Main Menu

توطيد العلاقات الهندية والعربية من خلال كتاب “مسئلة الخلافة” لمولانا أبي الكلام آزاد

د. رضوان الحق

استاذ مساعد
قسم اللغة العربية
الجامعة العالية – كولكاتا

 الخلافة في الإسلام من العناصر الأساسية في تكوين المجتمع الإسلامي ومن ضروريات الحياة الإسلامية التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال، فبها يقام ما ساء من نظام الدنيا والدين وبها تتحقق العدالة. واتفق جميع المسلمين على ضرورة الخلافة ولزوم اقامتها، لأنها ضرورة لا  يمكن الاستغناء عنها. فلا بد للمسلمين من حاكم يسوس أمورهم ويعالج قضاياهم ويقيم فيهم حكم الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. إن شريعة الإسلام مجموعة من الأحكام والقواعد، ففيها الحدود والعقوبات، وفيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها الجهاد في سبيل الله، وفيها مكافحة الفقر ومطاردة البؤس، وفيها نشر العلم واشاعة الاخلاق والآداب وإلى غيرها من الأحكام التي لا يمكن للفرد أن ينفذها من دون سلطة حاكمة تتولى  تنفيذها. وليست الخلافة في الإسلام خاضعة للأهواء والعواطف فإنها من أهم المراكز الحساسة في المجتمع الإسلامي، وعليها تترتب جميع قضاياه. الخلافة توحد جميع المسلمين في العالم كله وتدافع عنهم وعن العالم الإسلامي وعن البلدان الإسلامية.

فالخلفاء العثمانيون أدوا هذه الفريضة لأربعة قرون حتى الغيت في سنة 1924م. وإن الغاء الخلافة العثمانية من أكبر المصائب التي نزلت على الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لأن المسلمين فقدوا وحدتهم وتفرق جمعهم وتشتت شملهم، وهذا ما كان الأعداء يسعون له منذ قرون. فانهالت الأقوام على العالم الإسلامي بعد الغائها، وقسموه إلى دويلات ثم أسسوا في قلب العالم الإسلامي الدولة الإسرائيلية اليهوية  الغاصبة، فأصبحت هذه الدولة الإسرائيلة كسرطان العالم الإسلامي الذي لا علاج له.

كتاب مسئلة الخلافة: تحدث مولانا أبو الكلام آزاد في كتابه “مسئلة الخلافة” عن هذه المسئلة المهمة لأن الظروف والأحوال كانت تقتضي أن يكتب عنها. وكان مولانا آزاد يعرف جيدا هذه الأهمية للخلافة الإسلامية، وقد أدرك أن الخلافة ستلغى، وأن المصائب ستنزل وأن الإسلام سيعلى. فبهذا الكتاب أبرز أهميتها وتحدث عن خطورة الغائها ثم حث مسلمي العالم كله عامة والمسلين الهنود خاصة على حفاظها والدافع عنها. وكذلك القى الضوء على علاقة المسلمين الهنود بالعرب عامة وبالخلافة الإسلامية خاصة. فهذا الكتاب في اللغة الأردية ، يظهر من عباراته أنه كتبه بعد أن رجع مولانا آزارد من كراتشي حينما كانت الخلافة العثمانية تتنفس بأنفاسها الأخيرة وبلادنا الهند كانت تحاول للحصول على استقلالها، وكانت الحرب العالمية الأولى قد وضعت أوزارها، وانهزمت تركيا والدول المحالفة لها في تلك الحرب، والعالم كله عامة والعالم العربي خاصة قد يمر بمرحلة صعبة من التاريخ، وكانت الدول الغربية تبذل قصارى جهودها للقضاء على الخلافة الإسلامية.

موضوعات الكتاب: ولو نلقي نظرة سريعة على الموضوعات لتبين لنا ما كتبه مولانا آزاد فيه. فمن موضاعاته المهمة فيه: الخلافة، الخلافة الخاصة والملوكية، عهد الاجتماع والايتلاف وعصر الخلافة، الخليفة والالتزام بالجماعة، شروط الإمامة والخلافة، إذا بوئع الخليفتين فالقتلو آخرهما، من حمل علينا السلاح فليس منا، خلافة آل عثمان، خلافة وإمامة السلاطين العثمانيين، الأتراك العثمانيون والعالم الإسلامي، حقيقة الدفاع، فضائل الدفاع، الجزيرة العربية والبلاد المقدسة، تحديد الجزيرة العربية، المسجد الإقصى والأرض المقدسة، خليفة المسلمين والحكومة البريطانية، والمسلمون الهنود ونظام الجماعة.([1]) هذه هي بعض الموضوعات المهمة في هذا الكتاب. ولو أمعننا النظر في الموضوعات لوجدنا أن البحث يدور حول المحاور الآتية المهمة:

  • الخلافة الإسلامية، أهميتها مكانتها في الإسلام
  • الخلافة العثمانية ودور العثمانيين الأتراك في الدفاع عن العالم الإسلامي والمسلمين لأربعة قرون
  • المسلمون الهنود والخلافة العثمانية
  • الجزيرة العربية والأرض المقدسة
  • محاولة الأعداء لالغاء الخلافة

الخلافة الإسلامية: ذكر مولانا آزاد ضرورة الخلافة الإسلامية وأهميتها ومكانتها في الإسلام، وهكذا القى الضوء على مسئوليات الخليفة تجاه عامة الناس والعالم الإسلامي. وكتبت بعض الجمل في أهميتها في التقديم فلا اعيدها من جديد.

الخلافة العثمانية: يقول مولانا آزاد بهذا الصدد إن العثمانيين منذ سليم خان الأول  هم خلفاء المسلمين، ولم يوجد أحد من يدعي الخلافة خلال القرون الأربعة، ولكن كثيرا ما حدث هذا خلال العصر الأموي وكذلك خلال العصر العباسي، والعثمانيون خلال هذه القرون الأربعة هم الذين دافعوا عن الإسلام والعالم الإسلامي. وكل مسلم على الأرض يعتبر الخليفة العثماني خليفة المسلمين حتى اذا يؤدي فريضة الحج يؤدي الصلاة خلف نائب الخليفة العثماني. إن شريف مكة ثار ضد الخليفة العثماني فهو متمرد وهذا التمرد لا يجوز في الإسلام، فعلى جميع المسلمين أن يحاولوا لاسترداد الحجاز إلى الخلافة الإسلامية، وإلا قد يكون جميع المسلمين آثمين. ([2])

ثم يقول مولانا إن طاعة العثمانيين هي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولو مات أحد وهو خارج عن طاعته فمات ميتة جاهلية. ([3])

وهنا يقول  مولانا آزاد مشيرا إلى نقطة مهمة جدا إن المؤرخين الأوربيين إذا يكتبون التاريخ لا يعدلون مع الأتراك، فما هو السبب؟ فالسبب هو أن الأتراك لم يقنعوا بالعرب وإيران ولا بالعراق والشام بل توجهوا إلى أوربا وفتحوا قسطنطينية وكانت قسطنطينية مهدا للحضارة الغربية ثم تقدموا حتى وصلوا إلى قلب أوربا، فهذه هي جريمتهم البشعة والشنيعة. ([4])

يقول مولانا آزاد إن أراضي آسيا وأوربا تتلون بدماء العثمانيين الأتراك منذ قرون، فقد حملوا السيوف دفاعا عن الأمة الإسلامية حين تخلف الآخرون عن أداء هذه الفريضة الإسلامية، ويقول أيضا إن الخلافة العثمانية هي القوة الإسلامية السياسية الأخيرة، ولو الغيت الخلافة تنتهي هذه القوة الإسلامية السياسية الأخيرة. ([5])

وهذا ما حدث بعد أعوام، قد الغيت الخلافة وأصبح المسلمون مثل اليتامى على مآدب اللئام. فاليوم لا مفر لهم ولامناص، ولا ملجأ لهم ولا مهرب، وهم يذبحون كل يوم في كل مكان.

المسلمون الهنود والخلافة العثمانية: يقول مولانا آزاد بهذا الصدد إن المسلمين الهنود دائما أطاعوا الخلافة الإسلامية منذ خلافة بني أمية. وأتى بالأدلة العديدة على ما قال. حتى إن السلاطين الهنود انقادوا للخلفاء العباسيين المصريين رغم أن الخلافة العباسية كانت ضعيفة جدا في ذلك العصر. وهكذا لم يدع أحد من السلاطين الهنود بالخلافة العامة ولو كانوا أئمة المسلمين الهنود. وكلما ذهبوا لأداء فريضة الحج أدوا الصلاة خلف نائب خليفة قسطنطينية ويسمعون خطبه في العرفات ([6]). ثم أتى مولانا آزاد بالأدلة التاريخية على أن المسلمين الهنود كانوا ينقادون للخلفاء العثمانيين، واستدل من كتاب سبحة المرجان في آثار هندستان لغلام علي آزاد البلغرامي حيث ذكر أن المسلمين في جزيرة سيلون يدعون في صلاة الجمعة لسلطان قسطنطينية لكونه خادما للحرمين الشريفين([7]). ثم أتى بالأدلة القاطعة على أن المسلمين في جميع البلدان كانوا منقادين للخلافة العثمانية.

