الدكتور ضياء الحق
الأستاذ المساعد في كلية دي،اين،سي
مرشيداباد التابعة لجامعة كلياني
قضايا المرأة من أهم القضايا الإنسانية في منجز الأدب العربي من الرواية والمسرحية والقصة والشعر وتناولها كل الكتاب والأدباء وعالجوها بإبراز الطبائع النسائية المختلفة، كما عالج قضايا المرأة رائد المسرحية توفيق الحكيم ولد عام 1898م من خلال تصوير المرأة بمختلف طبائعها تصويرا سلبيا وايجابيا، فهو مسرحي وحيد حاول معالجة قضايا المرأة بقدر قليل على إطار اسلامي حيث أنه صور المرأة كأنها تتطلب الحرية التامة في مجرى حياتها وتقوم بالجرائم العديدة والخدعة والغش والخيانة الزوجية وتظهرعدم مسؤولية الزوجة وعدم مسؤولية الام وتقيم التمرد والثورة ضد المجتمع المسيطر عليه الرجل، فهي صفات سلبية للمرأة تلوح في مسرحيات براكسا وبيجماليون والخروج من الجنة والنائبة المحترمة وغيرها ولذا يعتبره بعض الناس كأنه عدو المرأة. ومن ناحية أخرى يبزر توفيق الحكيم صفات المرأة الإيجابية بتصويرها كأنها امرأة ذهينة وفتينة تسعى لمساعدة الفقراء الفلاحين بحكمتها وذهانتها، وتسعى لتغيير المجتمع الباطل بإبداء الرأي الجميل أمام الحاكم الغاشم، وتنجح في إصلاح المجتمع وتغيير النظام الباطل من خلال إقامة العدل في المجتمع إذ تلوح هذه الصفات الإيجابية في مسرحيات شهرزاد وشمس وقمر وشمس النهار وايزيس والسلطان الحائر والصفقة وغيرها، علاوة على ذلك أنني سأركز كل التركيز على إبراز صفات المرأة المتمثلة سلبيا وإيجابيا في مسرحية شهرزاد ثم أقدم صفات الملكة “شهرزاد” التي سعت سعيا حثيثا في إنقاذ الملك “شهريار” من قتل العذراء كل ليلة، إذ بين توفيق الحكيم في مسرحية “شهرزاد” الجانبين السلبي والإيجابي للمرأة في مسرحياته كلها بالخصوص في مسرحيته شهرزاد. فهو مسرحي وكاتب ذات الجانبين السلبي والإيجابي فيما يتعلق عن موضوع المرأة.
الصورة الإيجابية في مسرحيات توفيق الحكيم
في الحقيقة يعتبر توفيق الحكيم كاتبا ومسرحيا ذا الجانب الإيجابي بأنه كان يريد إصلاح المجتمع الشعبي والتقليدي حيث كانت المرأة تعاني معاناة شديدة في المجتمع، لذا هو اختار الجانب الإيجابي، وصور في مسرحياته صورة المرأة الإيجابية ” بأن المرأة عنده جنة الدنيا وإشراقة الحياة، ولكن إشراقتها هذه لا تكون إلا بالرجل الذي خلقت المرأة لتكون مكملة له، ولكي تدور في ملكه لاعلى سبيل الرق والعبودية بل على سبيل التجانس والتكامل وعلى التواصل المتكافئ”[1] إذ أنه عالج قضايا المرأة في بعض مسرحياته إيجابيا وقدم صورة المرأة الإيجابية، إذ أنه وصف صورة المرأة الجريئة والشجاعة في مسرحية “براكسا” فبراكسا زوجة الملك وهي”تخرج من أحد المنازل تحمل مصباحا مضيا في يد وعصا غليظة في الأخرى، وهي