Main Menu

صورة إندونيسيا من خلال “في إندونيسيا” للعبودي و “صور من الشرق في إندونيسيا” للطنطاوي: دراسة مقارنة

الدكتورة صديقة جابر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:

 إن العرب يحب التجول والتفرج سواء داخل العالم العربي أو خارجه، لذاك نجد أن تاريخ العالم الإسلامي حافل بالرحالة المعروفين من العرب والمسلمين الذين تفدو حياتهم في تفقد أحوال العالم ونقلها من جيل إلى جيل، وتحملوا المتاعب والآلام في سبيله، وتجشموا المشاكل والأخطار في جمع شواردها واقتناص أوابدها، واستنباط قوانينها وقواعدها، وأنفقوا أغلى ما يملكونه من أموال وأوقات ومجهودات في سبيل هذه المعرفة ونقلها إلى الخلق.

ينفرد كل أديب بخصوصية تميزه عن غيره، وتساهم في تشكيل اهتماماته وأساليبه، لذا يحاول الباحث التعرض لبعض الرحالة بهدف استكشاف أساليبهم واهتماماتهم منذ بداية ظهور هذا الأدب وحتى أواخر عام 1416هـ، وقد حرص الباحث أيضا على تنوع الرحلات فيما يخص تواريخها أو بواعثها سواء كانت إسلامية أو سياحية أو علمية أو عملية، وكان المعيار الأول في اختيار الرحالة هو الجودة أولا ثم الكثرة.

تعدد أدب الرحلات إلى أنواع مختلفة حسب بواعثها، حيث كانت البواعث إسلامية، أو سياحية أو علمية أو عملية فيما اختلفت كذلك في تواريخها، ونحن نعرف أن معظم البواعث للشيخ العبودي إسلامية، فنقارن بين على الطنطاوي لأن رحلاته متأثرة أيضا من البواعث الإسلامية.

إن الشيخ الطنطاوي والشيخ العبودي لم يكتفيا بذكر جمال طبيعة البلاد التي زاراها، أو قسوة الظروف التي يعانيها، بل كانا يُبرزان دائماً ما خلَّفته هذه الديار من أثر في مشاعره وأحاسيسه، ويستعرض -أحياناً- تاريخ تلك البلاد بإيجاز، ودخول الإسلام إليها، والظروف الاجتماعية التي يعيشها الشعب فيها، وعاداته وتقاليده، وما قام به من بطولات، وما قدَّمه من تضحيات حتى تحرر من الاستعمار، ولم نفت أن نتحدث -أو أن نكتب- عن كل زياراتهما، حتى استغرقت قسماً كبيراً من حلقات ذكرياتهما، ولكن نحن نريد أن نذكر الموضوعات التي سجلا بأسلوبهما الأدبي، ونريد نقارن بين كتابين، واحد منهما كتبه الشيخ العبودي إسمه “في إندونيسيا أكبر بلاد المسلمين” وثانيهما ألفه الشيخ الطنطاوي إسمه “صور من الشرق في إندونيسيا” ويحيطان دولة إندونيسيا. الجدير بالذكر أنهما نشرا في نفس الفترة. والمقارنة تتلخص فيما يلي:

البواعث الإسلامية

إن الشيخ العبودي والشيخ الطنطاوي شاهدا الدنيا بعين الإسلام لذلك صار الإسلام أهم مظاهر في رحلاتهما، نحن نرى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأحوال المسلمين ونظام الإسلام في رحلاتهما، وأن الشيخ العبودي يشرح الدعوة الإسلامية في إندونيسيا مزدهرة ومنتشرة بين مختلف طبقات الناس بأسباب مختلفة، ويقول إن الحكومة تشجع على الإسلام وتساعد على ازدهار الدين الصحيح، وأن الضمان الدستوري في اندونيسيا ينص على أن حياة التدين أمر ضروري في قطر قائم على أسس البانتشاسيلا. إن اندونيسيا ركزت على العقيدة الراسخة حول صحة التعليم الإسلامي، ونجد كثيرا من الجامعات والمؤسسات التعليمة المتأثرة بنظام التعليم الإسلامي التي برهنت على نفسها خلال مئات السنين تحت الاستعمار الصليبي.[1]

إن الشيخ الطنطاوي يشرح الإسلام في إندونيسيا قائلا رأيت الإسلام ببهجة وجمال في إندونيسيا، ووجدت أمرين أغبط أهلها عليهما وأتمنى لكل أمة مسلمة مثلهما: “الصحة والنظافة”.

