلة.[4]

ممالا مرية فيه أن القضية الفلسطينية قد أثرت تأثيرا جذريا في أقطار العربية والأوساط الاجتماعية والأدبية والثقافية، فرفع الأدباء والشعراء علم المقاومة الثقافية للكفاح والمدافعة عن حق الشعب الفلسطينيي ضد الصهاينة والاستعمار البريطاني المجرم الكبير الذي قد وفر وعد”بلفور” حقاً لمن ليس له حق في الأرض لليهود، وهناك بعض الأدباء والكتاب الذين أدركوا خطورة الصهاينة ومؤامرتهم الدسيسة، كما تنبهوا مبكراً للخطر الصهيوني، واستشعروا ما تحوم حول الأرض المقدسة من أهوال وأخطار. وها هو الأديب الشهير أمين الريحاني- الذي أدرك خطر اليهود والصهاينة قبل أن تولد إسرائيل، فيقول في إحدى مقالاته محرضا الشعب العربي والإسلامي:”الصهيونية متحدة فعلينا بالاتحاد. الصهيونية منظمة فعلينا بالتنظيم. الصهيونية مجاهدة فعلينا بالجهاد. الصهيونية شديدة الإيمان فعلينا بإيماننا العربي القومي نوحده ونعززه. الصهيونية غنية وما نحن بفقراء. وللصهيونية دعاية كبيرة في العالم فعلينا أن نقاومها بدعاية مثلها “. [5]

يبدو أن الأديب يدعو إلى الوحدة والتضامن ضد الصهاينة، غير أن هذه المقالة ترجع إلى عدة سنين قبل بروز الدولة الصهيونية على أرض الشعب الفلسطيني العربي.

ثم ظهر الأديب الشهير البارز “ميخائيل نعيمة”، الذي ندد السياسة الإنجليزية من مساعدة تشكيل حكومة اليهود، ويرى ميخائيل أنه ماقامت به الإنجليز من مساعدة اليهود ليستوطنوا الأرض الفلسطيني عمل غير شرعي لاتجوزه الديانات السماوية”[6]، كما يعتبر”ميخائيل نعيمة” تشکيل دولة يهودية فی الأراضي الفلسطينية بأنّها جريمة لا تغتفر، ويعتقد أن أسباب هذه المسألة ترجع إلی الأهداف السياسية والدينية البغيضة. أنصت إليه وهو يقول: “والله لتلك أکبر جريمة ترتکبها إنکلترا بل العالم کلّه إذا باعوا فلسطين وسکانها لليهود لمطامح سياسية أو ترهات دينية”.[7]

 ثم تلألأ الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للأدب 1988م، والذي اتخذ موقفا واضحا في دعم القضية الفلسطينية، حيث أعلن الأديب في لقاءات وحوار مع الكاتب الصحفي سمير طنطاوي في سؤاله عن موقفه من الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، فقال إن:”الانتفاضة الفلسطينية ما هي إلا ثورة وأنا أؤيدها دون قيد أو شرط وأن الإسرائيليين الأحرار ينظرون للثورة نظرة إنسانية ويدعون للسلام”.[8]

وها هو عميد الأدب العربي الحديث “طه حسين”، الذي اتخذ موقفاً واضحًا تجاه القضية الفلسطينية، وأنه ظل ثابتاً على موقفه تجاه القضية الفلسطينية طيلة حياته، وعندما سئل عنه الصلح مع إسرائيل، فقال: “إن الصلح مع الظالمين إجرام ما دام ظلمهم قائماً… الرضى بقضية فلسطين وظلم إسرائيل وأعوانها هو مشاركة في الإثم”.[9]، كما اتخذ أمير القصة القصيرة يوسف إدريس موقفا صارما تجاه القضية الفلسطينية وقد كتب كثيراً عن مساعدة الشعب الفلسطيني، حيث كتب عشرات المقالات دفاعاً عن قضيتهم، كما أن روايته”طريق العودة” تحدثت عن القضية الفلسطينية بشكل مباشر، وتشير إلى ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الوطن الغالي.

