مهدى أحسن
المقدمة العلمية
شهد العالم خلال العقود الأخيرة تطورات هائلة خائفة في ميدان الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تحولات جذرية في أساليب التعليم والتعلم. وقد أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم أحد الركائز الأساسية الرسمية في مجال تطوير التعليم، وخاصة في تعليم اللغات والفنون. ولا شك أن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها يشكل تحديا تربويا وثقافيا يتطلب أساليب مرنة ومبتكرة تأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية والثقافية للمتعلمين. ففي ظل الثورة الرقمية المتسارعة المتطورة، أضحى الذكاء الاصطناعي أداة تعليمية تدمج بين القدرة الحوسبية المتقدمة والفهم اللغوي، بما يتيح تجارب تعلم أكثر تخصيصًا. ويُلاحظ أن المنصات التعليمية الكبرى مثل Duolingo وMemrise بدأت منذ سنوات في دمج نماذج الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء المتعلم وتقديم تمارين وممارسة تتناسب مع مستواه الفردي. وقد ظهرت مؤخرًا منصات عربية جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعليم العربية مثل منصة “العربية تفاعلياً” ومنصة “نحو AI”، التي تعتمد على تحليل السياق اللغوي للمستخدم وتقديم تغذية راجعة فورية بشأن الأخطاء اللغوية والنحوية.
مفهوم الذكاء الاصطناعي وتطوره التاريخي
في زمان تسارعت فيه الفرص والتحديات، كما الذكاء الاصطناعي يتحدي الذكاء البشري في التعلم والاستنتاج والتجطيط والتحدث والتعرف على الأنماط. ويعود مفهوم الذكاء الاصطناعي إلى منتصف القرن العشرين، حيث بدأ الباحثون بتطوير خوارزميات قادرة على حل المشكلات الحسابية والمنطقية. مرّ الذكاء الاصطناعي بمراحل تطور متعاقبة بأسود السطور التاريخي، مرحلته التأسيسية سنة (1950–1970) التي ركزت على النظريات الرياضية والمنطقية مثل اختبار تورينج، وتطوير برامج الشطرنج، ونماذج المعالجة الرمزية. ومرحلته التراجعية والتجديدية سنة (1970–1990) التي شهدت ركودا بسبب ضعف قدرة الأجهزة وقلة البيانات والتفاصيل، ثم عادت بنماذج المعرفة وقواعد البيانات الخبيرة. ومرحلته الثورة الرقمية سنة (1990–2010)، تم فيها دمج تقنيات تعلم الآلة، وتحسنت البنية التحتية المعلوماتية، وظهر الإنترنت كأداة دعم لتعلم الآلة. أخيرا تتميز مرحلة الذكاء الاصطناعي المعمق سنة (2010–الآن) باستخدام الشبكات العصبية العميقة، والتعلم المعزز، والتحليل الدلالي للغة الطبيعية.
تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعليم اللغة
في ظل التحولات التقنية السريعة التي يشهدها العالم بأن اللغات كانت أكبر فائقة للتعلم بالذكاء البشري ولكن العصر الراهن يتحدي هذا ويستخدم التقنيات للتعلم بالذكاء الاصطناعي. فمن الدلهمة إلى التطورات الراهنة، اعتماد تقنيات “النماذج اللغوية الضخمة” (LLMs) مثل GPT وClaude، في توليد محتوى تعليمي فوري، وتقديم شرح نحوي وصرفي مبني على احتياجات المتعلم الفعلية. على سبيل المثال، بإمكان الطالب غير العربي الآن أن يكتب جملة ما، ويتلقى فورا شرحا مفصلًا عنها: ما نوع الجملة؟ ما إعرابها؟ هل تحتوي على أخطاء؟ وإن وجدت، ما التصحيح المناسب؟ مثل هذه التقنيات توفر تجربة تعلم ذاتية أو تفوق في بعض الحالات أداء المعلم البشري، خاصة في المراجعة الفردية أو التدريب اليومي. كما مراكز اللغة العربية أخذت قمها في الخليج ومصر وماليزيا وتركيا، دمج أدوات المحادثة الآلية (Chatbots) في الصفوف الافتراضية الأساسية، ما يتيح للمتعلم إجراء محادثات فورية باللغة العربية مع نظام ذكي فطني يستطيع تصحيح الأخطاء وتقديم اقتراحات نحوية أو دلالية دون الحاجة لمعلمين دائمين.
