Main Menu

قراءة في “ثلاثية إدوار الخراط” الاجتماعية والفنية

محمد إسحاق

الباحث في الدكتوراه

الجامعة الملية الإسلامية

نيو دلهي- الهند

ملخص البحث:

يعتبر إدوار الخراط أحد الروّاد للرواية الفنية الحديثة للجيل الذي أتى بعد نجيب محفوظ، وهو من أكثر الروائيين العرب شهرة على الصعيد الوطني والدولي، ورواياته في الذروة من حيث البنية والمضمون. وهذ البحث المعنون بــــ “قراءة في “ثلاثية إدوار الخراط” الاجتماعية والفنية ” بمثابة محاولة متواضعة للكشف عن عالم الخراط الروائي، وتعريفه وتعريف أعماله بين يدي القارئ والدارس العالمي خارج الحدود الجغرافية مع تركيز خاص على ثلاثيته الروائية: “رامة والتنين”، و”الزمن الآخر”، و”يقين العطش”. وعلى سبيل المدخل يقدم البحث نبذة عن الروائي الخراط، من نشأته وثقافته، والعوامل المؤثرة في بناء شخصيته الروائية، وأعماله من القصصية والشعرية والنقدية وفي مجالات النقل والترجمة الأدبية والمسرحية، والروائية كذلك. ثم يقدم لمحاتٍ مؤجزة عن ثلاثية الخراط. ثم يخوض البحث في صميم الموضوع والذي ينقسم إلى جزئين، فالجزء (ألف) المعنون بــ “قراءة اجتماعية في ثلاثية الخراط” يبحث عن القضايا الاجتماعية التي تناولها الروائي وبحث عنها ومن هذه القضايا: قضية الريف المصري، وقضية هموم الإنسان المصري والتعبير عنها، قضية الجنس، والهوية، والحب والموت والحياة كظواهر إنسانية ونتائجها، وقضية الانسجام الطائفي بين المسلمين والمسيحين، والقضايا الإنسانية، وقضية الارتباط الاجتماعي المحلي، وقضية المرأة، والتسامح الثقافي والديني. وأما الجزء الثاني (ب) المعنون بـــ “قراءة فنية في ثلاثية الخراط يبحث عن التقنيات الموظفة في هذه الروايات الثلاثة، والأسلوب واللغة، والوصف، والواقعية الحسية، وجهوده الأخرى المتبلورة في تجريب الآليات والأساليب الجديدة المبتكرة، ثم جاءت نهاية المطاف ليقدّم قصارى القول وجمّاعه وأهم النتائج الذي توصل إليه الباحث.

نبذة عن الروائي إدوار الخراط:

ولد إدوار الخراط في السادس عشر من شهر مارس عام 1926م في أسرة مسيحية بالإسكندرية، بمصر وتوفي في الأول من شهر ديسمبر عام 2015م، وكان اسمه الحقيقي “إدوار قلته فلتس يوسف”[i] غير أنه اشتهر بإدوار الخراط.

نشأته وثقافته :

ولد الخراط في حيّ بجنوب الإسكندرية قريبا من بحيرة مريوط، إذ كان معظم قاطني الحي ممن جاءوا من الصعيد إلى الإسكندرية. ونشأ في مدينة “الإسكندرية” تجلت ذكراها في رواياته خاصة في روايتي “ترابها زعفران” و”يا بنات إسكندرية” فهو إسكندراني المولد والنشأة[ii]، وقضى هناك ربيع حياته، ولم يزل صعيديا في الأصل والفكر.

تعلّم إدوار الخراط في مدرسة النيل الابتدائية في الإسكندرية في أعوام دراسية 1932- 1937م، فالمدرسة العباسية الثانوية في الإسكندرية بين أعوام 1937 – 1942م، ثم دخل كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية وأكبّ على الدراسة في 1942 – 1946م[iii].

العوامل المؤثرة في بناء شخصيته الروائية:

شاركت في بناء شخصيته الأدبية والروائي بوجه خاص عدة عوامل منها: الانتماء الديني، والثقافة الأجنبية، والترجمة الأجنبية، والوظائف والمسؤوليات التي تولى عليها، والعامل اليساري الاشتراكي وانتمائه الحزبي إلى الماركسية وسياسة اليسار، ونشوئه في محيط جغرافي وثقافي خاص وهي جغرافية الإسكندرية وما لها من خلفية أثرية وثقافية وسياسية. و بالرغم من ما مضى من تأثره من التيارت العالمية المعاصرة كان يديم النظر أيضا في الفلسفة وتاريخها ولعل جوانب من تفكيره لا يسلم من أثر الأفلاطونيّة، وربّما الأفلاطونيّة الإسكندرانية على وجه خاص. وأما فيما يتعلق بتأثره بالشخصيات العربية؛ فقد تأثر بشخصية جبران خليل جبران، وأعماله الأدبية، ومن ثم نرى في أعماله وفنه الطابع الجبراني بشكل ملموس.

أعماله:

بدأ الروائي مسيرته الإبداعية منذ مبكر سنوت من حياته العلمية، وأنه في رواياته تأثر بالأفكار والأيديولوجيات المعاصرة من الفرويدية، والاشتراكية، والليبرالية، والأفلاطونية وغيرها من الأفكار الاجتماعية والفلسفية غير أنه لم يكن منحازا إلى أيديولوجيا خاصة، بل اتخذ الفكر الديني الأرثوذكي القبطي أداة للتعبير عن هموم وبيئة المجتمع الذي عاش فيه.

