Main Menu

علي أحمد باكثير في مسيرة الرواية التاريخية (دراسة تحليلية)

بلال أحمد شاه

الباحث في جامعة دلهي، الهند

ملخص البحث:  

علي أحمد باكثير نشأ بمدينة سوربايا في جزر الهند الشرقية (بإندوينيسيا)، حفظ القرآن في سن صغير بمدينة سيئون، وكان به شغوفا بقراءة شعر المتنبي وإمرأو القيس، وهو كاتب إسلامي وروائي ومسرحي بارع وشاعر ماهر. تزوج في حضرموت زيجتن، كان ينشر شعره في المجلات ومن أشهرها مجلة أبولو للدكتور أحمد زكي أبو شادي وترجم عديدا من المسرحية ومن أشهرها روميو وجوليت لشيكسبير وله العديد من الروايات والمسرحيات والشعر. شارك في مؤتمرات أدبية وثقافية، حصل العديد من الجوائز والأوسمة منها: جائزة الدولة التشبيعية للآداب والفنون عام 1962م، ووسام العلوم والفنون تقديرا عن الرئيس جمال عبد الناصر، حصل على منحة التفرع لكتابة ملحة عمر بن الخطاب، وكان عضوا في لجنة الشعر والقصة، كما كان عضوا في نادي القصة الذي أنشأه يوسف السباعي، وسافر البلدان المختلفة مثل : فرنسا، رومانيا، طشقند آسيا و ما إلى ذالك. وفي هذه المقالة سنلقي الضوء على إسهاماته، ومسيرته  في الرواية التاريخية كدراسة تحليلية.

 

الكلمات المفتاحية: قراءة، كاتب إسلامي، شعر، أدبية، ثقافية، تاريخية، عضو، الرواية، المعاصرون، التأويل، التحليل، الإتجاه التاريخي.

مفهوم الرواية التاريخية:

عرفت الرواية التاريخية بأنها عمل فني ينقل إلينا فهم الأديب للتاريخ ونظريته العميقة له إذ يركز كل همه إلى حدث معين للتاريخ. فيحاول تشكيله تشكيلا فنيا لمجالجة قضية من قضايا مجتمعه في ضوء تلك الحقبة من التاريخ إلى يستلهم منها مادة لروايته، فضلا عن ذالك يعرف جورج لوكاتش الرواية التاريخية بأنها “رواية تاريخية حقيقية”، أي رواية تشير الحاضر ويعيشها المعاصرون بوصفها تاريخهم السابق، مع كل ذالك نلاحظ أن الروائيين يتناولون في رواياتهم التاريخية لون التاريخ  بالتأويل والتحليل حسب أهدافهم الفكرية، لأنهم يعرفون أنهم كانوا لا يكتبون تاريخا بل يكتبون أدبا فيه خيال أدبي خلاق بناء على مرجعية ثقافية وجمالية حسب تناسب عصرهم.

يتفق النقاد على أن الرواية التاريخية بدأت على يد الكاتب الإنجليزي (ولتر سكوت) في بداية القرن التاسع عشر بحيث يعد رائدا للرواية التاريخية في الأدب العربي وهو الذي أثبت القوانين الخاصة لهذا النوع من الرواية وكانت محاولته الأولى لهذا الصدد روايته ويفرلي. ثم حظي الكاتب الفرنسي إسكندر ديماس بالرواية التاريخية حظوة مهمة حيث غرز العنصر القصصي على حساب الجانب التاريخي، وأما في الأدب العربي فكان لجرجي زيدان الفضل الأكبر في إدخال هذا الجنس إلى الأدب العربي على حد تعبير النقاد الكثيرين وعلى رأسهم سهيل إدريس رغم ذالك لا نستطيع أن نهمل اهمالا تاما محاولات سليم الستاني حيث أنه ألف روايات تاريخية عديدة، ومن أهمها “الهيام في فتوح الشام” الإسكندرية، و “نوبيا” مع كله أن جرجي زيدان يظل سابقا لغيره في هذا المجال حيث أكثر من الكتابة فيه.

