Main Menu

كنت حريصة

الدكتورة سميه رياض الفلاحى

آراضى باغ ، أعظم كره

كنت أتمنى أن أكون من المعلمين المثقفين الذين يرفعون إلى قمة الشهرة. و كنت دائما حريصة على إنجاز الأمنيات منذ طفولتى.

كنت أغرق فى التفكير فى خلق البشر و الكون.

هل هذا عبث؟

كنت أسأل نفسى…

لا ! بل للغرض المنشود . أجيب بنفسى…

أنا أسأل أمى عن حرام و حلال …. و ليست أمى بمعلمة ولا متعلمة ولكنها مثقفة مصقولة بتربية الحسن من والديها فكانت تهتم بتربيتى و دراستى بنظم حسن جميل.

أنا كنت أزعج أسرتى و عائلتي من سؤالى معقد فى خلق الكون و الإنسان. فأفراد عائلتي كانوا ساذجين يعيشون تحت ظل الرغد غافلين عن المكر والخداع. فهم كانوا لا يستطيعون أن يجيبوا سؤالى.

لماذا خلق الله هذا الكون ؟ كنت أسأل كلهم فكانوا صامتين.

و مضت الأيام… و عشت الحياة….

التحقت بالجامعة الإسلامية للدراسة العليا فى مديريتى و كنت مشغولة فى تعلم الكتاب و السنة بالدقة و العمق.

و كنت أبحث عن كونى و دائمة التساؤل عن كنه الإنسان و خلقه. و كنت اطرح السؤال أمام المعلمات و لكن خاب أملى حينما زجرتنى معلمتى و سألت : هل أصابك بالجنون؟

ضحكت صديقاتي بصوت عال و سخرن و عمت الكلمات على أفواه الناس.

رجعت إلى بيتى يائسة و بكيت بشدة كنبح الكلاب حتى أصبحت نحيفة لونى اصفر باهت كقشر الليمون و لكن سرت فى سبيلى كعمود الصخرة و غصت فى ابحار العلم إلى أن مضت سنوات و

كنت أتلو القرآن حتى أصل إلى :” و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ” فوجدت جوابى.

و استغرقت فى تحقيق مفهوم العبادة و سهرت ليالى فى تحقيق المفهوم حتى حصلت عليها و وجدت أنها الإطاعة لله و الاجتناب عن معصيته فى جميع الأمور.

و هى كثيرا ما أشاهد و هى ابحث بعينى فى الليل عنه ، و أحيانا أسأل عنه.

كنت جالسة فى الصالة متأملة و كان هناك أثاث فاخر غير أن هناك كرسى غريب الشكل ترقد فوقه قطة ذات ألوان جميلة. ملفوفة على نفسها و نعسانة و تعبانة. فإذا توجهت إلى التسريحة الموضوعة فى الصالة فنظرت إلى القطة و خفت و قفزت إلى الخارج ثم دخلت مرة ثانية لكى اتفكر فى خلق الكون و مباديه.

ماذا تفكر يا حبيبتى؟

أنا أفكر فى غاية الخلق و وجدتها هى العبادة…..

تابعت الكلام دوم توقف…. فأين نحن فى الحياة؟

الغش فالغش….

الغش فى مجال العلم و الغش فى ميدان التجارة و الغش فى حلقة الاقتصاد… هل هذا المقصود؟

كنت أسأل بحزم و دقة و اترجرج….

و رأيت الناس يقبضون على حقوق الآخرين و بعضهم يغصبون بالجور.

و بعض الناس إذا شاؤوا وقفوا كالنبات و تسمر و إذا شاؤوا فحوا كالحيوان،  و إذا شاؤوا تحركوا من تلقاء أنفسهم كإنسان و إلى أى مكان يريدون دون حدود و قيود ، لا يزجرهم أحد ، ولا يعترض طريقهم أحد..

كنت مخيفة و رهيبة من هذه البيئة السيئة فى مجتمعى و أسأل كلهم حولى بلا تردد ولكن لا أجد جوابا.

أنت لا تهلكى نفسك يا قرة عينى !