وتتمثل أعماله في محاور عدة حيث مارس أنواع شتى أنواع الكتابات الأدبية على النحو التالي:

أعماله القصصية: أول مجموعة ظهرت على يد الخراط هي مجموعة “حيطان عالية”. وأولى مجموعته القصصية “حيطان عالية” أخرجها عام 1959م، ثم تلاها قصص أخرى، ومن حيث المجموع أنه أخرج ما يلي من المجموعات القصصية:

حيطان عالية (1959)، وساعات الكبرياء (1972)، واختناقات العشق والصباح (1983)، وأمواج الليالي (1991م)، وعمل نبيل، ومضارب الأهواء، 2003م،

أعماله الشعرية: مارس الخراط الشعر والدراسة الشعرية بالإضافة إلى ممارسته الإبداعية في مجال القصة والرواية والنقد والمقالات في أسلوب نثري. ومن أعماله الشعرية ما يلي:

“تأويلات” 1996م، وديوان “لماذا؟” 1996م، و”ضربتني أجنحة طائرك” عام 1996م، وطغيان سطوة الطوايا، 1996م، و”صيحة وحيد القرن”، 1998م، و”سبع سحابات – دانتيللا السماء”، 2000م، وبالإضافة إلى الإبداع الشعري أضاف الخراط قدرا كبيرًا من الوجهة النقدية للشعر العربي، وبالتالي أدخل الخراط أبيات كثيرة في بطون رواياته.

أعماله النقدية: أعمال الخراط النقدية تضم الدراسات والمقالات النقدية التي كتبها ونشرها الخراط في المجلات أو أخرجها في شكل الكتب المطبوعة. وهي كالتالي:

مختارات من القصة القصيرة في السبعينات: مع دراسة؛ 1982م، وعلي: رزق الله: مائيات 86: دراسة، 1986م، ومائيات صغيرة: 1989م، وأحمد مرسي: دراسة ومختارات شعرية، 1990م، والحساسية الجديدة: مقالات في الظاهرة القصصية 1993م، ومن الصمت إلى التمرد: دراسات في الأدب العالمي؛ 1994م، والكتابة عبر النوعية: دراسة، تعالج الامتزاج الشعري بالنثر الروائي، 1994م، وعصيان الحلم: مختارات ودراسات في الشعر؛ المجمع الثقافي، 1995م، وأنشودة للكثافة: في الفن والثقافة، 1995م، ومهاجمة المستحيل: سيرة ذاتية للكتابة، 1996م، ومراودة المستحيل: حوار مع الذات والآخرين، 1997م، وأحمد مرسي شاعر تشكيلي، 1997م، وماوراء الواقع: في الظاهرة اللاواقعية، 1998م، وأصوات الحداثة: اتجاهات حداثية في القص العربي 1998م، وشعر الحداثة في مصر، 2000م، والمشهد القصصي في مصر،2003م، والقصة والحداثة؛ دراسة نقدية لمسيرة القصة العربية ،2003م، وفجر المسرح: دراسات في نشأن المسرح، 2003م، وفي نور آخر: عن الفن التشكيلي، 2003م، ووبالإضافة إلى كتابه “المسرح والأسطورة؛ أساطير مسرحية، مع مسرحياته المترجمة.

أعماله في مجال الترجمات الأدبية: اشتهر الخراط في مجال الترجمة، وله أيادي بيضاء في نقل التراث الأجنبي إلى التراث العربي وإثرائه. إنه نال قبولاً فائقا لدى الفئة المصرية المثقفة أولًا كمترجم ناجح، و أعماله المترجمة تبلغ نحو 62 عملًا، وقد لعبت هذه الترجمات دورًا كبيرًا في توجيه العجلة الثقافية والأدبية في مصر، خاصة تعريف اتجاهات الحداثة وبوادر ما بعد الحداثة.

أعماله المسرحية: أخرج الخراط بعض مسرحيات أدبية كتابة وترجمة، غير أنه أكثر في ترجمة المسرحيات من الأدب العالمي، ومعظمها ترجمها لبرامج التلفاز المصري. إن هذه الأعمال المكثفة تدل على مدى نبوغ الخراط الفني وتبحره العلمي في شتى المجالات الأدبية، ومن خلال الإبحار في أعمال الخراط في الفنون والأنواع الأدبية نراه ذا قدرة كبيرة على الإبداع والتعبير الأدبي وأنه رجل يعيش في عالمه كائن كبير من الفن والأسلوب. وتبدو تجربة الكاتب والروائي الخراط أجرأ مغامرة إبداعية في التاريخ الأدبي المعاصر.

أعماله الروائية: أعمال الخراط الروائية تبلغ نحو 16 رواية وهي: رامة والتنين (1979م)، والزمن الآخر (1985م)، ومحطة السكة الحديد (1985م)، وأضلاع الصحراء (1987م)، وبنات إسكندرية (1990)، ومخلوقات الأشواق الطائرة (1990م)، وحجارة بوبيلو (1993م)، واختراقات الهوى والتهلكة (1993م)، ورقرقة الأحلام الملحية (1994م)، أبنية متطايرة (1996م)، حريق الأخيلة (1996م)، ويقين العطش (1996م)، وصخور السماء(2001م)، وطريق النسر(2002م)، وترابها زعفران: نصوص اسكندرانية (1985)، والغجرية ويوسف المخزنجي(2004م).

لمحات عن ثلاثية الخراط:

رواية “رامة والتنين”، و”الزمن الآخر”، و”يقين العطش”، والتي اشتهرت بمجموعها بثلاثية الخراط، نظرًا إلى قيمتها التعبيرية والمضمونية وشهرتها الفائقة وترجماتها إلى اللغات العالمية الحية. ويقدم الجزء الأول (أي رواية “رامة والتنين”) من هذه الثلاثية حكاية عشق تستمر في الأجزاء الثلاثة، لكنها تغطي في الجزء الأول أحداثًا من منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وفي الجزء الثاني أي في رواية “الزمن الآخر” نتابع حكاية العاشقَيْن على خلفية العقد التالي، من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، في حينٍ يُكمل الجزء الثالث “يقين العطش” قصة العشق المحورية في العقد الذي يبدأ في منتصف الثمانينيات ليصل إلى منتصف التسعينيات.

