الدكتورة سميه رياض الفلاحى
آراضى باغ ، أعظم كره
قريتى !
عشت فيها سنوات و ارتويت بمائها ، وهوائها وطيبها. طعمت و تذوقت حلوها و مرها . تنفستها و شممت رائحتها التى تملأ قلبى بفرحة . عانقتها من خلال عيشتى و أخذتها بين يدى و مارست معها كل أنواع الشدة والرخاء.
نعم هذه قريتى معروفة باسم بليا كليان فور ، تقع شمالاً ١١ كيلومترات بعيدة من مديرية أعظم كره. هذه قريتي جميلة محفوفة بالنباتات الخضراء ممتدة إلى عدة كيلومترات محيطة بأنهار واسعة من ثلاثة جوانب.تتمايل الأشجار المثمرة حولها وخاصة أشجار المانجو تقابل خدها فى موسم الصيف .
و أنا أفتقد طفولتى فى قريتى حينما كانت الأنهار تعانق بعضها ببعض و تسعد الأشجار الخضراء الخصبة برؤيتها كل سنة و تمتد السيول إلى كيلومترات والقوارب تمشى على فوق الماء و تبهج المناظر الخلابة كشواطئ البحر. و كنت أعيش حياتي هادئة تحت عطف أبوي و ألعب فى أحضان جدى و جدتى.
و أفتقد سذاجة الناس فى قريتى الذين يدورون حولى تعظيما و تكريماً حينما كنت أعود إلى قريتي فى أثناء عطلتي الدراسية. و قريتى صغيرة مختلطة من الثقافة الإسلامية و الهندوسية و معظم الناس كانوا بعيدين من الدراسة و يعجبون و يفرحون حينما كان يرجع إليهم أحد بعد اتمام الدراسة.
أفتقد طفولتى فى بيت قريتى حينما كنت ارجع إليها و أطفال جيرانى يسعون إلى للتعليم الأساسي والثانوي التأهيلي و كل نساء القرية تجمعن في بيتى الذى يقع وسط القرية ، و يحتفلن عادة بانكسار و يظهرن حسن سلوكهن و يملن إلى كل الميل.
و أفتقد طفولتى فى حضن أمى حينما كانت نساء الحى يحطن حولها فى شهر رمضان و يجهزن ألبستهن للعيد السعيد و يواظبن على الصيام و القيام و يأخذن أيديهن للمساعدة فى أمور منزلية دون حس مرهف نحو السياسة و المكائد.
و أفتقد حياتى فى قريتى تحت عطف أبى الذى كان يتلاعب و يكترث بمشاعرى و يهتم بكل ما يتعلق بى الأمر و يخص بترتيب الأمور التي يجب مراعاتها عند المجتمع الريفي و يبذل قصارى جهده في خدمات والديه و أهل القرية الجميلة و يعنى بأهل الأسرة و القرية معا لينال رضى الجميع.
أفتقد طفولتى حينما كنت ألعب لعبة الغميضة مع زملاء و زميلات الحى دون خوف و ذعر. و أفتقد حياتى الطفولية بين جدران الحى و أقضى طوال النهار فى لعب الدمى مع زميلات قريتى فكن من طبقات متوسطة و أسرتى من أهل الثروة فهن يأتين إلى بالتعظيم والإكرام و لو كن غير متعلمات.
و أفتقد عماتى و أولادهن اللاتى كن يسكن معنا فى بيتى و أقضى طوال النهار فى اللعب و النزهة مع أولادهن و أننا نفر فى رواقات من هنا إلى هناك كالفراشة تطير على غصون الأزهار و أفتقد أصداءهن مثل النقيق تعلو فى الصباح.
و أفتقد حياتى فى المدرسة الابتدائية و زميلاتى و سذاجتهن فهن كن يدرن حولى كما تدور الفراشات حول الشمعة و يستفدن من مؤهلاتي العلمية فى صغري.
و أفتقد بيتى أعد بيد جدى و جدتى بين جدران الحي مزدوج من ثلاث أطباق فى لون أبيض ملمع بلاط فيا اجمل بيتى و يا افضل المجتمع!
و أفتقد يومى فى فصل خريف جميل ، بألوانه و سمائه نصف الغائمة ، و نسماته الباردة القادمة من جميع الجهات و كنت أسعى مع زميلاتى فى الضيعة الساكنة و ألعب معهن ليرتاح رأسى.
كانت تتنزل السكينة والطمأنينة و الحب والتقدير والمساعدة تحت ظل القرية الجميلة و كنت أتنفس فى هوائها و ارتوى بمائها وأستنشق رائحتها التى تملأ المكان.
أفتقد الحقول فى القرية التى كانت تزرع فيها نباتات مختلفة من قمح و ذرة و أرز ، و حمص و بازيلاء و خردل و أزهار الخردل و البازيلاء تبهجنى و تسعدنى و كنت أتجول بينها مع جدى و أعود إلى بيتى بالفرحة و السرور و تجذبنى المناظر الخلابة على سقف البيت فى المساء.
و أفتقد الظلام فى الليل كموج البحر أرخى سدوله و أتوحش منها كالأنعام يتوحشون من الليث فى الغابة. و أفتقد مناظر الصباح النقية الصافية يوقظ الناس ذاكرين الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يسعون إلى مساجد الله إيمانا و احتسابا.
زرت حدائق المانجو التى كان جدى زرعها بنية أن يأكل أحفاده وحفيداته و زرت قطعة الأرض التى اشتراها أبى بنية أن يعمر عليها الروضة لكى يجول فيها أسباط بلطف و متعة. زرت فيها هاربة من ضجيج البلد التلوث البيئي ولكنى افتقدت أبى هناك ورجعت إلى حياتى المدنية.