فلا ترى حيثما سرت إلا أجسادا سليمة، ووجوها نضرة، وصحة بادية، ولا ترى نحيلا وضغيفا، وقد رأيتهم لا يطيب لهم عيشا مالم يغتسلوا كل يوم، ومن حبهم للنظافة يغتسل فقراؤهم في النهر، والرجال مع النساء، وهي عادة لا يرضاها الله ولا تقرها المروءة، وليس هذا حرصا على الاغتسال لحرارة الجو أو كثرة العرق بل لطبيعة ركبت فيهم ومن حبهم للنظافة، تجد مساكنهم مرتبة الفرش، منسقة الأثاث، ما فيها بيت إلا له حديقة، بما فيها الأوراد والأزهار، يستوي في ذلك الغني والفقير.[2]

بعد دخول الإسلام في القرن الثالث عشر الميلادي قد اعتنق الإندونيسيون الإسلام أفواجا بدون قهر وجبر، وقد شرح الشيخ العبودي صورة اعتناقهم للإسلام، في البداية كانوا أفرادا ثم انضم لهم أصحاب السلطة وبعدهم عامة الناس لأنهم طبعيا على دين ملوكهم.[3] ورأت اندونيسيا حركة دينية مختلفة في أدوار متنوعة منذ سنة 1945م لأعلاء كلمة الله، وأن الحكومة في اندونيسيا قد أنشأت وزارة خاصة لشؤون الأديان باسم وزارة الشؤون الدينية، وقد أصبح لهذه الوزارة أكثر من 5000 مكتب على مستوى اندونيسيا، وأن الشيخ العبودي ألقى الضوء على كل المنظمات الإسلامية الموجودة في اندونيسيا خاصة تلك المنظمات التي كان لها فضل كبير في حمل أعباء دعوة الإسلام منذ عهد طويل. ومنها منظمة المحمدية، حسب ما ذكره الشيخ العبودي نشأت في سنة 1912م وأدت دورا كبيرا في تبليغ الدعوة الإسلامية في الدولة، وأن الشيخ المرحوم الحاج أحمد دحلان أسس هذه المنظمة التي حصلت على قبول عام في الأوساط الدينية، وأن الشيخ دحلان كان داعيا لفكر التجديد الديني، وتطوير الاجتهاد، وقد لعبت هذه المنظمة دورا هاما لتغيير الشؤون الاجتماعية بين المسلمين، وفي الحقيقة نجحت منظمة المحمدية في الخدمات الاجتماعية على جميع المستويات مثل في خدمات الطب ودار الأيتام ومراكز التدريبات المهنية ولذلك قد تأثر كثير من المثقفين وأقطاب الحكومة بهذه المنظمة، وقال الشيخ العبودي إن الرئيس سوهارتو هو من مستفيدي هذه المنظمة.[4]

منظمة نهضة العلماء: تتميز هذه المنظمة في الدعوة الإسلامية على مستوى إندونيسيا خاصة بجاكرتا وجاوا، وحسب الشيخ العبودي تتمركز هذه المنظمة الآن بجاكرتا وتقوم بتأسيس عدة آلاف من المعاهد الدينية في القرى والأرياف مع إنشاء المدارس الدينية للفقراء والمساكين تبدأ دراستها من الروضة إلى المعاهد العليا، وقد يتقرب بعض الرؤساء والوزراء لهذه المنظمة لمراعاة مصالحهم الشخصية، وقد أدارت هذه المنظمة نشاطاتها من سنة 1950م إلى سنة 1970م، وأن الشيخ العبودي يقول عن هذه المنظمة في كتابه “فإن نهضة العلماء متفرعة لشؤون الدعوة والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية”.[5] ويذكر علي الطنطاوي عن هذه الجمعية أنها أسست بيدي الشيخ هاشم الأشعري المسماة بجمعية نهضة العلماء و”هي جمعية سياسية تعليمية”.[6] ويقول أيضا إنه زار بعض المعاهد العلمية تحت إدارة هذه المنظمة.

