فواز عبد العزيز عبيد الله المبارك فوري
تأليف: الشيخ شاهد رفيق خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
الناشر: دار أبي الطيب بغونجرانواله باكستان.
عرض ودراسة: فواز عبد العزيز عبيد الله المبارك فوري
الأستاذ بالجامعة العالية العربية بمئو نات بنجن الهند.
عرفت شبه القارة الهندية ببعدها عن حواضر العالم الاسلامي، وانتشار الديانات الوثنية وتغلغل الثقافات المختلفة وغلبة الأهواء وسيطرة النزعات وتنوع الأقاليم وتعدد الأجناس والأعراق وضعف العقائد، وعدم اهتمام الحكام والولاة بالإسلام والمسلمين إلى جانب عدم رعايتهم، وندرة العلماء المتبحرين وانتشار الأفكار الهدامة والتصوف والصوفية وتغلغلهم في المجتمع، إلى أن جاء دور الإمام أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي المعروف بولي الله الدهلوي (1114هـ – 1176هـ)، فقد أبصر النور عندما كانت السلطنة المغولية تلفظ أنفاسها الأخيرة، والاستعمار الغاشم يبسط يديه على آراضيها بدهاء بالغ وحذر شديد، وشاهد انحطاط أحوال المسلمين وافتراقهم عن قرب، دفعته علو همته الرحلة إلى بلاد الحرمين، والأخذ عن منابعها الأصيلة، والاستفادة من كبار أعلام العالم الإسلامي، أفنى حياته في خدمة العلوم الإسلامية ودراسة أحوال المسلمين والإستعداد للأخطار المحدقة بهم آنذاك، فقامت بجهوده نهضة علمية رصينة لا تزال ينابيعها الصافية تزداد بمرور الزمن، خلف وراءه ذرية طيبة وتلامذة مخلصين قاموا بنشر علومه ومعارفه وتكميل أهدافه، إلى أن اضطر الشيخ محمد اسحاق الدهلوي وريث الأسرة الدهلوية الهجرة إلى بلاد الحجاز، فخلفه في مسنده تلميذه الوفي الإمام الهمام والمجدد الشيخ السيد نذير حسين الدهلوي (1805م – 1902م) الذي واصل مسيرة أسلافه في ميادين الدرس والتدريس والدعوة والإرشاد ونشر السنة وإماتة البدعة ومقاومة الفرق الضالة والإستعمار الإنجليزي الغاشم، حتى أصبحت الهند بفضل جهوده الحثيثة مرجعا لطلاب الحديث وعلومه ومنارة ممتازة للتراث الإسلامي الأصيل.
وبرز من بين تلامذة الإمام السيد نذير حسين الدهلوي العلامة الحافظ عبد الله بن عبد الرحيم الأعظمي المئوي مولدا والغازي فوري مسكنا وموطنا بعلمه الغزير وتواضعه الجم وورعه وزهده وإخلاصه وحبه للسلف الصالح ومعارفهم وتفانيه في ميادين الدعوة والإرشاد والدرس والتدريس ومكافحة الاستعمار البريطاني الغاشم وتصديه للفرق الضالة والحركات الهدامة وإشرافه على كثير من المشاريع العلمية والدعوية حتى أصبح بفضل جهوده مرجع العلماء والأساتذة والباحثين في حل معضلاتهم وكشف مغلقاتهم وأسوة لهم، فقد كانت حياته مسيرة حافلة بالعطاء والدروس والعبر.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى سيرة مسهبة تبين جهوده وتقدم خدماته وتبرز مواقفه وتتناول آثاره العلمية وتقوم بدراسة العصر الحالك الذي عاش فيه والمجتمع الذي استفاد منه والأحوال والظروف القاسية المحدقة به، وكيف تمكن من الخروج منها بنجاح بعد عون الله وتوفيقه، وأقوال العلماء وآرائهم حوله، والآثار الطيبة التي ترتبت عن جهوده، إلا أنه لم يحظ بالعناية والتقدير من قبل الباحثين والدارسين نظرا لندرة رسائله ومؤلفاته وعدم طباعتها مرة أخرى، وبالتالي ظل العالم العربي بمعزل عن جهود هذا العالم الجليل وخدماته المتميزة.