مرتدية ثياب الرجال”[2] وأصبحت قابلة لإصلاح المجتمع بتولي زعامة السياسة ومقاومة الفوضى والفساد والثورة وتنجية زوجها الملك نبروس من الانتحار، وصارت ناجحة في هدفها كما يصور الحكيم صورة المرأة والأميرة في مسرحية “شمس النهار” التي كانت لها رغبة شديدة في العلم والمعرفة، وجعلت اختيار شريكة الحياة بناء على العلم لا على المال واللذة والمتعة، حيث أنها قررت على أن الجندي قمر الزمان لبى دعوتها ونجح في تقديم الخطبة إليها فاوضحت الأميرة شمس النهار جميع الغرائز والطموحات وقبلت خطبة قمر الزمان، ورفضت خطبة الأمراء، وقنعت على قضاء العيش مع الجندي قمر الزمان، فهي تدل على أنها كانت مولعة بالتعليم كما أنها كانت مؤمنة وصادقة وتتقي الله، ولذا تقول مخاطبا” كيف تنفرد امرأة برجل إلا أن يكون خطيبا لها أمام الله”[3] فهي امرأة نادرة الزمان في قصر الملك خالية من الحرص على المال والمتاع. ثم يقدم الحكيم صورة المرأة مسرحية”إيزيس” فإيزيس ظهرت كزوجة مثالية التي تفقد زوجها الملك الفرعوني اوزيروس، فهي تخرج من البيت وتبحث عنه في كل أمكنة، وتنثر أعوانها، حتى أنها تعثر على زوجها، بأنه مات غرقا في النيل، ولكن أحلامها انكسرت تكون حزينة وقلقة، ثم يقدم الحكيم المرأة الغانية في مسرحية ” السلطان الحائر”فهي المرأة التي تكون سمعتها سيئة في المدينة، ولكنها كانت امرأة حساسة وغيورة على العرض والعفة، وهي لم توفر أحدا جسدها بل هي ناضلت مناضلة شديدة مع الذين ينظرون إليها بنظرات خاطئة، كما أنها غيرت نظرات القاضي والسلطان بأنها ليست امرأة عادية تقضي الحياة مع الناس وتصاحبهم للعلاقة الجنسية مع السلطان الحائر بل بأنها ليست امرأة ساقطة بل هي جديرة للاحترام والمجد[4] فينبغي للإنسان أن يصلح عملها ويتمسك بالقيم الأخلاقية الجميلة، كما صور المرأة في مسرحية “الصفقة” بصورة مثالية حيث أن الفتاة الشعبية بنت الفلاح سلمت نفسها عند المساومة والصفقة للإقطاعي الظالم والغاشم الذي يطلب الفتاة عوضا من المال، فتذهب الفتاة إلى بيت الإقطاعي، ولكنها تتظاهر نفسها بأنها مصابة بالكوليرا، فيطردها الإقطاعي من بيته، فصارت الفتاة قابلة لتنجية الفلاحين ونفسها من مظالم الإقطاعي باستخدام ذهانتها وعقلها،[5] كما توجد صور البنتين المثاليتين في مسرحية “الأيدي الناعمة” اللتان قد غيرتا اتجاه المجتمع الإنساني حيث أنهما رضيا على اختيار زوجين مثقفين بينما كان أبوهما الملك والملكة يرفضان خطتهما ولكنهما كانتا مصرتين على العلاقة الزوجية التي لاتنحصر على الإمارة والمال والمجد، بل هي تعتمد على الحب وحسن السلوك والقيم الأخلاقية. فهذه هي صور المرأة الإيجابية التي تظهر في مسرحيات كالمرأة المثالية فكرا وخلقا وتقافة وسياسة.
