Main Menu

الأستاذ فيضان الله الفاروقي: حياته  ومسيرته العلمية والأدبية

د. محمد أبوتراب

محاضر ضيف بقسم اللغة العربية

جامعة دلهي، الهند.

مقدمة:

إن هذا العالم مليء بالعلماء والأساتذة والباحثين و كانت تبرز فيه شخصية فريدة بكل معنى الكلمة  ألا وهو أستاذنا وأستاذ أساتذتنا فيضان الفاروقي الذي لم يكن مجرد أستاذ بل كان قائدًا بحق، يهدي طلابه إلى أفق المعرفة بأسلوبٍ فريد من نوعه. وقد جمع هذا العالِمُ المتميز بين الخبرة الفائقة في ميادين متنوعة من فنون اللغة والآداب والعلوم الإسلامية وبين حبه العميق للتدريس والدراسة. حين تفشت جائحة كورونا كالعاصفة المدمرة في بلادنا الهند وفي العالم، استأثرت به رحمة الله تعالى فجأة في 29/من شهر ذي القعدة لعام 1441هـ الموافق 21/من شهر يوليو عام 2020م. رحيل هذا الأستاذ الكبيربغتة وسقوطه ضحية هذه الجائحة الفتاكة كان كضربةٍ قاسيةٍ لمجتمع العلم والأدب في أرض الهند ما طَبَعَ خيبةً وحزنًا عميقًا في قلوب الطلاب والمحبين له. و يبدو أن جائحة كورونا جاءت لتذكيرنا بهشاشة الحياة وضعف الإنسان أمام هذا الفيروس الصغير الذي فَقَدْنَا به ليس فقط معلمًا بارعًا وعالِمًا متميزًا، بل صاحبًا لروح يملأ القلوب بالإلهام والإنسانية. بعد رحيله، تظل ذكراه تلهمُنا وتشع في ذاكرتنا كنجمة لامعة في سماء العلم والأدب. إنه قد ترك وراءه ليس فقط إرثًا عِلميًا غنيًا، بل أيضًا أثرًا عاطفيًا لا يُنسى. إن إرثه العلمي والأدبي يمتد كشجرة ذات أغصان ثقيلة بالمعرفة، تستمد حيويتها من عمق جذورها. إن الأستاذ استفاد من حضرته ثلة من الأساتذة المرموقين كما ترى تأثيره أيضًا في الأجيال الناشئة التي استفادت من توجيهاته الحكيمة والتوجيه الدافئ الذي كرسه لها. ولا تنس أن أقلامه الراقية تحمل بصمات الحكمة والعلم بأسلوب سلس يجمع بين الفهم العميق والتفرد و تتجسد مساهماته في صورة المقالات والمؤلفات باللغة الراقية مع الجودة العالية. إنه كتب قليلاً، ولكن كل كلمةٍ خطّها كانت تحمل وزنًا فائقَ الأهمية مما جعلها مرجعًا هاما في مجال العلم والأدب. وبهذا المقال، سنستكشف مسار هذا العالِم المُلهم، متنقلين بين صفحات حياته الرائعة وأعماله المتميزة، ولنسلط الضوء على تفرده وإرثه العظيم ، سنوزعه في مبحثين رئيسين: الأول منه عن حياته وشغفه بالعلم وبالبحث والدراسة والثاني منه عن آثاره العلمية والأدبية وأرائه النقدية.

 

المبحث الأول: حياته:

نشأته ودراسته: وُلد الأستاذ فيضان الله الفاروقي في قرية “كوريا بار” بمقاطعة “أعظم كره”[1]  في يوليو عام 1952، ونشأ في أسرة متميزة علميًا وأدبيًا. وينتهي نسبه إلى عبد الله بن عمر الفاروقي[2]. هذه هي الأسرة التي ينتمي إليها نسب الناقد الأردوي الكبير شمس الرحمن الفاروقي أيضا. والد الأستاذ فيضان الله هو سبحان الله الفاروقي الذي كان رجلا تقيا ومتواضعا و أحد خريجي المدارس الدينية. إنه قام بتثقيف ابنه على منهج ديني سليم وفي باكورة عمره علّمه أبجدية اللغة العربية والدراسات الإسلامية. عند ما بلغ هذا الطفل السادسَ من عمره  ألحقه أبوه بالمدرسة الدينية “دارالعلوم” مؤناث بهنجن عام 1959م تحت رعاية شقيق أمه حفيظ الرحمن المعروف باسمه الشعري “أيمن” و كان من شعراء اللغة الأردوية المعروفين في المنطفة آنذاك، وكان يعمل مدرّسا وموظفا في مكتب المدرسة، فنشأ الطفل في بيئة علمية خالصة  و ترعرع تحت رعاية خاله الشاعر وفي هذه المرحلة كسب ما كسب من المواد الدراسية الابتدائية  ودرس بعض الكتب العربية للثانوية ثم تخرج منها إلى معهد آخر  باسم “مدرسة إحياء العلوم” بمدينة مباركفور عام  1965م حيث أكمل دراسة الكتب العربية للثانوية في عامين، ثم شدَّ الرحالَ في عام 1967م  إلى مدينة ديوبند للالتحاق بأم المدارس دارالعلوم بديوبند التي كانت من أحلى أمنياته أن ينضم إليها، ففاز في تحقيق بغيته، واستفاد فيها من كبار الأساتذة و مهرة التعليم والتربية ودرس البخاري من المحدث الكبيرالشيخ فخرالدين وحصل على شهادة الفضيلة عام 1968م وهي ما تمثل خطوة مهمة نحوتحقيق التطور الشخصي والمضي قدما في مسيرة النجاح والتميز.