المجلس الأعلى الإندونيسي للدعوة الإسلامية

إن هذا المجلس يلعب دورا هاما لنشر الدعوة الإسلامية تحت رئاسة الأستاذ محمد ناصر الذي كان رئيسا لوزراء إندونيسيا سابقا، وهو يصدر مختلف الرسائل والجرائد والكتيبات الخاصة بالدعوة إلى الله، وأن هذا المجلس يهتم بالدراسات والتدريبات أيضا، ويدير بعض المدارس الدينية والعصرية كما يدير المعاهد العلمية والمستشفيات والمستوصفات، وانتشرت الدعوة الإسلامية في مختلف الولايات والمناطق في أسرع وقت ممكن وازدهرت العقائد الدينية الصحيحة بعيدا عن البدعات والخرافات بسبب جهود هذا المجلس.[7] إن الشيخ الطنطاوي أوضح مفصلا عن عمل هذه الحركات الإسلامية ومراحلها المختلفة وأدوارها المتنوعة، وكتب عن بداية تأسيس الجمعيات والأحزاب الإسلامية في اندونيسيا، بعد ذلك ظهرت بعض الأحزاب السياسية تحت غطاء الإسلام وأخيرا قال إن الاحتلال الياباني لأندونيسيا وماليزيا تأثر بالحركات الدينية حتى أسسوا حزب الله والجمعيات الأخرى لمقاومة الإحتلال.

وصف جمال الطبيعة

إن الشيخ الطنطاوي أكثر براعة من الشيخ العبودي في وصف المحاسن وجمال الطبيعة، وهو يمثل ويصور المناظر بأسلوب راق حتى يظهر بصورة حقيقية وواقعية أمام القارئ، كما يقول عن قرية جاوة الواقعة في اندونيسيا “ولما أضاء النهار وبدت عين الشمس تضحك للدنيا من نافذة الأفق فتضحك للقائها الدنيا، كان القطار قد نأى بنا عن البلد، فكانت عن يسارنا مزارع الرز، وعن أيماننا الجبال تلبس فروة خضراء باديا صوفها، تتزاحم على أنواع النبات، فمن دخل هذه الغابات، لم تره عين الشمس، ولم ير هو وجه السماء، لأنه يكون تحت سبعة سقوف من الأغصان والأوراق ورأيت الزهر خلال الأرز، كالشقائق الحمر خلال خضرة القمح في بلادنا، فلما دنا بنا من ذلك القطار، رأينا ما حسبناه زهرا ليس بالزهر، وما ظنناه من النبات، إنما هو البنات الحاصدات بأزرهن الملونة (الفوط) التي تحكي الزهر بنقشها ولونها، وعلى رؤوسهن قبعات الخوص الكبار، كأنها المظلات الملونة المنقوشة، والقوم هناك يحصدون الرز بالأيدي، ثم يجمعون عيدانه الطوال، ويجعلونها كالأهرام، ويعقدونها من فوق، فيكون منها منظر عجيب، كأنها الأكواخ المسحورة في حكايات الجن.”[8]

ومزارع الرز ليست سهولا، ولا يوجد في جزيرة جاوة سهول، وهي عبارة عن غابات فيها النبات المثمر والنافع كالمطاط والنارجيل والخيزران والكتان والموز وقصب السكر، وما مزارع الرز إلا أجزاء من الأرض جردت من أشجارها واقتطعت من الغابة، فهي تحاول أن تتوارى خجولة كأنها الفتاة العذراء جردت من ثيابها، وتحتمي بالغابة فتحميها دوحها، ويحف بها من كل جانب ليسترها ويخفيها، فترى على جوانب الحقل صفا من الدوح يقوم كطلائع الجيش، ومن بعده أشجار الغابات تتابع صفوفها فإن تغلغلت ببصرك فيها أحسست كأنك تنظر إلى الماضي المجهول من وراء الأطلال… أو كأنك تطل على عالم الخفايا الساحرة من كوة الحب.[9]

إن الشيخ العبودي يذكر محاسن جزيرة كاليمنتن الواقعة في اندونيسيا قائلا إن هذه الجزيرة الكبيرة تتوسط إندونيسيا وماليزيا وبروناي يعني أن معظم الأماكن التي يشير إليها الشيخ العبودي يذكر فيها حدود أو تاريخ الأرض وليس فقط بذكر المناظر البهيجة الموجودة في تلك الأماكن، مثل بذكر جزيرة كاليمنتن يقول إنها مشتركة بين إندونيسيا وماليزيا وبروناي، فماليزيا فيها ولايتان هما: صباح وسراواك، وتسميان: ماليزيا الشرقية. وسلطنة بروناي تقع فيها، إلا أنها لا تكاد تعد شيئا من جهة المساحة بالنظر إلى سعة مساحة الجزيرة، وإسمها العالمي “بورنيو”، أما “كاليمنتن” فهو الإسم الملايوي لها، ومعظم الجزيرة تملكها إندونيسيا.[10]

خلاصة القول حينما نرى الفرق بين الرحالين اللذين أسلفنا عنهما آنفا فنجد بينهما فرقا واضحا في الأساليب ونهج الكتابة وتقديم الموضوعات، ولكن كليهما مشترك في الموضوعات الدينية التي نجدها في رحلاتهما.