وإذا امعنا النظر في كتاب الرواية التاريخية بعد جرجي زيدان وجدنا أنهم  عنوا عناية خاصة إلى الإتجاه التاريخي، ومن أشهرهم  نجيب محفوظ، عادل كامل، وعبد الحميد جودة السحار، ومحمد سعيد الريان، ومحمد فريد أبو حديد، وعلى رأسهم على أحمد باكثير، فكتب عادل كامل بدافع العرق و النسب والتفت إلى تاريخ مصر القديمة، ونجد نجيب محفوظ كان مشبعا بالدعوة الفرعونية وإحياء أبحاد مصر القديمة. وتذبذب عبد الحميد جودة السحار بين تاريخ مصر القديمة وتاريخ الأندلس وتاريخ مصر الحديث، وأما محمد فريد أبو حديد فأثر في تلك الفترة تاريخ العرب قبل الإسلام موضوعا لروايته التاريخية، وعكسا على ذالك مجد على أحمد باكثير مركزا إهتمامه البليغ على التاريخ الإسلامي في أوطائه المتعددة بما إحتوى على صراعات سياسية وإجتماعية، معتمدا على التاريخ الإسلامي على امتداده الزماني من القرن الثاني الهجري إلى القرن العشرين، وامتداده المكاني من شبه الجزيرة العربية إلى إيران والعراق والشام ومصر، فإتجه في كتابات الروائية إلى التاريخ مغتر فامنه الحوادث والظروف المشابهة لما مرت به الأمة الإسلامية في العصر الحديث، ثم إنتزع من أحداث التاريخ الإسلامي حوادث تاريخية معينة، ليبعث من خلالها مفاهيم فكرية معينة، ويلبسها رؤية معاصرة، ويقدم لنا من التاريخ عملا فنيا رائعا، ويقودنا إلى غايات سامية ومثل عليا، وله مدرسة متميزة في هذا المجال، وأما رواياته التاريخية فهي:

  1. أدريس سهيل، محاضرات عن القصة في لبنان،ط معهد الدراسات العربية.
  2. وا اسلاماه
  3. الثائر الاحمر
  4. سلامة القس
  5. سيرة شجاع
  6. ليلة النهر
  7. الفارس الجميل

وا اسلاماه 1945م:

هي رواية تاريخية، تتناول فترة من فترات الدولة الأيوبية، وهي الفترة التي انتقل فيها الحكم من الأيوبيين إلى المماليك، كما تتناول غزو التتار لمدينة بغداد، وتولى شجرة الدر حكم مصر، ومحاربة قطر للتتار وإنتصاره عليهم في معركة عين جالوت، فتبدأ الرواية بالحديث عن جلال الدين بن خوارزم شاه الذي يعد العدة لمحاربة التتار بمساعدة زوج أخته الأمير ممدود،وإبان التجهيز للمعركة يطلب جلال الدين من أحد المنجمين رأيه في نتيجة المعركة، فتنبأ المنجم نصر جلال الدين أولا ثم هزيمته، ولما كانت زوجة جلال الهدين وأخته حاملة، قلق جلال الدين خشية أن تلد زوجته بنتا وأخته ولدا، وبعد حين تبدأ لمعركة وينتصر جلال على التتار حيث هو يعود ظافرا، والرواية كلها محتوية على هذه المعركة الدامية، إذ نرى محورها من أشد فترات التاريخ العربي والإسلامي، حيث تعرض العالم الإسلامي لخطرين محدقين، مثل الخطر الأول في وجود الصليبي في بلاد المسلمين و خاصة في بلاد الشام، وأما الخطر الثاني وهو الأهم في غزو التتار لبلاد المسلمين واحتلالهم لها، وتمكهن من القضاء على الخلافة العباسية في بغداد. على الرغم من ذالك ركزت الرواية على كيفية النهوض والتصدى لهذين الخطرين بالإعداد والتجهيز للجهاد بقيادة الملك قطز سلطان مصر الذي رد كيد التتار وحقق النصر للمسلمين في معركة عين جالوت، فكانت هذه الرواية بمثابة رسالة للشعب المصري حيث توضح فساد الحاكم في ظل وجود الإحتلال الانجليزي، واستمرار  التناحر السياسي بين الأحزاب المختلفة وبعبارة أخرى هي دعوة للتخلص من الملك الفاسد الموالي للإحتلال وإبداله بقائد وطني مخلص يعلم فعلا على طرد الإحتلال منطلقا من توحيد طاقات الشعب ومعتمدا على مبدأ الجهاد تحت راية الإسلام كطريق لحفظ الكرامة وجلب الحرية والإستقلال. وتعد هذه الرواية شهادة ناطقة على أن في هذا الشعب الذي يسكن على ضفاف النيل قوة كامنة إذا وجدت من يحسن استشارتها والإنتفاع بها أتت بالعجائب، وقامت بالمعجزات.