وما إن أكمل دراسته حتى سنحت له فرصة التدريس في مدرسة “دارالعلوم مؤناث بهنجن” حيث أكمل  دراسته الابتدائية قبل عدة سنوات، فاستغل هذه الفرصة ودرّس هنا الكتب الهامة للطلبة المنتسبين إلى درجة “منشي” مابين الفترة 1969-1971م. وقد أدرك الأستاذ الفاروقي أهمية التعليم العصري فواصل تحصيله على الدراسات العليا والاستفادة من فرص الجامعات الحديثة و انضم إلى “كلية شبلي الوطني” حيث نما في المجال الأكاديمي و حقق شهادة البكالوريوس بتفوق وامتياز في عام 1974م، ثم ألقى نظرة طموحة نحو تعليم المرحلة ما بعد البكالوريوس فالتحق بجامعة الله آباد حيث حصل على شهادة الماجستيرفي عام 1976 م  واستمر في رحلته الأكاديمية ونال شهادة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1984م تحت إشراف الأستاذ الفاضل ايس ايم رفيق الذي ترك أثرا بعيدا في تكوينه الشخصي والأكاديمي.[3] هكذا استمر في رحلته العلمية والأكاديمية التي تعكس تفانيه و مدى حرصه على تحقيق التفوق العلمي والبراعة في المفاهيم العلمية والفنون الأدبية.

 

حياته الأكاديمية ومحاضراته العلمية: بدأ الأستاذ الفاروقي تدريسه الجامعي كمحاضر مؤقت للغة العربية وآدابها في قسم الدراسات الإسلامية والآداب العربية والفارسة بالجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي عام 1979م و في عام 1980م تم تعيينه كمحاضر في جامعة أيم أيس ببرودا، غوجرات، حيث قام بتدريس الطلاب وتقديم المحاضرات حتى عام 1983م، وفي شهر مارس عام 1983م انخرط في قسم اللغة العربية بالمعهد المركزي للغة الإنجليزية واللغات (CEFL)، بحيدرآباد[4]، و أقام فيها حتى عام 1987م وقدم فيها إسهامات قيمة، ثم انضم إلى جامعة جواهر لال نهرو كأستاذ مشارك في مركز الدرسات العربية والإفريقية عام 1987م، وفي عام 1997م ترقى ليصبح أستاذا في المركزحيث أدى دوره كرئيس لهذا المركز مرارا و أصبح متقاعدا في عام 2017م.

ومما لا مِرْية فيه أن الفاروقي كان أكاديميا بارزا وكان بمثابة موسوعة أدبية متنقلة ومصدر حي للمعرفة والثقافة للطبة والأساتذة على حد سواء، إذ كان ضليعا في مجالات العلوم والآداب المختلفة من العربية والأردوية والفارسية والإنجليزية وماهرا في علم المخطوطات ويقول د. معراج أحمد الندوي في مقاله “كان مرجَعاً أساسياً في القواعد النحوية والصرفية، كما كان مصدراً مهماً في الشعر العربي الكلاسيكي بالهند، والنقد البنّاء، وهو ما حفلت به محاضراته.”[5] وقد أشرف على أكثر من خمسين بحثًا ودراسة على مدى أكثر من أربعة عقود في حياته الأكاديمية مسهمًا بذلك في توسيع دائرة المعرفة وتعزيز مجالات الدراسة والبحث بشكل استثنائي.

وكان الأستاذ الفاروقي منذ نعومة أظفاره ذكيا وحاد الذهن وشديد الحب للعلم والدراسة مما كان له الأثر الجلي في تكوين شخصيته وكان لديه ذوق خاص في الشعر والنقد. وكانت آلاف من الأبيات الأردوية والعربية والفارسية في ذاكرته، بدأ كأنه حفظها عن  ظهر قلب، ولكن لم يكن يحفظ بل ذوقه السليم مهد له ذلك، فكان يبرهن كلامه بتلك الأبيات متى شاء. وبعد أن أكمل دراسته في العلوم الإسلامية انغمس في الأدب العربي بوجه خاص، فاغترف من مناهل عباقرة  الشعراء القدامى من أمثال امرئ القيس، وزهير و عمرو بن كلثوم و جرير و فرزدق وعايش تراث الجاحظ و خاض فيه بحثا وتمحيصا وتوقف عند حكمة ابن المقفع وكذلك عُنِي بما قرضه من الشعراء النابغين في مختلف العصورو بآثار الأدباء المعروفين معتبرا ومستلهما مما أتو بها من النودر والشواهد، و من أجل هذا التوسع العلمي وغاية العمق في البحث والدراسة، عندما كان يلقي دروسه، كان يستوعب الحديث عن الأدباء وأساليبهم وخصائص فنهم وإبداعاتهم. وكان يأتي بالجديد و الطريف في حديثه، وكانت تمزج محاضراته بين العمق الفكري وجمال العبارة وخاصة كان يشرح الأبيات شرحا وافيا ويحللها في غاية الروعة وحسن البيان، مما جعله محبوبا بين الطلاب. إنهم كانوا يتمتعون بمحاضراته لما أنهم قلما يجدون مثل هذه اللآلي بين دفات الكتب. وبصفة كونه خبيرا في الأدب العربي واطلاعه الواسع بالآداب الأخرى، استطاع أن يستخرج من بحورها دررَ المعرفة وكنوزَ الحكمة و بالتالي أصبح محط إعجابٍ لنابهي الكتاب و نابغي المثقفين وبذلك تم اختياره كعضو لكثير من اللجان والهيئات العلمية والاستشارية على المستوى الوطني. يقول الشيخ حسان عن سعة علمه “كان في حياته مثالَ الدُربة والبراعة بالعَروض والبلاغة بأدق رموزهما وعلومهما تطبيقا وتحليلا، كما كان له حظ وافر في حفظ الأبيات من دواوين المتنبي والبحتري والمعري. وهو في الواقع مسمى باسمه، إذ كان فيضانا علميا يستقي من منهله العذب الناشئون والناضجون جميعا”[6]

 

خلقه وجهوده في نشر الثقافة الإسلامية: الخلق الحسن صفة تبرز بها شخصية الإنسان و وتجعلها أقرب إلى الله تعالى ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:”بُعِثتُ لأتمِّم حُسْنَ الأخلاق”[7]. وجعلها الله عز وجل  نصب عينيه قائلا: “وإنك لعلى خلق عظيم” (القلم 4). وإذا كانت الأخلاق الفاضلة ميزة و مرآة تعكس فيها محاسنُ الفرد والمجتمع، تحَلّى استاذنا الراحل بهذه الصفة بمعنى الكلمة وأضاءت شخصيته بالخلق الحسن. لو اجمتعتَ به، لوجدتَ بسمةَ الورد تتناثر على وجهه، و ينبعث منه نعومةُ القطن ودماثة الخلق وشدة الورع. وكان لطبلته بمثابة الأب الشفيق. وكان مبتعدا عن الطمع والسمعة الزائفة. وهو في الحقيقة بعلمه الغزير و ورعه الشديد وإخلاصه في العمل كان مثالا لسلفنا الصالح وكان نموذجا حيا للرعيل الأول من الأساتذة الذين أدوا دورهم كأساتذة بارعين في القضايا العلمية واللغوية، وأعدوا جيلا جديدا من الأساتذة والباحثين الذين يمثلونهم خير تمثيل .