  1. قد وجدنا أن الشيخ الطنطاوي يقدم جمال الطبيعة بأحسن الطريق ويمثل المناظر البهيجة ونهوضها وهبوطها حتى يحس القارئ بمنظر ورونق الطبيعة أمام عينيه ويقوم بإدخال السرور على نفسه، ولكن نجد أن الشيخ العبودي لم يلتفت إلى وصف المناظر إلا قليلا.
  2. إن رحلات الشيخ العبودي مليئة بالمقالات والمحاضرات التي ألقاها الشيخ العبودي خلال سفره، ويمكن القول إن جميع الكتب التي تخص رحلاته مدونة فيها تاريخ أسفاره ومدة مكوثه في البلدان التي يسافر إليها مثل مذكرة السائح، على سبيل المثال “يوم الخميس 12/08/1405هـ” ويحدد المكان مع التاريخ مثل “مكتب رابطة العالم الإسلامي”.[11]
  3. إن الشيخ الطنطاوي ألقى الضوء على حياة بادية وكان يسرد ذكرها بالتفصيل وكذلك الشيخ العبودي حدا حدوه في هذا المجال، وذكر أيضا الأحوال الاجتماعية بأسلوب راق، خاصة وصف طعام الناس وملابسهم وعيشهم.
  4. وقد وجدنا أن الشيخ العبودي والطنطاوي ينشر الصور الحقيقية لرحلاتهما مثلا الأبنية التاريخية والمساجد والمعاهد العلمية، ولا توجد صور للإنسان.
  5. إن الشيخ العبودي يذكر ضمنا تاريخ الأماكن التي زارها وأحوال المسلمين هناك وأحيانا يذكر حدود تلك الأماكن ولكن الشيخ الطنطاوي يسرد تاريخ الأماكن التي يزورها وحدودها وأحوال المسلمين بالتفصيل الدقيق في باب مستقل.
  6. إن الشيخ الطنطاوي كان يقوم بإضافة الأشعار المحفوظة في ذهنه أثناء لوصف الأماكن ولتثبيت نثره الأدبي.

 

[1] في اندونيسيا ص 39

[2] صور من الشرق في إندونيسيا، ص 64

[3] في اندونيسيا، ص 27

[4] في اندونيسيا، ص 30

[5] المرجع السابق، ص 31

[6] صور من الشرق، ص 118

[7] صور من الشرق، ص 32

[8] صور من الشرق، ص 92

[9] أيضا

[10] في إندونيسيا، ص 221

[11] في إندونيسيا، ص 218

المراجع المصادر

  1. عميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي، محمد بن عبد الله المشوح، دار الميمان 2004
  2. الشيخ العلامة والأديب الرحالة محمد بن ناصر العبودي، حياته العلمية، جهوده الدعوية، رحلاته العالمية، آثاره الحميدة، محمد بن أحمد سيد أحمد، مكتبه الثقافية العصرية 2010
  3. في جنوب الهند رحلات في ولايات تامل نادو وكارناتك واندرا براديش، محمد بن ناصر العبودي، مكتبة ملك فهد الوطنية 1997
  4. نظرات في شمال الهند، محمد بن ناصر العبودي، مكتبة ملك فهد الوطنية 2001
  5. الشمال الشرقي من الهند رحلة في ولايتي بهار وأترا براديش وحديث عن المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، مكتبة ملك فهد الوطنية 2001
  6. في غرب الهند مشاهدات وأحاديث في شؤون المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، مكتبة رابطة العالم الإسلامي، 1998
  7. في أقصى شرق الهند، محمد بن ناصر العبودي، مكتبة ملك فهد الوطنية 1998
  8. في شرق الهند رحلة وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، مكتبة ملك فهد الوطنية 2000
  9. أدب الرحلات، د. حسين محمد فهيم، مكتبة عالم المعرفة 1998