الدكتوره سميه رياض الفلاحي
آراضی باغ، اعظم كره
كانت السوداء متفشية و الدماء حريقة و النفوس رذيلة و الإنسانية ممسوكة ببراثن الظالمین.
و فجأة ينقشع الظلام و يطلع ضوء القمر فى بقعة مباركة. و ساد النور فى محلات الشام و انفجرت شمع الهداية و سعى جده بفرحة و سعادة. و سماه : محمد .
و لماذا سمى هذا الإسم و هو غير معروف فى حضارتنا.
تحير الناس بهذا الاسم الكريم.
أنا أريد أن يحمد فى السماء و فى الأرض. أجاب…
و مشى فى سيره دون مبالاة.
هل هناك من يرضعه؟
كان يفكر فى حضانته و ترضعه.
فلم تمض أيام إلا جاءت قافلة من حضارات مكة، منها امرأة فقيرة مسكينة لا تجد لبنا لطفله ولا تملك إلا حمرة نحيلة و كانت تمش خلف القبيلة.
هل هناك أى طفل للرضاعة؟ سألن .
نعم ! هذا طفل يتيم.
فمن يرضع اليتيم ؟ كيف نحصل الأجرة و ما هو ؟
لا، ليس لنا.
انكرن لأن يقبلنه.
ييأست أمه ….. و تريد أن ترضعه إحدى منهن…
و لكن كيف؟
فمن يقبله؟ هذا طفل يتيم لا يمتلك ثروة و مالا.
لا تيأسي من روح الله…. نبه ضميرها…
و لكن كيف؟ قد رجعت قافلة إلى بيوتها.. سألت من نفسها..
كيف نرجع إلى بيتنا و بدون طفل؟ كانت تضطرب و تتساءل حليمة نفسها.
هلا نمكن أن نأخذ هذا الطفل اليتيم ؟ سألت من زوجها.
لماذا لا؟ عسى أن يكون رحمة لنا. أجاب زوجها.
فكانت تمشى ببطء الأقدام باليأس و القنوط. ولا تدرى ماذا سيكون فى وقت ما؟
و كانت تعانى من قلة اللبن فهى و زوجها لم يستطعا النوم من شدة بكاء طفلهما من أجل الجوع طوال الليل.
ماذا وقعت؟ تحيرت و تعجبت…..
و فجأة كانت الثدي مليئة باللبن و صككها محمد و أخوه حتى سقيا..
و كانت حمرة هزيلة فبدأت تسعى بدون توقف….
هل هناك من جديد؟ ماذا حدثت لحليمة؟ كانوا يتناجون و يتنافسون.
تتسائل نساء قافلة بحيرة و استعجاب.
ذهبت حليمه إلى بيتها بقدوم ميمونة فرحة و سرورا. و غمدت البركة أهلها و نزلت رحمة.
فلم تمض أيام تغيرت حالاتها و وسعت كل ما فى ملكها.
فالطفل كان مختلفا من الأطفال فلا يلعب لعب اللهو بل كان يجلس مفكرا فى خلق الكون فى معظم أوقاته.
رجع الطفل إلى بيته بعد انتهاء مدة الرضاعة فكانت حليمة تيأس و لا تريد أن تفرق منه حتى لثوان و لكن كانت تضطر إلى رجعه و كانت تمشى فى طريقتها بخطوات بطيئة و تتمنى أن يعيش الطفل معها إلى مدة طويلة.
و فى اضطراب…..
مضى يوم….
هل لا يمكن لى أن آخذه لمدة أكثر؟ كانت تتساءل…
و ماذا حدثت؟
هل هناك أى وسيلة ؟ كانت غريقة فى فكرتها.
كانت تذهب إلى بيت طفله و تتمنى أن تسمع أذناها كلمات مباركة حتى وصلت….
أريد أن أذهب به إلى بيتى لأن الفضاء نقية فى الريف و الوباء متفشية فى بلد مكة و أريد أن آخذه فى مهدى إلى أكثر وقت…
ما ذا تقول ؟ ولا أستطيع أن أسمع هذا الخبر……
فأصرت حليمة على قولها حتى نجحت….
رجعت به إلى بيتها بحماس. و لا تستطيع أن تستر فرحتها…
و مضت الأيام و محمد يمضى أوقاته مع أولاد البادية فى بيئة نقية و هواء صاف. فكان يلعب و يقفز من حجر إلى حجر و أصبح مونسا لأهل الحضر.
