محمد ريحان
الباحث في قسم اللغة العربية وآدابها،
جامعة علي كره الإسلامية، علي كره
الملخص: نحن نعيش في زمان عمّت فيه الارتداد الفكري فيما بين الشبان المسلمين، فنرى كثيرا منهم يتأثرون بأفكار غير سليمة، ومن ثم يعترضون على الإسلام وتعاليمه، ويستهزؤون بها، نشاهد بعضا منهم يعترضون على الأحاديث النبوية وينكرون حجيتها على الإطلاق، ومنهم من يسبّون الأسلاف ويحتقرونهم، ولكن نجد أن الله يبعث حينا بعد حين من يجدّد دينه، ويفسّر أحكامه تفسيرا واضحا، ويسلم على يديه آلاف من الناس، ويرجعون من ارتدادهم الفكري، ومن أبرز الشخصيات التي أنجبتها مصر هو الدكتور مصطفى محمود، الذي دافع عن الإسلام وتعاليمه، وقدّم صداقة الإسلام وعدالته، وبيّن ظلمة الأديان الأخرى، وزيفها، وكذا ردّ على الأفكار غير الإسلامية، وانتقد عليها انتقادا حارا. ومن مؤلفاته الشهيرة: “الإسلام .. ما هو.؟ التي أبدى فيها صداقة الإسلام وتعاليمه، وسلّط الضوء فيه على أركان الإسلام، وأثبت فيها صداقة تعاليم الإسلام من وجهة نظر منطقية، وكذا فسر فيها تفسيرا طريفا لبعض آيات القرآن الكريم، يسحر به القارئ ويقنع به، وكذا ردّ على إشكالات وشكوك أثارتها أعداء الإسلام ضد تعاليم الإسلام وعقيدته.
الألفاظ المفتاحية: الإسلام، والحج، والصلاة، والصوم، الظاهر، والعلم، والكوثر.
Abstract: We Live in a Time When Intellectual Apostasy Has Prevailed Among Young Muslims, So We See Many of Them Being Influenced by Unsound Ideas, and then Objecting to Islam and Its Teachings, And Mocking Their Ancestors We Find that God Sends from Time to Time Someone Who Renews his Religion, Explains Its Rulings with a Clear Explanation, and Accept Islam Thousands of People on His Hands, And They Return from Their Intellectual Apostasy. and He Explained the Darkness of Other Religions, and their Falsehood, as Well as a Response to Non-Islamic Ideas, And He Harshly Criticized Them. Among his Famous Books: “Al Islam.. Ma Hooa..? In which He Showed the Truth of Islam and Its Teachings, And Shed Light on the Pillars of Islam, And Proved the Truth of Islam’s Teachings from a Logical Point of View, as well as Explaining in It an Innovative Interpretation of Some Verses of the Noble Qur’an, Which Charms the Reader and Convinces Him It, as well as a Response to the Criticisms and Doubts Raised by the Enemies of Islam Against the Teachings and Creed of Islam.
Key Words: Islam, Hajj, Prayer, Fasting, Apparent, Science, And Al-Kawthar.
الدكتور مصطفى محمود: ولد مصطفى محمود آل حسين توأما في قرية ميت خاقان القديمة، بمدينة شبين الكوم، بمحافظة المنوفية، مصر، يوم 20 ديسمبر عام 1921م. ينتهي نسبه إلى زين العابدين، إلى علي بن أبي طالب، ومن هنا تعد أسرته من الأشراف[1]. الدكتور كان كاتبا متعدد المواهب، كتب في مختلف العلوم والفنون، ومن المستطاع أن تقسم أعماله في مرحلتين، مرحلة قبل 1970م وهو مازال في التخبط يحاول الوصول إلى الحقيقة والدين، كتب فيها في فنون الأدب العربي، وإن كان يتخللها بعض المقالات الفكرية والعلمية، والثانية بعد 1970م، بعد أن انكشف الظلام واستقر الإسلام في قلبه، كتب فيها مقالات في العلم والدين والسياسة وغيرها. وطبعت مؤلفاته من مختلف المطابع المشهورة، أثرى بمؤلفاته الغزيرة مكتبات العالم الأدبي العربي، وكسب قلوب ملايين القراء من بين أنحاء العالم، وحصل على جوائز عدة، مصطفى محمود هو الاسم الذي عرف به، وطبع على جميع أعماله الأدبية والفكرية، واشتهر به في الأوساط العلمية. لقد توفي الدكتور صباح السبت 2009م بعد رحلة علاج استمرت عدة شهور عن عمر ناهز 88 عاما، وقد تم تشييع الجنازة من مسجده بالمهندسين رحمه الله الدكتور رحمة واسعة أغدق عليه نعمه ظاهرة وباطنة.
