د.صغير أحمد
هذه رواية ثانية من روايات عبد الله الجفري وهي أطول رواية من رواياته، وتتحدث عن البطل اسمه خالد وأسرته التي تتكون من زوجته وابنه وبنته وما يجري في حياتهم وكذلك عن طموحاتهم ونجاحهم وفشلهم، تبدأ القصة عندما يرجع خالد بعد تخرجه مهندسًا مدنيًا من بلد عربي. وفي هذا الحين بدأت تلح أم خالد أن يتزوج وكان خالد يماطل حتى قضى عامين، وبعد ذلك وافق أن يقوم بالزواج مع فتاة تخرجت عن جامعة وهي كانت ابنة عائشة صديقة أمه.
تزوج معها وعاش حتى جاء يوم أحست فيها إلهام آلام مخاض وانتقلت إلى المستشفى وأخبر الطبيب بأنه “لابد من عملية قيصرية.. إن حجم الطفل كبر، ووزنه فاخر ماشاء الله.”([1])
تم إجراء عملية قيصرية بنجاح، ونصح الطبيب أن يوضع الطفل في الصندوق الزجاجي الطبي لأنه يحتاج إلى عناية طبية مركزة. أم خالد تعبر عن شعورها و أحاسيسها تجاه هذه العملية وعن تقدم الطب وتقول:
((أنا عارفة زمان إيه ده؟.. كنا نلد في بيوتنا، والطفل ينزل كدة ((مرَبْرَبْ)) وفي صحة جيدة، وكنا بعد الولادة بساعة نقوم نخدم بيوتنا.. إلا الزمن هادا، الطفل ينزل زي العصاية مريض، والأم ما تقدر تجلس، وقال إيه: الطب متقدم))!”([2]).
أراد خالد أن يقنع أمه بأن الطب ليس هو المسؤول بل تغيرت طريقة الحياة والأكل ولذلك حدثت هذه التغيرات. سمى الوالدان الولد “فارس”، كان خالد يحب ولده وكان يقضي معظم أوقاته في بيته لاعبًا مع ابنه فارس وكان يعاون زوجته في أمور البيت وكان يهتم بولده إلى درجة كبيرة يقول الراوي عن هذا الاهتمام:”واكتشف خالد أنه يقوم بدور أم ثانية، فمرة يبدل حفاضة فارس بعد أن يبلِّلها، ومرة يشارك في تبديل ملابس فارس ويضع له البودرة، ويجهز له الرضاعة!([3])
قالت أم خالد على دأب النساء من عمرها: “أوصيكم.. لا أحد يعرف أن فارس باسم الله عليه، مشى في شهره الثامن، حتى لا يحسدوه!.”([4])
وبعد ذلك تقص قصة طفل جارتها أم نعيم الذي كان يتألم من آلام في مفاصله، وحسب اعتقاد أم خالد أصاب الطفل بهذا المرض بسبب الحسد لأنه كان طفلا معافى من الأمراض والعيوب في البداية.
أراد خالد أن يخبر أمه عن حقيقة هذا المرض فقال: “هذا الألم ليس من العين.”([5])
سألت إلهام خالدًا أن يقوم بتزويد الخادمة فقال خالد لزوجته: إن المهم لها أن تقوم بتربية ابنهما وترتكز على طفل ولاتهمل.
ذات يوم جاءت أم خالد باكية وعندما شاهدت إلهام زوجة خالد أن حماتها تبكي فدهشت وسألت عن السبب ولكن الحماة ما أجابت. أخبرت إلهام زوجها خالدا عن هذا الحادث ولكنه قال: هذا شيء عادي ثم قام خالد بالتصالح بين الأم والأب.
عندما ولدت عهد وأصبحت إلهام تقضي أكثر الأوقات في رعايتها أحس فارس هذا التغير من أمه وقال: إنها أصبحت أم عهد. وفي هذه الفترة جاءت خادمة من إندونيسيا وبدأ خالد يأكل وينام عندها حتى بدأ يتكلم اللغة الإندونيسية وتعلم فارس الرقص من هذه الخادمة، وبعد مشاهدة هذه الأمور قال خالد لزوجته: “الخادمة علَّمت فارس كيف يفتح الفيديو، وعلمته على الرقص.. دا بيرقص زي جاكسون بالضبط، وهو حتى الآن ما طلع من البيضة يا هانم.. شايفة إهمالك عمل إيه؟!”([6]).
