Main Menu

دور المرأة العربية في إثراء الرواية العربية خلال النصف الأخير من القرن العشرين

محمد وجه القمر

الباحث في قسم اللغة العربية وآدابها
الجامعة الملية الإسلامية
نيو دلهي، الهند

المقدمة

واجهت المنطقة العربية أحداثا عنيفة ووقائع كبيرة في نهاية القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن العشرين والتي هزت كيان الشعب وبنيان المجتمع والتي أدت إلى أيقاظ الشعب والمجتمع العربي من سباته العميق. ومن هذه الأحداث، الحملة الفرنسية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، واستئثار محمد علي باشا بحكم مصر، والتدخل الأوروبي بشؤون الشرق العربي.

وقادت هذه الأحداث إلى النهضة التي أثارت ثورة ثقافية، وطبعًا لم تكن المرأة بمعزل عنها، فتأثرت بها، فقام الكُتاب والمصلحون ينادون بإصلاح أمر المرأة وتعليمها وإعدادها لتقوم بمهمة تربية الأولاد، فدعا رواد النهضة إلى تحرير المرأة العربية، وكان في طليعتهم رفاعة الطهطاوي (1801 – 1873م) الذي يمثل أحد مؤسسي النهضة الحديثة، فكان يرى أن تطور المجتمع ورقيه يعتمد على تطور المرأة ورقيها .ودعا خير الدين التونسي الذي كان صدرًا أعظم في الأستانة، إلى ضرورة تعليم البنات، وهكذا نادى بها أحمد فارس الشدياق الذي عاش في لبنان ثم في تونس والأستانة، واعتقد أنه يمكن حل مشاكل المرأة عن طريق تعليمها وتربيتها. وكان الأديب اللبناني بطرس البستاني من أبرز الدعاة إلى تعليم المرأة وتحريرها، فقال إن إصلاح العالم يبدأ بإصلاح المرأة. وقد أثرت جميع هذه النداءات والدعوات والآراء والنظريات تأثيرًا كبيرًا في تغيير مسار حياة المرأة العربية، وفي مسيرة تحريرها، فتغيرت وجهة نظر المجتمع العربي في المرأة، وشجع المنظمات والجمعيات الاجتماعية والسياسية التي كانت تهتم بقضايا المرأة ومشاكلها، وإن هذه الدعوات قد مهدت الطريق في إنشاء جمعيات نسائية كافحت في سبيل حصول المرأة على حقوقها وحريتها.فقامت المرأة العربية بتحليل مشاكل المرأة الإجتماعية وتقديم الحلول في قالب الأدب.

المرأة العربية في إثراء الرواية العربية

لا يخفى على أحد أن المرأة العربية لعبت دورا هاما في إثراء الأدب العربي خاصة في فن القصص والرواية. ويثبت بالتاريخ أن المرأة قد واجهت مشاكل كثيرة وتحديات عظيمة في دخول مسيرة الأدب مثل الرجل. لما نحلل أسباب وراء تخلف المرأة في مجال الأدب العربي فنجد عوامل كثيرة بما فيها حرمانها من التعليم والثقافة بسبب عراقيل إجتماعية والأفكار السلبية التي سائدة على المجتمع ضد المرأة. ولكن قام من هذا المجتمع بعض أهل العلم مثل طه حسين في مصر الذي قام بإرشاد المرأة إلى الجامعات العربية المصرية وحصول التعليم العالي فيها في عام 1932، والتي أدت إلى تثفيهن وتزويدهن بالعلوم العصرية العالية مع العلوم الدينية الراسخة.

كانت المرأة العربية تعرف منذ زمان الجاهلية في مجال الشعر حسب تقاليد ذالك العصرالجاهلي. وعرفها الناس بالشاعرة فقط ولكن تغير هذا التعريف مع مضي الأيام ووجدت تسهيلات للحصول على التعليم في فنون الأدب المختلفة مثل القصص والرواية المسرحية.