الثائر الأحمر 1949م:

هي رواية تاريخية، تتحدث عن القرامطة الذين حكموا أجزاء من العراق وجنوب الجزيرة العربية دهرة من الزمن أيام الخلافة العباسية، تبدأ الرواية بالحديث عن حمدان قرمط الذي كان يعمل اجيرا عند إقطاعي كبير يعرف بإسم ابن الحطيم، ويعيل حمدان جميع أهل بيته على قلة راتبه، وفي هذا الأثناء خطب عبدان ابن طم حمدان أخته عالية، فطفق حمدان جولة من البحث عن عالية، بعد وهلة من الدهر يتعرف حمدان على شخصية من قارة العيارسين حيث يكشف أن السارق هو سيده ابن الحطيم فيها جم حمدان القصر حتى خلص أخته ومن هنا ليتمر حمدان في  التنظيم السري لحركة العيارسين لكي يصبح قائدا كبيرا من قادتهم، هكذا يتمكن حمدان من إنشاء دولة القرامطة ولكن سرعان ما ينكشف زيفها وبهتانها، فيأخذ الناس في الهرب ليلا إلى بغداد مركز الدولة الإسلامية، وتضطرب الأمور في دولة القرامطة ويشتد فيها الصراع، وبإمعان النظر ليبدو بشكل واضح أن الرواية لا تهدف إلى تجديد وبعث التاريخ مرة أخرى. بل انما هدفت إلى محاكاة الواقع الثقافي و الأيديولوجي، حيث تخلل هذه الفترة صراع فكري بين التيارات العلمانية والإشتراكية، اضافة إلى بروز الفكر القومي العربي.

فظهرت في هذه الرواية مجموعة من القيم والأفكار التي ترتبط بطبيعته المجتمع العربي الإسلامي وسبيل نهوضه وتقدمه، فأكدت الرواية على أهمية وجود الحاكم الصالح الذي يحرص على مصلحة الأمة فيحقق العدل والمساوات بين الناس ويقضي على الظلم والفساد، ويعمل على إحياء فريضة الجهاد يدل هذا الإتجاه الإسلامي على مدى الفهم العميق، والتفسير الدقيق، والعناء الكبير الذي بذله باكثير فيإثناء تحويله للمادة التاريخية إلى عمل روائي فني ابداعي، هكذا يصور المؤلف جزءا من التاريخ الناصح للحضارة الإسلامية بما يحويه من صراعات وأزمات.

الفارس الجميل 1965م:

هي رواية تاريخية تتناول قصة الخلاف بين مصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان ويدور الصراع بينهما على السلطة في الشام والعراق، اضافة إلى الصراع النسوي بين زوجات مصعب بن عمير.

والملاحظة هنا أن الإسقاط المعاصر في هذه الرواية يختلف عن الروايات الأخرى التي كانت الأحداث يتجاوز فيها إلى أطماع الشخصية والصراع على السلطة إلى الجهاد من أجل دحر عدو أجنبي يهدد العرب والمسلمين كما في (وا اسلاماه، أو الايتعداد له كما في (سيرة شجاع)، أو تفنيد فكرة خطرة تهدد عقيدة الأمة وتفسد كيانها كما في الثائر الأحمر.

وأما في هذه الرواية فيحكي المؤلف قصة الخصومة بين أبناء الصحابة الذين جمعتهم الطفولة والشباب على الموددة والمرحمة والتعاطف، وفرقتهم السياسة والملك بالتنافس والتقال والحروب، وفي هذه الرواية لم يغير باكثير منهجه في الاختيار من التاريخ فحسب بل غير أيضا في وسائل التصوير الفني مستفيدا من التقنية الحديثة التي وصلتها الرواية العالمية، هكذا ختم أحداث الفارس الجميل بنهاية مفتوحة، ويؤكد باكثير في هذه الرواية على أصالته الفكرية والأدبية، وحرصه على الإنتماء التي تصور أمته وقيمها، وإجتهاده المستمر في معالجة الواقع واستشراك المستقبل مستفيدا بدروس الماضي وحكمة التاريخ.

