بقلم: د. عرفات ظفر
أستاذ مشارك، قسم اللغة العربية وآدابها،
جامعة علي كره الإسلامية – الهند.
إن الأستاذ الدكتور محمد أسلم الإصلاحي ــــــ حفظه الله ــــــ من كبار أساتذة اللغة العربية في الهند، وقضى أكثر من أربعين ربيعا من عمره في خدمة لغة الضاد معلما وأستاذا، بدأ عملية التدريس من الجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي، ثم أصبح محاضرا في جامعة كشمير، وترقّى إلى درجة الأستاذ المشارك في نفس الجامعة، ثم عيّن أستاذ اللغة العربية في جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، حيث عمل رئيسا لمركز الدراسات العربية والإفريقية لعدة مرات، وأخيرا أصبح عميدا لكلية دراسات اللغة والأدب والثقافة في الجامعة نفسها، حتى تقاعد عن منصب الأستاذ في غرة العام ٢٠٢١ م، فلا شك في أنه حامل لواء العربية في بلاد الهند وغيور على عزها وكرامتها.
إن الأستاذ الإصلاحي يتقن اللغة العربية اتقانا تاما ويتمهر في قواعدها وبلاغتها وتاريخها، ويقدر على التعبير عما في نفسه من أفكار وأخيلة وخلجات وانطباعات تحدثا وكتابة فيها ويمتلك ناصية البيان، كما أنه يجيد اللغات الإنجليزية والهندية والفارسية والأردية أيضا، و يقرض القصائد والأبيات أيضا باللغة الأردية التي هي لغته الأم، ويقال إن الأستاذ الإصلاحي ورث هذا الذوق الشعري من أبيه الجليل والشاعر الكبير أنور الأعظمي (١٩٢٦ – ١٩٦١ م).
يهتم الأستاذ الإصلاحي بالحركات الإصلاحية والسياسية والقضايا المعاصرة للعالم العربي، وكذلك أنه اختار الأدب العربي الحديث وخاصة الأدب المصري موضوعا لبحثه واختصاصه، وبالإضافة إلى ذلك قام بدراسة التاريخ الأدبي والثقافي لمسلمي الهند ويتأسف ويتوجع على تدهور أحوال المسلمين في هذه البلاد، و له بحوث دسمة ومقالات قيمة حول الأدب المصري والأدب العربي الهندي في اللغتين العربية والأردية طبعت في المجلات والدوريات في داخل الهند وخارجها ويشير إليها العلماء العرب في كتاباتهم، والحاجة ماسة إلى جمعها وتقديمها بصورة كتاب، لكي يستفيد منها الطلبة والباحثون والمهتمون باللغة العربية،
ولد الأستاذ الإصلاحي في قرية ” مهواره كلاں” من مديرية أعظم كره بولاية أتربراديش، الهند، في أسرة علمية ودينية، وكان إسم والده الشيخ أنور أحمد الإصلاحي الأعظمي يتلألأ على أفق الشعر والأدب في ذلك الزمن، إنه كان عالما وشاعرا وصحفيا وروائيا باللغة الأردية، وفضلا عن ذلك أنه كان شابا متحمسا للجماعة الإسلامية في الهند، ومن سوء الحظ أنه توفي في شرخ شبابه ولم يبلغ الأستاذ الإصلاحي السادسة من عمره، وقد تحمل كفالته جده الشيخ محمد مختار وعماه الكريمان البروفيسور اسرار أحمد واشتياق أحمد واحسنوا تعليمه وتربيته، ومع ذلك شعور اليتم كان شديدا على ذهنه وقلبه، وأما أمه الرؤوم فكانت إمرأة شرقية متدينة ومتمدنة، فقامت بواجباتها تجاه تعليم إبنه وتربيته.