كانت الحياة تمر على ما يرام، حتى غضبت إلهام في يوم من الأيام وقالت إنها تشعر بالملل والاختناق وأضافت قائلة: “وأنا مثل المدجنة.. مثل دجاجة تجلس فوق بيضها حتى يفقس، ثم تراعي ما فقسته البيضة. أريد أن أشعر بآدميتي، بإنسانيتي”.([7])
وعندما سألها عن العمل الذي تريد أن تقوم به، فأجابت إنها درست الديكور والرسم وتريد أن تفتح مكتبًا، أراد خالد أن يقنع زوجته بعدم فتح المكتب ولكنها غضبت وذهبت إلى بيت أبيها. لكن الأب أيضًا ما وافق على فكرة البنت وكذلك الأم رفضت هذه الفكرة. كان فارس وعهد يبكيان ويسألان: “بابا متى يجي علشان يأخدنا البيت؟”([8]).
وهكذا مرت أربعة أيام وما رجع خالد، اتصلت إلهام في المكتب والبيت ولكنه لم يرد وذهب فارس إلى بيت أبيه ووجده في البيت ثم رجع إلى أمه وأخبرها بأنه لقي أباه، وسأل الأب إلهام أن ترجع إلى بيتها ولكنها رفضت. ذهبت إلهام إلى غرفة أخري وقالت: إنها لن تعود حتي يأتي خالد بنفسه ويعتذر ويوافق على طلبها وبعد أيام جاء خالد وذهب معه فارس وعهد وإلهام.
أخبر خالد أسرته بأنه سينتقل مع أسرته إلى باريس لأن شركته أرادت أن يدير فرع باريس. عندما ذهبت إلهام إلى باريس شعرت الغربة وأحست: “لا شيء مثل الوطن.. حتى لو كان على رأس جبل، أو في صحراء. للوطن جذور متعمقة في قرارة النفس.. حافلة بالجذب، وبالانتماء، وبالذكريات!
– قال لها زوجها: ألست تحلمين بهذا الزحام؟.. إذن، جربي!
– قالت: الأجمل أن يزاحم المرء فوق أرضه.. لأن صوته مسموع، ووجهه مألوف، وخفقه يغني!”([9]).
لقي فارس في باريس بنتًا أمريكية وتحادث معها وأصبحاصديقين. عندما دخل فارس في المدرسة ضربته مدرّسة. وجري الحوار بين خالد وإلهام حول الضرب في المدارس وخاصة في باريس. قالت إلهام بأن هناك الكراهية والحقد ضد العرب في كل مكان، فعاد خالد إلى وطنه. وعندما رجع خالد من باريس بدأ تجارته ولكنه خسر في التجارة وما ذهب إلى مكتبه لمدة. كان لا يرد على الهاتف بل يتجانب عن الناس لأنه كان غارقًا في الديون ولكنه أخيرًا قرر بمواجهة المشكلة وأراد أن يرد على الهاتف ولا يختفي من الناس ولكنه اعتقل وسجن بسبب الدعوي ضده.
في هذه المرحلة واجهت الأسرة المشاكل الكثيرة وكل الناس حتي أصدقاء خالد القدامي لم يساعدوه ونسوه كل النسيان. في هذه المشكلة كان والد صديق لفارس، الرجل الوحيد الذي ساعد فارس وأسرته ومد يد عونه حسب إمكانيته واستطاعته.
أما فارس فقد فاز في اختبار الثانوية بنسبة 85%، وفي هذه المناسبة يقول خالد لابنه: “الأيام تجري يا ولدي، وأتطلع إلى اليوم الذي أراك فيه قادرًا على تحمل مسؤولية الحياة، والأيام تتبدَّل، ولن تستمر على حال واحد.. إيقاعها يتغيَّر.. ظروفها أيضًا تتغيَّر، وهذا الإيقاع السريع يدفعنا أن نلاحق العمر، ونلاحق الظروف والفرص كذلك”([10]). يرجو فارس من أبيه أن لا يقوم بالزواج مع امرأة أخري ويذكر خشية أمها ويقول: “إنها تردد مقولة إن الرجل إذا كثرت عنده الفلوس. أول ما يفعله هو الزواج.. من ملامح التغيير والتجدُّد!”([11]).
التحق فارس بالجامعة لكنه ما استطاع أن يحصل على المستوى المطلوب والأرقام المطلوبة، ففي العام الأول حصل على تقديرات هابطة و بالنتيجةتم فصله نهائيًا لعام.
