Main Menu

قراءة في رواية “قصة حب مجوسية” لعبد الرحمن منيف

د. صغير أحمد

ولد عبد الرحمن المنيف عام 1933 في عمان في الأردن وتوفي في 24 يناير 2004م. عمل في مجلة “البلاغ” وكذلك تولى تحرير مجلة “النفط والتنمية”. تفرغ لكتابة الرواية من عام1981. قام بكتابة القصص القصيرة وكذلك له المؤلفات الأخرى في المجالات المختلفة. أما رواياته فهي “الأشجار واغتيال مرزوق” الصادرة عام 1973م، “قصة حب مجوسية” الصادرة عام 1974م، “شرق المتوسط” الصادرة عام 1973م، “النهايات” الصادرة عام 1975م، “حين تركنا الجسر”، الصادرة عام 1979م، “سباق المسافات الطويلة” الصادرة عام 1979م، “عالم بلا خرائط” بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا الصادرة عام 1982م، “مدن الملح” خماسية (“التيه” الصادرة عام 1984م ، “الأخدود” الصادرة عام 1985م، “تقاسيم الليل والنهار” الصادرة عام 1989م، “المنبت” الصادرة عام 1989م)، “بادية الظلمات” الصادرة عام 1989، “الآن هنا أو الشرق المتوسط مرة أخرى” الصادرة عام 1991م، “أرض السواد” ثلاثية 1997-1999م و أم النذور الصادرة عام 2005م.

 رواية “قصة حب مجوسية” تحكي حكاية الحب والمغامرة قام بها البطل. قام البطل بالعلاقات الجنسية مع ميرا، ورادميلا وباولا. ميرا هي صديقته المقربة، خاصمها البطل وقام بالشجار معها عدة مرات ولكنهما مازالا بقيا صديقان حميمان. في يوم من الأيام، جاءت ميرا إلى غرفة البطل ولكنها رجعت بعد وقت قليل، لأن البطل ما قام بالعمل الذي كانت تتوقع ميرا. ميرا أصبحت غاضبة الى أقصى الحد ولذلك عندما ذهب البطل إلى بيتها لكي يقوم بالصلح معها، أظهرت ميرا بسلوكها بأنها لا تريد العلاقات مع البطل. ذهلت أم ميرا بعد مشاهدة هذا السلوك وسألت السبب وراء ذلك . لم يخبرها أحد عن القصة وراء هذا التغير في سلوك ميرا.كانت للبطل علاقة مع رادميلا ولكنها غضبت مرة وأرادت أن تنتقم من البطل فلذلك ذهبت إلى ايفان. وفي ليلة قالت رادميلا للبطل “يجب أن تقضي الليل معنا، دعنا نسمع هذا اللحن معاً..وأنا كل ليلة لايفان !” [1]. ولكن البطل أراد أن يقوم باشمئزاز لايفان ولذلك عندما اقترب الموسيقار الغجري فوضع في يده نقوداً وكلمه بهمس أن يبدل اللحن ب “أغير الأصدقاء مثلما تغير الأشجار أوراقها”[2]. وبعد ذلك ذهب البطل إلى الباب وظن أنه فاز في مرامه حيث بدا له أن لايفان كان قاسيا في حديثه مع رادميلا. في الأخير، فاز لايفان في كسب حب رادميلا وقام بالزواج معها. أما مساعي البطل للحصول على رادميلا لمرة أخرى فذهبت أدراج الرياح. باولا، هي كما تصفها السارد “امرأة عملية، لا تحب التعقيدات أبدا، تضحك، تدخن، تشرب، وفي الفراش تنزع اللذة من الرأس.”[3] كانت علاقات وطيدة بين البطل وباولا ولكنه في يوم من الأيام، جرى هذا الحوار الآتي بين البطل وباولا:

“نحن حقراء يا باولا. لسنا طلابا يجب أن نتحول الى حيوانات توضع في زرائب لتحسين النسل، أنت تستقبلين الذكور..وأنا أستقبل الاناث !