وهكذا تلقى تعليمه الابتدائي في كتاب القرية ولما بلغ العاشرة من عمره انتقل إلى مدرسة الإصلاح، وحصل على شهادة الفضيلة منها عام ١٩٧٢ م، ولروي غليله العلمي أنه ارتحل إلى لكناؤ وانضم إلى جامعة لكناؤ، وأولا حصل على شهادات “عالم” و ” فاضل أدب ” من قسم العلوم الشرقية وبعدئذ التحق بقسم اللغة العربية بنفس الجامعة ونال شهادة البكالوريوس عام ١٩٧٦ م وشهادة الماجستير سنة ١٩٧٨ م، و في عام ١٩٨٥ م تشرف بدرجة الدكتوراه على أطروحته المعنونة بـ ” تطور المسرحية في الأدب العربي الحديث” تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبيد الله الفراهي ( ١٩43 -٢٠٢١ م ) رحمه الله رحمة واسعة، ومن أساتذته في هذه الجامعة البروفيسور محمد رضوان العلوي والدكتور إعجاز أحمد والدكتور الفراهي والدكتور إقبال أحمد الندوي وغيرهم،(1)
وأثناء عمله في جامعة كشمير فاز الأستاذ الإصلاحي بمنحة دراسية لجامعة الأزهر بمصر وهكذا قضى سنتين في عاصمة مصر القاهرة، وكان يحضر في محاضرات شيوخ الأزهر ويشارك في محافلهم الأدبية، وخلال إقامته في القاهرة أنه استفاد من الشيخ بدر المعبدي بوجه خاص وكان الشيخ المعبدي ينوه كتاباته العربية ويشجعه على البحث والدراسة، وفي نفس الزمن قد أبهر الأديبان توفيق الحكيم ونجيب محفوظ الجيل الجديد بكتاباتهما في القصة و المسرحية والرواية، فقابلهما الدكتور الإصلاحي في القاهرة، وقدم إلى الأستاذ توفيق الحكيم ترجماته الأردية لبعض مسرحياته وهي سليمان الحكيم وأهل الكهف وشهرزاد، و وعد الأديب الألمعي نجيب محفوظ بأنه سيترجم بعض رواياته في الأردية حين يعود إلى وطنه الهند، وأثناء مكثه في مصر قرأ الأستاذ الإصلاحي الأدب العربي الحديث قراءة متأنية وأعجب ببعض الشعراء والكتاب المصريين، ومنهم رفاعة رافع الطهطاوي ومحمود سامي البارودي وحافظ إبراهيم وخليل مطران وعباس محمود العقاد إلى جانب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ.
و قد دبج الأستاذ الإصلاحي عديدا من البحوث والمقالات في اللغة العربية حول الأدب و الأعلام والثقافة الهندية التي طبعت في مجلة “صوت الشرق” الصادرة عن السفارة الهندية بالقاهرة، ومن أهمها ” الشعر العربي في الهند”، قام فيها الأستاذ الإصلاحي بتقديم أعلام الشعر العربي الهندي وتحليل مميزاتهم الشعرية، كما أنه قام بترجمة خطاب ألقاه رئيس وزراء الهند السابق السيد راجيف غاندي خلال زيارته للقاهرة، وفي هذه الفترة أنه قام بإعداد أطروحته للدكتوراه، وبعد عودته من مصر أنه قدمها للتقييم والمناقشة في قسم اللغة العربية بجامعة لكناؤ. و كتب مقالات رائعة حول الأدب العربي الحديث في اللغتين العربية والأردية، ومنها ” نجيب محفوظ في ضوء رواياته ” وأوضح فيها أن الروائي المصري نجيب محفوظ لم يفز بجائزة نوبل العالمية في الآداب لروايته ” أولاد حارتنا ” بل أنه حاز على هذه الجائزة لتصويره الطبقة المتوسطة لمصر في رواياته، وهذا ما اعترفته أكاديمية نوبل الكائنة بالسويد.
ومن أنفس مقالاته حول الأدب العربي الهندي: تطور الشعر العربي في الهند، تطور المقامة في الهند، مساهمة علماء جو نفور في الأدب العربي، المعلم عبد الحميد الفراهي كشاعر عربي، أبو الكلام آزاد وتفسيره ترجمان القرآن، ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين ــــ دراسة تحليلية ـــــ ، تأثير اللغة العربية على الأدب والمجتمع الكشميري، السير سيد أحمد خان و رفاعة رافع الطهطاوي: دراسة مقارنة، و أثر القرآن في شعر إقبال وما إلى ذلك. وكذلك له مقالات ودراسات في اللغة الإنجليزية أيضا ومن أهمها ” Adult Sufferage in Kuwait” و طبع هذا المقال في مجلة دراسات غرب آسيا بجامعة علي كره الإسلامية.
ولا يزال يكتب الأستاذ الإصلاحي بحوثا ومقالات حول النواحي المختلفة للأدب والتاريخ والثقافة في اللغتين العربية والأردية، تطبع في المجلات المعتمدة في الهند وخارجها، كما أنه عضو الهيئة الاستشارية لمنظمة اليسكو (Arab Leage’s Educational, Scientific and Cultural organization ) بتونس التي تقوم بإعداد موسوعة العلماء والمفكرين للعالمين العربي والإسلامي، وأنه يساهم فيها بكتاباته عن العلماء الهنود، وبالإضافة إلى ذلك أنه زار مصر ولبنان والسعودية والكويت و إندونيشيا للمشاركة في الندوات والمؤتمرات أو لإلقاء خطابات.