الصورة السلبية في مسرحيات توفيق الحكيم
قد صور توفيق الحكيم صورة المرأة السلبية في بعض مسرحياته وبين تلك الصفات السلبية في إطار السخرية لاللاحتقار والازدراء بل غيرة عليها بما أودع الله فيها من الحسن والجمال والحنان وماإلى ذلك، فيصور الحكيم في مسرحية “أهل الكهف” المرأة القديسة والمطهرة والتقية ولكنها تضحي نفسها لحب عشيقها وترضى أن تعيش معه في الكهف بناء على الحب فالحب أولى ترجيحا لها وليست لها قيمة نفسها،[6] كما تتمثل صورة المرأة في مسرحية ” الطعام لكل فم”فهي المرأة التي لا تزال تكدح لسراح نفسها من زوجها الأول، وتخون زوجها بإقامة العلاقة الجنسية مع عشيقها حتى أنها تتجاوز الحد وتقتل وزجها وتتزوج عشيقها القديم، بما أنه صار غنيا، إذ هي شخصية سلبية للأم الخائنة والخادعة فهي خدعت زوجها وأسرتها،[7] كما بعض الخيانة الزوجية ظهرت في مسرحية “براكسا” حيث أن المرأة براكسا لا تزال تصاحب مع الرجال الآخرين طوال الليل والنهار للحصول على المكانة العليا في السياسة والقيادة ويخضع أمامها زوجها والقواد الآخرين نظرا إلى حسنها وجمالها فهي استخدمت حسنها وجمالها للحصول على المكانة العليا، ثم صور الحكيم في مسرحية “بيجماليون” المرأة السلبية الأسطورية “جالياتا” التي يصنعها بيجماليون في صورة تمثال وتهبها الروح آلهة الحب فيتزوجها بيجماليون، ولما صارت “جالياتا” جميلة حسنة ورائعة خدعت بيجمالون وخانته وصارت مفتونة بالحسن والغرور والأنانية، وهربت مع شاب وسيم،[8] كما نجد في مسرحية” صاحبة الجلالة” شخصية أنيسة التي تظهر حريصة على كسب المال والمتاع، ولا تبالي زوجها ولا تعتني عن مسؤولية كربة البيت، ولا تهتم بتربية البنات والبنين في أحسن تربية، وهكذا توجد المرأة ذات الصورة السلبية في مسرحية النائبة المحترمة حيث أنها أهملت بيتها وزوجها وطفلها الصغير المريض، وتنشغل بعملها كنائبة في البرلمان بما تفقد ابنها الوحيد ويموت نتيجة الإهمال في العلاج ،[9] كما نجد توفيق الحكيم يصور صورة المرأة السلبية في مسرحية “الخروج من الجنة” حيث أن المرأة تكون سببا لضلالة الرجل وعدم صيانته من الفسق والعدوان وجميع الجرائم تفشو بسبب المرأة بأن المرأة يسيطر عليها الشيطان وأخرجها من الجنة كما يقال” إن المرأة مخلوق تافه صنعت من ضلع تافه من أضلاع آدم وخرجت من الجنة وأخرجته بسبب تافه” [10]، كما نجد بعض ملامح الجانب السلبي في مسرحية شهرزاد حيث أنها خدعت زوجها وخانته عند غيابه في القصر.
مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم
مسرحية شهرزاد هي من أشهر مسرحيات توفيق الحكيم التي تدور أحداثها على قضية المرأة الخاصة فيما يتعلق عن وجود المرأة والمحافظة عليها وتقديسها وعفتها ومجدها إذ هي مسرحية مستمدة من الفكرة القديمة، وهي تفصل القول عن العادات والتقاليد وممارسات الملك في العصر القديم، بينما كانت المرأة العادية تواجه المخاطر الكثيرة، وتفقد وجودها وتقديسها وتخضع أمام الملك الخيالي الضليل شهريار الذي لم يزل يغتصب عرض كل المرأة بعد التزوج معها، ثم يلقي على بعضها التهمة عن الخيانة ثم يقتلها في الصباح مع عشيقها الخيالي أي كان الملك يشعر باللذة، ويتمتع بقتل المرأة العذرى، حتى أنه كان يسيطر على جميع المجتمع، ويستمر قتل المرأة، وكادت المرأة يقل عددها، فظهرت المرأة قوية الإرادة شهرزاد بكونها زوجة نهائية للملك، وكانت تسعى كل السعي عن فهم حقائق الأمر وضحت نفسها لتغيير وضع الملك وعادته القبيحة وممارسته الشنيعة، ولم تزل تكدح في سبيل تنجية كل المرأة التي تلد بعدها أو