شكّلت روايته “رامة والتنين” حدثًا أدبيا بارزًا، حيث بدت على شكل حوار بين رجل وامرأة، وقد اختلطت فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية. ترصد هذه الرواية تفاعلات النفوس الإنسانية التي ذاقت مرارة الهزائم والإنكسارات وتفجر مكامن الخوف في الإنسان الذي تتقاذفه أقداره دون طوق للنجاة يصل به إلى بر الأمان “ألا ترين أن العالم كله من حولنا يطفح بالقسوة. بمبرر أو من غير مبرر، سواء. والجدران والناس التي لفحها طيب الشهوات والإخفاق وضربتها الرياح واللامبالاة، جافة محروقة. وتدور حول تجربة الحب الضائع التي يعيشها مثقف مصري قبطي، والرواية تحكي لنا قصة حبّ ميخائيل بطل الرواية لرامة.

كما نرى في هذه الرواية هموم وجودية وتساؤلات كونية؛ معنى الوجود، ومكانة الإنسان بالكون، وإمكانية التواصل، العشق، الموت، الحلم، العنف، ويطرح الروائي كل هذه الموضوعات بشكل ملحٍّ على طول الرواية. ومن الناحية الفنية تتميز الرواية بتفرداتها الأسطورية، والواقعية، والحداثة السردية، بالإضافة إلى أسلوبها وتقنياتها. وقد توصل الباحث إلى نتيجة إلى الإفراط في توظيف التقنيات الحديثة أدى إلى ملل وغموض في الرواية.

ورواية “الزمن الآخر” من إحدى روايات الخراط الشهيرة، وتعتبر امتدادًا لرواية الخراط الأولى “رامة والتنين”، فهي وجه آخر لرواية الكاتب الأولى “رامة والتنين” متوازية وممتدة تجربة فريدة، حبّ شبقي صوفي متوهج يسعى إلى الكمال النادر والمستحيل. ولغة الرواية ثرية بمستوياتها الشعرية والعضوية والعقلية، والرواية إجابة عن أسئلة في فلسفة الحياة لاتنتهي وهي: ما هو الحب؟ وماهي المعرفة؟ وما هو العدل، وهل هي ممكنة؟ وكيف؟ هل المرأة، في ذروة تحققها، فوق الزمن؟ وهل تصبح التجربة الجسدية وجدًا، وخلودًا، وجوهر الحقيقة؟ وهل القتل طريق للعدالة؟

والرواية جاءت في الواقع الأرضي، واليومي، مضفورة بالأساطير الفرعونية، واليونانية، وصياغة الروح القبطية بعبقرية العربية الناصعة. كما هي رواية وعي متميز بقضايا مصرية، واجتماعية، وفكرية، وطبقات التراث المكنون وطبقات الجسد الجريح المنتصر، ورؤية لمصر المعاصرة والأزلية المقهورة والمتحدية التي تتجاوز الزمن.

وأما رواية “يقين العطش” فهي آخر حلقة من ثلاثية الخراط، تكمل مسيرة رامة وميخائيل. و ترصد الكثير من المشاعر الإنسانية المتناقضة والصراع الدائم بينهم. وهي رواية الوقوف بصلابة، والشهوات العارمة، والعشق المقيم، والتطلع إلى المستقبل رغم الهزائم والطعنات التى تصيب جسد الوطن وأجساد الأبطال معًا. و من الناحية المضمونية قام الروائي بسرد ملحمة معاصرة لبطل روائي قبطي وحبيبته المسلمة رامة، على خلفية من الأحداث السياسية، والاقتصادية، والثقافية التي تتخذ من مصر مركزًا، وإن كانت تتفرع وتتشعَّب لتغطى أحداثًا عالميةً.

(ألف) قراءة اجتماعية في ثلاثية الخراط:

عاش الخراط حياة متأثرة بالأوضاع الاجتماعية، والثقافية والسياسية السائدة في مصر في القرن العشرين الميلادي بشكل عام، وفترة منتصف القرن العشرين بشكل خاص، والتي لها أثرات إيجابية في تكوينه شخصيته العلمية والأدبية.

تشير القراءة الاجتماعية في ثلاثية الخراط أنه عالج عدة قضايا اجتماعية فيها، فمن هذه القضايا :

قضية الريف المصري: وتوحي دراسات عابرة لثلاثية الخراط إلى أنها تعكس ارتباطًا عميقًا بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي للفلاحين البسطاء، والمهمشين، والتزامًا نبيلًا بقضاياهم ومشكلاتهم. فعلى سبيل المثال – لا الحصر – نرى في رواية “رامة والتنين” الاستقبال الريفي بعفويته ودفئه حينما تبيت رامة عند عمّ فانوس في إدفو في الفصل الثالث عشر المعنون بــــــ “الموت والذبابة”[iv]، وبالتالي تلتزم روايات الخراط بالمألوف والعادي واليومي السائد في المجتمع المصري ريفيا كان أم مدنيا في كل مساراتها[v].