التعريف بالكتاب: هذا الكتاب مجموعة من المقالات التي كتبها الدكتور خلال الستين من القرن الماضي، يشتمل على ثلاثة وعشرين من المقالات، ويحتوي على سبع وسبعين ومأة من الصفحة، نشر من دار المعارف سنة 2008م، جاء الكتاب متضمنا بمجموعة من المقالات بأركان الإسلام، نحو المقالة الأولى من الكتاب عنوانها، الدين .. ما هو ؟؟ والصلاة والصيام والزكوة والحج وكلمة التوحيد .. ماذا تعني .. .ومن ثم تقدم إلى آخر، ومن المقالات التي أعجبتني كثيرا في هذا الكتاب هي في التصوف والدين والعلم، وبحث في ألفاظ القرآن مستخدما المواد من كتب الأقوام الماضية وآثارها، لقد حاول الدكتور أن يقدم حكمة اللة في أوامره ونواهيه، وقدم إبداع الله في خلق الإنسان وهيكله، وكذا رد على أسئلة المتشككين في أحكام الله، ورد على أفكار وفلسفة بعض المتسوفين، وفسر بعض الآيات الكريمة من القرآن على طراز جديد لم يسبق.
محتويات الكتاب: لقد ألّف الدكتور هذا الكتاب في شكل مقالة، تشتمل على 23 مقالة، في موضوعات مختلفة، منها ما يتعلق بأركان الإسلام وكنهها، ومنها ما تكلم فيها حكمة الله في خلقه، ومنها ما تتعلق بالتصوف، وكذا بعقلية أن الدين والعلم شيئ واحد ويسيران جنبا بجنب، ومنها ما يتعلق بتفسير طريف لبعض آيات القرآن الكريم. وغيرها.
والمقالات التي تشتمل عليها هي: “الدين .. ما هو ؟؟”، “الصلاة”، و”الصيام”، و”الزكاة”، و”الحج” و”كلمة التوحيد .. ماذا تعني”، و”الحب”، و”المرأة” و”احترام الجسد”، و”الشريعة متى .. وكيف ؟”، و”عن التصوف”، و”الفردية والتفرد”، و”الدين والعلم”، و”الملك والملكوت .. وأنا”، و”عن التطور”، و”بحث في ألفاظ القرآن الكريم”، و”الصانع العظيم”، و”عالم الوحشة”، و”الغربة”، و”الفجوة بيننا وبينهم”، و”نهرالكوثر”، و”الإسلام فتوة”.[2]
أهداف المؤلف: بعد تفصح الكتاب وجدنا أن هدف الدكتور خلال كتابة هذا الكتاب عديدة، وهي كما يلي:
- أنه رد ردا علميا بمن يشككون في أركان الإسلام، وكذا بين حكمة الله في أعمال هذه الأركان.
- أبطل أفكار العلمانيين ودارون بطريقة علمية، ورد على فلسفة كارل ماركس وفقهاء الماركسية.
- ذكر بعض أغلاط المفسرين نحو الطبري، وقال إن باب الاجتهاد مفتوح حتى يوم القيامة.
- حاول الجمع بين الدين والعلم مستندا على الدراسات العلمية والتاريخ الإسلامي وبعض الحكايات.
- لقد بين الكاتب أن التصوف من الدين، ودافع عنها جيدا بدون مغالاة، مع إنكار المبالغة في التصوف.
- ذكر بعض دسائس الاستعمار، وكذا أثار العرب بمقاومة إسرائيل، ودعا إلى الاتحاد والتعاون فيما بينهم.
هذه بعض أهم الأهداف التي استخرجتها من خلال مقالاته.
ألأسلوب: أما إذا نظرنا إلى أسلوب هذا الكتاب فنجد أساليب عديدة منها أسلوب سهل ممتع جذّاب، وكذالك نجد أنه يستدل بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوي، وومن نصوص كتب التفسير والتصوف، وكذا نجد أنه استخدم الاصطلاحات العلمية والطبية، بل بعض المقالة يغلب عليها طابع علمي وغيرها من الأساليب المختلفة. بعد تتبع الكتاب من البداية إلى النهاية نجد أن هذا الكتاب يشتمل على ثلاثة أنواع من النصوص فهي :-
- الأسلوب الجدلي، نرى في بعض المقال أنه مال إلى نص جدلي، بأنه اتخذ صديقا خياليا، وذلك الصديق الخيالي يثير سؤالا متشككا في أعمال الحج، ثم هو يقوم بإجابتها، ومن نحوها ما كتبه المؤلف تحت عنوان ” الحج”.[3]
- الأسلوب القصصي الذي يقصد به تثبيت الأفكار والفلسفة في نفوس القراء، مثلا نرى في مقالة “الفجوة بيننا وبينهم”[4]، إنه أراد توضيح أمر الحب الحقيقي والحب الزيفي، فمن شكل قصة زوج يميل إلى الشرق أكثر، ومن زوجة تميل إلى الغرب مائلة، أراد توضيح الأمر لكي يثبت الأمر في قلوب القراء.