إن الأستاذ الإصلاحي قد أولى اهتماما خاصا بالترجمة، وبهذا السبب أنه يعد من الرعيل الأول للمترجمين الهنود، إنه نقل عديدا من المسرحيات والروايات العربية إلى اللغة الأردية، ونالت هذه الترجمات قبولا ورواجا في الأوساط الأدبية والثقافية واعترف بأسبقيته وتقدمه في هذا المجال مؤرخو الثقافة العربية في الهند أيضا، وأبرز هذه الناحية الأستاذ الدكتور حبيب الله خان في كتابه الشهير ” الترجمة العربية في الهند بعد الاستقلال ” بالكلمات التالية:
” عني الأستاذ الإصلاحي بالترجمة عناية خاصة وأعطاها ما تستحقه من الجهد والجد، وأنجز بعون الله في مدة قصيرة أعمالا قيمة لا غنى عنها، وبذلك أحرز قصب السبق فيما بين الأساتذة الجامعيين في تقديم المسرحيات العربية الحديثة للقراء الهنود، ( 2 )
ومرة سئل الأستاذ الراحل الدكتور بدر الدين الحافظ في حوار صحفي كيف يمكن للباحثين والدارسين أن يكونوا مترجمين وناقلين ناجحين للعلوم والفنون إلى اللغة العربية وبالعكس؟ فأجاب عليه الأستاذ الحافظ قائلا:
“…. وكذلك يجب على من يريد أن يكون مترجما ناجحا أن يقرأ الكتب المترجمة التي نقلت من اللغة العربية إلى اللغة الأردية كما ترجم الأستاذ شمس تبريز بعض كتب سماحة الشيخ أبي الحسن علي الندوي إلى اللغة الأردية وترجم الأستاذ الدكتور أسلم الإصلاحي بعض مسرحيات توفيق الحكيم إلى اللغة الأردية، وترجمت خمسة كتب لعباس محمود العقاد إلى الأردية، ويمكن للدارسين والباحثين أن يتعلموا أسلوب الترجمة بعد دراسة هذه الكتب المترجمة”.( 3 )
وحينما اختار الأستاذ الإصلاحي “نشأة المسرحية وتطورها في الأدب العربي الحديث موضوعا لبحثه ودراسته للدكتوراه، إنه توجه إلى قراءة فن المسرح وتطوره في العالم العربي، وفي هذا السياق أنه ركز عنايته على دراسة شخصية توفيق الحكيم ومسرحياته، فإنه لم يكتف بقراءة هذه المسرحيات فحسب بل أنه ترجم بعضها وقدمها إلى قراء الأردية، لكي يتعرف القراء الهنود بالنماذج الأدبية العربية، فمن أعمال الأستاذ الإصلاحي المترجمة ثلاث مسرحيات لتوفيق الحكيم وهي سليمان الحكيم وأهل الكهف وشهرزاد، وترجمة “القاهرة الجديدة” للروائي الكبير نجيب محفوظ، و إلى جانب هذه الكتب الأدبية الخالصة قام بترجمة كتاب نافع “الصلاة عماد الدين” وهو من مؤلفات العالم المصري الشيخ محمد متولي الشعراوي. وكل هذه الكتب المترجمة مطبوعة وذاع صيتها في حدود الهند وخارجها، وإذ أن الأستاذ الإصلاحي ــــ أطال الله عمره ـــــ قد تقاعد عن الوظيفة و هو نشيط و متعه الله بكامل الصحة و العافية، نحن نأمل بأنه يضيف في إنتاجاته الأكاديمية بمزيد من الترجمات الأدبية و الإسهامات العلمية.
المصادر والمراجع
( 1 ) راجع للتفصيل مقالة كاتب هذه السطور الأردية ” جدید عربی ادبیات کے اردو تراجم اور پروفیسر محمد اسلم الإصلاحی” المطبوعة في المجلة السنوية ” بزم شبلي” الصادرة عن كلية شبلي الوطنية، بأعظم جره، عام 2020 ـــــ 2021 م .
( 2 ) الترجمة العربية في الهند بعد الاستقلال، للدكتور حبيب الله خان، دلهي الجديدة، عام 1997 م، ص 206،
( 3 ) حوار مع الأستاذ بدر الدين الحافظ، أجراه د. محفوظ الرحمن، مجلة أقلام الهند الفصلية، يناير ــــ مارس ٢٠١٨ م .