ظلت معظم كتبه ورسائله مطمورة إلى أن وفق الله تعالى أخانا الفاضل الشيخ شاهد رفيق خريج الجامعة الاسلامية بالمدينة بجمع رسائله وكتبه المبثوثة وفتاواه المخطوطة ومراجعة أصولها وتحقيقها تحقيقا علميا ونشرها في مجموعتين ضخمتين، ثم حالفه التوفيق بمواصلة مسيرته فقام بإعداد سيرة عطرة عن حياته وجهوده وآثاره تفي بالمعايير الحديثة.
وجدير بالذكر أن تلميذه الوفي الإمام عبدالرحمن المبارك فوري صاحب تحفة الأحوذي قام بإعداد مجموعة فتاواه بمساعدة تلميذه الآخر العلامة أبي الهدى عبد السلام المبارك فوري صاحب سيرة الإمام البخاري وتاريخ المنوال والشيخ عبد الصمد الحسين آبادي إلا أن الموت لم يمهله للطبع، ثم حاول الشيخ مختار أحمد الندوي والذي ينتمي لأسرة الشيخ عبد الله الغازي فوري بإعداده للنشر مرة أخرى وكلف جدي الشيخ عبيد الله المبارك فوري صاحب مرعاة المفاتيح بالمراجعة والتدقيق إلا أن ظروفه الصحية حالت في إنجاز المشروع، فبقيت محبوسة عن الأنظار لأربعة عقود تنتظر من يقوم بتحقيقها وتعميمها في الأوساط العلمية.
يبدأ الكتاب بمقدمة حافلة من المحدث الشيخ إرشاد الحق الأثري/حفظه الله ورعاه ذكر فيها أهمية الكتاب من الناحية العلمية وضرورتها وأشاد بعمل الباحث وهنأه على اختيار هذا الموضوع الهام وأنه وفق في جمع عدة مناحي كانت مطمورة لتاريخ جماعة أهل الحديث كما أشار بإيجاز إلى الظروف الرهيبة التي مرت بها جماعة أهل الحديث آنذاك كما شكر القائمين على دار أبي الطيب التي قامت بنشر الكتاب وتوزيعه.
ثم بمبدأ من المؤلف حفظه الله ورعاه بين فيها منهجه في إعداد الكتاب والمشاكل التي واجهها والعقبات التي تعرض لها، والمصادر والمراجع التي استفاد منها، كما شكر الإخوة الباحثين الذين قدموا له يد العون والمساعدة في توفير المواد المطلوبة.
نبذة عن الشيخ عبد الله الغازي فوري: ولد الشيخ عام 1290هـ في أسرة ميسورة الحال في بلدة مئو ناث بنجن (آنذاك) التي تقع في الجانب الشرقي لولاية اترابراديش حاليا، انتقلت أسرته فيما بعد إلى مدينة غازي فور المجاورة إثر الفوضى العارمة في عام 1857م، تلقى الدروس الابتدائية عن والده والشيخ قائم علي العباسي في بلدته مئو ثم عندما انتقلت الأسرة إلى غازي فور انتظم في مدرسة جشمه رحمت (منبع الرحمة) بالإضافة إلى مساعدة والده في توفير أسباب المعيشة، ثم سافر إلى المدرسة الإسلامية إمام بخش بمدينة جون فور ثم يمم شطره إلى العاصمة دهلي لينتهل من منهل شيخه الإمام المحدث السيد نذير حسين الدهلوي.