قضية هموم الإنسان المصري والتعبير عنها: تقدم ثلاثية الخراط لنا هموم الإنسان المصري العربي، وطموحه، وحبوطه، وإنجازه وعجزه كما سادت هذه الهموم في مصر في سبعينات القرن المنصرم، غير أنه اتخذ أسلوب الوصف الحسّي لهذه الهموم، وقام بتفصيل واقع المصريين وصفًا حسّيًّا مشحونًا بحرارة التماسِّ المباشر، مما يجعلنا نشعر وكأننا نرى اليوميَّ والمألوف للمجتمع المصري والإنسان الساكن فيه في ضوءٍ جديدٍ[vi].

قضية الجنس: عالج الخراط ثيمة الجنس على الطريقة الفرويدية، فنقع في رواية “رامة والتنين” على أوصاف نابضة ومسهبة وجرافية (graphic) للتوحد الجسدي مع الحبيبة، إلا أن الرواية أبعد ما تكون عن الإباحية ولايمكن اعتبارها رواية بورنوغرافية على حدّ تعبير الناقدة فريال جبوري غزول في كتابها “الريادة في الرواية – ثلاثية الخراط”[vii]، ثم تستشهد بمشهد من مشاهد الوصل الجسدي حيث يتم التوحد بين العاشقين في منتصف مقطع تطغى على أوله نبرة الحنان وعلى آخره صور التضحية، بحيث يفقد الفعل الجنسي قيمته الغريزية ودلالاته المبتذلة ليصبح موحِّدًا لعاطفة الحُنوّ ورغبة في التضحية، والمشهد يتمثل في ى النص التالي:

“رامة .. أريد أن أضع ذراعيَّ، كلتيهما، على كتفَيْك، أن أحيطَ بهما عنقَك. الحنان الذي لك في قلبي يملأ العالم أريد أن تحملك موجته الرقيقة الساكنة التي يغرق فيها كل شيء. أريد أن أنحنى فأقبِّل وجنتك الناعمة، أن أضم إلى صدري وجهك الباكي، أن ترتاحي لحظةً بين ذراعيَّ وأن أمحوَ الألم عن ابتسامتك الجريحة، أريد أن تجدي معي الأمن من حيرتك وبحثك، فلا تعود هناك أسئلة، يا حبيبتي. عظام الوجه المسفوحة تحت شمس الصمت تحلم، حلم اليأس، أن تتمرغ على نعومة وجنتك. الذراعتان المتلويتان على فراغ الضلوع المشدودة العطشى إلى لُدونة نهدَيكَ تطلبانك، والعمود الصلب المتوتر بإرادة أن يغوص في عتمة الدفء المخضلّ المرتعش… الخ”[viii].

هكذا يسوق الروائي أوصاف الحبيبة ومشهد الوصل بين رامة وميخائيل، في أسلوب يفتقد الفعل الجنسي قيمته الغريزية، كما يفعل القاص الأردوي سعادت حسن مانتو لدى معالجة الجنس في قصصه القصيرة، لكن الذي لايمكن جحده أن القارئ قد يجد بعض الأحيان في ثلاثية الخراط أن الجنس يصل بعض الأحيان إلى حد الإسراف خاصة في رواية “رامة والتنين”. ومن هنا الجنس في ثلاثية الخراط يرتبط بعواطف اجتماعية مصاحبة بتبادل الخواطر العاطفية والتضحية لأجل الآخر، والجنس روايات الخراط – على حد لسان الناقد شوقي بدر – ينقلب أحيانًا إلى عواطف سامية[ix].

قضية الهوية: يقف الروائي إدوار الخراط بجانب المجتمع القبطي المسيحي بشكل متين منحازي، ويعبر عن لغته، وثقافته، وطقوس وملابسه وأزيائه بشكل؛ فالبطل ميخائيل هو مسيحي لكنه يهدف إلى تعزيز العلاقات مع المسلمين من خلال علاقات ميخائيل مع رامة المسلمة.

قضايا الحب والموت والحياة: خاضت ثلاثية الخراط في غمار قضايا الحب والموت والحياة، والتي تعتبر من القضايا الإنسانية وأبرز ظواهرها. وعلى سبيل المثال وقفت روايته “رامة والتنين” أمام قضايا إنسانية مهمة كالحب والموت في صيغة أسطورية شرقية وعربية بوجه خاص، كما تميل إلى الميثولوجيا القديمة، وتعطيها نكهة مصرية محلية؛ إضافةً إلى تفردها وإبداعها على مستوى المضمون والتعبير. والحب عنده أحسن شيء يلجأ الإنسان إليه حتى في أصعب حالاته وأقسى ظروفه، ويرى أنه لا يمكن الحياة بدون الحب، والحب لدى رامة شيء مقدس ليس بحب مادي محض، ويصل الخراط بالحب الإلهي إلى ذروة الكمال. وعلى سبيل المثال يجد القارئ في روايته “رامة والتنين” تداخل مشاعر الحب والموت والحياة بشكل يثير الشجن في نفس القارئ، حيث يقول البطل ميخائيل:

” إن الحب حالة من الوحدة لا شفاء منها ويصف شعوره: “والحب؟ الحب كذبة.. هو الشهوة العارمة للخلاص من الوحدة، الاندفاعة التى لا تتوقف نحو الاندماج والاشتعال المزدهر لكنه يدور أيضاً فى الوحدة، وينتهى بتكريسها، أكثر علقماً من الموت، نحن نحب وحدنا، الحب أيضاً وحدة لا شفاء منها”[x].

الانسجام الطائفي بين المسلمين والمسيحيين: وبالرغم من أن الروائي إدوار الخراط يحتفي بانتمائه إلى الديانة المسيحية، والإشادة بالثقافة القبطية وتعزيزها ويحاول إحياء الثقافة القبطية الفرعونية لكنه يبحث عن الوحدة الوطنية ويحاول إيجاد الانسجام الطائفي بين مختلفي الطبقات والفئات المصرية وثلاثية الخراط تعرض العلاقة الحميمية بين المسلم والمسيحي، بحكم عاطفة الحب النبيل، والانسجام الطائفي؛ ففي الروايات الثلاثة العاشق “ميخائيل” هو المسيحي، والحبيبة “رامة” هي مسلمة؛ فهي تعزف لحن الانسجام الطائفي بين المسلمين والأقباط المسيحيين.