- الأسلوب التاريخي وأخبار الماضي التي تعين في تثبيت فكرة من الأفكار، مثلا ذكر قصة سرق االحجر الأسود[5]، نحو يذكر: “وفي عام مولد النبي كانت غزوة الفيل المعروفة وهدم الكعبة كما أنه في عام 317 هجرية هجم أبو طاهر القرمطي على مكة وقتل وسبى ثم اقتلع الحجر الأسود وحمل معه إلى الأحساء.. …،”[6] وقصة هابيل وقابيل[7] في مقالة “الإسلام فتوة”، وقصة أقوام بادوا في مقالة “بحث في ألفاظ القرآن الكريم”[8].
هذا ما وجدت من النصوص بعد الإمعان الشديد في الكتاب.
المؤاخذات: إن هذا الكتاب لم يخل من المؤاخذة، نذكر من بعض المؤاخذ، وهي كما يلي:-
- إن الكاتب ذكر بعض الأحاديث النبوية، ولم يذكر مصادرها،
- واستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة،
- أخذ بعض المواد من الكتب التاريخية، ولم يذكر مصادرها.
- تفسير بعض الآيات وألفاظ القرآن في قالب علمي بحت، يخالف تعاليم القرآن والسنة في الحقيقة.
- استخدام المصطلحات الطبية والعلمية كثيرا، ومن ثم يصعب على القارئ فهم المغزى.
- مال إلى العقل أكثر من النقل، أعني إنه يرجح العقل على النقل.
الجمل الفكرية التي أعجبت بها كثيرا: الدكتور حلّل أركان الإسلام وشعائرها بشكل عقلاني، نحن نقوم بأداء الفرائض، ولكننا لا نفهم حكمة ما فرض الله علينا من الصلاة والزكوة والحج والصوم وغيرها، وقدم من خلال مقالاته بعض الفكرة والجمل التي تفتح أمامنا عالم غير عالمنا، وتفتح المجال لكي نفهم الأشياء والأمور التي نفعل بها ونمضي بها في السياق العقلي، فالدكتور حاول تحليل هذه كلها في أسلوب سلس جذاب، وكذا استخدم كثيرا من الجمل الفكرية التي شغفنا بها حبا، ومن هذه الجمل ما نذكره في السطور التالية:
- يكتب الدكتور في مقالة “الدين ما هو؟؟” مبينا لب الدين وكنهه فيقول: ” فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام وفي أي بيئة .. لأن الإيمان حالة قلبية ، والدين شعور وليس مظاهرة ، والمبصر يستطيع أن يباشر الإبصار ولو كان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمي الموجودين ، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين لو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب .[9]“
- ويكتب في مقالة “الصيام” مبينا حكمة الله في الصيام “وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه وتحكمه وتقوده وتلجمه وتستخدمه لغرضك ، وليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه وأن يقودك هو لشهواته . ومن هنا كان التحكم في الشهوة وقيادة الهوى ولجام المعدة هي علامة الإنسان .. …”[10].
- يلقي الضوء على كيف تنفذ الشريعة وعلى من ومتى؟ في مقالة ” الشريعة متى .. وكيف؟” فيقول: “ولو أننا أطلقنا تلك الأفلام الجنسية المسعورة على شبابنا وكلها أفلام تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف ، وتحض على الزنا جهارا ونهارا ، ثم أشهرنا حد الرجم فوق الرقاب لظلمنا وما عدلنا . ولا يمكن أن نحول مجتمعا داعرا إلى مجتمع فاضل في يوم وليلة بمرسوم وزاري …”[11].