وهناك بعض الأدباء والكتاب الذين كرسوا حياتهم في توظيف الأدب الفلسطيني المقاوم والكفاح، وتطوير الأدب الفلسطيني النثري العربي، وإبراز القضايا الفلسطينية، والمعاناة البشرية، والأوضاع الحرجة إبان النكبة عام 1948م وما بعد النكبة من المشاهد المؤلمة والحزينة من اضطهاد الصهاينة واليهود الغاشم، وها هو الأديب الفلسطيني نجاتي صدقي الذي يعد من أبرز كتاب القصة القصيرة في فلسطين قبل النكبة وبعدها، والذي اتخذ موقفاً صارماً تجاه القضية الفلسطينية، فقد عبر موقفه في مجموعته القصصية “الأخوات الحزينات”[10] وهذه القصة تعبر عن المأساة الكبرى التي بدأت منذ صدور وعد “بلفور”، وهذا الوعد المشؤوم الذي قد مهد السبيل إلى سيطرة الصهاينة على أرض فلسطين؛ فتحوّلت فلسطين إلى إسرائيل، وتحوّل الفلسطينيون إلى لاجئين،[11] والمخيمات، والمنفى، والشتات، والمهاجرين، وهناك الأديبة البارزة ورائدة القصة القصيرة الفلسطينية سميرة عَزّام التي أصدرت خمس مجموعات قصصية فلسطينية بعد النكبة 1948م عنونت بها أحوال اللاجئين الفلسطينيين في أقطار العربية المختلفة وما يتعرض لها من المعاناة والمشاكل المتوالية في المنفى، وبلغت أوضاعهم حالة الأرمن[12] الذين اتجروا أيضا بسبب نكبتهم[13]. وهناك أديب بارز له صيت عالمي، ألا وهو غسان كنفاني، الذي بذل جهودا مضنية في مقاومة المؤامرة الصهاينة و مكافحة اضطهادها خلال إنتاجاته الأدبية والقصصية إبان النكبة وبعدها، فهو يعد من أوائل كتاب القصة القصيرة الذي كتب أولاً أدب المقاومة في فلسطين المحتلة: 1948-1966م، وأيضا الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال: 1948 – 1968م، وهذه الكتب قد أثارت هزة تاريخيية في الأوساط الأدبية والثقافية، واتخذ غسان كنفاني موقفاً صارماً وواضحاً  تجاه القضية الفلسطينية، وقد كتب عن دعم القضية الفلسطينية، فأصدر مجموعته القصصية “القميص المسروق” حيث عبر فيها صورة اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة، وأوضاعهم الحرجة والكئيبة والحزينة، حيث كانوا عالّةَ على الأمم المتحدة، يأكل من الطحين الذي توزعه عليه وكالة اللاجئين،كما أسهم كنفاني في إثراء القصة القصيرة في فلسطين، فأصدر مجموعات قصصية عديدة، على سبيل المثال: “موت سرير رقم 12″(1961)، و”أرض البرتقال الحزين”(1963)، و”عن الرجال والبنادق”(1968) عن دعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني[14]، وهكذا  قد كتب الأديب الفلسطيني حنّا إبراهيم من أدباء الأرض المحتلة في فلسطين 1948م قصة “متسللون”[15] حيث عبر فيها عن معاناة النكبة التي حرمت الشعب الفلسطيني من الوطن والعيش الكرامة والتي أدت إلى العيش في المخيمات وحياة البؤس والحرمان والتشرد بسبب الظروف الاجتماعية التي أنتجتها النكبة. وهناك أديبة فلسطينية وقاصة بارزة “نجوى قعوار فرح” التي تعد من كاتبات الرعيل الأولى في القصة العربية القصيرة الفلسطينية، والتي اتخذت موقفًا واضحًا تجاه القضية الفلسطينية، حيث عالجت القاصة القضايا الاجتماعية والإنسانية منذ فجرها وبعد النكبة الكبرى التي تشردت وتشتت بها العائلة الفلسطينية وانقسمت إلى قسمين: قسم يقيم في المنفى وقسم آخر ظل على أرضه يرعى حقله وزيتونه، وقصة “أمر الخيارين” تدعو إلى الصمود والثبات والمقاومة والكفاح المسلح على الأرض والفلسطين.[16]، وهناك أديب فلسطيني، وقاص كبير، له صيت بارز”إميل حبيبي” فى الأوساط الأدبية والثقافية، ولعب إميل حبيبي دورا بارزا في إثراء الثقافة الفلسطينة والأدبية، فأخذ يتناول أدب النكبة وهزيمة حزيران في موضوعاته القصصية وروايته، فأصدر قصة”سداسية الأيام الستة” يحكي فيها الراوي ست حكايات تدور حول عودة الفلسطينيين إلى بعض من أهله من خلال واقعة الهزيمة عام 1967م، إنها عودة معكوسة تبدو فيها الهزيمة مفارقة ساخرة. كما أن هناك أديب شهير توفيق فياض من أدباء الأرض المحتلة الذي اتخذ موقفا حاسما عن القضية الفلسطينية، فأصدر مجموعته القصصية “الحارس” وقصة “الكلب سمور” بعد النكبة الكبرى لمعالجة قضايا الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.[17]