وهل مللتني؟ هل تريدني أن أذهب؟

لا أقصد هذا يا باولا..لكن يجب أن نعود الى حياة طبيعية مثل باقي الناس !

وما ذا يجب أن نفعل؟

أن نلتقي مرة كل أسبوع..مرتين!

…_ أنت تعرفين أن واجباتي الدراسية تقتضي تخصيص كل وقتي للدراسة..لكي انتهي في الوقت المناسب !.

وبعصبية شرسة قالت:

_ وأنا التي أمنعك من الدراسة !.

_ لم أقصد ذلك يا باولا..لكن يجب أن ننظم أوقاتنا !” [4].

غضبت باولا على البطل بهذا السلوك وما جاءت إلى غرفته فيما بعد. أراد البطل مرارا وتكرارا أن يقنع باولا ولكنه ما فاز في مرامه.

  أما علاقة البطل مع كل هذه البنات فكانت علاقة جنسية فحسب. ولكن علاقته مع ليليان فهي علاقة الحب العذري لأن البطل لايريد أن يقوم بالجنس مع هذه المرأة التي هي المتزوجة وأم للطفلين، بل يحبها حبا عذريا عاريا من الشهوة والرغبة الجنسية، ولذلك نحن نجد يقول البطل ” عينان ترتجان بالحزن . شفاه رقيقة والسفلى مرتخية باثارة موجعة ، أما الوجه فقد لوحته الشمس ، فبدا غامضاً ومجبولاً باللذة والفجيعة وملعوناً. عند الوجه توقفت . لم أر جسدها العاري. ولا أدري لماذا استولت عليّ مشاعر قاسية أقنعتني أني لا أملك حق النظر إلى جسدها. وفي لحظة أخرى استبد بي شعور أقوى بأن نظرتي لو امتدت إلى ذلك الجسد يمكن أن تلوثه . أتذكر أنها كانت تلبس مايوها أصفر ، ولا أتذكر شيئاً أكثر من ذلك.!” [5] فكان ينظر إلى هذه المرأة من حيث أنها مقدسة وكان يلجأ إليها لكي يحصل على الحنون والشفقة وهذا الأمر يبدو جليا عندما يقول البطل ” لوقلت لكم ان أفكاري نظيفة مثل أوراق أشجار الصنوبر المغسولة بمطر الصيف ، لكذبت. لكن لم أكن أفكّر بالمضاجعة .لم أفكّر أن تتحول هذه المرأة بين يدي إلى راداميلا ، كنت أريد أن ألمس يديها، أن أقبلها، أن أضع رأسي على حضنها وأغفو.اذا فكّرت أكثر من ذلك اقطعوا رأسي وأعطوه للكلاب ، وأنتم أيهّا الشديدو التزمت ، ماذا تستطيعون أن تقولوا عن الأفكار الصغيرة التي تحركت في رأسي؟ الخطيئة ؟ ولكن أين هي الخطيئة؟ حتى هذه اللحظة لا اشتهيها . ووصية المسيح التي تستندون إليها لا يمكن أن تجعلوها مقصلة لتنتزع رأسي بكل هذه البساطة . لم اشته إمرأة غيري ، كل ما أردته أن أغفو في تلك الجنة لحظة واحدة ثم أموت” [6]

يحب البطل ليليان حبا عميقا ولذلك نحن نجد أنه يجعلها بمثابة المعبودة ويتمنى أن تقوم بوطئه ودسه وأنه سيتلذذ بهذا الوطيء والدس فيقول “تقدمي أيتها المعبودة. تقدمي ودوسي فوق عظامي. إن اللحظة التي تطأني قدمك هي لحظة ولادتي، لحظة عناقي مع العالم والطبيعة وكل الأسرار المقدسة في هذا الكون. لا تترددي وأنت تدوسين، إن عظامي تحتاج لقدمك المقدسة لكي تتطهر، لكي تقوى وتكون أكثر عنفواناً وقوة.” [7]