ومن بعد التحقيقات والتبحيثات، أصبحت المؤسسات التعليمية الآن بتحليل بيانات آلاف الطلاب عبر أدوات “تحليل البيانات التعليمية” المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يوزع بناء مناهج تعليمية لغوية أساسية. وإن نلتف النظر إلى المثال، إذا أظهرت البيانات أن 70% من الطلاب يعانون من فهم قواعد الإضافة في اللغة العربية، يتم تعديل المادة تلقائيًا لتكثيف الشرح والتطبيقات في هذا الجانب، وهو ما كان مستحيلًا قبل ظهور هذه التقنيات. كذلك، تستخدم بعض الجامعات أدوات التعلُّم التكيُّفي (Adaptive Learning)، حيث تُعدِّل المنصة المحتوى والتقييمات وفقا لأداء الطالب، مما يجعل كل متعلم يخوض مسارًا خاصًا به.
والجهة الأخرى تتبلور في النظريات المتنوعة، لم تتوقف الفوائد والإيجابات عند حدود التعليم فقط، بل امتدت إلى مجالات التقويم اللغوي. فقد ظهرت مؤخرًا أدوات ذكية تقيس الكفاءة اللغوية بناء على تحليل الصوت والنصوص، وتقدّم تقارير دقيقة وثانية حول نطق المتعلم، أخطائه النحوية، مدى غناه بالمفردات، واستخدامه للأساليب البلاغية الفصيحية، حتى تعد هذه الأدوات نقلة نوعية مقارنة بالاختبارات التقليدية، إذ إنها تقدم ملاحظات فورية وتسمح بتكرار التقييم وتحسين الأداء بشكل ديناميكي.
ولا بد من الإشارة إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) مثل تحويل النص إلى صوت (Text-to-Speech) قد خدمت غير الناطقين بالعربية بشكل كبير، إذ يستطيع الطالب الآن سماع الجمل العربية بنطق فصيح أو لهجي من اختياره، ما يعزز من إدراكه السمعي للغة. كما باتت تقنيات التعرّف الصوتي (Speech Recognition) جزءًا من الدروس التفاعلية، حيث يتحدث الطالب ويُقيَّم نطقه فوريًا.
رغم هذه المزايا والمفاهيم الإيجابية، تبقى هناك تحديات متعددة؛ منها ضعف المحتوى العربي المخصص للذكاء الاصطناعي مقارنة باللغات العالمية، وغياب معايير موحدة لاختبار الكفاءة اللغوية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، ناهيك عن التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام بيانات الطلاب. ولكن تبقى هذه العقبات في طور المعالجة، خاصة مع المبادرات العربية الرامية إلى تطوير الذكاء الاصطناعي اللغوي العربي، كما في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات التي أطلقت مراكز بحثية مختصة في الذكاء الاصطناعي باللغة العربية.
وملتفا النظر إلى هذه التحولات والتحديات، يمكن القول إن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها يعيش الآن مرحلة مفصلية، حيث تتقاطع القدرات التقنية مع التحديات التربوية لتشكيل منظومة تعليمية ذكية، قادرة على جذب المتعلمين وتلبية حاجاتهم الفردية، مما يفوق آفاقًا جديدة لانتشار اللغة العربية عالميًا وتطوير كفاءتها لدى الجاليات الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء.
مراحل استخدام الذكاء الاصطناعي في تعليم العربية لغير الناطقين بها
من الغياهب والعتمات إلى التطوات والتنميات، العالم يتحير ويعيش بين التفكك والاضطراب بأن الذكاء البشري يوجه المشكلات للذكاء الاصطناعي لأن الناس كلهم يستخدمونه للعمل والتعلم كما يتبلور المراحل لاستخدام، المرحلة الأولى بالتطبيقات المساعدة التي استخدمت في البداية تطبيقات بسيطة مثل القواميس الذكية، ومواقع الترجمة، وبرامج التدريب الصوتي، المرحلة الثانية بأنظمة التعليم التفاعلي التي ظهرت منصات تدمج الصوت والصورة والنصوص التفاعلية مثل Duolingo وBusuu لكنها ظلت غير متخصصة في اللغة العربية، والمرحلة الثالثة بالمنصات الذكية العربية التي ظهرت أنظمة تعليمية خاصة بالعربية لغير الناطقين بها مثل منصة الروضة الذكية أو برامج الجامعات، مدعومة بتحليل لغوي وتقييم ذاتي، والمرحلة الرابعة بالتكامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ما يمثل الاستخدام للبرامج كـ ChatGPT لتوليد تدريبات نحوية، أو تقديم حوارات لغوية مفتوحة.