وهناك أديب شهير وقاص فلسطيني محمود شقير الذي يتناول القضية الفلسطينية التي حدثت بعد النكبة 1948م وإبان النكسة وهزيمة حزيران 1967م، فكتب قصصا كثيراً تعالج القضية الفلسطينية منذ إصدار “وعد بلفور” والنكبة الكبرى عام 1948م، والنكسة وهزيمة حزيران عام1967م، فقصة “الخروج” تعبر عما ألم بقرية فلسطينية إثر هزيمة حزيران 1967م، فتفرق مواطنو القرية إلى قسمين؛ قسم يريد الهجرة خوفا من أن يكرر اليهود ما فعلوه في دير ياسين في العام 1948م، فيقتلوا ويغتصبوا النسوة، وقسم يرفض الهجرة، ويقرر البقاء على أرض الوطن والصمود أمام اضطهاد اليهود والصهاينة، ومن ثم يظهر عن ذلك أدب المقاومة أي مقاومة الاحتلال، وهذه القصة تدعو إلى الصمود والثبات أمام العدو الغاشم المحتل، كما كتب الأديب الفلسطيني “غريب عسقلاني” في إحدى قصته “الجوع”[18] عن أدب المقاومة والمكافحة ضد الصهاينة واليهود بعد هزيمة حزيران عام 1967م. وهناك أديب بارز وقاص فلسطيني زكي العيلة،[19] والذي كرس حياته على إثراء الثقافة الفلسطينية والأدبية، والقصة القصيرة الفلسطينية، فكتب القصة القصيرة الفلسطينية لإبراز القضايا الفلسطينية والإنسانية، فأصدر مجموعته القصصية “العطش” 1978م و”الجبل لا يأتي” عام 1980م، و”حيطان من دم” عام 1989م، و”زمن الغياب” عام 1998م، و”بحر رمادي غوط” عام 2000م[20]، وهذه المجموعات القصصية كلها تعبر عن أحوال الشعب الفلسطيني المؤلمة والأوضاع الحرجة من إصدار “وعد بلفور” ومعاناة النكبة الكبرى عام 1948م وآثارها المهلكة والخطيرة، والأوضاع الحرجة، والنكسة عام 1967م، وبعدها اتفاقية أوسلو[21]، وما بعدها أحداث دامية وحوادث كئيبة ومؤلمة متوالية إلى عصرنا هذا.

هذا،  إن دل على شيئ فإنما يدل على مدى اهتمام الأدباء والشعراء من بلاد الشام وعنايتهم تجاه القضية الفلسطينية في إنتاجاتهم الأدبية والثقافية، خاصة بعد النكبة الأولى عام1948م إلى يومنا هذا.

الهوامش

[1].الخطيب،حسام، القصة القصيرة في سورية، منشورات دار علاء الدين، دمشق،1998م،ص12-13

[2]. هاشم ياغي: القصة القصيرة في الأردن وفلسطين، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981، ص134.

[3] . ياسين فاعور: القصة القصيرة الفلسطينية، ميلادها وتطورها، ص31.

[4]   . أبو هيف، د.عبد الله، القصة القصيرة في سورية من التقليد إلى الحداثة، منشورات اتحاد الكتاب العرب بد مشق، عام 2004م، ص350.