سيرة شجاع 1955م:

هي رواية تاريخية تدور أحداثها حول آخر أيام الحكم الفاطمي وبداية الحكم الأيوبي في مصر، عندما مهد أسد الدين للعهد الجديد ليأخذه من بعده صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على الخلافة الفاطمية هناك.

وهذه الرواية الوحيدة التي تبدأ المؤلف بالحدث التاريخي، حيث تبدأ الرواية بالصراع بين ضرغام وشاور في عهد الخليفة الفاطمي العاضد، إذ ينتصر ضرغام ويهرب شاور إلى الشام مستنجدا بالملك نور الدين، مع ذالك تميزت هذه الرواية عن غيرها بأنها خلت من إلى حدث غير مقنع، كما نرى فيها اكثار التفاصيل التاريخية على الخوالذي رأيناه في وا اسلاماه مثلا المكاتبات بين الصليبين وشاور التي وضعت بجميعها بين ثنايا النص الروائي، وكذالك نرى في بعض مواضيع هذه الرواية يلجأ الكاتب إلى تأكيد وحدة الشعب المصري ضد الصليبين أكثرمن مرة. عكسا على ذالك استخدم باكثير خياله الرائع في تحويل الماضي إلى الحاضر عن طريق تلوين من المصلحين فرصة لتصوير مشاعر السخط العامة بين الناس وفي قلب إلى الفضل تجاه فساد الحكام والإدارة والجيش، وقد حملت هذه الرواية بين صيات صراعها احداثا تاريخية فيها اسقاطات على الحاضر قابلة لشتى التفاسير، إنطوت من مغبة الخلاف وتأثيره على زمامة مصر للأمة العربية.

الخاتمة:

يعتبر على أحمد باكثير أحد رواد الرواية التاريخية الإسلامية في الأدب العربي المعاصر، حيث نشأ نشأة إسلامية منذ نعومة أظفاره، وجعل فكره الإسلامي فلسفة لأدبه ومنهاجا لحياته حتى لم يتخل عنه إلى آخر حياته، بل ظل متمكنا به ومدافعا عنه بفنه وأدبه، حيث نراه معتمدا في رواياته كلها على التاريخ الإسلامي و الشخصيات الإسلامية مشيرا في نفس الوقت إلى أحداث الوقائع وشخصياته مستنبطا من التاريخ الإسلامي النير، واستطاع أن يبرز من خلالها الفكر الإسلامي والقيم الإسلامية في صور فنية ممتعة، وفي أسلوب روائي عذب جذاب، حيث استخدم جميع عناصرها الفنية الروائية مثل : الشخصية، والحبكة، والوصف، والحوار وما إلى ذالك، إذ نرى فيه مهارة خاصة في توظيف الحوار واللغة العربية الفصحى في تطوير  أحداثه وشخصياته.

والملخص أن روايات باكثير التاريخية تدل على أنه عندما تعامل مع التاريخ كان على وطئ تام بأن دور الأديب يختلف عن دور المؤرخ، فالمؤرخ لا يكتب إلا ما حدث بالفعل، وأما الأديب فيقدم تفسيرا لما حدث من خلال توجيه جديد لسير الأحداث والشخصيات التاريخية، وبهذا يعد باكثير من الناحيتين الفنية والفكرية. في نظر معظم النقاد والدارسين الأدب، رائدا في توجيه الشكل الفني للرواية العربية التاريخية توجيها جديدا ينطلق من التصوير الإسلامي الصحيح محيطا بكل أوطانه الوطنية والقومية والإنسانية والإسلامية العطرة معبرا عن الظروف الشخصية والتاريخية والملابسات السياسية في قالب روائي جذاب وخلاق.

المصادر :

  1. وا اسلاماه، علي أحمد باكثير، دار الكتب اللبناني، بيروت.
  2. حرب البسوس، علي أحمد باكثير، دار مصر للطباعة.
  3. الفارس الجميل، علي أحمد باكثير، دار الكتب المصرية.
  4. الثائر الاحمر، علي أحمد باكثير، ط مصر.
  5. سيرة شجاع، علي احمد باكثير، دار الأهلية مصر.
  6. سلامة القيس، علي أحمد باكثير، دار الكتاب بيروت.
  7. ليلة النهر، علي أحمد باكثير، مصر.