وكما أن الأستاذ الفاروقي يعمل كأستاذ في الجامعة، كان يدير كتُابًا مُطَوعا لتعليم القرآن الكريم الذي أنشأه عام 1995م باسم “المدرسة السُبْحَانية” نسبة إلى اسم والده سبحان الله الفاروقي. وكان يديره على نفقته الخاصة. ولم يكن هدفه من تأسيس هذا المعهد الصغير جلبَ المنفعة، وإنما كانت روح مبادرته مقتصرةً لنشرَاللغة العربية و الثقافة الإسلامية وغرس المبادئ الدينية وترسيخ القيم العلياء في قلوب أبناء المسلمين وتعزيز جذورها في أذهانهم و هو ما يعكس حبه الشيديد للغة الضاد و اهتمامه البالغ بالأمور الدينية والهوية الإسلامية، وهوما جعله رمزا للتفاني في خدمة العلم وترويج القيم الإسلامية النبيلة.

المبحث الثاني: آثاره العلمية والأدبية:

كتب أستاذنا الفاروقي كتبا و مقالات ذات أهمية قصوى منشورة في مجلات ودوريات مختلفة. وبحكم تعمقه في مختلف اللغات وتنوع الثقافات اتسمت كتاباته بسلامة الفكرة وجودة الصياغة، وكذلك كان الأستاذ شاعرا مجيدا باللغة الأردوية غير أنه ما استرعى الاهتمام بقرض القصائد. ورغم أن أستاذنا لم يكن مكثرا في أعماله الكتابية، ولكنه جعل من القصير طريقًا للوصول إلى أعماق المعاني في كتاباته ومؤلفاته وكان يُبهرُ الطلاب بتأملاته العميقة وفلسفته المدهشة. وركّز على التفاصيل الدقيقة التي تعكس مدى عمق فهمه للحياة والإنسان،  وتكشف عن عوالم كامنة حيث تتراقص كلماته كأوراق خريفية وتتبنى عباراته كأزهار في حديقة من الأفكار الزاهية. نجد في تواليفه أمثلة من الأدب الرفيع والعلم الجم التي كان يصوغها بطريقة تترك أثراً عميقاً في روح القارئ، حيث يستطيع أن يتلقى المشاعرَاللطيفةَ و الأفكارَ الحصيفةَ والمعلومات الدقيقة بكل يسر وسهولة وتستقر في الذاكرة. هكذا كان يبني عالمه الخاص بأسلوبه الفريد وفي ذلك يكمن سر جاذبية كتاباته العلمية والأدبية. ولا يمكنني في هذا المقال المختصر أن أقدم إليكم استعراض جميع أعماله، ولكن سأحاول أن أسلط الضوء بتفصيل يسير على أهم مؤلفاته وترجماته:

مؤلفاته:

  • Lucknow: A Centre of Arabic and Islamic Studies during the 19th (لكناؤ مركزا للدراسات العربية والإسلامية خلال القرن التاسع عشر الميلادي)

هذا الكتاب رسالته للدكتوراه طُبِعَت من فلاح دارين ترست بنيو دلهي في عام 1999م وتضمنت أربعة أبواب وكلمة المؤلف والختام وقائمة المصادر والمرجع.[8] وهي من أبلغ وأدق ما كُتِبَ عن نشأة العلوم العربية والإسلامية في مدينة لكناؤ و تحتل مكانا بارزا في مجال البحث والتحقيق، لما أنها احتفت بمعلومات قيمة حول المدينة وتاريخها المجيد عبر العصور وازدهارها علميا وأدبيا في مختلف عصور السلاطين والنوابين. وبَحَثَ المؤلفُ فيه بإسهاب عن أصل المدينة وتاريخها وتطورها وكيف حَصَلَتْ على اسمها الحاضروكيف تطورت هذه المدينة خلال عهود الملوك والحكام والنوابين ومَنْ  كان مؤسسَ عاصمة أودهـ. وكذلك عرّف كيف ازدهرت الدراسات الإسلامية في الهند عامة وفي هذه المدينة خاصة. وكما ذَكَرَ أيضا في ضمن البحث حكمَ علاء الدين الخلجي، ومحمد تغلق وفيروز شاه تغلق وسكندر اللودهي وعهد المغول وما حصل فيه من أبرزالأعمال العلمية والأدبية. وتَحدّثَ الكاتب عن مساهمة ” فرنغي محل” في مجال الدراسات العربية و الإسلامية ، وركز بوجه خاص على تطور الدراسات الإسلامية في القرن التاسع عشر و إسهامات كبار علماء ذلك العصر. و في الأخير ذكر الكاتب تفاصيل الكتب في الدراسات الإسلامية محاولةً لتوفير مواد أساسية لمن له غليل لإعداد أي بحث في هذا المجال، و ذكر فيه مئات من المخطوطات النادرة التي لا يُعنَي بها أربابُ المكتبات وتركوها لتكون طعاما للديدان.