[5] . البرادعي، محيي الدين، المهاجرة والمهاجرين، المجلد الأول، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، عام 2006م، ص 50.

[6] . امطانيوس، ميخائيل، دراسات في الشعر العربي الحديث،  منشورات المكتبة العصرية، صيدا- بيروت،الطبعة الأولی،1968، ص80.

 [7]. http://www.diwanalarab.com/spip.php?article28912#.XIzEgiL7TIV، تم الاستفادة من هذا الموقع 24 مايو2018م.

[8] . https://www.elwatannews.com/news/details/2823870، تم الاستفادة من هذ الموقع 30 مايو،2018م

[9] . https://ara.reuters.com/article/entertainmentNews/idARACAE69303520101004، و https://www.almasryalyoum.com/news/details/1329329، تم الاستفادة من هذا الموقع 15 يونيو2018م.

[10] . صدقي، نجاتي، الأخوات الحزينات، الطبعة الأولى، الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، الامانة العامة، 1981م

[11] . الأسطة، د. عادل، قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية، الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، عام2011م، ص 7-10.

[12] . الإبادة الجماعية للأرمن أو مذابح الأرمن أو المحرقة الأرمنية، تبدأ في 24 أبريل(1914-1915) في الحكومة العثمانية (جمعية الاتحاد والترقي) وبلغت عدد الوفيات تتراوح ما بين 600 ألف إلى أكثر من مليون نسمة.

[13] . نفس المصدر، ص 15-18.

[14]https://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2017/7/18/%D8%BA%D8%B3%D8%A7%D9%86-، تم الاستفادة من 12 يونيو،2018م

[15] . الأسطة، د. عادل، قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية، ص 25، الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، عام2011م.

[16] . نفس المصدر، ص 30.

[17] . الأسطة، د. عادل، قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية،  الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، عام2011م، ص: 38.

[18] . نفس المصدر، ص :  39.

[19]  أبو على، نبيل خالد، تقانات السرد القصصي في قصة ” زمن الغياب للقاص زكي العلية”، الطبعة الأولى، الجامعة الاسلامية-غزة عام 2003م .

[20] . http://www.thaqafa.org/site/pages/details.aspx?itemid=6160#.XJeTCyL7TIV، تم الاستفادة من 18 مايو 2018م من موقع ” مؤسسة فلسطين للثقافة”

[21] .  السيد نجم، المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني “الانتفاضة نموذجا”، الطبعة الأولى، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، عام 2004م، ص 13.

المصادر والمراجع

أبو على، نبيل خالد   تقانات السرد القصصي في قصة ” زمن الغياب للقاص زكي العلية”، الطبعة الأولى، الجامعة الاسلامية-غزة عام 2003م .
أبو هيف، د.عبد الله  القصة القصيرة في سورية من التقليد إلى الحداثة، منشورات اتحاد الكتاب العرب بد مشق، عام 2004م،
الأسطة، د. عادل  قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية، الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، عام2011م،
إمطانيوس، ميخائيل  دراسات في الشعر العربي الحديث،  منشورات المكتبة العصرية، صيدا- بيروت،الطبعة الأولی،1968
 البرادعي، محيي الدين  المهاجرة والمهاجرين، المجلد الأول، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، عام 2006م

 

الخطيب، حسام الدين القصة القصيرة في سورية، منشورات دار علاء الدين، دمشق،1998م،
السيد نجم المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني “الانتفاضة نموذجا”، الطبعة الأولى، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، عام 2004م
صدقي، نجاتي  ، الأخوات الحزينات، الطبعة الأولى، الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، الامانة العامة، 1981م
ياغي ، هاشم القصة القصيرة في الأردن وفلسطين، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981
الإبادة الجماعية للأرمن أو مذابح الأرمن أو المحرقة الأرمنية، تبدأ في 24 أبريل(1914-1915) في الحكومة العثمانية (جمعية الاتحاد والترقي) وبلغت عدد الوفيات تتراوح ما بين 600 ألف إلى أكثر من مليون نسمة.