وعندما اتجهت المرأة العربية إلى التعليم خلال القرن التاسع عشر فتحسّن وضعها في المجتمع، وإنها خرجت من ظلام الجهل والانحطاط، وازداد شعورها بذاتها، في حين شارك الرجال في قضايا البلاد والمجتمع، ومن ثم تطور فن الطباعة، وانتشرت الصحافة، مما هيَّأ الظروف لبداية المرأة العربية رحلتها الإبداعية القصصية وإن لم تكن بمعناها الفني الحديث في البداية.

وجدير بالذكر أن الأقطار العربية لم تعرف فن الرواية في زمن واحد بل في أزمان متباينة ومتباعدة، ونتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخاصة بكل بلد عربي. وفن الرواية لايستجيب له بلد ما زال اقتصاده يقوم على الرعي أو الصيد، بما أنه يحتاج إلى مناخ اقتصادي واجتماعي وثقافي يأخذ بأسباب التطور والمدنية، وينأى عن الركود والثبات والانغلاق، ويتجه إلى تطوير علاقات إنتاجية وإعادة النظر في جملة قيمه.

كانت مصر من بين الدول العربية أكثر نضوجا لتبنّي الحركة الفكرية الحديثة واحتضانها، وقد قام المهاجرون اللبنانيون إلى مصر، بدور كبير في تطور الأدب العربي الحديث، وصارت مصر ملجأً للأدباء البارزين، منهم جورجي زيدان، ويعقوب صروف، وسليم البستاني، وسليمان البستاني، فأفسحت هذه الهجرة المجال أمام المرأة المصرية أيضا، فدخلت المدارس الحديثة، وأقبلت على البعثات العلمية، كما يكتب محمد جميل بيهم مؤرخ وداعية إصلاح عربي لبناني في كتابه “المرأة في الإسلام وفي الحضارة الغربية” “أدّى اختلاط المصريين بضيوفهم زمنًا إلى تطور أفكارهم، فشرعوا من ثم يتسامحون تدريجيًا بإدخال أولادهم، الذكور والأناث، المدارس الأجنبية، فضلًا عن إقبالهم على البعثات العلمية لأوروبا، ومنذ ذلك بدأ يُسمع في مصر صرير أقلام الجنس اللطيف، ولكنها كانت أقلام سوريات، أينعتها تربة مصر الخصبة”[1].

وهذا ما تؤيده الناقدة الشهيرة إيمان القاضي فتعتقد أن الكاتبات اللبنانيات تحتل مكانة ريادة الرواية النسوية، “فقد صدرت الرواية الرائدة عام 1895م للكاتبة المتميزة زينب فواز اللبنانية الأصل، والتي كانت تقيم في مصر آنذاك، وقد أسمتها “حسن العواقب أو غادة الزاهرة”[2]، ولكن يعارض الاديب العماني نزيه أبو نضال هذا الرأي، فيرى أن “أول رواية كانت لعائشة التيمورية وهي “نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال” الصادرة عام 1885م، وليست رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل، ولا رواية زينب فواز، ثم تلت رواية التيمورية رواية أليس البستاني بعد ست سنوات أي عام 1891م، فرواية “بهجة المخدرات” لفريدة عطية من لبنان عام 1893م، ثم رواية المصرية عفيفة أظن “فابيولا” عام 1895م، تلتها بعد ذلك رواية زينب فواز عام 1899م، ليصبح عدد الروايات النسائية خمس روايات حتى عام 1899م”[3]. ولكن يرى أنور الجندي أن “أول امرأة كتبت كانت مدام منصور مشكور في مجلة “الجنان” عام 1874م”[4].

كما نجد آراء متباينة في تحديد كتابة المرأة العربية في العصر الحديث، فيرى بعض النقاد والدارسين أن بدايتها كانت في أواسط القرن التاسع عشر؛ لأننا لا نعرف شيئًا عن نتاجات المرأة المنشورة قبل ذلك، بينما يعتقد البعض الآخر من الدارسين أن بدايتها كانت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فمما سبق وصلت إلى أن باكورة إنتاجات المرأة برزت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي تتمثل بالرواية الأولى لعائشة التيمورية “نتائج الأحوال”، ثم “تتابعت الروايات النسوية لبصل عددها منذ بدايتها عام 1885م، وحتى عام 2003م، إلى 1118 رواية نسوية على امتداد 119 عامًا، وبأقلام 529 كاتبة عربية”[5].