كان فارس خائفًا وماكان يتجرأ أن يخبر أباه عن هذه النتيجة. ولكن الأب لاضجر ولا صخب بل قال: “… : أنك قد درجت إلى مسؤولية الرجولة، والاستقلال بذاتك وشخصيتك، ولابد أن تكون في مستوى هذه المسؤولية، وأن تعرف كيف تبني حياتك، وتجد لك موقعًا ثابتًا في صفوف متزاحمة.. إذا لم تثبت أقدامك، فلا بد أن تسقط، وتدوسك الصفوف. وأنا لن أبقى لك طول العمر.. وأيضًا لا أريد منك مساعدة ولا عونًا، المهم كيف تساعد نفسك وتنجح، وبالنسبة لي.. أنا كفيل بمواصلة مشواري حتى الموت، متحملاً أخطائي، ومستثمرًا جهدي.”([12])
كانت عهد في الجامعة عندما أرادت أمها أن تقوم بزواجها وألحت الأم على الزواج ولكن عهد رفضت في البداية. عندما سألت أمها مرارًا وتكرارًا فاشترطت عهد بأنها ستقوم بالزواج لوسمحت بإكمال دراستها والحصول على شهادة الجامعة، وافق عاطف على هذا الشرط. وبعد الزواج اكتشفت عهد “أنه عصبي جدًا، ومتقلب المزاج، ويفتح أذنيه لكل كلام يقال له!”([13])، و”قال عاطف لزوجته: أريد طفلاً سريعًا!
– قالت: مهلاً.. لست معمل تفريخ، دعنا نستمتع بحياتنا الأولى.. دعني أعبر المرحلة الصعبة في الجامعة! ـ
– قال: لا… أنت تؤجلين الإنجاب لتتأكدي من تشبثي بك.ـ
– قالت: وهل تعتقد أنك نحيف إلى هذه الدرجة؟!
– قال: كل أصدقائي يقولون لي.. إن الزوجات يفعلن ذلك، حتى يثقن في تمسك أزواجهن بهن!”([14]).
وبعد ذلك بدأ يقضي منتصف الليل خارج البيت وبدأ يشكو من مذاكرة عهد ثم قال يومًا:
“إن أخي يمر بظروف مادية صعبة، ورجاني أن أدبر له أربعين ألف ريال، وأعرف أنك تقتصدين في البنك من فلوس الجامعة، ومما يعطيه لك والدك.. فقط أعطني هذا المبلغ سلفة، وسأعيده إليك.”([15])
ولكن الفتاة اعتذرت أن تعطيه هذا المبلغ؛ لأن المبلغ ما كان في حوزتها وكان الأب يمر من أصعب الأوقات. وقال يومًا: إنه لا يستطيع أن يقوم بنقلها كل يوم إلى الجامعة وهذا الأمر صعب له.
في يوم من الأيام هددها عاطف قائلا: “كلمة أخيرة يا عهد.. إما أن توقفي تناول حبوب منع الحمل، وتتركي الجامعة، أو…
– قالت: أو أعود إلى بيت أبي؟!
– قال: إفهميها!!([16])
رجعت من بيت زوجها ومرت ثلاثة شهور وما جاء عاطف إلى بيت أبيها. وما زال الأمر كذلك حتى طلق عاطف عهد أمام القاضي وهكذا انتهى هذا الزواج.
فارس رأى امرأة في السوق وتابعها حتى أوقفت سيارتها فأوقف فارس أيضًا سيارته فجاءت إليه وسألته أن ينطلق وراء سيارتها وذهب معها إلى بيتها وأعطته الماء للشرب وبعد ذلك دعته إلى أمر منكر ولكنه فر من بيتها ويقول: “طلبت منها أن ترشدني إلى طريق الحمام.. فلم أعد أتمالك نفسي، وفكرت في مخرج جانبي، بحثت عنه واهتديت إليه.. وأخذت أركض نحو سيارتي، ألهث، ألهث.. حتى تأكدت أنني فررت من هذا الجحيم!
شيء فظيع.. بقيت عدة أيام في كابوسه، أحاول أن لا أصدقه، وأتساءل:
– ما الذي حدث.. ما الأسباب: الفلوس، أم السلوك، أم الحاجة، أم سقوط أشياء جوهرية كثيرة؟!”([17])
[1] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 171.
[2] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 176.
[3] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 179-180.
[4] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 243.
[5] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 244.
[6] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 316.
[7] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 361.
[8] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 363.
[9] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 397.
[10] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 456.
[11] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 456.
[12] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 522.
[13] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 592.
[14] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 592.
[15] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 594.
[16] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 597.
[17] – الأعمال الكاملة، ج 2، زمن..يليق بنا ص 614-615.
من كتاب “عبد الله الجفري روائيا”