ورغم وفرة المؤلفات التي تلقي الضوء على تاريخ هذه المدينة وتطوراتها السياسية والاجتماعية و بحوثٍ كثيرة عن طريق الحياة فيها وثقافتها السامية و كذلك رغم تَوَاجُدِ كتبٍ كثيرة حول الأدب الأردوي و خاصة الشعر، لم تكن هناك دراسة جادة مفصلة عن دورها في ترويج العلوم العربية والإسلامية، فهذا السِفْرُالفريدُ يزوّدُ القارئ بمدى التطور العلمي والأدبي في القرن التاسع عشر ونشأة العلوم العربية والإسلامية في الهند بوجه عام و في هذه البقعة من أرض الهند بوجه خاص. ومن الملحوظ أن مدينة لكناؤ كانت مركزا علميا على مر العصور ولم تكن أرضها يابسة وقفرا قاحلة قط، بل كانت بؤرة حضارية خصبة تنتج العلماء الزاهدين والمفكرين  الملهمين والفحول من الشعراء والأدباء الذين أبدعوا فيما كتبوا من القصائد والدواوين و الكتب والمقالات والشروح والحواشي والتعليقات حسب متطلبات العصر وذلك ما جعلها محط اهتمام الباحثين ومحببة إلى قلوب المثقفين.[9] وإن هذا الكتاب ألفه المؤلف باللغة الإنجليزية أصلا وقد نقله إلى اللغة العربية الفصحى تلميذه النابغ د. أورنغ زيب، أستاذ بالجامعة الملية الإسلامية، بنيو دلهي.

  • الغالب والمتنبي شاعران كبيران – دراسة مقارنة

 في هذه الدراسة يقارن أستاذنا الفاروقي الأجواء والظروف التي عاشها شاعران. أسد الله خان الغالب عاش في الفترة 1797- 1869م بينما كان أبو الطيب المتنبي في الفترة ما بين 915-965م. والفرق بين عصريهما لحوالي تسعة قرون، ولكن كلاهما نال سمعة كبيرة في مجال الشعر والأدب.  ونشأ الشاعر المتنبي في ذروة العباسيين والعصر الذهبي للحكم الإسلامي الذي بلغ فيه العلوم والفنون أوج ازدهارها، وترك بصمات واضحة، بينما الغالب عاش في عهد الثقافة الإسلامية للحكم المغولي الذي كان يتلفّظ فيه أنفاسَه الأخيرة وتزامن مع فترة صعبة للمسلمين. ولذلك نرى ما تيسر للمتنبي من الرخاء والعيش الرغيد في ظل الحضارة العباسية، لم يتيسر للغالب. وكذلك ما يوجد من التسهيلات في الشعر العربي من كثرة المفردات واستخدام التنوين في آخر الكلمة واستخدام الإمالة وغيرها ، لا توجد تلك الحرية والسهولة في قرض الشعر الأردوي وبذلك يعتبر قرضُ الشعر بالأردوية أكثر صعوبة من العربية، اللهم إلا في بعض التراكيب توجد سهولة مثل قواعد الإضافة الفارسية ولكن يشترط في ذلك أن تكون الكلمتان فارسيتين أو إحداهما فارسية والأخرى عربية أو كلتاهما عربية، فإن كانت الكلمتان أردويتين أو إحداهما أردوية  والأخرى فارسية فلاتجوز إضافة إحداهما إلى الأخرى، وأكثَرَ الغالبُ استخدام هذه القاعدة وأجاد[10].

في رأي الأستاذ الفاروقي كان الغالبُ أوسعَ الخيال من المتنبي. وبهذا الصدد يقول الأستاذ مجيب الرحمن، تلميذه الممتاز الذي تلمّذَ عليه وأيضاعمل معه كزميل له في مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهرلال نهرو، بنيودلهي: “كان مغرما بشعر المتنبي والشاعر الأردوي الأشهر “غالب” ويقيم موازنة بينهما، ويرجّح غالب على المتنبي في ضوء حججه العلمية”.[11] ويرى الأستاذ  الفاروقي أن المتنبي كان شاعرا كبيرا، وهو أشعر شعراء العربية ولكن هذا لا يعني أبدا أنه أكبر من الغالب. كما أن المتنبي يتمتع بشعبة أكبر لشعره فيما بين الأدباء، كذلك في اللغة الأردوية يحظى الغالب بسمعة أكثر من الشعراء الآخرين. وله مكانة قلما يصل إليها شعراء آخرون. وهو يرفض تماما آراء بعض الباحثين أن جميع الشعراء الفارسية اغترفوا من شعر المتنبي، أو أن الشعر الأردوي أقل معنى من الشعر العربي، وذلك في رأيه نتيجة لقلة المطالعة و عدم التضلع بتراث الشعر الأردوي وعالميته. و في الآونة الأخيرة يكتب بعض الباحثين للغالب “متني الهند” تعظيما له، هذا أيضا تنقيص لمكانة الغالب، كان يقول: “هذا ظلم عليه لا يُغفر”. في رأيه ما كُتِبَ باللغة العربية عن الغالب فهي قليلة جدا، لا توجد دراسة جادة عن شعره، وما كَتَبَ العربُ عنه ما فهموا حتى أبياته العامة فضلا عن محاسن قصائده و دقائق شعره.

وبَحَثَ الأستاذ الفاروقي في دراسته بإسهاب ما يوجد في شعر المتنبي من الجمال والابتكار والإبداع والتفرد والمحاسن اللغوية والمعنوية و آراء الكتاب والنقاد، ثم تحدث عن الغالب وقدرته الفائقة على تصوير الحياة بأدق معانيها، وإدراك حقائق الكون بالجدية وتعبيرها في أسلوب سلس رشيق، كما تحدث أيضا عن ماهية الشعر و قيمه ووجوه التأثيرفيه. إنه نقل كثيرا من الأبيات لهذين الشاعرين و خاصة ما تشابهت فيها المعاني و أنا أذكر هنا بعضا منها على سبيل المثال:

يقول المتنبي:

وكل طريق أتاه الفتى على قدر الرِجْل فيه الخطا

أي ما يقوم الإنسان من الأعمال والأفعال تُقدّرُ قيمتُها بعزيمته وعلو همته. ويقول الغالب بهذا الشأن:

توفيق بہ انداز‌ۂ ہمت ہے ازل سے آنکہوں میں ہے وہ قطرہ کہ گوھر نہ ہوا تھا

التوفيق هو توفر الأسباب للفعل وهو لا يكون إلا بحسب همة الإنسان وعزيمته، ومثاله مثال قطرة أنكر عُلوُّ همتِها كونها دُرّا، فصُيّرَتْ دمعا للندامة وأقيمت في العين.[12] وقال المتنبي في الافتخار بذاته:

الخيل واليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

 الخيل والليل والبيدا كلمات تدل على كثرة السفر و تجربة الحياة، والسيف والرمح تشيران إلى وصف الشجاعة ، بينما القرطاس والقلم تدلنان على أن الشاعر هو أديب كبير و بارع في مجاله. فهذه الظواهر الثلاثة أصبحت كأنها ذات روح وشعور و هي تعرفه معرفة جيدة لكثرة الممارسة. لا شك فيه أن هذا البيت فيه معاني بديعة ولكن ليس فيه سعة ما يُوجَدُ في شعر الغالب في نفس السياق، يقول الغالب:

جام هر ذره ہے سرشارِ تمنا مجھ سے كس كا دل ہوں کہ دو عالم سے لگایا ہے مجھے

في هذا البيت شَبّهَ الشاعرُ كلّ ذرةٍ من هذا الكون بالكأس وكأنها أغْمِرَتْ بحَمَاسةِ الرغبة في الارتبا ط بالشاعر وللعلاقة معه وأن لهذا الشاعر قلب عُلِّقَت به ذرةُ كلا العالَمَين، ولكنه لم يؤدي هذا المعنى في صورة الخبر و إنما استخدم صيغة الاستفهام للتأثيرفيه. فادعى الشاعر في هذا البيت أن كل مظهر من مظاهر الكون ينجذب ويميل إليه و له علاقة وطيدة مع كل ما يوجد في هذا الكون. هذا المعنى أوسع و أعمق من المتنبي وقد عبّر عنه في كلمات معدودة.

وكذلك يقول المتني:

وما كُلّ مَنْ قال قولا وَفى ولا كُلّ مَنْ سِيمَ خَسْفا أبَى

يعني لا يساويه أحد في صفة الإباء و الغيرة، ولا يشترك أحد معه في صفة الشجاعة والحماسة، فالرسالة جميلة وأسلوبه شعري والعبارة مشحونة بالعواطف كما أن بحره سلس إلا أنه هل يمكن تحسين هذه النقطة بخصوص القوة الشخصية للشاعر. فلنلفت أنظارنا إلى البيت التالي للغالب:

تشنه لبْ بر ساحلِ دريا زغيرت جاں دہم گر بموج افتد گمانِ چینِ پیشانی مُرَا

يقول الشاعر: “لو خُيِّلَ إلي أن  هذه الأموج (المرتفعة) أسارير على جبهة البحر فأموت من الغيرة والإباء عطشانا على ساحل البحر (أسارير الجبهة علامة الاستنكار والاستكراه). تأمل رفعة الخيال! تعبير البحر بالناصية ثم تعبير الأمواج المرتفعة فيه بالأسارير ومن ثم الاستنتاج بأن سقيه من البحر يمكن أن لا يسر البحرتعبير دقيق و لطيف”. [13] الصورة البيانية في هذا البيت و اختيار الكلمات وندرة المضمون مثال رائع للإباء والغيرة. وهناك أمثلة كثيرة للأبيات التي تشابهت فيها المعاني و حلله الكاتب تحليلا عميقا على أساس أصول النقد والشعرو توصَّلَ إلى أنه ليس بعدلٍ أن يُحكمَ بأن الغالب هو أقلُ مكانة أو أكثر بدون الدراسة المتأنية، هناك حاجة شديدة للكتابة عن أبيات الغالب و توسعه الفني، العرب لا يعرفونه معرفة جيدة وما كُتِبَ عنه فهو قليل جدا و ليس فيه العمق المطلوب.

  • وله كتاب بالإنجليزية حول النحوالتطبيقي لتعلم اللغة العربية الفصحى بعنوان:An Applied Grammar of Standard Arabic”.[14]

إنه ألف الجزء الأول من هذا الكتاب باللغة الإنجليزية في حجم 103 صفحة و طُبِعَ من فلاح دارين ترست، أبو الفضل إنكليو، جامعه نغر، نيو دهلي عام 2000م. يشكل الكتابُ دليلًا متميزًا حول قواعد اللغة العربية ومبادئها، مع تركيز خاص على توفير تمارين عملية كثيرة لتعزّز فهمَ الطلاب وتُقدِّم لهم التطبيقَ العملي للمفاهيم المذكورة و يُقدّم المؤلفُ نصائح قيمة للطلاب ليلازموا الممارسات التي ستساعدهم على تحسين مهاراتهم اللغوية واستكشاف جماليات اللغة. ويتشتمل هذا الكتابُ القَيّمُ على 17 درسا. وعُنِي المؤلفُ بالمفردات الشائعة في التمارين ليتمكن الناشئون من التعبيرعما في ضميرهم. وماكان همُّه به إلا تسهيلُ تعليم قواعد اللغة العربية مع الاهتمام بالتدريبات. ومحتويات هذا الكتاب كمايلي: “الدرس الأول ينطق عن معرفة حروف الهجاء أو حروف المعجم والدرس الثاني يذكر الصوتيات، والثالث الحركات، والرابع التنوين، والخامس التشديد أو الشدة، والسادس الهمزة، والسابع المدة، والثامن جمع الحروف بعضها من بعض، ثم التاسع يذكر الاسم من المعرفة والنكرة، والعاشر الإعراب، والحادي عشر المركب، والثاني عشر تقسيم الاسم باعتبار الواحد والتثنية والجمع، والثالث عشر الجمع وأقسامه، والرابع عشر الجمع المذكر، والخامس عشر الاسم المذكر والمؤنث والسادس عشر المركب الإضافي، والسابع عشر المركب التوصيفي”[15]. هذا هو الجزء الأول من الكتاب ولا يحيط بجميع ما يلزم من قواعد اللغة العربية وكان من المفروض أن يَنْشُرَ الجزئين الآخرين منه ولكن حالت المنية دون إنجازهما وبهذا الصدد يقول د. أورنك زيب الأعظمي في مقاله: “وقد ذكر لي الكاتبُ (أي الأستاذ الفاروقي) أنه أتم الجزئين الآخرين منه ولكن لم ينشرهما حتى وافته المنية”[16]. وبالجملة هذا الكتاب مفيد جدًا كُتِبَ بأسلوب سهل وهو خير مرشد لكل من يَودُّ تعليمَ اللغة العربية وإتقان قواعدها.