و شد وثاقه بالحليمة و تريد حليمة أن تأخذه للأبد… و لكن كيف؟…
كان يلعب الطفل مع الأولاد فجاء أحد و أخذه و شق صدره و أخرج قلبه و غسله بماء زمزم ثم رجعه إلى مكانه و سدده فخاف الأولاد من هذه الواقعة العجيبة وسرعوا إلى بيوتهم و أخبروا حليمه بأن محمد قد قتل فشعرت بالخطر و أرادت أن تؤدي الأمانة و لو كانت خلاف الطبيعة ولكن ماذا تعمل؟ ليس لها أى حل دون سواه.
حتى حان الوقت و سرت فى سبيلها لكى تؤد الأمانة إلى يد آمنة بخير و عافية…
التصقت به أمه بحنون و شدة الفرحة.
و تتابعت الأيام و أصبح طفلا ستة من عمره و ذهبت به أمه إلى بيت أبيها و أرته قبر أبيه فى الطريق ففهم ذلك الوقت معنى اليتيم و مضى شهر فى المدينة حتى أرادت أمه أن ترجع إلى بيتها ولكن شاء القدر أن تفترق منه فى الطريق …..
رجع الطفل مع خادمته إلى بيته و كان بحاجة أن يعطف به ولكن من يعطف به؟ و فاض الدمع من عينيه كسيل البحر بدون توقف و حزن حزنا شديدا فتوجه جده إليه برفقة و رحمة.
و مضت الأيام فلم يصل إلى أى غرض من حياته ولكن فقد حنين الشفيق فى أوائل عمره و هو فى الثامنة من عمره.
فقد غشى الظلام أمام عينيه كسوداء البحر لا ترى شرقا و لا غربا.
كانت الدنيا مظلمة أمامه كأن مدت الليل أجنحتها ولا تبغى أن تشرق بضياء الشمس. فلم يمض وقت حتى قدم إليه عمه بشفقة و حنون. و عاش محمد تحت رعاية عمه.
فما زال الوقت يمضى مع عمه الشفيق حتى جاء وقت حينما أصيب أهل مكة بقحط فجاء أهل مكة إلى عمه و طالبوا منه أن يدعو لهم فخرج بطفل واتكأه بجدران الكعبة فأخذ تمطر السماء و أخذ يسقى الناس و الحيوان بفرحة و بشاشة. أصبحت المدينة و الصحاري خضراء .
فأشار عمه إلى هذه الواقعة و مدحه فيما بعد:
و ابيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
و تتابعت السنوات حتى أصبح ثانية عشر من عمره و شد رحلته فى سفر مع عمه.
يا للبشر! كان الناس يعجبون و يشيرون إليه…
هذا ليس ببشر عام بل هو خاص من حبيب الله… قال رجل.
لكن كيف معلوم أنت ؟
ألا ترى كل شجرة و حجرة سجدت له إذا انتم صعدتم إلى هذا الوادي؟
و نصح لعمه أن ترجع به إلى بلده فرجع مع بعض غلمانه إلى وطنه.
و كذلك مازالت تمضى سنوات …..
و ما كان لديه عمل إلا مراعاة الشأة فكان غريقا فى قضاء الحياة حتى بلغ خمسة عشرين من عمره و جاء يوم السعادة و قدمت إليه إمرأة غنية بمالها عرضت عليها أن يتجر بمالها بعوض أجرة كبيرة فاقبل على أمنيتها.
و تتابعت الأيام حتى جاء يوم حينما عرضت عليه خديجة و قالت أنها تريد أن تخطبه بواسطة صديقتها. فسلم محمد أمره إلى عمه و شاوره فى الزواج حتى اتفق الأمر على زواجه مع خديجة.
كان يعيش عيشة راضية مع زوجته و تطيب له الأيام مع رفاقتها و اسعده الله بنعمة فخمة حينما أنجبت زوجته بنته زينب و تابعها أخواتها و أخوها قاسم. و مازال يمضى الوقت و كان محمد يقضي معظم أوقاته فى غار الحراء متعبدا و مفكرا فى الإله الصادق حتى بلغ أربعين من عمره فجاء إليه أحد و قال:
اقرأ:
قال ، أنا أمى…
قال ، اقرأ:
قال ، أنا أمى…
فضبط صدره و قال اقرأ باسم ربك الذى خلق..
فقرأ إلى خمسة آيات…. حتى غاب عنه…
فدهش محمد و رجع إلى بيته مقشعرا و قال : زملونى ، زملونى.
