Main Menu

خدمات الشيخ عبد الرحمان المعلمي في الحديث النبوي وعلومه

نفيسة فاطمة

باحثة الدكتوراه: قسم اللغة العربية (الشرقية)
الجامعة العثمانية حيدرآباد

 ملخص البحث

يتناول هذا البحث نظرة خاطفة على حياة الشيخ المعلمي, وخصائص مؤلفاته وأسلوبه, وأعماله العلمية بسرد أسماء كتبه في الحديث وعلومه مما قام الشيخ نفسه بتأليفه وما استقل الشيخ بتحقيقه وتصنيفه, وما شارك الشيخ في تحقيقه وتصحيحه, ثم يتركز البحث على الكلام على منهجه في نقد الحديث سندا ومتنا, رواية ودراية.

التمهيد

إن الشيخ عبد الرحمان المعلمي من الأعلام العبقريين الذين وقفوا حياتهم كلها لخدمة العلوم الإسلامية وإشاعتها, فقد قام الشيخ بتصنيف كتب وتأليف رسائل وتحقيق مخطوطات والتعليق على تراث السلف الصالحين. إن الشيخ المعلمي يعد من المكثرين من التأليف؛ إذ تجاوز عدد مؤلفاته مئة وعشرين كتابا ورسالة في الموضوعات المختلفة والفنون المتنوعة بما فيها من العقيدة والفقه الإسلامي وأصوله وعلم التفسير وعلوم الحديث وما إلى ذلك؛ إلا أن علوم الحديث قد اعتنى به الشيخ المعلمي أكثر إعتناء وأبلغه. فهذا المقال يركز على خدمات الشيخ المعلمي في الحديث النبوي وعلومه.

أهمية الموضوع

إن الحديث وعلومه من أفضل العلوم؛ بل هو أفضل العلوم بعد كتاب الله تعالي, لأنه حديث أفضل الخلق, سيد الإنبياء وإمام المرسلين. وكفى بأهمية هذا العلم وفضله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن اعتنى به, حيث قال: نضَّر الله امرءًا سمِع مقالَتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه.[1] وقد تحمل أمانة الحديث هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة قوم اختار الله لصحبة نبيه, ثم خلف من بعد هؤلاء الأصحاب التابعون ومن تبعهم من العلماء والصلحاء, وهكذا تتابعت الجهود في المحافظة على السنة النبوية فحمل المتقدم من المتأخر, فقد تنوعت جهود المحدثين في خدمة الحديث النبوي الشريف رواية ودراية, تحملا وأداء, شرحا وتخريجا وإملاء, وكان من مجال اعتنائهم بعلم الحديث النبوي شرح الحديث والتعليق على كتبه, ونقد الحديث سند ومتنا, تصحيحا وتعليلا. وإن الشيخ عبد الرحمان المعلمي من أبرز علماء العصر الحديث الذين اعتنوا عناية بالغة بخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه, فإن الشيخ من الأعلام المعدوين في القرن الماضي الذين لهم باع طويل وبراعة بالغة في الحديث الشريف وعلومه. فنظرا لأهمية أعماله القيمة في هذا المجال أريد أن أسلط ألضوء على كتبه ومؤلفاته وتعليقاته في الحديث ومنهج نقده في سند الحديث ومتنه.

نظرة خاطفة على حياة المعلمي:

ولد الشيخ المعلمي في أواخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمأة وألف للهجرة بقرية المحاقرة لولاية صنعاء في اليمن. نشأ الشيخ في بيت العلم والتدين, وتربي في بيئة الصلاح والتقوى. أكمل حفظ القرآن في صباه, وطلب أنواع العلوم من القراءة والكتابة والتجويد وعلم الحساب, ثم تعلم النحو والفقه والفرائض, وقد برع في جميع العلوم الإسلامية, وتضلع منها, خاصة من علوم الحديث النبوى.