ترجماته ومراجعاته:

 وكان الأستاذ الفاروقي من المترجمين البارعين في الهند، إنه قام بترجمة مؤلفات عديدة ذات قيمة علمية وأدبية. و من أعماله المترجمة الهامة:

  • “Muntakhab Ahadith: A Collection of Selected Qur’anic Verses & Prophet’s Teachings”.

إن هذا الكتاب المميز الذي يضم 1450 حديثًا يتناولُ موضوعاتٍ مثل الصلاة والكلمة، وفضيلة العلم، والذكر، وإكرام المسلم، والدعوة، وإخلاص النية إلى جانب الكثير من الآيات القرآنية. و تتنوع هذه المواد لتغطّي جوانب مهمة من الحياة الدينية والأخلاقية للمسلمين، مما يوفِّرُ للقارئ إشراقًا على مفاهيم الإسلام. وتكمن أهمية هذه الترجمة في إتاحة الوصول إلى تعاليم الحديث النبوي بطريقة سهلة ممتعة للقارئ الناطق باللغة الإنجليزية مما يسهم في نشر الفهم السليم للتعاليم الإسلامية. وعندما تقرأ أيّ موضوع من موضوعات الكتاب، ستجد أن الترجمة الإنجليزية لا تقتصر على نقل الكلمات، بل تنقل بدقةٍ جوهرَ الأحاديث بأسلوب مُلْهِمٍ نابضٍ بالحياة، مما يجعلها مصدرًا ثريًا للفهم العميق لقيم الإسلام وتوجيهاته الحكيمة. يقول د. أورنك زيب عن هذه الترجمة: “قام أستاذنا الفاروقي بترجمته الإنجليزية بمعونة د. جاويد نديم الندوي، و ولده عرفان الله الفاروقي وهذا العاجز(أي د.أورنك زيب)، قام الأستاذ الفاروقي بمراجعة الترجمات كما قام بترجمة بعض الأبواب، فهو مترجم ومراجع معا. وظهرت هذه الترجمة في 722 صفحة وطبعها إسلامك بوك سروس، نيو دلهي في 2002م[17].

  • “أصول تحقيق: جديد رسرچ کے اصول و ضوابط”:

وهذا الكتاب حول منهجية البحث وأصل الكتاب باللغة العربية، ألفه د. ظفرالإسلام خان بعنوان: “دليل الباحث” الذي طبع من بيروت عام 1996م، ونال قبولا حسنا وقد نقله الأستاذ الفاروقي هذ الكتاب القيم إلى اللغة الأردية بأسلوب شيق و صاحبه في إنجازهذا العمل الأستاذ عبيد الرحمن طيب من جامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي و قام بمراجعته الأستاذ شفيق أحمد خان الندوي. ولا تنس أن هذا الكتاب مهم للغاية في منهجية البحث ويُعتبرُ مصدرًا للطلاب والباحثين، حيث تسهم في تيسير فهم المنهجيات البحثية وتعزيز بحوثهم الأكاديمية وطبِعَتْ هذه الترجمة لأول مرة من انستيتيوت آف إسلامك ايند عرب استديز، نيو دلهي عام 1998م. و في الحقيقة يمثل الكتاب تحفة أدبية في عالم البحث، حيث يقدم محتوى حول فنون الاستقصاء. و يتناول الكتاب مجموعة من المواضيع الرئيسية، بما في ذلك أصول وأهداف البحث، ويسلط الضوء ببراعة على الفارق بين المصدر والمرجع وأهميتهما في البحوث الجامعية. و بالإضافة إلى ذلك يستعرضُ المصادرَ الأولية للبحث والتحقيق، مع التركيز على النقاط الحيوية التي يجب مراعاتها أثناء البحث. وما يميز الكتاب أيضا هوتوجيهات المؤلف القيمة حول كتابة المقالات للمجلات البحثية، وشرحه للرموز والاختصارات المستخدمة دوليا في مجال البحث. إن اللغة السلسة والمفهومة في ترجمة الكتاب تضيف إليه قيمة إضافية، مما يجعله مرجعًا لا غنى عنه للباحثين وطلاب العلوم.

  • قرآن كريم کےمتن كي تاريخ ابتداء وحي سے تدوين تك:

نقل أستاذنا إلى الأردية الكتاب الإنجليزي المهم “The History of the Qur’anic Text from Revelation to Compilation: A Comparative Study with the Old and New Testaments” للبحاثة الشهير والمحدث الكبير محمد مصطفى الأعظمي  الذي تحدث فيه عن تاريخ تدوين القرآن الكريم وحفظه من الغش و يوفر رؤية شاملة حول كيفية جمع وترتيب النصوص القرآنية وتأثير الوحي في حياة المسلمين. هذا الكتاب فريد من نوعه في استكشاف رحلة النص القرآني منذ الفترة المبكرة للإسلام حتى تدوينه وحفظه بعيدًا عن التحريف. و يتناول أيضاً التأثير البارز للسيرة النبوية في فهم الوحي وتحديده كما يركز الكاتب على نقاط مثل تاريخ علم الخطوط و الإملاء والتنقيط وتطور وسائل القراءة في المصحف، والجوانب الثرية للمنهج التربوي الإسلامي، وتعليم القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمصحف العثماني، وأسباب اختلاف القراءة، وكذلك يبرز النظام الفريد الذي تبناه الإسلام لحفظ القرآن من التزوير وموازنة تاريخ الكتب المقدسة، كما يتناول التاريخ المبكر لليهودية، والعهد القديم والتحريف، والتاريخ المبكر للمسيحية، والعهد الجديد وتحريف النص، القرآن في نظر المستشرقين وافتراءاتهم وغيرها الكثير من الموضوعات المهمة. وبذلك يعتبر هذا الكتاب مصدرًا أساسيًا للفهم العميق لتدوين نص القرآن الكريم وتفصيلا شاملا حول مفهوم الوحي في الإسلام وكيف تم توثيقه والاعتناء به عبر العصور.