- يكتب في مقالة “الكوثر” مفسرا لفظ الكوثر فيقول: “إذا نظرنا إلى الجسد وإلى البناء المادي للإنسان ماذا نرى ؟ نرى خالق قد أعطى الإنسان أكثر من سبعة أضعاف احتياجاته فهو قد أعطاه رئتين مع أن بإمكانه أن يعيش بربع رئة واحدة وأعطاه كليتين مع أنه بإمكانه أن يعيش بأقل من ثلث كلية واحدة ، وأعطاه كبدا ولو تليف سبعة أجزاء من ثمانية من هذا الكبد لاستطاع أن يعيش بالباقي .. …”[12]
هذه هي بعض الأمثلة لجمل فكرية، لكن الكتاب كله مملوء باللآلي والجواهرات من الفكر في بيان حكمة ما فرض الله لنا من الأوامر والنواهي، الكتاب كله يأخذ بيد القارئ ويدخل في عالم جديد بللنسبة للقارئ، فهو يعرف كيف ينظر إلى الأشياء والأمور.
النتائج: الكتاب من أشهر مؤلفات الدكتور، إنه مجموعة من المقالات للدكتور مصطفى محمود، التي كتبها وبيّن فيها حكمة الله في شرائعه، وإبداعه في خلق الإنسان، وأزال الشبهة حول التصوف، وقال في التصوف بأنه من الإسلام، ورد على العلمانيين وفلسفة دارون وغيرها، بالاستدلال من القرآن والسنة وشيئا من التاريخ، والعقل والعلم، وكذا قدّم الإنسان ب (القوة) والمرأة ب (الرحمة)، نجد في الكتاب إجابة للتساؤلات التي يثيرها أعداء الإسلام حول الدين الإسلامي، ويجيب عليها الكاتب بطريقة مبسطة، يقرر العقل بصحتها نظرا إلى استناد الكاتب بأغلب ما ورد في الكتاب بحجج وبراهين منطقية، إضافة إلى دعمه كلامه بآيات قرآنية والأحاديث النبوية، وكذا بين فيه بأن العلم والإيمان لا يضادان بل يسيران جنبا بجنب.
بعد قراءة الكتاب نحن نستطيع أن نجد جوابا شافيا على بعض أسئلة تجري فينا حول بعض أعمال الشريعة من الناحية العقلية والعلمية، نحو الصيام والزكوة والرمي والذبح والطواف وغيرها، وكذا نجيب بمن يثير السؤال حول تعاليم الإسلام.
الحقيقة التي لفتت انتباهي هي ربط الكاتب لكل شرح بأحداث واقعية، ويجعلك تقارن بين ذلك الواقع الذي عاشه وواقعنا الحالي، وبين الأشخاص الذين التقاهم وحاورهم، وبين أناس نلتقيهم كل يوم ونجادلهم، بعد قراءة الكتاب ستتهيأ لتناقش سلوكاتك أكثر وتطلق العنان لعقلك ليتدبر أكثر، لقلبك ليتفقه أكثر،
كان الدكتور يقدم العقل على النقل، وفسر بعض الآيات تفسيرا علميا بحتا، لكن علينا أن نقرأ الكتاب ونتعامل مع مؤلفه الدكتور على أساس أن الرجل رجل فيلسوف ليس رجل دين، وكذا نفهم أن الدكتور إنسانا مسلما مجتهدا يجتهد في تعليم دينه، فيصيب مرة، ويخطئ أخرى، وليس عالما يؤخذ منه أحكام الشريعة.
قائمة المصادر والمراجع:
- د. مصطفى محمود، الإسلام .. ماهو ؟؟، دار المعارف، القاهرة، مصر.
- محمد فوزي، اعترافات مصطفى محمود، دار النشر هاتييه.
- محمد الهواري، أعلام الأدب العربي المعاصر، دار الكتب العلمية، لبنان، 2017م.
- مصطفى محمود، رحلتي من الشك إلى الإيمان، ط9، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة.
- مصطفى محمود، الطريق إلى المدينة، ط1، دار العودة، بيروت.
- محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم، ج1، ط4، دار الشواف للنشر والتوزيع، القاهرة، 1992
- السيد الحراني، مذكرات د، مصطفى محمود، ط7، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014م.
- مأمون غريب، مصطفى محمود مفكرا إسلاميا، دار الفيصل للتأليف والترجمة والنشر، 1988م.
[1] السيد الحراني، مذكرات د، مصطفى محمود، ط7، دار الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014م، ص: 18.
[2] د، مصطفى محمود، الإسلام .. ما هو ؟؟، ص، 179-80.
[3] نفس المصدر، ص: 27 – 54.
[4] المصدر السابق، ص: 157- 68.
[5] المصدر نفسه، ص: 48.
[6] المصدر نفسه، ص: 48.
[7] المصدر نفسه، ص: 176.
[8] المصدر نفسه، ص: 140-45.
[9] المصدر السابق، ص: 5 – 6.
[10] نفس المصدر، ص: 16.
[11] نفس المصدر، ص: 84.
[12] نفس المصدر، ص: 179-170.