غير أنه لايمكن في مجتمع محافظ مصري أن يتعايش العاشقان؛ شاب مسيحي وفتاة مسلمة معًا، كالزوجان بسبب اختلاف الدين؛ ومن هنا يحاول البطل من كل الطرق أن يعيش مع حبيبته المسلمة لكن لا يجد له طريقًا لأن المجتمع لايسمح لهما بذلك. كما نرى ميخائيل يصف مشاعره تجاه حبيبته:

“أنت عندما تفقد شيئاً تعرف أنه لن يعوض، لا يعوض، وترفض مع ذلك، ترفض هذا الحس بالفقدان، تتمرد عليه كل جوارحك كما يتمرد شئ حى متوفر بالحياة ضد ما يحمل إليه الموت، ترفض، كأنك تحطم السماء بيديك العاريتين، كأنك سقطت على تراب القبر، تدق أرضه بقبضتك المضمومة وتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، فى داخلك. الفقدان هناك قائم، شئ ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذى يغلف حياتك نفسها، لا أمل أبداً فى استرداده، عليك أن تطيقه، أن تحتمل فجوة الضياع الذى لا يحتمل، وأن تعيش معه، لماذا تعيش؟ أنت ترى نفسك ميتاً، وتعيش مع الموت، وتحمله معك، وتصبر عليه، وتعانيه، أنت تحمل ميتاً فى داخلك، والميت هو أنت أيضاً. قبر متحرك يوارى هذا المدفون من غير غطاء ولا كفن”[xi]. ومن هنا يستسلم ميخائيل البطل للموت، ويدفن حبه بقلبه ويرحل بعيدًا قائلًا لحبيبته:

 “فهانذا أُسلم نفسي لآخر ما عندي – بقدر ما أعرف، آخر ما يوجد – إنني أواجه الألم المتصل، حتى اليوم الأخير، من غير درع، من غير تغطية، من غير تبرير”[xii]. وعلى هذا، تنتهي الرواية حيث يعانق الحبُّ الموتَ.

 القضايا الإنسانية: تعتبر رواية “رامة والتنين” رواية تأملية تبحث عن قضايا الإنسان المعاصر ولاتتخلى عنها ولو للحظة. ولدى دراسة الرواية يجد القارئ حوارات خصبة تدور بين ميخائيل ورامة حول عناصر القضية الإنسانية: الحب، والحياة، والموت، والتعايش السلمي، كما تدور حوارات أخرى حول الأساطير والتنين وكثير من الموضوعات الإنسانية. ومن خلال هذه القضايا الإنسانية يقف الخراط أمام الإنسان وهو يتكلم عن قضاياه ومشاكله وهمومه ويحاول إيجاد الحلّ، ويتكلم عن الحب كموضوع رئيسي في الحياة الذي ظل ومازال أثيرًا لدى الإنسان ككائن بشري. نرى أن شخصية ميخائيل شخصية مواصلة ومستمرة لدى الخراط في ثلاثيته الروائية كلها وكذا شخصية رامة في هذه الروايات، وتتمثل شخصياتهما في الآلهة، والشخصيات الأسطورية يريد أن ينجي الإنسان مما يواجهه بكلماته وأقواله التي تدور حول الحب[xiii]. ومن الموضوعات الإنسانية الأخرى في رواية “رامة والتنين” هو ظاهرة الألم والوجع الإنساني. ويرتبط الحب بهذا الألم عند الخراط. فيقول الروائي الخراط: “عندما يمتزج الحب كعاطفة صادقة بوجع الحياة، تضحي الحياة أجمل حتى بعذاباتها؛ فهي تحمل في ثنايا تواترات ساعاتها وأيامها لحظات ساحرة، وومضات آثرة من ذاك الحنين الذي يترك داخل القلب، واعدًا بآمال محققة”[xiv].

قضية الارتباط الاجتماعي المحلي:

نجد الروائي خراط يحاول الربط بين الحلم والواقع؛ بين الأرض وأبناء الأرض على أرض الواقع. ومن هنا نلاحظ في ثلاثيته على سبيل المثال في رواية “رامة والتنين” أنها زاخرة بصور وألوان أرضية الوطن، والمجتمع، نحو صورة القاهرة، والإسكندرية، والنيل، وصور عن أبناء الوطن المصريين، والتعبير عن مآسيهم. كما نرى في هذه الحوارات:

ميخائيل: صحيحٌ! وليس هناك مع ذلك أجداد مباشرون… الشيء المؤكد الوحيد أنه ليس في عروقنا دماء العرب[xv].

الفنلندي: سحرتني دائمًا حكايات المصريين، هذه الإهرامات، ما هي؟ أليسوا هم الذين يقدسون البقر؟[xvi].

فهو يحاول ربط المجتمع المصري بتوحيد شتى أنماط الحياة على قيم القبطية والثقافة المصرية القديمة، ومن هنا يتجلى الارتباط الاجتماعي المحلي من خلال الحضارة المشتركة فيما بين الفئات الاجتماعية العديدة، وأصلها “الفرعوني القبطي” حسب رأيه.

قضية المرأة: يحاول الروائي كشف كينونة المرأة المصرية في ثلاثيته وصورها المختلفة التي تراها من خلالها الرجل المصري.

