مهدي أحسن
الكتاب خير جليس وصحيب، ورفيق وخليل و مسرح دمعة وآهات، من إنشاد أبي الطيب المتنبي عبر عنه في ديوانه “أعز مكان في الدنى سرج سابح ، وخير جليس في الزمان كتاب”. تمثل هذا الشعر بيان عذب ولسان غضب تجاه صحبة الكتاب بعد أن تزهق الأرواح من الإنس حتى هو يصبح جثة هامدة أو بيان ما يشفع الأجساد الهامدة عند قبضة النار قائلا بأنها كانت مشغوفا بي وما كان مدونا من ذكريات النشور.
من جملة الشعراء العرب والعجم الذين لهم البراعة والحذاقة في علوم الأدب والشعر والفلسفة والتصوف، عبروا عن الكتاب عبرا شيقا من الأبيات الفذة حتى شاعت في الجو بفلسفتها العاطفة الراقية السامية، وأقرأ هذه الأبيات بحذافيرها حتى هذه الخاطرة…
حب الكتاب في أول حينه رعد في السماء ودقات بين أطراف الصدر وبسمة في ملامح الوجه، فإذا نما وترعرع فهو وبل يمطر رحمته في الأحشاء و يشهق الأحباء بسموه ويتخلق القراء بأخلاقه النبيلة حتى من أحبته الجاحظ يصف: إني لا أعلم شجرة أطول عمرا ولا أطيب ثمرا ولا أقرب مجتنى من كتاب. ولا غرو بأن الكتاب تشبه من بين أصابع العمالق الأدبي الذي هو الحب الخالد النابع من مرايا الحب الذي لا يستسلم للعوائق ومن سلاح الحرب الذي حظر للإغارة القرائية حتى يعانق السعادة و ولا ينبذ صحبة حتى لا تبقى أرواح محبوبه ويدوم مدعيا بربه بنشوته الأثيرة ليجعلهم ساكنين على قصر الجنة الخالدة، ليجعلهم ناجين من النار الملتاع وسيئاتهم مغفرة من الصحبة التي رافقت منهم في متاع المرور.
الكتاب هو خامل الوصف معتمدا الكتاب الذين لهم قوة حينئذ تجرح أرواح كل عاشق وعاشقة اكتوت في نار المودة خلال حروف تبدو قسماتها بين القبض والبسط وبين البسمة والدمعة، وحينئذ تجرع أنفس العشاق نشوة الحب والفخار خلال بيان صورها بين الغبطة والفرحة. هو البحر يرش تياره إلى الشاطئ مكشوفا جواهره وما في بطنه حتى الناس يبتلون حظهم مقطعا طبقات المصائب والكروب، مسلكا طرق الظفر والنجاح.
يقول الجاحظ أيضا: أوفى صديق إن خلوت كتابي، ألهو به إن خانني اصحابي، مفشيا سرا إذا أودعته، وأفوز منه بحكمة صواب. لا شك هذا هو يصحب الكتاب مليئ الزمان وعبر بأن أوفي صديق الكتاب الذي لا ينافق ولا يمل ولا يعاتب إذا هو أودعه فلا يكون مفشيا سرا حتى هو يذكر ما كان مكتوبا فيه، كما قيل ‘من كتب قر ومن حفظ فر’.
وفي الحقيقة، هذا هو الغريب بأن الكتاب يشتهر لبيانه العذبي ولسانه الغضب وبلاغته العاطفة الملتهبة الجياشة ومأساة المؤثرة الدامعة العفة السامية الراقية، والمصنف لوضع طبيعته الخلابة وكلماته المتألقة الآسرة و وحروفه الجاذبة ملبسا كتابه ثوبا بالحلي والجواهر مخلبا العيون حتى تتسع البلاغة والفصاحة في الأقوال. ولا شك أن الكتاب ماء ففي أي شكل يشكله يشكل كما من الشعر الأردية ينشد مثبتا هذه الكلمة ‘العلم جوهر ونور قمر والندى وجمرة لهبات إذ ظهر من الأيدي الخطأ’، كما أننا نعلم العلم حذافيره من الكتاب وأنه مصحوب بذي الضغينة أيضا فأينما يشاء الشوق واللهفة لاستعماله في حجج عديدة يستعمل.
الكتاب هو يساوي لا يخذل ولا يأل توزيع العلوم مقدما الفقر والغنى، فمن يتصفحه يبرع في الفنون مضلعا من اللغات العالمية، ومن يغوص في بطنه لمرام مخصوص فسوف يكون مكسبا المجد وما تمنى لنيل مراده.
‘الإنسان أشح من الكتاب”، الكتاب جامد هامد لا روح فيه بل علومه ساطعة بارعة ولا يكتم منه شيئا من التبرع وهذا صدقة عنده، والإنسان عكسه يأخذ الصدقات من الكتاب ولا يتبرع بل هو يشح من الصدقة مفكرا أن ماله ينقص حتى هو يكتم العلوم من رفيقه بعد حذر النبي: من كتم علما في الدنيا يلجم يوم القيامة من النار.
وفي هذه الساعات المظلمة المدلهمة تمر الساعة القراءة مباشرة من الكتاب لأن الناس مطلوب السهلة حتى هم يبحثون في الإنترنت ما لهم محتاج. مثلا، أمام المسجد الجامع في دلهي كان مخصصا مرسوما بسوق الكتب، وفي حديثنا اليوم، إن نمعن النظر، الكتاب كله يزيل من مكانه ويوضع أصناف من المواد الغذائية، والطعام ما لا يوجد في المنطقة المحلية هاهنا يمكن المحصول سهولة.
والله من يكتوي في وجه الفقر والذل، اصحب الكتاب فالمجد يلقى رحله في آله ثم لم يتحول كأنه كافل ذاته بعلومه الباهر الساطع ويلوى الدرجة كفه من العصا في عيال جلسائه ثم لم يتحرك.
انتهت الخاطرة مطويا الخبرة والنصح الخالدة وجها القراءة، أيها القراء: حياتكم الكتاب ليس لديك الخيار ان تكتب ولا تكتب ولكن لديك الخيار أن تقرأها قراءة متعمقة أو تقرأها. أما والله أنا أقول، واجعلوا الأعداء وحاربوا بهم من القراءة.