Main Menu

كتاب “في صالون العقاد كانت لنا أيام” لأنيس منصور دراسة تحليلية

الدكتور وصي الله الندوي

هذا الكتاب ألفه الكاتب الكبير أنيس منصور، يتحدث الكتاب عن عباس محمود العقاد و عن آراء العقاد حول الحرية والديمقراطية و عن أساليب الحكم والتفكير التي نقلها أنيس منصور في كتابه. يقول محمود فوزي: “ليس هذا الكتاب عملا أدبيا فلسفيا تاريخيا دينيا فقط، لكن عصر الكاتب لب الحياة الفلسفية وقدمها لنا في كأس تغنى عن محيط”[1].

الكتاب قصة حياته في مواجهة عمالقة الفكر المصري، وصنف أنيس منصور الحياة الثقافية في مصر في مطلع الأربعينيات عبر هذا الكتاب الرائع، حيث وصف المعارك واللقاءات والنقاشات التي دارت في وقتها بين عباقرة ثقافة المصرية من أمثال طه حسين، العقاد، توفيق الحكيم وسلامة موسى وغيرهم.

يقول عبد العظيم حماد عند رثاء الكاتب: “عندما بدأت حلقاته في مجلة “أكتوبر” بعنوان “في صالون العقاد كانت لنا أيام” تتوالى تلقى برقية من أستاذنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين وكان يعمل وقتها رئيسا لتحرير مجلة “العربي” الكويتية قالت هذه البرقية:

“إن حلقات صالون العقاد ليس عملا غير مسبوق في تاريخ الثقافة العربية فقط وليست تجربة فريدة في سرد وتحليل التطور الثقافي والفكري لمثقف عربي من خلال التفاعل بين الأجيال فقط، وليس تذكيرا لقراء الحاضر بحيوية تيارات الفكر ومدارس الأدب في مصر فقط ولكن ما يكتب هو عمل لم يسبق له نظير في سوسيولوجيا الأدب العربي أي تحليل الأدب والثقافة في سياق التطور العام للمجتمع المصري والثقافة المصرية والعربية عموما”[2].

حينما نقرأ الكتاب نفهم أنه كان تلميذا وصديقا للعقاد، يقول الكاتب محمود فوزي عن هذا الكتاب: “من الصعب أن ترفع رأسك عن 690 صفحة هي حجم كتاب “في صالون العقاد كانت لنا أيام” للكاتب الكبير أنيس منصور، ولا غرابة في ذلك مطلقا، فأنت تقرأ وتشرب عصير الأجيال، وتجلس وجها لوجه مع كل عمالقة العصر وتتابع أمامك ناظريك الأحداث عن طريقة الفلاش على شاشة السينما”[3].

ليس هذا الكتاب عملا أدبيا فلسفيا تاريخيا شخصيا دينيا فقط، بل جمع فيه الأديب لب حياة الكاتب وفلسفته. وقد سجل الكاتب في هذا الكتاب كل ملامح الجيل وعذاب العصر وحيوية التاريخ وروعة الفلسفة وحرارة الدين. تجد في هذا الكتاب تشريحا دقيقا وجديدا لتفكير العقاد وتفسيرا لمنهجه ثم تقييما موضوعيا لآرائه في الأدب والفن والفلسفة والحياة، قد قدم الكاتب فيه المشكلات الفلسفية والوجودية الصعبة بأسلوب سهل مسترسل، وعرض لنا المجادلات التي كان العقاد يعقدها مع تلاميذه حول النازية والصهيونية والشيوعية والبهائية والبوذية والسوريالية.

لقد انفرد الكاتب في الكتاب بأسلوبه المتميز وعباراته الرشيقة لأن أسلوب الكاتب في هذا الكتاب يدل عليه بكل أبعاده فهو خلاصة له. يُعدّ هذا الكتاب من السيرة الذاتية لأن السيرة الذاتية لأنيس منصور هي سلسلة من التأويلات متداخلة الحلقات في جميع مراحل حياته. كان أنيس منصور في سيرته دائم البحث والرصد عن لحظات الوجد والإيمان.

كان العقاد من عمالقة مصر ولا شك أن العقاد من أهم شخصيات صادفها أنيس منصور في حياته الفكرية والأدبية وتأثر بها كثيرا، على الرغم من أنه لم يتفق مع العقاد في قضايا كثيرة، وكان للعقاد سهم وافر في شتى الاتجاهات الأدبية والفكرية. أعجب الكاتب في العقاد بصفائه العقلي والرداء الفني. يقول أنيس منصور: “وفي مثل سني الصغيرة كنت أريد أبا عقليا ووجدته وكانت لي أفكار صغيرة غامضة وكان العقاد هو المصباح الذي هداني”[4].