كان البطل يشتاق إلى ليليان إلى حد كبير ولذلك نحن نجد أنه يذهب إلى الشرفة ويتفكر في ليليان ويسأل نفسه عن الغرفة التي تنام فيها. ههنا يقوم البطل بذكر الاختلافات بين الناس وعدم قدرتهم على التفاهم بينهم فيقول ” لوقلت لكم أن حياة البشر تشبه خطوط السكك الحديدية، فهل تفهمون ما عنيته؟ منذ البداية نفتقد اللغة المشتركة، ليس بيننا شيء مشترك، ليس لديكم تجاهي حتى الرغبة في أن تفهموا ! لا يهمني، بدأت الرحلة وحيدا وسأنتهي وحيدا.” [8]

نحن نجد أن البطل يذهب إلى الكنيسة ويجري الحوار التالي بينه وبين بابا في غرفة الاعتراف.

…”ولكن خطاياي كثيرة لدرجة أن يسوع المخلص لن يغفرها !”

…اعترف يا ولدي. ويسوع سيغفر كل شيء !.

…أحببت امرأة متزوجة. وما أزال أحبها. ولا أقوى على أن أكف عن حبها لحظة واحدة.

…ولكن لماذا يا ولدي؟ ألم تسمع ما قاله يسوع المخلص وهوينهى عن اشتهاء نساء الغير؟

ولكن لم اشتهها يا أبانا. ولم أفكر بأي شيء ملوث.

والحب؟

أحب بطهارة. وأريد أن أبقى طاهراً.

لا يمكن يا ولدي. ان النظر إلى نساء الغير خطيئة، فما بالك بالحب.

ولكني لا أستطيع، أيها الأب المقدس، ويسوع المسيح يفهم معنى عذاب الانسان.” [9]

يذكر الكاتب عن موقف البطل عندما سمع أن الإدارة ستقيم حفلة تنكرية. فبدأ البطل يفكر في ليليان وراح يتخيل عن القناع التي سترتديه ليليان وكيف يمكن له أن يعرفها في الحفلة، حتى وصل إلى النتيجة “كان حذاءها أسود وفيه حلقات صفراء معدنية على شكل دوائر متداخلة، أما فستانها فكان بلون الربيع: أخضر هادئاً، بعروق صغيرة بين الأسود والبنفسجي. وأي شيء آخر يمكن أن أتذكره؟ قلت في نفسي: لست بحاجة لأن أنظر إليها، أعرف رائحتها، أعرف خفقة قلبها، وحتى لوكانت ضائعة بين آلاف البشر سوف اكتشفها بدون تعب.” [10]

لقي البطل ليليان في تلك الليلة وعرفها ولكن الليلة قضت بسرعة ذاهلة. في الصباح ركبت ليليان السيارة الأولى وذهبت من الفندق. إلى أين ذهبت ليليان؟ كان البطل لا يعرف هذه الحقيقة.

بدأ البطل يبحث عن ليليان في كل مكان، من السينما إلى الشارع ومحطات الباص. أخيراً، كاد أن يفوز في مرامه عندما شاهد ليليان في إحدى المحطات في الترام. ولكن الترام ذهب بسرعة. ذهب البطل إلى المحطة التالية لكي يلاقي ليليان لكنه وجد هناك امرأة سكرى وهكذا خابت آماله.

لقي البطل ليليان على محطة القطار عندما كان يعود إلى وطنه وكان أصدقائه وزملاءه معه. عندما قال لها البطل

 “- أريد عنوانك يا ليليان، لأكتب لك، وقد أعود..

ودون أن تجيب هزت رأسها بأسف تعتذر. والكلمة الوحيدة التي قالتها:

 _ لا فائدة!” [11]

[1]  قصة حب مجوسية، ص46

[2]  قصة حب مجوسية، ص46

[3]  قصة حب مجوسية، ص 69

[4]  قصة حب مجوسية، ص 70-71

[5]  قصة حب مجوسية، ص 10-11

[6]  قصة حب مجوسية، ص 34-35

[7]  قصة حب مجوسية، ص 96

[8]  قصة حب مجوسية، ص 48

[9]  قصة حب مجوسية، ص 80-81

[10]  قصة حب مجوسية، ص54

[11]  قصة حب مجوسية، 124