إن هذا الكتاب القيم قد قام أستاذنا بترجمته كاملا إلى اللغة الأردوية بأسلوب رشيق في حوالي ست مئة صفحة. ولاشك أن هذا العمل كان ضخما وفي إنجاز هذا العمل قد مد له يد العون أولاده وبعض محبيه. وبعد إكمال ترجمة هذا الكتاب كان الأستاذ يحلم بطبعه في حياته، وبهذا الصدد وَجّهَ الأستاذُ كاتبَ هذه السطور إلى دارالعلوم بديوبند مع نسخة من هذه الترجمة لتُنشرَ من مطبعها ولكن لما طال الانتظارفي الإجابة لبعض الوجوه، حاول الأستاذ للتحدث مع أصحاب المطابع المختلفة الأخرى في دلهي و قد صاحبتُه في بعض هذه اللقاءات ولكن الشروط والقيود المفروضة من مؤلف الكتاب حالت دون الطبعة الأولى لهذا العمل الرائع.

وعند ما كان يعمل الأستاذ على المراجعة و ترجمة المصادر والمراجع لهذا الكتاب، فطلب مني أن أترجم جزءا منها، فلما حضرت بالترجمة الأردوية، أشاد بجهدي وقال عملك يدل على أن لديك إلمام باللغة الفارسية، وبدون ذلك لا يمكن الوصول إلى المستوى المطلوب عند الكتابة باللغة الأردوية. و كتلميذٍ له، استفدتُ كثيرًا من رحابة قلبه وحنانه وخاصة بعد أن صاحبته في المراجعة وفي إعداد المصادر والمراجع أكثرتُ التردد على بيته بانتظام حتى في شهر رمضان. و كان يفتح لی أبواب بيته بكل سخاء، مما جعلني أشعر بأنني ممن قرّبه الأستاذ، ويهتم بتطوره الشخصي والأكاديمي. وحبي له لم يقتصر على الجانب الأكاديمي، بل يتعدى ذلك إلى الأمور الشخصية. وكنتُ أحضربيته لأسأل عن بعض المواد الدراسية وأتبادل الأحاديث حول مواضيع شيقة. مرة ذكر الأستاذ بيت غالب:

بسكہ ہوں غالب اسیری میں بھی آتش زيرپا موئے آتش دیدہ ہے حلقہ مری زنجیر کا

وسألني: ترجم  “موئے آتش دیدہ” باللغة العربية، فترجمت “الشَعْرُ الذي كاد أن تلمسه النار بشدة القرب” وقلت يا أستاذي أنت أعلم مني بمعنى هذا البيت، فاشرح لي من فضلك ، فتبسم الأستاذ و قال: لا يمكن ترجمته إلا أن تأتي بشرح هذه الكلمات مفصلا، فيه الكثير من المعاني وشرح لي شرحا وافيا. إن الأوقات التي قضيتها معه لم تكن مجرد فترة التعلم، بل كانت رحلة تحفيز وتشجيع ما ترك أثرًا قويا في روحي ونفسي.

  • قديم تمل ناڈو کی چار سو سالہ تاریخ ادب فارسی-عربی: قام أستاذنا بتحقيق ومراجعة الجزء الأول من هذا الكتاب. تم طبع هذا الكتاب من المجلس الوطني لترويج اللغة الأردوية بنيو دلهي عام 2005 و 2006م[18].
  • A Critical Survey of the Book “The Cambridge History of Arabic Literature to the End of the Umayyad Period”. استعرض الأستاذ الفارقي الجزء الأول من هذا الكتاب استعراضا جميلا و أبرز أهمته من حيث اللغة والمحتوى ولكن أشارإلى ما تسرب إليها من بعض المواد غير الموثوقة بها والحاجة للعناية بتصحيحها[19].
  • The Encyclopedia of Islam:

كان الأستاذ الفاروقي أحدا من أعضاء هيأة المراجعة لهذه الموسوعة الإسلامية الضخمة التي تم طبعها في حوالي 100 مجلد ونشرت في 2005 و 2006 م.

  • جامع أردو انسائكلوپیڈیا: قام الفاروقي بمراجعة جزء خاص باللغة العربية من هذه الموسوعة التي نُشِرَت من المجلس الوطني لترويج اللغة الأردوية في عام 2003م.
  • وإلى جانب هذه الأعمال، كتب الأستاذ الفاروقي أكثر من اثنتي عشرة مقالة متناولا فيها موضوعات مختلفة مثل محمد إقبال بين الشعر والتجديد، والعلاقات بين الجامعات الهندية والمدارس الإسلامية، وتدريس اللغة العربية في الفصول المسائية والجزئية في ضوء الأهداف والمنجزات وغيرها الكثير من الموضوعات الهامة.

الختام

وبالجملة كان الأستاذ الفاروقي  من خيرة الأ ساتذة والمعلمين البارعين وكانت لديه خبرة تدريس اللغة العربية وآدابها لأ كثر من أربعة عقود، تَلمَّذَ عليه معظمُ أساتذة أقسام اللغة العربية الموجودة في دلهي وخارجها. وكان له ذوق خاص في الشعر والأدب، وفهم عميق للنصوص العربية الكلاسيكية، و كان ملازمَ البحث والدراسة. إنه شُغِفَ بقرأة دواوين الشعراء و شغف بها أيما شغف و لكن فُتِّن بأبيات الغالب افتنانا وكان مُعْجبا بأسلوبه ومَبهُورا بفنه الذي في رأيه قلما يرقى إليه إبداع شاعرٍ في استخراج المعاني البديعة والصورة البيانية ولاريب أن أستاذنا كان عَلَمَا من أعلام الثقافة العربية والإسلامية و شمعة كانت تنشر إشعائها في عالم الفكر والثقافة والبحث والنقد في ربوع وطننا الحبيب، قد انطفِئت هذه الشمعة يوم الثلثاء 22 من شهر يوليو عام 2020م، فوداعًا لأستاذنا ووداعا لعقلٍ لامع وروحٍ جذابة تركت وراءها ألمًا يتجسد في ذكريات اللحظات الرائعة، رحم الله الفقيد وطيب ثراه وجعل الفردوس مثواه آمين!