هذه المراحل والجولات كلها تتأثر في التربوية والأكاديمية، بأن الذكاء الاصطناعي ساعد على تطوير طرق تعليم اللغة العربية بعدة جوانب:
- تحفيز المتعلم: بفضل الأنظمة التفاعلية، يشعر المتعلم بالمتعة والانخراط.
- تحسين النطق: من خلال برامج التعرف على الصوت، يُمكن تقييم نطق المتعلم وتصحيحه.
- التغذية الراجعة الفورية: تتيح للمتعلمين معرفة أخطائهم لحظة بلحظة دون انتظار المعلم.
- تحسين المهارات الأربع (الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة): من خلال تمارين ذكية تُقيّم التقدم اللغوي.
رغم هذه الفوائد والإيجابات العظيمة، توجه التحديات باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، التحدي الأول، الحاجة إلى موارد لغوية رقمية ضخمة: ما زالت اللغة العربية تعاني من نقص في المدونات والمعاجم الرقمية المتاحة للآلات. الثاني، ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض الدول: خاصة في البلدان النامية في التكنولوجية والإنترنت. الثالث، البعد الثقافي والديني: الذكاء الاصطناعي لا يستطيع دائما تفسير السياقات الثقافية بدقة رقيقة كما أنه غير مقبول عند الفقهاء للإفتاء لأنه عام في كل المذاهب التي تكون تارة مقبولة أو تارة فاسدة . الرابع، قلة الخبراء في الدمج بين اللغة والذكاء الاصطناعي: وهذا يبطئ وتيرة التطوير. لكن المستقبل تشهد على التطورات التقنية بإنشاء مدرسين افتراضيين ناطقين بالعربية بلهجات متعددة، ودمج تقنيات الواقع المعزز والافتراضي لخلق بيئة تعليمية تحاكي الواقع، وتصميم اختبارات تقييم آلية دقيقة، وإنتاج محتويات تعليمية ذكية تراعي المستويات المختلفة.
المرحلة الراهنة: أحدث التوجّهات والتطبيقات (حتى منتصف 2025)
المرحلة التي تحتوي النماذج التربوية والتطبيقات العملية في مجال الذكاء الاصطناعي للعربية المتقدمة التي تؤدي أهم الدوائر، وتعود بالتدوير للتعلم والعمل، كما أُطلق نموذج Jais في الإمارات عام 2023 بالتعاون بين MBZUAI وG42، ويتضمّن حالياً نحو 13 مليار معامل، مع خطط لزيادتها إلى 30 مليار معامل، وهو مدرّب على بيانات إنجليزية وعربية متنوعة، ما يجعله قادرًا على التنقل بين اللهجات واستيعاب السياق بدقة متزايدة AramcoWorld+2MBZUAI+2Wikipedia+2. . وفي مايو 2025، أعلنت TII عن إصدار Falcon Arabic، وهو نموذج من فئة 7 مليارات معامل مدرّب على حوالي 600 مليار رمز عربي، ويُعد الأحدث والأقوى من حيث الأداء في التعامل مع اللهجات والفهم السياقي LinkedIn.. كذلك، تم إطلاق النموذج متعدد الوسائط AIN – Arabic INclusive Multimodal Model في فبراير 2025، وتم اعتماده في مهام تتجاوز النص، كالتعرف على الصور والفيديو والتطبيقات التخصصية، ويتفوّق على GPT‑4o في أداءه ضمن معيار CAMEL‑Bench بـفارق نحو 3.4% arXiv.
مثلما أصبح الذكاء الاصطناعي مركزا لمعالجة اللغة العربية (KSGAAL) التي أُنشئت في السعودية مؤخّرًا مركز الذكاء الاصطناعي لمعالجة اللغة العربية، ويضم مختبرات متخصصة في جمع البيانات اللغوية، وتصنيفها، وبناء نماذج لفهم اللغة، وذلك لتعزيز التطبيقات التربوية والتقنية التي تفهم العربية بتنوعها ورمزيّتها Arab News.
ملتفا النظر إلى التطبيقات العملية والنماذج التربوية، هناك منصات تعليمية ذكية مثل، Memrise تستخدم منذ 2023 شريكًا ذكيًا مدعومًا بـGPT‑3 لممارسة الحوارات واقعية، مما يساعد المتعلمين على تخطي فجوة الثقة عند التحدث بالعربية Wikipedia.. و”Arab Academy” تُقدم دورات مثل MSA 100 Alphabet Course، التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتدريب الطلاب على الحروف العربية من النطق إلى الكتابة مع تصحيح فوري مخصص arabacademy.com.. المنصة Talkpal تبرز كمنصة متقدمة تستخدم AI لتخصيص منهج تعليم اللغة العربية، تشمل: دعم للهجات متعددة، التعرف على الصوت، التواصل الصوتي، التكرار التكيفي، و gamification لتحفيز الدافعية والتفاعل Forbes+2Talkpal+2Talkpal+2.. حتى تظهر بعض التطبيقات التجريبية على Reddit مثل تطبيق قائم على المكالمات الحية AI لدعم التحدث باللهجات المصرية والمغربية وغيرها، ويتضمن تتبع التقدّم وتفاعلية gamified RedditRedditReddit.