قفى و انظرى فى السماء فما أجمل الكون!

فماذا تعنى ؟….. هل أعيش بدون معرفة الخالق؟….

لا أعنى هذا و لكن عيشى بدون قلق…. أجابنى

هل هناك لذة فى الحياة بدون صعب ؟ سألته….

فسكت لمحة ثم سخط و قال : سيرى فى حياتك…

أنا لا أزعجك قط…  و ذهب….

مشى و لكن سار فى خطوات ضيقة و كأنه مقيد و هوايته الكبرى فى تحقيق امنياتى أن يقف.

مشي مزعجا ولا يدرى أن يقف.

فقلقت و فكرت …. هل هو غضب منى ؟

لا!

و لكن لماذا لا ؟

هو يحب منى أشد من نفسه….

و إن سخط منى فارتكبت بالمعصية و ذلك لأن رضا الله فى رضاه….. فوقفت فى الفور….

و ذهبت إليه ملتمسة العفو منه…

فرح حينما رآنى و اعتنقنى فطلبت العفو منه…

لا تقلقى ولا تزعجى نفسك ولا أريد منك شيئًا إلا أن تستريحى…

بالضبط إى والله.

ثم تكلم منى حول موضوعات عديدة إلى ساعات.

تتابعت الأيام ….

و كنت اواظب على تحقيق الدراسات الإسلامية و افكر فى آيات القرآن حتى خيل إلى أن أعد نفسي لتحفيظ القرآن الكريم و ملأت الحرارة الإيمانية فى قلبى و كنت اهتز اهتزاز الأشجار المائلة على اغصانها الخضرة. و بدأت حفظه و احتسب كأنني احلم …

هل هذا الحلم أو الحقيقة؟

فكرت مرات عديدة ثم وجهت إلى الغوص فى بحار العلم والأدب إلى أن جاء يوم بداية تحفيظ القرآن الكريم.  فسعد أبى و جميع أسرتى و لم يتعبوا أنفسهم فى وصفى و كانوا يهنئون بعضهم إلى بعض كأنهم ملأ القوم.

كنت جالسة فى بيتى و أتمنى أن أرى إلى الوجه المنير …

كنت افحص عن رسالة محمد و تعايش الناس و اختلاف الأديان فى المجتمع. اتؤكأ على الأريكة كل يوم فى المساء و أرى المناظر الطبيعية الخلابة حول بيتى و اتمتع بها ثم استغرق إلى بعيد.

و كنت اقلق إذا رأيت الناس ماداموا يحيون و هم يؤذون الناس و خاصة يلتزمون بايذاء النساء ولا يعترضون أحدهم على حياتهم و كانوا يظنون هذه مشية الله و إذا أراد الخالق فلا مناص من إرادته…

و سنين طويلة قضيت أيامى على هذه الحال و واجهت الاستهزاء و السخر من بعض آخر.

و لكن هو أراحنى دائما بالتسلية و الوعظ الحسن و وقف أمامى كظل الشجر.

كم أحبك يا أبى ! تكلمت بصوت مرتجف…

نعم يا بنتى العزيزة ! أنا أعرف جيدا.

و أنا كنت هائمة دائما فى الفكر و الخيال حتى وفقنى ربي برؤية الوجه البشير صلوات الله عليه. وجدت نفسى أننى صعدت على السلالم المرتفعة بسرعة خلال ثوان . ثم لم أقف حتى وجهت نظرى إلى البشر العالى ذوى الجود و الكرم يبتسم كلمعان البرق …

التفت أنا إليه مبتسمة…

 و قدمت قائلة….

أنا أشهد بأنك رسول الله فادعو الله لى و اشهد على ما وفقنى الله للخير. فتبسم و مد يديه حتى غاب عنى و استيقظت من نومى و وقفت من فراشي و كنت اهتز كاهتزاز الطفل بين أحضان والديها و كنت اطير كطيور من غصن إلى غصن.

تتابعت الأيام و مضت سنوات و كنت حريصة على أن اعيد النظر إلى الوجه المنير….