حينما طلعت شمس القرن العشرين بدأت النتاجات الروائية للمرأة العربية تصدر متتالية، فنُشرت “في مصر عام 1903م رواية خديجة بيرم “أليس”، كما أصدرت اللبنانيتان لبيبة هاشم وزينب فواز على التوالي “قلب الرجل” عام 1904م، و “الملك كورش” عام 1905م، لكن من القاهرة أيضًا، كما أصدرت اللبنانية عفيفة كرم روايتين في نيويورك عام 1906م. وفي سوريا صدرت أول رواية نسوية عام 1909م، وهي “حسناء سالونيك” للبيبة صوايا. وكانت الرواية الأولى في العراق بتوقيع مليحة إسحق التي صدرت عام 1948م وطُبعت في لبنان. وقد بلغ عدد الروايات النسوية التي صدرت بين عام 1885 – 1948م، 54 رواية، طُبع منها في القاهرة 32 رواية مما يدل على مركزية مصر في العالم العربي.

وصلت من خلال الدراسات السابقة الي أن بداية الرواية النسوية كانت مقتصرة تقريبًا على مصر ولبنان في أول الأمر، ثم امتد نطاقها بسرعة هائلة إلى الدول العربية الأخرى، “فأصدرت سلمى الحفار الكزبري عام 1949م في دمشق “يوميات هالة”، وفي نفس العام أصدرت رواية “فتاة بغداد” و “ليلة الحياة” ثم رواية “بريد القدر” عام 1950م، كما أصدرت وداد السكاكيني من دمشق أيضًا روايتها الأولى “أروى بنت الخطوب” عام 1950م، و “الحب والحرام” عام 1952م. وفي العراق أصدرت حربية محمد عام 1953م رواية “جريمة قتل” ثم “من الجاني” عام 1954م، تلتها ناجية حمدي في روايتها “4نساء” عام 1955م، وأصدرت المغربية أمنة اللوة رواية “الملكة خناثة” عام 1954م.

نجد مدى الرواية النسوية يتسع في العالم العربي، فصدرت رواية “أنا أحيا” للروائية ليلى بعلبكي عام 1957م، فبشرت بتغير كبير في السرد النسوي العربي، حيث أعلنت بعلبكي في هذه الرواية ثورة الفتيات العربية ضد واقعهن الراهن، وفراغ الحياة، وضد طريقة تفكير المجتمع في المرأة. وفي العام نفسه صدرت روايتان عن نكبة فلسطين وهما: “فتاة النكبة” لمريم مشعل من الأردن، و”صوت اللاجىء” لهدى حنا من دمشق، ثم يأتي دور كوليت خوري من سوريا فتُصدر رواية “أيام معه” عام 1959م، وفي نفس العام تُصدر هيام نويلاتي من سوريا أيضًا روايتها “في الليل” مما يدل على أن سوريا أخذت تتواصل منذ الستينات مع عالم الرواية النسوية العربية الذي بقي لفترة طويلة حكرًا على مصر ولبنان تقريبًا.

حينما نحلل الأدب النسوي فنجد أن الرواية النسوية في الدول العربية الأخرى في هذه الفترة ما زال تواجه كثيرًا من مشاكل وصعوبات فنية، فقد بدأت السعودية مثلًا بداية رحلتها الروائية النسوية في الستينات، ولم يزد عدد ها حتى بداية الثمانينات على عشر روايات. وفي الكويت ظهرت الرواية الأولى عام 1971م وهي رواية “وجوه في الزحام” لفاطمة يوسف العلي، ثم صدر بعدها أربع روايات كان آخرها “المرأة والقطة” عام 1985م للكاتبة ليلى العثمان. وأما في الدول الغربية من العالم العربي فما زال الإبداع الروائي النسوي ضئيلًا، “ففي الجزائر، أصدرت أسيا الجبار روايتين بالفرنسية “العطش” عام 1957م، ثم “النافذة والصبر” عام 1958م. و”كما أصدرت زهور ونيسي رواية بالعربية حملت اسم “من يوميات مدرسة حرة”. “ولم صدر في ليبيا حتى منتصف الثمانينات سوى ثلاثة أعمال روائية نسوية، نُشر أولها عام 1972م وحملت اسم “شيء من الدفء” للروائية مرضية النعاس. كما صدرت في السودان رواية واحدة لملكة الدار عبد الله، نُشرت عام 1974م بعنوان “الفراغ العريض”. وفي اليمن صدرت رواية واحدة أيضًا في أوائل السبعينات “ضحية الجشع” لرمزية عباس الأرياني”.