رغم التطور السريع والتحول التقنيتي، لا تزال موارد البيانات العربية المتنقاة عالية الجودة ضئيلة خصوصاً للهجات الأقل انتشارا مثل الحجازية أو السودانية، مما يحد من قدرة النماذج على التعميم الدقيق في التطبيقات التعليمية LinkedInAramcoWorld. ولا تزال الصعوبات تحديا للنماذج الذكائية، مثل الجذور والمشتقات والتشكيل والبلاغة، وهو ما يؤدي أحيانًا إلى أخطاء في الترجمة أو الإنشاء النحوي المخلوط نتيجة تأثير لغات أخرى مثل الإنجليزية emiratesscholar.comForbesAramcoWorld.
الفجوة الثقافية والتعليمية
الباحثون لا يزالون شاغلون في تحليل الفجوات السياسية والثقافتية دون هذه الفجوة بأن التطبيقات تفتقر لمكون ثقافي كافٍ، حيث يؤدي غياب إدراج الأدب أو التقاليد إلى تعليم سطحي لا يراعي السياق الحضاري للمتعلم العربي أو غيره of Arabic language Forbesarabacademy.com.، كما أُشير إلى ضعف التفاعل الاجتماعي في بيئات التعلم الرقمية، وانقطاع الإنترنت، وتفاوت جودة المحتوى كعوامل مؤثرة في فعالية العملية التعليمية ForbesForbes.
نتائج الدراسات العملية والأبحاث الأكاديمية المعاصرة
المدارس الذكية تنشط بها تفدما إلى التطورات بتحليل الفجوات التعليمية والثقافتية والمعلم الافتراضي تستخدم بها، كما دراسة حول معلم افتراضي مغربي (AI‑ALST) أظهرت قدرة عالية على اكتشاف وتصحيح الأخطاء النطقية باستخدام LSTM ثنائي الاتجاه وميكانيزم Attention، مع دقة وRecall وF1 ممتازة في الفصل التجريبي arXiv.، ودراسة من مايو 2025 بقيادة Simon Suh قارنت أداء 34 طالبًا قبل وبعد استخدام معلمين افتراضيين على منصات شبيهة بـDuolingo، ووجدت تحسنًا ملحوظًا في الأداء الأكاديمي والرضا الذاتي والمشاركة الطلابية arXiv.
خاتمة
التطورات تغرس وتنبهر حتى منتصف عام 2025 إلى دخول الذكاء الاصطناعي مرحلة متقدمة جديدة في مجال تعليم اللغة العربية، تتجسد في نماذج قوية مثل Jais وFalconArabic وAIN، إضافة إلى تطبيقات عملية متطورة تعتمد على التخصيص الصوتي والحواري ومعالجة اللهجات. ومع ذلك، ما زالت التحديات الكبرى قائمة، مثل ندرة البيانات عالية الجودة للهجات العربية، وصعوبة التعامل مع التعقيد الصرفي والنحوي، والحاجة الملحة إلى إثراء المحتوى الثقافي وتعزيز التفاعل الاجتماعي داخل بيئات التعلم الذكي.
وقد أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم ضرورة طارئة لا غنى عنها في تعليم العربية لغير الناطقين بها، نظرًا لما يوفره من إمكانيات هائلة راهبة تسهم في رفع جودة التعليم وتسهيل الوصول إليه عالميًا. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في التكنولوجيا ذاتها، بل في كيفية توظيفها توظيفًا منهجيًا وأخلاقيًا وعلميًا، بما يخدم أهداف التعليم وينقل عملياته من مجرد الحفظ والتلقين إلى الفهم والتواصل. من هنا، تكشف الحاجة إلى المزيد من الأبحاث التطبيقية، والتجارب الميدانية، وتدريب المعلمين، وتطوير محتوى رقمي عربي يتوافق مع معايير الذكاء الاصطناعي الحديثة ويستجيب لاحتياجات المتعلمين في سياقاتهم الثقافية والاجتماعية المتنوعة.