و قال أنا أخاف أن اقتل…
فسألت زوجتها ، ماذا حدثت يا حبيبي؟
و عزته بالسلوان و التسلية و قالت : لا تقلق،
إنك أنت تنصر المظلومين و تحمى المساكين فإن الله لا يضيعك…
فاطمئن قلبه بكلماتها الثمينة و سكنت حرارة صدره …..
ثم أتت به إلى أخيه ابن عمها فأكد أن الله سبعثك نبيا و سراجا منيرا…
نورت وجهه و وجه زوجته و رجعا إلى بيتهما…
ثم تتابعت الأيام و ما زال الأمر خفيا من أجل الحكمة و البصيرة إلى ثلاث سنوات و برزت جماعة من أهل الحق فى دعم محمد حتى أمر الله عبده بأن يعلن رسالة النبوة بقول :” و أنذر عشيرتك اقربين ” و مشى محمد فى سيره بعزم محكم و تعميم الألوهية و نادى قبائل قريش و أخبرهم بأمر النبوة أمام القريش فخالفوه فسكت محمد أول مرة ….
ثم ناداهم و أكدهم بأنه رسول الله جاء لانهاء الشرك و الوثنية فأيده عمه و ووعده بأن يدفع عنه بكل طرق ولكنه لم يطمئن بأن يترك دين آباءه.
فخرج محمد من بيته بعد مااطمئن قلبه بتائيد عمه و صعد على جبل صفا و دعا قومه إلى إله واحد و بين أمام قريش حقيقة الوثنية و أثبت بطلان اللات و العزى و الأحجار فتمزقت صدور أهل مكة من شدة الغضب و بدوأ أن يطيروا من شدة الاستغراب و الاستنكار كأن البرق يصعق ……
و جاء وفد مكة إلى عمه لكى يمنع ابن أخيه من دعوة الدين الحنيف أو يسكت فأخذ عمه الأمر بالحكمة و البصيرة و شتمه أهل قريش و مدوا حبال المكر و الكيد من مختلف الجهات ….
و مازال يمضى الوقت على هذا النحو الشديد …..
جاء أمراء من قريش و عرض عليه أن تتزوج ببواكر الحسناء من قبيلة فاخرة ولكن اترك هذا العمل العبث و ارجع إلى دينه…
فأجاب محمد : إن تضعوا القمر فى يدى و الشمس فى يد أخر فلن أترك هذا العمل …
فرجعوا يائسين غاضبين و أقسموا بالله لنهلكنك فى أيام قادمة…
و مازال يمضى الوقت و ازدادت العداوة و الطغيان من قريش فى مكة فهم كانوا يتهمونه بساحر أو كاهن أو شاعر و كانوا يستهزؤونه و يستخفونه و أحبابهم و يقولون ” أ هؤلاء من الله علينا من بيننا ” و ضاقت الحياة حول محمد. كانوا يغرونه بفتن الدنيا و يحرضونه على أن يشتري كلمات الله ثمنا قليلا… حتى ازداد الظلم فى عام ٤ من النبوة و أراد زعماء قريش أن يصبوا سيل الجور و العدوان عليه و أصحابه …. و ساروا فى سيره…..
هل يمكن لنا أن نحطم محمد؟ كانوا يقدمون متسائلين….
لا، لأنه من قبيلة فاخرة و ولاه عمه أبو طالب و هو ذو رأس عال فى قبيلة …. فكيف يمكن لنا ؟ أجاب بعضهم…..
و مازال تتابع الأيام حتى أنجبت خديجه عبدالله ولكنه مات فطعنه قريش و لقبه بأبتر….
ولكن محمد ذو عزم كبير يسير بما أن الله عزاه فى قوله : إن شانئك هو الأبتر…. ففرح و مشى فى سيره بعزم مصمم…..
و كان يعانى من الأذى و المصائب و التكاليف البدنية من قبل قريش حتى مضت سنة و جعل دار أرقم مركزا للدعوة و التوحيد فى عام ٥ من النبوة.
و لما زادت سلسلة السب و الشتم و الظلم فجمع محمد أصحابه و أمرهم أن يهاجروا إلى بلد حبشة و بشرهم بفتح مبين فى ضوء سورة الكهف فقالوا : لبيك يا رسول الله و رحل بعضهم إلى منزلهم الأجنبي فى الليل خفيا من مكر قريش فى طلب الأمن والأمان.
و فى نفس السنة فى شهر رمضان المبارك تلا محمد سورة النجم فسجدوا كفار مكة و وصل هذا الخبر إلى مهاجرين حبشة أن قريش قد أسلموا فرجعوا إلى بيوتهم و لكنهم كانوا فى طرقهم فوجدوا أنهم قد خطأوا فمنهم رجعوا إلى حبشة و منهم أتوا إلى مكة فى ملاذ بعض رجل مكة….