“عرفت أقنعتك السبعة أي رامة البجعة الساحرة كيركي، العنقاء، القطة الأمازونة، إيزيس، ولا أعرفك، وسمعت أصواتك ساكنة تطلبين النجدة، وصوتك صلبة، وصوتك العلمي، وصوتك عاشقة، وصوتك الشهواني، وصوتك الأجش، وصوتك حالمة…” [xvii].

يجمع الروائي هنا كل الأقنعة الأنثوية الميثولوجية في شخصية رامة من خلال صورها الشتى المشبوبة بالحب، والانتقام، والتضحيات، والعاطفة الإنسانية، والشجاعة، والكرامة، والمحاربة لأجل العيش الحر النبيل.

التسامح الثقافي والديني: من خلال رواياته حاول الخراط بث الوعي بالتسامح والتجانس بين الفئات الاجتماعية المسلمة والمسيحية والفرق الأخرى. وفي قصة معمدانية تحكي أم ميخائيل المسيحية قصة إبنها للراوي، حيث كان الإبن على وشك الموت، في القطار، فاقترب منه شيخ مسلم على رأسه عمامة صغيرة بيضاء كالفل على اللبدة الطرية، والذي أخذ يقرأ القرآن بصوت خفيض، كأنه يدعو الله أن ينجي الطفل الرضيع….. فإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن مصر طوال تاريخها لم تعرف التفرقة بين مسيحي ومسلم باسم الدين وبسبب الاختلاف في الثقافة أو نمط الحياة، وأنه في وقت الشدائد يظهر العنصر الأصيل للأمة المصرية مهما كانت الظروف والأسباب.

وفي موضع آخر نرى أم ميخائيل تُقسم بحياة الصوفي سيدي المرسي أبو العباس، حيث تقول للسارد بعد الزيارة التي لم يجد فيها صديقه بشقته فوق السطوح: “وكليت الحتة بكليتها وحياة سيدي المرسي قالت لغاية كده ولأ”. وعندما أغار الإنجليز على مدينة الإسكندرية كانت عبارات المسيحين “أبانا الذي ..” تختلط بسورة الكرسي، والدعاء باليونانية والطليانية يختلط بيا لطيف يا لطيف يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف، وعندما تنتهي الغارة بالصفارة الطويلة المتصلة كانت الناس تضحك، وتصعد سلالم المخبأ، وهي تكاد تسقط من النوم”[xviii].

كما يبدو الانسجام الفكري والطائفي في موضع آخر عندما يقول السارد: “كنت أحفظ الشعر الجاهلي واقرأ القرآن، وأترجم رواية مغامرات اسمها (السهم الأسود) وأحب الفتاة الأرستقراطية ..”[xix]، وكان يقرأ فجر الإسلام وضحى الإسلام لأحمد أمين، والسارد هنا “ميخائيل” الذي يمارس كل هذه الأعمال المختصة بالمسلمين فقط، لكنه يفعل كل هذا، للتقريب الفكري ولأجل إيجاد التسامح الديني والثقافي كذلك، فلا يجرمن أحدًا شنآن قوم على ألا يعدلوا في الأخذ والاستفادة من ثقافة الآخر، وبالتالي تجمع الثلاثية الروائية بين شخصيات مسيحية غير متعصبة، واليهودي العدو اللدود للصهيونية، والمسلم الماركسي الليلني، والمسلم الملتزم بمبادئ الإسلام، ومن هنا يحاول الروائي الخراط إيجاد التسامح الثقافي والفكري في مجتمع ذي أفكار متنوعة حاملٍ لقيم مغايرة.

(ب) قراءة فنية في ثلاثية الخراط:

تقنيات الرواية: وظف الخراط في ثلاثيته تقنيات جديدة وفريدة تعتمد في حكائيتها على توحد الذات مع المتن الروائي، بحيث يمتزج الإثنان معًا ويفرزان نوعا من القص السردي يعتمد في نسيجه على خصوصية في السياق والتناول، على مستوى اللغة ودلالتها، وعلى مستوى الأبعاد والأسلوب. وفي روايتي “رامة والتنين” و”الزمن الآخر” وظف الخراط تقنية الكولاج والمونتاج في السرد والوصف. ومن خلال هذه التقنيات يشير الروائي إلى خصوصيات كل الثلاثية؛ الجزء الأول من الثلاثية أي “رامة والتنين” يتمثل “الجموح” والجزء الثاني (الزمن الآخر) يمثل “التأمل” والجزء الثالث (يقين العطش) يمثل “الحنين”، فتقنية النوستالجيا النقدية هي الخصيصة الأخرى لرواية “يقين العطش” من الثلاثية.

الأسلوب واللغة:

إن من أهم ميزات الخراط الروائية فيما يتعلق بالأسلوب هو شبقية الأسلوب. والشبقية عبارة عن قدرة الخراط على تشبيق اللغة؛ أي قدرته على شحن أي جملة في خطابه المتنوع بطاقةٍ شبقيةٍ فريدةٍ[xx].

وأما لغة الثلاثية فقد يبدو الروائي متذوقًا للغة للغاية. إنه قام بتجريبات لغوية على محاور شتى، منها:

لغة هجينة: يعتمد الخراط على لغة هجين تجمع بين كثافة البلاغة العربية واللغة الشعبية، خاصة عند استخدامه الجمل الحوارية إلى أن عبرته الكاتبة فريدة النقاش صانع لغة تختص به[xxi].

الفصحى والعامية: وظف اللغة الفصحى بشكل أغلب واهتم بتوظيف اللغة النقية الجذلة، ولغته قوية حساسة للغاية ترقى بعض الأحيان إلى مستوى الشعر، ولغته خالية بالاستسهال والركاكة، لكنه استخدم العامة كذلك بعض الأحيان.