وأما في مصر فقد “تواصل النتاج النسوي في هذه الفترة (1949 -1967م) مع أسماء هامة: بنت الشاطىء، وأمينة السعيد ، ولطيفة الزيات، ونوال السعداوي. ومن لبنان: هند سلامة، وليلى بعلبكي ، وليلى عسيران.

شهدها العالم العربي بعد كارثة حزيران التي  وقعت في عام 1967م نجد في الساحة الأدبية تطورًا كبيرًا وتصاعدًا ملحوظًا من حيث العدد والنوع، وعلى وجه الخصوص بين أعوام 1967 – 1973م؛ لأن نحو 89 رواية نسوية قد صدرت في هذه الفترة، وبعد ذلك ازدادت نشاطات المرأة في العالم العربي وازدهرت مهاراتها وتطورت كتاباتها نتيجة تأثيرات النشاطات العالمية والعربية التي اهتمت بقضايا المرأة في الفترة بين 1974- 1991م. “وقد بلغ مجموع ما صدر في هذه السنوات نحو 386 رواية في مختلف الأقطار العربية، مما يبشر بقوة الانطلاقة العامة في مجال الرواية النسوية العربية. هذه الانطلاقة ظهر أثرها في الفترة بين 1992- وحتى 2003م إذ صدر خلالها نحو 873 رواية نسوية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كثيرًا من الكاتبات توقفن عن الكتابة بعد روايتهن الأولى نتيجة ظروف مختلفة، لكن قسمًا كبيرًا منهن واصلن الكتابة دون توقف وتردد مثل نوال السعداوي، ولطيفة الزيات، ورضوى عاشو ونور أمين. وفي الدول العربية الأخرى نجد زهرة عمر من الأردن. وميسور صقر وباسمة يونس من الإمارات. وفوزية رشيد من البحرين. وبدرية الشحي من عُمان. ودلال وشعاع خليفة من قطر ، وعزيزة عبد الله من اليمن. وملكة الفاضل عمر من السودان. وشريفة القيادي، ومرضية النعاس من ليبيا. وآمال مختار من تونس. وأحلام مستغانمي من الجزائر وغيرهن كثيرات.

الخاتمة

ومما سبق وصلت إلى النتيجة أن هذا العدد الكبير من الروائيات العربيات في العصر الراهن يؤكد حضورًا بارزًا للمرأة العربية في مجال الإنتاج والإبداع، ويدل دلالة واضحة على دور المرأة العربية ومساهمتها في تطور الأدب العربي وخاصة الرواية العربية، كما يعكس الانفتاح الملحوظ للمرأة العربية على المستجدات في ساحة الأدب العالمية، إضافة إلى اتساع نطاق الحرية للمرأة العربية في العالم العربي.

الهوامش

[1] بيهم، محمد جميل، المرأة في الإسلام وفي الحضارة الغربية، دار الطليعة للطباعة والنشر، (1980م)، ص:85، بيروت.

[2] القاضي، الرواية النسوية في بلاد الشام – السمات النفسية والفنية 1950- 1985م-، ص:21.

[3] أبونضال، نزيه، تمرد الأنثى في رواية المرأة العربية وببلوغرافيا الرواية النسوية العربية (1885 – 2004م)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، (2004م)، ص:267 – 269، بيروت.

[4] الجندي، أنور، أدب المرأة العربية – القصة العربية المعاصرة-، مطبعة الرسالة،  ص:3، عابدين.

[5] أبونضال، ، تمرد الأنثى في رواية المرأة العربية وببلوغرافيا الرواية النسوية العربية (1885 – 2004م)، ص:269.