Main Menu

ضيق القلب

الدكتورة سميه رياض الفلاحى

باحثة سابقة جامعة على كره الإسلامية

رأت سيارات متحركة على الشوارع و كانت هائمة فى الخيال البعيد ، و ذهبت إلى الأيام الماضية التى عشت عيشة رغيدة معه.

سمعت ضوضاء فى الراؤوقات و ترى فى السماء نجومًا متلالئة تزين السماء و تدور حول الروضات الجميلة الخضرة و تهيم فى الفكر العميق.

سمعت رنينات السيارات و شعرت بتضيق القلب و جلست فى وسط الطريق.

ثم وقفت و مشت فى سيرها وكانت غارقة فى تذكار الشخصية التى حققت أمنياتها و جعلتها شخصية فذّة حتى أصبحت من الذين كانوا يعرفون بين أدباء الغرب والشرق.

أين أنت يا ملاذى؟

و كانت تفيض من الدمع و ساورها القلق و الاضطراب و كانت تحتاج إلى من يعطف عليها و لكن من يعطف؟

قد رحل الذى عطف عليها دائمًا.

و آنست صوت الرجل من بعيد….. كأنها تحلم…..

لا تقلقى يا قلبى !

لن يترك ربك وحدك.

ولكن أنا أصبحت وحيدة فى العالم . أجابت….

ألم تقرأى؟ …. إن الله مع الذين اتقوا…..

أنا تلوت مرارًا ولكن لا أجد من يصاحبنى !

اطمئنى قلبك ولا تقنطى من رحمة الله ، ألم تسمعى منى هذه الآية : ” لا تقنطوا من رحمة الله”.

نعم  !

أجابت و غرقت فى فكر بعيد كأن البحر يموج إلى أقصى حدّ لا يُرى أى شيئ….

تنفست……

و أشمّت ريحه كأنه يقرب منها و ابتهجت ولكن فجأة اكفهرت وجهها….

ثم أحست بوجوده و تبسّمت و حاولت أن تنبس بكلمة …. و تلعثمت….

هل من شخص؟

 أنا….

من أنت؟

أنا ، من أضاء الطريق أمامك فى مرحلة الصعب و مهد السبيل اثناء العراقيل و العقبات….

و قربت أذنيها….

هل هذا يمكن ؟ سألتها نفسها.

لا ! أجاب ضميرها….

فما الصوت الذى سمعته….

لا تحسّى لوحدك يا أمنيتى !

كيف و أنا لا أجد من يسلّينى؟

هل لا تصاحبى أطفالك و أمك و زوجك و أختا لك و إخوانك ؟ سمعت السؤال….

إى و ربىّ !ولكن من يعطف بى مثلك؟

هل أنا فى قلبك؟ سألها…..

نعم !و من فى قلبى غيرك ؟ أجابته….

ألا تعرفين ” فاذكرونى أذكركم”….

من أنت و لماذا أنت تنصحنى و أنت قد رحلت عنى؟

ألا تعرفينى؟

أنت تدوم على السؤال….

غضبت و سخطت ….. و سارت فى مشيها….

سارت …. و قد تعبت …. ولا تجد أي مكان تريح فيه …. و كانت غارقة فى الزمن الماضى الذى كان أرغد من زمن الحال .

كانت تعيش معه عيشة سعيدة بدون شعر القلق و الأسوار حينما كانت تواظب على المشاغل اليومية و تركز على القراءة و الدراسة و تزور الأسواق المالية كل مساء…..

ولا تجد أى حزن و غم فى عيشتها . وتصغ أذنيها إلى أحاديثه و تنصت و تحس بأن الحياة حياة شامخة خالية عن الغم و الهمّ.

ما اجمل الحياة و ما اجمل الكون يا راحة قلبى !

علت صوتها و اهتزت رأسها كاهتزاز موج البحر.

هل لا ترى فى خلق الكون و السماء مرتفعة  والأرض مسطحة والجبال الراسيات بين مدينة طائف و مكة فى رحلة عمرتها. هل تفكر فى خلق السماوات و الأرض؟ سألته.

و كان ينصت لها و يفرح كالطفل بين أحضان والدتها.

أنا دائم التفكير و أحمد الله على نعمه الجزيلة الذى و هبنى مثل حبّك الخالص.

و أتمنى أن تسمى كرفعة السماء و أن تحكمى كالصخر و أن تثبتى كفراش الأرض فى كل مجال الحياة

و سوف أحقق أمنياتك .. أجابت….

و توالت الأيام…..

كانت تحاول أن ترفع إلى اوج الثريا فى ميادين العلم.

كانت تسهر الليالى لتحقيق الدراسات العلمية و تواظب على المشاغل اليومية و تتعب نفسها فى….

و مضت سنوات…..

تحدق فى بهو البيت الواسع و تغرق فى التفكير … ثم و قفت … سمعت رنين الجوال و تفكر من سيكون و فرحت برؤية اسمه على شاشة الجوال.

أنا حققت أمنياتك يا من لم تبخل علىّ بنصيحة أو بكلمة مفيدة !

و ماذا … تلعثم …. واهتز …. كيف …. ثم تلعثم و سأل:

ماذا فعلت يا قرة عينى؟

ألفت الكتاب …. أجابته.

الحمد لله على ما وهبنى من نعمه الجزيلة … وتوجه إلى سجدة الشكر. وقال: سوف اهتم بنشرها….

و تتابعت الأيام…..

و تاق لزيارتها فى الأيام القادمة و اندفعت حرارة حبّها و حنينها إلى الرجل الشفيق و اعتادت نفسها للقاء و كانت تنتظر إلى أن جاء يوم الفرح و الاهتزاز….

ماذا حدث …. و كانت تسأل من شدة حزنها و بكائها …. و تفيض من الدمع دون توقف….

و كانت تصرخ بشدة اليأس و توكل على الله أنه لا يتركها بدون الدعم….

و كانت تقضى أيامها الكاملة فى الدعاء …. ولا تقنط من رحمة الله ….

 ثم جاء يوم الندب لم يكن البشر بدون لمسه….

صرخت بشدة اليأس و تعولت كنبح الكلاب و تعيد إنا لله و إنا إليه راجعون….

هل هذه الحياة جميلة بدونه ؟ تسأل نفسها….

نعم !هذه مشية الرب . ألم تقرأى :” كل نفس ذائقة الموت”؟

سألها ضميرها….

أنكرت و غضبت و قالت : هذا مستعجل …. أنا لا أتركه….

 كيف و أنا ملتصقة بحبّه العميق …. كانت تسأل نفسها …. والناس يسلّونها ولا تنبس بكلمة و تحدق فى جوانبها دون كلمة و تنكر مشية الله…..

و هكذا مضت الشهور …. حتى جاء يوم إلى أن زيارتها إلى طريق المدينة المنوّرة فدارت فى عينيها المناظر الخلابة بين اطياف وادئ الجنّ فى رحلة المدينة كأن الجبال تتمايل و الأشجار تموج و أمامها سماء الشفق كأنها تأخذها بين أحضانها و تتعاطف بعضها ببعض فأحست بالراحة ولكن فجأة قفز تذكار مشفقه إلى قلبها و شعرت بتضيق القلب….

وكانت تحرّك السيارة و هى جالسة بدون حركة …. و ييأست من الحياة … و غرقت فى تلاوة القرآن الكريم حتى جرت الآية على لسانها :” الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون”.

فعادت بهجتها و قالت الحمد لله ولو كانت تعانى من تضيق القلب فى كل لمحة…