الجمع بين الشعر والنثر: إنه حاول الجميع بين قالبَي الأدب؛ النظم والنثر، حيث تتداخل هذه الأجناس الإبداعية في ثلاثيته وحاولت الهيئنة العامة لقصور الثقافة الجمع هذه الأشعار المتداخلة من ثلاثيته ومن بعض رواياته الأخرى مثل ترابها زعفران بإفراد الأشعار، ونشرتها في شكل كتاب معنون بــ “طغيان سطوة الطوايا” عام 1996م.

المهارة اللغوية: يبدو الخراط في ثلاثيته متربعًا على عرش اللغة والتعبير بكل هدوء، كما نلمس في رواية “الزمن الآخر” مهارة لغوية واستغراقًا بيانيًّا وانغماسًا لفظيا في متعة الكلمة المصوتة من خلال التزام الروائي بالجناس كما نرى في الاقتباس التالي:

“وعلى الرغم من دغلة الغضب المتوغلة في مغاوري وعلى الرغم من غابة الغيلان المراوغة فإن غنّة غوايتك لاتغادرني مغمغمة بأغنيات غامضة المغزى، غوائل الغلة قد غدت أضغاث لغوٍ غابر، وغاشية غبش الغمر قد غابت في غضون غرارة لها نغمات الملاغاة، بغي طغمة مغانيك يغلِّلني، غرامي فيك غلواء وطغيان غريم ليس غريبًا ولايغيب عني بل موغل في أغواري..إلخ”[xxii]. هنا نرى يغلب على العبارة المذكورة حرفٌ معين، وهو “الغين”، ومن خلال هذا الإصاتة الغينية يفرض الخراط شفرة صوتيةٍ مثل شعراء المعلقات، خاصة عندما نلاحظ هذه الإصاتة في أماكن أخرى مع الحروف الأخرى مثل الإصاتة الهمزية[xxiii]، والهائية[xxiv]، والسينية[xxv]، والصادية[xxvi]، والجيمية[xxvii].

الوصف الدقيق: كما تميزت ثلاثية الخراط بالوصف الدقيق للأماكن والحبيبة. فهو يصف المدينة بكل أحيائها وميادينها وسكانها على سبيل المثال يصف القاهرة الفاطمية وميدان الحسين، والغورية في الزمن الآخر بشكل دقيق. ويقول واصفًا لساحة مزدحمة بالبشر والسلع التجارية:

“كانت الساحة مزدحمة وبهيجة، تحت المئذنتَين الناحلتَين برشاقة فيها نفس بيزنطي، وكل الدكاكين مفتوحة ومنيرة، الكتب الجديدة والقديمة في الواجهات الزجاجية، مفروشة على موائد الرصيف، والجلابيب البلدي الرجالي المخططة والسادة، والقمصان الحريمي الملونة والمشغولة بالسلك والترتر المهتز، معلقة من خطاطيف كأنها لحم مفرغ، والجموع تزحف ببطءٍ، متلاحقة ومتلاصقة بين عربات السندوتشات ودكاكين الفول والطعمية وباعة البخور والسبح… إلخ”[xxviii]، هنا نرى كيف يصف الخراط تلك الساحة بأوصاف حركية بكل ألوانها وملامحها وتقاطيعها.

الواقعية الحسية: استخدم الروائي استعاراتٍ متفرعةٍ وتشخيصات نابضة وتشبيهات بارعةٍ ومن ثم يطلق بعض الناقدين على أسلوبه بالواقعية الحسية[xxix]. كما يقول في مكان وهو يصف نسخة للقرآن الكريم: “.. نسخة كبيرة من القرآن، مفتوحة وكأن كل جانب منها صدر سفينة مقوس ممتلئ بالكبرياء، ينبثقان من محور واحد، ويبحران معًا بحركةٍ لازمن فيها”[xxx].

هكذا حاول الخراط التخلص من الأسلوب السردي المألوف، والارتقاء بشخصياته إلى مستوى التمثيل على خشبة المسرح الروائي، ليأتي بأساليب مبتكرة جديدة وهذا ما توفق فيه الخراط الذي سعى بكل مهاراته الفنية والأسلوبية على تخريج الحوار من محاله الأصلي “المسرح” وتوصيله إلى المدار السردي “الرواية” ليخلق بذلك نوعية روائية جديدة أي “مسراوية” متميزة ومتفردة في الأدب العربي المعاصر[xxxi].

نهاية المطاف:

هذا قليل من كثير مما يتلخص نتيجة القراءة المتأنية في روايات الخراط الثلاث: “رامة والتنين” و”الزمن الآخر” و”يقين العطش” والتي عرفت في الساحة النقدية بثلاثية الخراط، إذ تتداخل الأحداث والأزمنة بين هذه الروايات الثلاث، ومن خلال هذه الثلاث مارس الخراط مواضيع عديدة اجتماعية وسياسية، وتميزت هذه الروايات باللغة الشعرية، والأسلوب الواقعي الحسي، مع توظيف أحدث التقنيات الروائية وآليات السرد الجديدة، والتجارب الإنسانية، والجرأة العالية للغاية في التعبير عما يختلج في خواطر الإنسان، والوصف الدقيق المسهب، والجمع بين السرد والشعر، والتفنن بتوظيف تقنية الأساطير والتفنن الإبداعي، والارتفاع بالقارئ من الكآبة والضيق إلى آفاق الممكن والمتع، والتمرد على المألوف والسائد. ومن هنا يمكننا الإطلاق على الخراط بعد هذه القراءة من بين أوائل الكتّاب الروّاد الذين حاولوا التجديد والتغيير على مستوى الشكل والخطاب وبدأوا تعريف القوالب الجديدة المتمشية مع التيارات الحديثة. كما تجلت من خلال هذه الثلاثية الروائية شخصية الخراط بأنها ذات أبعاد مختلفة. مارس شتى الفنون الأدبية كشاعر، وفنّان تشكيلي، ومترجم للمسرح والرواية، وروائي، وناقد إلى أن تَفاضلَ أسامة حبشي بينه وبين نجيب محفوظ وهو أيضًا من سبق أن كتب “ثلاثيته” وآثر الخراط على نجيب كما يقول: إن “أعمال إدوار الخراط أفضل من نجيب محفوظ”[xxxii]. ربما تكون مبالغة في هذا القول بمقارنته مع عملاق الأدب الروائي نجيب محفوظ، لكنه نراه وجهًا معروفًا في الجيل التالي لجيل نجيب محفوظ.