و سارت الأيام و اضطر المسلمون إلى أن يهاجروا إلى بلد حبشة مرة ثانية….
سلموا رجالنا إلى ذمتنا يا ملك حبشة ، قال عمرو بن عاص و عبدالله بن ربيعة فإنهم يتهمون عيسى باتهام كبير….
فأنكر ملك حبشة أن يرجعهم فخابوا و رجعوا إلى وطنهم…..
ثم هدد أهل قريش أبا طالب أن يبدؤا الحرب بينهم إن لا يمنع ابنه من هذا العمل ….
دعاه عمه و حرضه على أن يمنع من هذا العمل الخطر….
فقال : لن أترك حتى أكمل و لو افنيت فى هذا السبيل و لو أنتم تضعوا الشمس فى يدى اليمين و القمر فى يدى الشمال….
فرجع …..
يا محمد لن أتركك بدون سبب فافعل ما تؤمر …. قال عمه ففرح و سعد….
و جاءوا إلى أبى طالب و هدده بقتل محمد بثمن كبير و شاور بعضهم ببعض و مكروا و أرادو أن يقتلوه….
ما زال يقضي الوقت و يزداد الظلم والجور من أهل مكة حتى قبل حمزة الإسلام ثم تابعه عمر فى قبول الإسلام فدهش أهل مكة و خافوا من المسلمين لأن عمر لا يخاف و لا يخشى أحدا منهم ….
و بدأت الدعوة بصراحة…..
فأرادوا أهل مكة أن يأتوا إليهم من خلف الباب بمكيد الصلح ولا ينبغى لهم أن يأتوا من أمامهم ….
و قد انقشع سحاب الظلم إلى حد كبير ولكن عمه كان يخاف من قتله و يضطرب فجمع بنى هاشم و بنى مطلب و أمرهم بأن يحميه جميع أفراده فقبلوه إلا أبا لهب…..
ثم جمع المشركون خلاف بنى هاشم و بنى مطلب على أن يقاطعوهم معاشا و اقتصاديا و اجتماعيا حتى يسلموا محمد إليهم للقتل و حاصروهم فى شعب أبى طالب إلى ثلاث سنوات فلم يجدوا المسلمون الطعام إلا قليلا حتى كاد يكسر صخور مكة من بكاء نساء و أطفال من شدة الجوع و لا يملكون مالا ولا ثروة لأن يشتروا الأشياء للاحتياجات اليومية.
تمت ثلاث سنوات و أصابت الأرضة الصحيفة فمحت الوثائق ولم يبق إلا إسم الله و اتفق بعض قبائل قريش على أن ينهوا العداوة و المقاطعة مع بنى هاشم و بنى مطلب.
جمعوا و شاوروهم بينهم و أعدوا جماعة و تساءلوا بعضهم من بعض…..
هل ليست هذه خلاف الغيرة أنا نحن مستمتعون بوسائل الترفيهات و يحرم إخواننا من نعم الحياة؟
فماذا افعل بوحدة؟ سأل أحدهم…
أنا معكم فهل من مزيد للحماية؟
أنا أيضا مستعد….. و هكذا عدت صرة من أفراد و رحلوا إلى بطلانهم ثم بدأوا يظهرون مشاعراتهم و انفعالاتهم عن ميثاق الصحيفة حتى تم الأمر على الموافقة…..
و بعد أيام فقد اضمحلت قوى عمه و لزم مرض الفراش فجمعت جماعة من المشركين أمام عمه آخر مرة للمعاهدة بينه و بين على أن يتركنا على ديننا و يتبع دينه…
فقد محمد حنين عمه فى سنة ١٠ من النبوة ثم تأست زوجته الحبيبة و عزته بقلب دافئ ولكنها رحلت إلى جوار ربها….،
و بعد وفاة عمه اصطدم محمد بغم و هم فأحاطوه من كل الجوانب و ضيقوا طرقه الحياة السعيدة…
فتوجه إلى مدينة طائف للدعم داعيا إلى الدعوة ..
……فأنكروه بل ضربوه ضربا شديدا….
أصيب محمد بحزن شديد فى نفس العام بوفاة زوجته السعيدة و اكفهرت الدنيا عينيه و سمى ذلك العام بعام الحزن….
و تتابعت الأيام مع هذه المظالم حتى جاء أمر الله للهجرة فشد ركابه مع صديقه و رحل إلى مدينة الأمن والسكينة …..