رحل الشيخ إلى جيزان في حكومة محمد بن على الإدريسي, وبقي لديه خمس سنوات, وتولى هذه المدة أعمالا علمية وسياسية وقضائية من تدريس ومذاكرة وتأليف, والنظر في شئون الدولة وكتابة الإنشاء وفصل الخصومات والخطابة في الجمع والأعياد وغيرها. ثم سافر إلى عدن سنة 1341 هـ ومنها انتقل إلى إندونيسيا, ثم رحل إلى الهند, وعمل في دائرة المعارف يصحح المخطوطات ويحققه. وقضى في حيدرآباد حوالي ربع قرن, ثم سافر إلى مكة سنة 1371 هـ وعين أمينا لمكتبة الحرم المكي إلى أن توفي سنة 1386هـ .[2]

وقد خلف الشيخ المعلمي تراثا إسلاميا وأدبيا ضخما. فرحمه الله رحمة واسعة.

خصائص مؤلفاته:

الأولى: إن معظم مؤلفاته فيها ابتكار, ومن الملاحظ أن رسائله الصغيرة اكثر علما ونفعا من الكتب الكبيرة الضخمة بما في رسائله من الإبداع والتحقيق.

الثانية: اتصاف المؤلف بصفة الاجتهاد العلمي, وترجيح ما يشهد به الدليل والحجة وإن كان خلاف ما قال به الجمهور.

الثالثة: أن كتبه متساوية في القوة والإصالة وصفاء المنهج.

الرابعة: أمانته العلمية والدقة البالغة.

الخامسة : البحث عن الحق الذي يقوم عليه الدليل وعدم تقليد قول قائل بلا دليل.

السادسة : استخدام لغة علمية سلسة أدبية خالية عن التعقيد والتقشف.

السابعة: إيراد على القول الذي يريد ترجيحه كل ما يمكن أن يرد عليه ثم مناقشته.

أعماله العلمية في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلومه:

أعمال الشيخ المعلمي في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلومه تنقسم إلى قسمين: قسم قام الشيخ بتأليفه, وقسم قام الشيخ بتحقيقه وتصحيحه. والقسم الثاني على نوعين : النوع الأول ما استقل الشيخ بتصحيحه وتحقيقه, والنوع الثاني ما شارك الشيخ في تحقيقه وتصحيحه.

أما القسم الأول وهو ما قام الشيخ بتأليفه فهو يحتوي على واحد وعشرين كتابا ورسالة, وإليكم أسماءها:

  • طليعة التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل
  • تعزير الطليعة
  • شكر الترحيب
  • التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل
  • الأنوار الكاشفة على ما في كتاب أضواء على السنة من الخلل والتضليل والمجازفة.
  • كتاب الوحدان.
  • تراجم منتخبة من التهذيب والميزان.
  • الاستبصار في نقد الأخبار
  • رسالة في أحكام الجرح والتعديل
  • إشكالات في الجرح والتعديل
  • الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل
  • الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء
  • الصيغ المحتملة للتدليس أظاهرة هي في السماع أم لا؟
  • فوائد في كتاب العلل لابن أبي حاتم
  • أحكام الحديث الضعيف
  • محاضرة في علم الرجال وأهميته
  • ملخص طبقات المدلسين
  • تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري
  • شرح حديث آية المنافق ثلاث
  • التعليق على الأربعين في التصوف للسلمي
  • صفة الارتباط بين العلماء في القديم

وأما النوع الأول من القسم الثاني وهو ما استقل الشيخ بتصحيحه وتحقيقه, ففيه كتب تالية:

  • التاريخ الكبير للبخاري
  • كتاب الكني للبخاري
  • الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي
  • تذكرة الحفاظ للذهبي
  • الموضح لأوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي
  • الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني
  • بيان خطأ محمد بن إسماعيل في تاريخه لابن أبي حاتم الرازي
  • الرد على الإخنائي واستحباب زيارة خير البرية لابن أبي تيمية
  • الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب لابن ماكولا
  • الأنساب للسمعاني
  • المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم

وأما النوع الثاني من القسم الثاني وهو ما شارك الشيخ في تحقيقه وتصنيفه, فيشتمل على كتب تالية:

  • السنن الكبرى للبيهقي
  • عمل اليوم والليلة لابن السني
  • مسند أبي عوانة
  • موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي
  • دلائل النبوة لأبي نعيم
  • الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار
  • الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي
  • المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

هذه هي أسماء الكتب التي قام الشيخ المعلمي اليماني بتأليفه وتحقيقه في علوم الحديث النبوي. وهذه الكتب إن دلت على شيء فإنما تدل على شدة اعتناء الشيخ بحديث الرسول وعلومه وسعة اطلاعه على الأسانيد والمتون وفن أسماء الرجال ودقة معرفته بالجرح والتعديل, وتضلعه من العلوم الإسلامية عامة وعلوم حديث الرسول خاصة. فرحمه الله رحمة واسعة.

وبعد سرد أسماء مؤلفاته وتعليقاته أريد أن ألقي الضوء على منهجه في نقد الحديث متونه وإسناده.

منهجه في نقد متون الحديث

مع أن الأصل في الحكم على الحديث هو النظر في الإسناد والمتن تابع للسند؛ إلا أن للمحدثين نظرة في المتن يقيسون بها صحة الحديث من عدمه, فالمحدثون لايكتفون بالطعن والتضعيف للحديث النبوي بالنظر في سنده فحسب؛ بل لهم نظرة عميقة في متن الحديث النبوي. وكان من له باع قوي في هذا الباب من علماء الحديث المتأخرين الشيخ المعلمي. فقد قام الشيخ بنقد متون الحديث لمخالفتها القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة.

ومن أمثلة نقده متن الحديث لمخالفة القرآن الكريم ما قال في نقد الحديث: “إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيب رأسهما في الإسلام ثم أعذبهما بعد ذلك, ولأنا أعظم عفوا من أن أستر على عبدي ثم أفضحه, ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني”[3]  فقال الشيخ : يكفي في هذا الباب قول الله تبارك وتعالي:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [4]. فالشيخ يعنى أن الحديث المذكور أعلاه يخالف صريحا معنى هذه الآية الكريمة.[5]

ومن أمثلة نقده متن الحديث لمخالفة السنة النبوية الصحيحة ما قال في نقده لحديث: “من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل”. [6] فقال الشيخ : قد ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد فلم يسم أحدا منهم, وكذا ولد لعلي من فاطمة فلم يسم النبي صلى الله عليه أحدهم محمدا. وولد للعباس عشرة فلم يسم محمدا, وهذا كثير.[7]

منهجه في نقد اسناد الحديث

إذا ما تتبعنا منهج المعلمي في حكمه على الرواة من خلال كتبه نجده يسلك الطرق الآتية :

أولا: تتبع أحاديث الراوي الذي يشكل أمره وتختلف فيه أقوال أئمة النقد جرحا وتعديلا.

 يقول الشيخ المعلمي: “وكان الأئمة يعتبرون حديث كل راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوتة, فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلاف لا يحتمل ضعفوه, وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة, ثم يسألون عنه, ثم يعتبر حرف مروياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه, فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها, وليسوا يوثقوا الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط, بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مر. وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطئ ويغلط وبإضطرابه في حديثه, وبمخالفته الثقات وبتفرده وهلم جرا”. [8]

ثانيا: تتبع بعض الرواة للنظر في شيوخهم:

يقول الشيخ المعلمي عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبي بكر الشافعي الذي ضعفه الكوثري: قد تتبعت تلك الروايات, فلم أر في شيوخه فيها كذابين ولا مجاهيل, إنما له رواية واحدة عن الكديمي, والكديمي وثقه بعضهم, وأطلق بعضهم تكذيبه, وروايتان أخريان عن رجل لم أظفر بتوثيقه, وآخر لم أظفر بترجمته, وسائر رواياته عن الثقات المعروفين… وأبو بكر ثقة حافظ متفق على توثيقه وتثبيته, راجع ترجمته في تاريخ بغداد وتذكرة الحفاظ.[9]