الهوامش:

[i] . روبرت ب. كاميل ، أعلام الأدب العربي المعاصر سير وسير ذاتية، مركز الدراسات للعالم العربي المعاصر، جامعة القديس يوسف، بيروت، المجلد الأول، الشركة المتحدة للتوزيع، عام 1996م، ص 530.

[ii] . إدوار الخراط يحكي عن إبداعه، حوار مباشر، منشور على موقع سودان آن لائن في يوم الأحد 8 حزيران عام 2003م، من خلال الرابط التالي: (https://sudaneseonline.com/msg/board/2/msg/1055186057/rn/1.html). تاريخ الزيارة: 17/01/ 2020م.

[iii] . روبرت ب. كامبل، أعلام الأدب العربي المعاصر سير وسير ذاتية، ص 530.

[iv] . إدوار الخراط، رواية رامة والتنين، يرجع إلى صفحات 279 حتى 301.

[v] . نفس المصدر، يرجع إلى الفصل الأول في حكاية الجريمة الطقوسية المتمثلة في قتل البجعة.

[vi] . فريال جبوري غزول، ريادة الرواية – ثلاثية الخراط، ص 44.

[vii] . ص 46، وقد أطلق بعض الناقدين على الصورة الجنسية كلمة إيروغرافية بدلًا من بورنوغرافية، إذ روايات الخراط تصور لنا علاقة عشق لا علاقة عهر، راجع للفرق بين إيروغرافية وبورنوغرافية إلى كتاب الناقد الماركس ستيفان مورفسكي التالي:

Stephan Marowski, Inquiries into the Fundamentals of Aesthetics (Cambridge, Mass.: M.I.T. Press, 1974), Chapter 2, “Art and Obscenity”, pp. 362-392.

[viii] . إدوار الخراط، رامة والتنين، ص 72، 73.

[ix] . شوقي بدر يوسف، غواية الرواية: دراسات في الرواية العربية، ص 50-55.

[x] . إدوار الخراط، رواية “رامة والتنين” ص 56.

[xi] . إدوار الخراط، رواية رامة والتنين، ص 70.

[xii] . نفس المصدر، ص 347.

[xiii] . هادي نظري منظم، و شهرام دلشاد، مقومات العالمية في رواية “رامة والتنين” لإدوار الخراط في ضوء نظرية حسام الخطيب “دراسة في الأدب المقارن”، مجلة الجمعية العلمية الإيرانية للغة العربية وآدابها، فصلية محكمة، العدد الـــ 34، ربيع 1394 ه.. ش. / 2015م، ص34.

[xiv] . إدوار الخراط، رواية “رامة والتنين” ص 237.

[xv] . نفس المصدر، ص 169.

[xvi] . نفس المصدر، ص 168.

[xvii] . إدوار الخراط، رواية رامة والتنين، ص 174-175.

[xviii] . إدوار الخراط، رواية يابنات إسكندرية، ص 80.

[xix] . إدوار الخراط، رواية يابنات إسكندرية، ص59.

[xx] غزول، فريال جبوري، الريادة في الرواية – ثلاثية الخراط، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الأولى، عام 2018م، ص 9.

[xxi] . إدوار الخراط ينكس راية التمرد في مواجهة الموت، مقال وجيز منشور في موقع “الرواية” بتاريخ الأول من شهر ديسمبر عام 2015م، بتوقيت 10:10 صباحا، من خلال الرابط التالي:

(http://alriwaya.net)، تاريخ الاستفادة: 11/ 10/2019م، بتوقيت الهند: 02:09 ليلا.

[xxii] . إدوار الخراط، الزمن الآخر، ص 368.

[xxiii] . نفس المصدر، يرجع إلى صفحة 19.

[xxiv] . نفس المصدر، يرجع إلى صفحة 74.

[xxv] . نفس المصدر، يرجع إلى صفحة 164، و258.

[xxvi] . نفس المصدر، يرجع إلى صفحة 165.

[xxvii] . نفس المصدر، يرجع إلى صفحة 227.

[xxviii] . إدوار الخراط، “الزمن الآخر“، ص 285.

[xxix] . غزول، فريال جبوري، الريادة في الرواية – ثلاثية الخراط، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الأولى، عام 2018م، ص 83.

[xxx] . إدوار الخراط، الزمن الآخر، ص 164.

[xxxi] . ذبيح ليلى، ملامح التجديد في الرواية العربية “كتاب الحساسية الجديدة في الرواية العربية لـــ عبد المالك أشبهون أنموذجًا، ص 45.

[xxxii] . حبشي: أعمال إدوار الخراط أفضل من نجيب محفوظ، تقرير صحفي، تم نشره على موقع أخبارك دات نيت، من خلال الرابط التالي: (http://akhbarak.net/news/2016/02/06/8011503/articles/21026643/)، تاريخ الاستفادة: 30/ 09/ 2019م، بتوقيت الهند: 09:00 مساء.