ناقش أنيس منصور في الكتاب عن الفلسفة الوجودية وغيرها من الموضوعات الفلسفية، وكان العقاد يكره الفلسفة الوجودية كما وصف أنيس منصور في هذا الكتاب، يقول: “ولكننا كنا نرى مع الأستاذ أن الفلسفة هي الثراء، وأن العقل قد وضعه الله على كتفينا تأكيدا لأن العقل هو أعلى وأغلى من كل شيئ”[5].

حصل أنيس منصور على تجارب مختلفة بحضوره في صالون العقاد، وكان العقاد يشجع على الضحك لأن يراه فرحا في كل وقت، لم يكن الكاتب معجبا بقول العقاد عن الفلسفة الوجودية فيقول: “إن الفلسفة الوجودية هي تعبير عن مأساة العصر، وهي تشبه قوس قزح الذي يترسم على سحاب أسود، وبعض الفلاسفة الوجودية ملحدة، وبعضهم مؤمنون”[6].

كان العقاد يرفض قول الكاتب ولهذا دارت بينهما مناقشة حارة عن الموضوع، يقول أنيس منصور عن هذا الحادث: “وكانت هذه المناقشة الحادة العنيفة المباشرة أول تجربة لي في الحوار مع الأستاذ، وأول خلاف حاد، وأول سكين أغمده في عقلي”[7].

نشر صديق الكاتب إحسان عبدالقدوس في مجلة “روز اليوسف” و”الاثنين” مقالة يزعم فيها أن أنيس منصور فيلسوف المستقبل وتفكيره مزيج من سارتر والعقاد وطه حسين، عندما نشرت هذه المقالة نشر حديثا للأستاذ يقول فيه: “من هذا أنيس منصور”؟ وبعد عدة أعوام صدق الكاتب قول إحسان عبد القدوس بحضور في صالون العقاد وتأكد أن قوله صحيح، كتب ردا على العقاد بعنوان “عباس محمود العضاض” مثل ذلك وقعت كثيرا من المهاجمات الفكرية بين العقاد والكاتب.

لخص الكاتب تأليف العقاد عن أبي نواس وأعجب العقاد وكان يطلب من أنيس منصور أن يفعل في كتب أخرى. يقول أنيس منصور عن أيام صالون العقاد: “فلم يكن الصالون حديثا بينه وبيني، وإنما كان حديثا مع كثيرين وكنت واحدا منهم وكثيرا ما كانت الأسئلة خاصة، أما الإجابة فهي عامة عادة”[8].

أنيس منصور هو الذي أكثر في وصف الحياة الثقافية في مصر في مطلع الأربعينيات عبر كتابه الرائع “في صالون العقاد كانت لنا أيام” حيث وصف المعارك واللقاءات والنقاشات التي دارت وقتها بين عباقرة الثقافية المصرية من أمثال طه حسين والعقاد، عرفنا منه تاريخ العقاد وآراءه في الثقافة والسياسة والفن، وعرفنا معه تاريخ مواهب شابة في كل مناحي الحياة والفن والأدب. وكما يقول الدكتور عاطف الشيرازي:

“ربما مكّنت إجادة أديبنا أنيس منصور بعدة لغات من امتلاك هذه الثقافة الواسعة ومن الكتابة في موضوعات مختلفة، فقد كتب عن كل شيئ وفي كل شيئ، فهو أكثر كاتب تألق في نشر كتب عن مختلف الحضارات وعن كتاب الموتى وعن أسطورة لعنة الفراعنة التي رسخت في رؤوس عاشقي الحضارة المصرية، وعن الأرواح والأشباح، وكذلك كتب عن الضحك وكتب عن الموت أيضا”[9].