بدأ مشوار حياته مدرسا في مدرسته الأولى جشمه رحمت (منبع الرحمة) بغازي فور وقضى فيها حوالي 22 عاما وتعتبر هذه الفترة من أخصب مسيرته التدريسية، ثم اضطر للانتقال إلى ديانوان قرية الإمام المحدث شمس الحق العظيم آبادي، ثم رجع إلى غازي فور وأسس مدرسة على ضفاف نهر الغانج إلا أنه اضطر مرة أخرى إلى نقل نشاطاته إلى المدرسة الأحمدية بآره التي أسسها زميله الشيخ العلامة محمد إبراهيم الآروي، ثم آلت أحواله إلى التدريس بمدينة دلهي انتقل بعدها إلى مدينة لكناؤ لرعاية أسباطه اليتامى إلى أن توفي هناك.
قسم المؤلف جهده القيم إلى ثلاثة عشر بابا، تناول فيها حياته وجهوده بالبسط والتفصيل، خصص الباب الأول بمسقط رأسه مئوناث بنجن ذكر فيها أولا سبب تسمية المدينة ودخول أنوار الإسلام والحركة العلمية وجهود الأسرة العباسية في هذا الصدد وكيف وصلت دعوة أهل الحديث إلى هذه البلدة وانتشرت بين أبناءها، وفي الباب الثاني تناول جهوده في حصول العلم والبلدان التي تنقل بينها والمدارس التي استفاد منها، والباب الثالث ذكر فيها أسماء شيوخه الذين تتلمذ عليهم أو استفاد منهم، وفصل في الباب الرابع جهوده في مجال التدريس ومنهجه فقد باشر التدريس في مدرسة جشمه رحمت بغازي فور ثم وضح غرض سفره إلى دلهي للإستفادة من الإمام المحدث السيد نذير حسين الدهلوي ورجوعه إلى غازي فور وإصابته بالمحن نظرا لنبذه التقليد ورجوعه إلى العمل بالكتاب والسنة ثم اضطراره للإنتقال إلى مدرسة الإمام المحدث شمس الحق العظيم آبادي بقريته ديانوان ثم رجوعه إلى غازي فور مرة أخرى وتأسيسه مدرسة جديدة ثم التحاقه بالمدرسة الأحمدية بآره كبرى المدارس السلفية آنذاك وأخيرا إلى دلهي العاصمة بعد وفاة زميله العلامة محمد بشير السهسواني صاحب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان ليجلس مكان شيخه الإمام الدهلوي، علما بأن بابه ظل مفتوحا لطلاب العلم حتى أيام قيامه بلكناؤ، والباب الخامس يبين جهوده الإجتماعية خاصة في مجال تحرير البلاد من براثن الإنجليز الغاشم ودوره مع المجاهدين وجهوده في تأسيس جمعية أهل الحديث المركزية المعروفة آنذاك بآل انديا أهل حديث كانفرنس ودوره في تأسيس المدارس الإسلامية مع الإشراف عليها، والدفاع عن جماعة أهل الحديث بعد المحاولات العديدة لطردهم من المساجد خاصة بعد طبع كتاب جامع الشواهد لإخراج الوهابيين عن المساجد وحضوره في المناظرات التي كانت تعقد بين المسالك وأصحاب المذاهب الأخرى، والباب السادس في مجال الدعوة والإرشاد والآثار التي ترتبت عليه، ومما يؤثر عنه أنه كان يفضل حمل أرغفة يابسة في جولاته الدعوية بدلا من أن يحل ضيفا على أحد، ويقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام، وكذلك كان عنده اهتمام خاص طوال حياته بدروس القرآن الكريم لعامة الناس بعد صلاة الفجر يوميا وأخرى أسبوعيا لخريجي الكليات والجامعات الذين لم تكن لديهم كبيرمعرفة بالدين والعقيدة، والباب السابع يتناول أخلاقه وعاداته وسيرته والباب الثامن يلقي الضوء على عقائده