الهوامش

[1] إحدى قرى مدينة مئو التي كانت جزءا من أعظم كرهـ  وتقع حاليا في مقاطعة مئو.

[2] انظر للتفصيل: مقال  د.زهرة خاتون “عمنا الكريم” نقله إلى العربية د.منير الإسلام، مجلة الهند مجلة فصلية محكمة ، المجلد: 10 العدد 2 عدد خاص بسيرة وأعمال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، ابريل –يونيو 2021م،  ص:30.

[3] المرجع السابق، ص: 39-40 وانظر أيضا مقالة الشيخ ثناء الهدى القاسمي التي كتبها باللغة الأردية تحت عنوان: ” یادوں کے چراغ: پروفیسرفيضان اللہ فاروقی- بم تجھے بھلا نہ پائینگے”، ونشرتها هندوستان أردو تائمز، 26 يوليو 2020م.

[4] وحاليا “جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية (EFLU).

[5] د. معراج أحمد الندوي: صحيفة “الرؤية”، “رحيل الفاروقي..خسارة هندية-عربية” 25 يوليو، 2020م.

[6] الشيخ حسان أنور، قرم أردو، الفاروقي رجيل القامة الأدبية المتميزة. http://urdu.qaram.in/archives/3209

[7] موطأ مالك، كتاب حسن الأخلاق 47، رقم الحديث 1643، https://sunnah.com/malik/47/8

[8] د.  أورنك زيب الأعظمي ، البروفيسورفيضان الله الفاروقي، مجلة الهند مجلة فصلية محكمة ، المجلد: 10 العدد 2 عدد خاص بسيرة وأعمال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، ابريل –يونيو 2021م،  ص: 37.

[9] انظر للتفصيل: “لكناؤ مركزا للدراسة العربية والإسلامية خلال القرن التاسع عشر الميلادي” للأستاذ الفاروقي ونقله من الإنجليزية إلى العربية د. أورنك زيب الأعظمي، طبع من مؤسسة بوابة البحث والتحقيق، بحيدرآباد، السند، باكستان، 2016م.

[10]انظر للتفصيل: أ.د. فيضان الله الفاروقي  الغالب والمتنبي شاعران كبيران- دراسة مقارنة، نقله من الأردية إلى العربية د. أورنك زيب الأعظي، مجلة الهند، عدد يناير-مارس 2012م، أكاديمية كيشالايا ، بنغال الغربية، الهند.

[11]  أ.د. مجيب الرحمن،   2020 عام الحزن لمسلمي الهند صحيفة “الرؤية”، ، 26 يوليو، 2020م.

[12] أ.د. فيضان الله الفاروقي:  الغالب والمتنبي شاعران كبيران- دراسة مقارنة، نقله من الأردية إلى العربية د. أورنك زيب الأعظي، مجلة الهند، عدد يناير-مارس 2012م، أكاديمية كيشالايا ، بنغال الغربية، الهند.

[13] المرجع السابق.

[14] د.ريحان الندوي، الحوار مع أ.د. فيضان الله الفاروقي، نشرت في مجلة رقمية فصلية محكمة “أقلام الهند”، 22 يوليو عام 2020م. https://www.aqlamalhind.com/?p=845

[15] د. محمد فضل الله شريف، قام بتحليل هذا الكتاب في مقال له في مج لة الهند مجلة فصلية محكمة ، المجلد: 10 العدد 2 عدد خاص بسيرة وأعمال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، ابريل –يونيو 2021م،  ص:102.

[16] نفس المرجع ، ص: 43.

[17]د. أورنك زيب الأعظمي ، البروفيسورفيضان الله الفاروقي، مجلة الهند مجلة فصلية محكمة ، المجلد: 10 العدد 2 عدد خاص بسيرة وأعمال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، ابريل –يونيو 2021م،  ص: 47.

[18] الأستاذ مجيب الرحمن،  البروفيسور فيضان الله الفاروقي رحمه الله: حياته وآثاره العلمية، مجلة الهند مجلة فصلية محكمة ، المجلد: 10 العدد 2 عدد خاص بسيرة وأعمال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، ابريل –يونيو 2021م،  ص: 19.

[19] للتفصيل انظر: مجلة الهند، مجلة فصلية محكمة، المجلد 01، والعدد 02، أبريل و يونيو عام 2016م ص 131.

     المراجع

  1. “أقلام الهند”، مجلة رقمية فصلية محكمة، “الحوار مع أ.د. فيضان الله الفاروقي”، 22 يوليو عام 2020م. https://www.aqlamalhind.com/?p=845
  2. صحيفة “الرؤية”، 2020 عام الحزن لمسلمي الهند ، ، 26 يوليو، 2020م.
  3. صحيفة “الرؤية”، “رحيل الفاروقي..خسارة هندية-عربية” 25 يوليو، 2020م.
  4. قرم أردو، الفاروقي رجيل القامة الأدبية المتميزة. http://urdu.qaram.in/archives/3209
  5. مجلة الهند مجلة فصلية محكمة ، المجلد: 10 العدد 2 عدد خاص بسيرة وأعمال الأستاذ فيضان الله الفاروقي، ابريل –يونيو 2021م
  6. مجلة الهند، عدد يناير-مارس 2012م، أكاديمية كيشالايا ، بنغال الغربية، الهند
  7. موطأ مالك، كتاب حسن الأخلاق 47، https://sunnah.com/malik/47/8
  8. هندوستان أردو تائمز، 26 يوليو 2020م.