ثالثا : استقراء أئمة الجرح والتعديل والمتكلمين في الرجال للوقوف على مناهجهم أو مصطلحاتهم في النقد:

يقول المعلمي في القاعدة الرابعة من قسم القواعد من التنكيل وهي قاعدة “قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك” : “وقد تتبعت كثيرا من كلام الجوزجاني في المتشيعين فلم أجده تجاوزا الحد, وإنما الرجل لما فيه من النصب يرى التشيع مذهبا سيئا وبدعة ضلالة وزيغا عن الحق وخذلانا, فيطلق على المتشيعين ما يقتضيه اعتقاده كقوله زائغ عن القصد سيء المذهب, ونحو ذلك. وكلامه في الأعمش ليس جرحا بل هو توثيق, وإنما فيه ذم بالتشيع والتدليس, وهذا أمر متفق عليه أن الأعمش كان يتشيع ويدلس وربما دلس عن الضعفاء, وربما كان في ذلك ما ينكر”.[10]

الخاتمة:

من خلال استعراض الأعمال العلمية التي خلفها الشيخ المعلمي و منهجه في نقد الحديث رواية ودراية, سندا ومتنا, يتضح أن الشيخ المعلمي له نظر عميق وباع طويل في الحديث وعلومه, له مؤلفات قيمة في مختلف علوم الحديث, وهذا يدل على سعة اطلاعه, كما أننا نجده ينقد سند الحديث ومتنه, ومما لا ريب فيه أن نقد الحديث ليس لكل من تعلق بشيء من علم الحديث وإنما من تمرس فيه, وأصبح لديه ملكة في الحديث, يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره بكثرة ممارسة لهذا العلم. فلا بد لطالب الحديث بل لمتخصص في علوم الحديث أن يقرآ كتب الشيخ المعلمي قراءة مكثفة.

الحواشي

[1]  الترمذي, رقم الحديث: 2658

[2]  راجع لترجمته مفصلا: المدخل إلى آثار الشيخ عيد الرحمان المعلمي: ص: 21 إلى 48.

[3]  رواه أبو يعلى في مسنده رقم 2764, وابن حبان في الضعفاء : 1/168

[4]  الأحزاب: 53

[5]  التعليق على الفوائد المجموعة: ص: 480

[6]  رواه ابن عدي في الكامل: ج: 6, ص: 2363

[7]  التعليق على الفوائد المجموعة : ص: 470

[8]  الأنوار الكاشفة: ص: 85

[9]  راجع: التنكيل: ج: 1, ص: 453

[10]  التنكيل: ج: 1, ص: 58

المصادر والمراجع:
  • القرآن الكريم
  • محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي: الجامع الصحيح سنن الترمذي. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
  • أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي: مسند أبي يعلى. دمشق: دار المأمون للتراث.
  • محمد بن حبان البُستي: المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين. حلب: دار الوعي – الطبعة: الأولى 1396هـ
  • عبدالله بن عدي أبو أحمد الجرجاني: الكامل في ضعفاء الرجال. بيروت: دار الفكر. الطبعة: الثالثة 1409هـ
  • عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني: التعليق على الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني. بيروت: دار الكتب العلمية.
  • عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني: الأنوار الكاشفة على ما في كتاب أضواء على السنة من الخلل والتضليل والمجازفة. مكة المكرمة: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع. الطبعة: الأولى 1434هـ
  • عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني: التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل. مكة المكرمة: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع. الطبعة: الأولى 1434هـ
  • علي بن محمد العمران :المدخل إلى آثار الشيخ عبد الرحمان المعلمي اليماني. مكة المكرمة: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع. الطبعة: الأولى 1434هـ