ومنهجه، علما بأنه كان في أول حياته حنفيا ينتهج منهج الأشاعرة في الأصول والعقائد، ثم لما من الله عليه باتباع منهج السلف الصالح صار يدعو إلى العمل بالكتاب والسنة ونبذ ما عداهما، والباب التاسع يفيد عن جهوده في مجال التصنيف والتأليف وقد تتبع المؤلف رسائله وكتبه التي بلغت نحو 22 كتابا وقدم تعريفا موجزا عنها والأسباب والمحركات التي دعته إلى تأليف تلك الكتب والرسائل، وقد تنوعت رسائله وكتبه وفتاواه، فمجموعة فتاواه المنشورة بلغت 760 صفحة والمجموعة الثانية التي تشتمل على كتبه ورسائله التي تبلغ 708 صفحة عدا شرحه على مقدمة صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري والذي لا يزال مخطوطا ينتظر دوره للتحقيق والنشر، وجميعها تدل على غزارة علمه واستحضاره وتنوع علومه ومعارفه، والباب العاشر يستقصي أسماء تلاميذه والذين استفادوا منه ويبلغ عددهم حوالي 125تلميذا ويقدم تراجم موجزة لهم ومن بينهم جد والدي الشيخ عبد السلام المبارك فوري وابنه الشيخ عبد العزيز المبارك فوري، والباب الحادي عشر يتحدث عن ذريته وأسرته العلمية وجهودهم وآثارهم، والباب الثاني عشر يقدم نبذ وجيزة لزملائه، والباب الثالث عشر والأخير عن حادثة وفاته وأقوال أهل العلم فيه وبعض القصائد والقطع التاريخية ثم فهرس المصادر والمراجع.
صدر الكتاب عن دار أبي الطيب والتي يرعاها الشيخ الفاضل عارف جاويد المحمدي المؤقر حفظه الله وبارك فيه وفي جهوده المقيم بدولة الكويت أحد المغرمين بنشر كتب السلف بأردو لغة المسلمين في شبه القارة الهندية، وقد قامت الدار بنشر عدد من تراث السلف الصالح ولاتزال ماضية في تحقيق أهدافها، والدار قدمت منهجا جديدا تقوم بمراعاة الناحية العلمية والفنية معا تكاد لا توجد عند الناشرين في أردو في شبه القارة الهندية، جزى الله القائمين خير الجزاء وسدد خطاهم وأجزل مثوبتهم ووفقهم للمزيد.
والكتاب سيكون مرجعا وثيقا لمن يريد دراسة جهود الشيخ وآثاره والعصر الذي عاش فيه والأحوال والظروف التي مر بها، ويكفي شهادة شيخنا أبي القاسم السلفي الفاروقي/حفظه الله ورعاه الأستاذ بالجامعة السلفية سابقا عن هذا الكتاب بأنه اضافة قيمة في فن التراجم بل إنه يقدم تاريخا كاملا لعهده وأنه بعد مدة طويلة تشرف بقرأة كتاب اهتم فيه مؤلفه بتوثيق الأحداث والسنين وتسجيلها باهتمام بالغ يستحق مؤلفه الثناء والتقدير.
وفق الله إخواننا الباحثين في الجامعات العربية بإعداد بحث جامعي عن حياته وآثاره ودراسة منهجه في الدعوة والإرشاد وتتبع أساليبه الحكيمة في الحوار مع المعاندين وكشف أكاذيبهم وتوضيح أهميتها في العصر الحاضر ونقل رسائله إلى اللغة العربية حتى يتمكن العالم العربي من الاطلاع عن الظروف الحالكة والدسائس الخسيسة التي مر بها أهل الحديث في القرن الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد وكيف تمكن حاملوا العقيدة السلفية التخلص من هذه التهم والمقارنة بين التهم الملصقة في الماضي والحاضر، علما بأن هذه الأصوات لا تزال تعلو وبطرق مختلفة من حين لآخر.
.