ويعتبر كتابه “في صالون العقاد كانت لنا أيام” من أهم الكتب التي تتحدث عن ترجمته الذاتية لعالمية الأدب الفلسفي ولجيله من الأدباء والمفكرين في مواجهة عباقرة الفكر والأدب والفن والسياسة والدين في مصر، وهو بشهادة معظم النقاد المصريين والعرب من أحسن ما ظهر في الخمسين عاما الماضية، فهي أيام وسنوات في صالون شخصية فذة أعجب بها وارتبط بها اتفاقا واختلافا، ففي صالون العقاد وبالرغم منه أيضا رأى أن هناك عظماء آخرين تأخر في معرفتهم والالتقاء بهم مثل طه حسين وتوفيق الحكيم والمازني ومصطفى السيد وسلامة موسى وغيرهم. و”في صالون العقاد كانت لنا أيام” لعل العنوان هو أفضل تلخيص للكتاب، فأنيس منصور من تلامذة العقاد ويدون كل ما كان يجري في صالون الاستاذ العقاد، وفي حوالي 40 مقالا شكلت بنيته، يستعرض أنيس منصور كل شيء يتعلق بالأدب واهتمامات الكاتب المصري الكبير عباس محمود العقاد، لذلك فإن الإحاطة ولو الجزئية بما ورد في الكتاب عمل شاق. لا يوجد تسلسل زمني واضح لعرض المحتوى ولكن الذي كان حاضرا وقويا هو الفلسفة. ومن هذه النقطة نجد أن الكتاب لم يعد ترجمة للعقاد فقط بل عرض لمشكلة جيل شاب متعلم في مصر والعالم العربي يعاني من تخبط فكري شديد جدا. يخرج الكاتب عن موضوع سيرة العقاد ليخوض في نقاشات فلسفية دينية اجتماعية تقف كالجدران في وجه الشباب الصاعد فلا يعرف لها حلا ويبقى متخبطا بينها، عليك وأنت تقرأ الكتاب أن تتبع مجرى المتعة لأنه ينبع في أول صفحة وينتهي بآخر صفحة بموت العقاد، قد يكون هذا الكتاب بالنسبة لأنيس منصور سرد مطول لرحلة بحثه عن ذاته. هي صورة مُصغرة لمصر استطاع أنيس منصور بقلمه الساحر أن يصورها علي صفحات الكتاب، قد يكون الكتاب أقرب إلي السيرة الذاتية لأنيس منصورمنه لمحاولة رصد محطات من حياة العقاد، ولعله تشعب في الحديث عن موضوعات كثيرة جدا، تصلح أكثر لكتب أخرى، لكن هناك مقدرة خاصة عند أنيس منصورعلى دمج كل شي كشئ واحد بصورة جمالية خاصة، فهو يحدث قارئه دوما كصديق يجلس معه في ساعات الصفاء، يتحادثان حول أشياء عدة دون خطة معينة للحديث، وكانت تلك خطته في الكتابة، البعض يهاجم أنيس منصور بشدة وضراوة، لهم الحق في أشياء كثيرة، وخاصة من الناحية السياسية، لا يمنع ذلك من القول إن المكتبة العربية الحديثة كانت ستفتقد كثيرا من عشاقها لو لم يجذبهم إليها أنيس منصور بمؤلفاته التي يقع في هواها كل شاب في مقتبل حياته يريد أن يعرف، أنيس منصور أبدع في صياغة تعابيره وكلماته، فالكتاب كُتب بلغة سلسة وشيّقة جدا لا تمل من القراءة رغم زخم الأحداث والقصص التي يرويها أنيس منصور. لكن كان يجدر به تسمية الكتاب “مذكراتي” فهو يتكلم عن نفسة كثيرا ويشارك القارىء بأدق التفاصيل التي كان يفكر بها  أنيس منصور بمراحل عُمريّة مختلفة والتي لا حاجة لنا بمعرفتها أو بالأصح لا تعنينا نحن كقراء لأنها لا تفيدنا بشيء. لكن شيء رائع أن تقرأ عن حقبة زمنية بلسان شخص عاصرها، وأنيس منصور نقل لنا صورة العقاد بدقة حتى لتشعر كأنك تعرفه أو كنت أحد جلسائه الدائمين صالونه.

[1] أنيس منصور ذلك المجهول، محمود فوزي، ص 256

[2] darulkashkol.com/forums/postingpphp.

[3] أنيس منصور ذلك المجهول، محمود فوزي، ص 265

[4] في صالون العقاد كانت لنا أيام، أنيس منصور، دار الشروق، ص 7

[5] نفس المصدر، ص 21

[6] نفس المصدر، ص 15

[7] نفس المصدر، ص 14

[8] نفس المصدر، ص 80

[9] أنيس منصور صانع الخيال الأول في مصر، د: عاطف الشيرازي، الأهرام المسائي، ع: 8551، 25-09-2014م