فمن الممكن أن نوجزما كتبه مولانا آزاد كما يلي:

  • إن مولانا آزاد بين علاقة المسلمين الهنود بالخلفاء المسلمين عبر القرون بداية من الخلافة الأموية  حتى الخلفاء العثمانيين.
  • كتب مفصلا عن أهمية الخلافة العثمانية وكتب كيف دافع العثمانيون عن الجزيرة العربية وعن المسلمين في جميع انحاء العالم، وكيف كافحوهم ومنعوهم عن السيطرة على العالم الإسلامي عامة وعلى الجزيرة العربية خاصة ثم حث المسلمين الهنود على حماية الخلافة الإسلامية العثمانية.
  • ثم حدد الجزيرة العربية وبين أهميتها مبينا كيف طهر النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة من اليهود، ثم أنزل الله آية منع فيها دخول غير المسلمين في مكة المكرمة، ثم بين ما على المسلمين إذا أراد أحد التغلب والسيطرة على الجزيرة العربية.
  • إن مولانا آزاد أبرزأهمية الأماكن المقدسة في الإسلام، والأماكن المقدسة ثلاثة مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس.

فهذه هي بعض النكات المهمة، وهناك موضوعات أخرى أيضا لا يمكن استيعابها هنا. وبنبغي أن يشار  إلى نقطة مهمة جدا وهي أن مولانا آزاد قد أحس بأن الخلافة العثمانية لو الغيت لسيطر اليهود والنصارى على أرض فلسطين وبيت المقدس، وهذا ما حدث بعد سنوات، ولذا نبه المسلمين الهنود بهذا الخطر العظيم وحثمهم على عدم المعاونة مع الحكومة البريطانية، لأنها كانت من الدول الغربية التي تحارب العثمانيين وتهدد بقاء الخلافة العثمانية. فدعا مولانا آزاد المسلمين الهنود إلى الجهاد في سبيل الدفاع عن الجزيرة العربية والأماكن المقدسة والخلافة الإسلامية. فمن خلال هذه الاتجاهات في كتاب مولانا آزاد تتوثق الروابط وتتقوى العلاقات بين الهند والعرب.

ملخص البحث: لخص مولانا آزاد بحثه في بعض نقاط لايمكن أن آتي بجميعها بل أذكر بعضا منها:

  • ليكن هناك خليفة للمسلمين في كل زمان الذي يدافع عن المسلمين وينفذ أوامر الله واحكامه.
  • طاعته فريضة على كل مسلم، لأن طاعته طاعة الله ورسوله، ومن خرج عن طاعته فقد خرج عن الإسلام. ومن أمد الأعداء والمحاربين فقد خرج عن الإسلام.
  • إذا بوئع الخليفتان يقتل ثانيهما.
  • إن الخلافة في أيدي العثمانيين منذ قرون، فالعثمانيون خلفاء المسلين شرعا. فعلى جميع المسلمين أن يكونوا مطيعين لهم. وإذا خرج أحد عن الطاعة ويعين الاعداء عليهم يخرج عن الإسلام.
  • لا يجوز لمسلم أن يحمل السلاح ضد مؤمن أو أن يساعد من يحارب المسلمين. قال النبي صلى الله عليه وسلم”من حمل علينا السلاح فليس منا” وقال الله تعالى”من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها”
  • لو حاصر الأعداء الخليفة ولا يستطيع الخليفة الدفاع فالدفاع عنه فريضة على جميع المسلمين، فعلى جميعهم أن يدافعوا عن الخليفة.
  • ومن فرائض الشريعة أن يدافع المسلمون عن الجزيرة العربية.
  • وكذلك على المؤمنين في جميع انحاء العالم أن يدافعوا عن القدس ويجاهدوا الأعداء الذين يحاولون أن ينزعوا تلك الأرض المقدسة من أيدي المسلمين([8]).
الهوامش

[1] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص: 6-7

[2] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص: 187

[3] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص: 167

[4] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص: 127-128

[5] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص: 220-221

[6] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص: 132

[7] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص:133

[8] –  مسئلة الخلافة، أبو الكلام آزاد، ص:187-188

المراجع والمصادر:

  • القرآن الكريم
  • مسئلة الخلافة، مولانا أبوالكلام آزاد، مكتبة جمال، أردو بازار، لاهور، باكستان، سنة الطبع 2006م