التي تكون بعدها زوجة للملك، بينما هي صارت موضوع البحث لدى الملك الذي كان يشك في وجود شهرزاد، ولكن شهرزاد كانت ذهينة وإرادتها كان قويا، لذا كانت ترضي الملك بتقديم مختلف القصص الرائعة في الليلة الأولى إلى الصباح، فنسي الملك وتأثر بالقصص المذكورة ولم يقتل شهرزاد بل أنه بدأ يبحث عن وجود شهرزاد ومجيئ شهرزاد في حياته، وبدأ يقضي أوقاته الكثيرة مع الساحر لكي يعرف عن وجود شهرزاد، بينما كان الساحر أغلق الملك في دن الدهن عشرين يوما، ولم يوفر له الطعام والشراب إلا التين، فصار الملك مغبونا ومسحورا ومجنونا، وفقد قوته عن التفكر والتدبر عن معرفة شهرزاد، وكان يسأل شهرزاد عن وجودها فتجيبه عن غموض وإبهام، بأنها زوجة كريمة للملك ولها قلب جميل وجسد جميل، فهذه هي وجودها، وكان الملك زادت حيرته وأحيانا يريد قتل شهرزاد في قرب الحوض، ولكن شهرزاد صانت نفسها بمكرها وخدعتها، ثم بعد ذلك يغادر الملك قصره وزوجته شهرزاد لكي ينعش نفسه ويأتي إلى وضعه الأول يرتحل مع وزيره قمر، ولكن سفره لم يفده كثيرا بأن الوزير وأعوان الملك كانوا يساعدون شهرزاد كل المساعدة، بأنهم كانوا يظنون بأن شهرزاد هي خير زوجة للملك، وله أن يعود إليها عاجلا وآجلا، ولما عاد الملك من السفر فهو يجد شهرزاد مع العبد الحقير الأسود، ولكنه لم يقتل زوجته شهرزاد مع العبد، كما قتل زوجته الأولى مع العبد الأسود وعشيقه بأن شهريار قد غيرته شهزاد ولا يريد أن يرتكب بالجريمة مثل الجريمة القديمة، وتركها مادحا زوجته وترك العبد وخرج من البيت وقتل الجلاد وزيره قمر وصارت حياة شهرزاد وحياة العذارى مصونة من القتل.
تصوير المرأة في شهرزاد
المرأة في مسرحية “شهرزاد” تتمثل كأنها مضطرة ومظلومة كانت قبل وجود شهرزاد بكونها ملكة وكانت كل المرأة بداية عصر الملك شهريار غير حرة لقضاء حياتها حسب العادة، حيث أنها تقدم نفسها إلى يد الملك الغاشم شهريار لكي يتمتع بجسدها وعرضها ثم تكون ضحية وقربانا بمثابة الخطأ الذي ارتكبت به المرأة الأولى للملك شهريار، إذ يتناول توفيق الحكيم عن هذه القضية المهمة، ويحاول بأن المرأة في الواقع كانت ضحية في المجتمع القديم وقدم لنا الصورة الواضحة للمرأة القوية والشجاعة “شهرزاد” ولكنها كانت امرأة ذات صورتين في المجتمع بأنها امرأة صارت زوجة للملك شهريار ثم هي بنت الوزير السابق للملك، لذا لها تجارب كثيرة وخبرات واسعة فتنهض لمقاومة تلك الجرائم التي كانت يرتكب بها الملك وأصبحت قابلة لمكافحة تلك الجرائم، ولكنها كانت تتحمل أيضا الصفة السلبية حيث أنها لا تبالي عن مكانتها ولاتبالي بأنها زوجة لا تجوز لها الخيانة الزوجية على حدما، فالآن نذكر بعض الصفات الإيجابية للمرأة شهرزاد التي أصبحت بها قابلة لتغيير الملك واتجاهه عن صدد قتل العذارى.
الصورةالإيجابية لشهرزاد
القاصة الجميلة
أن شهرزاد كانت زوجة الملك وتتمتع بالتسهيلات الكثيرة، وهي تنتمي إلى أسرة عالية بأنها كانت بنت الوزير السابق للملك، ولها تجارب كثيرة، كما أن لها خبرات ومعارف عن الأساطير والقصص الرائعة الرائجة من الف ليلة وليلة، ولذا اختارت خطوات كثيرة لمنع الملك من أعمالها النجسة حيث أنه قتل زوجته الأولى لتلوثها في الحب مع العبد الخسيس الأسود ثم جرت سلسلة القتل وكاد الملك أن يقتلها ولكنها بدأت تقص القصص الرائعة، وكان الملك يصغي إلى قصصها لحسن أسلوبها البياني وتفسيرها وتوضيحها إلى طلوع الشمس، ولما طلعت الشمس فاعترف الملك بهذه الصفة الجميلة التي تتحلى بها الملكة شهرزاد وأحيانا فأحيانا كان يرغب في سماع القصة ويثير الملكة على بيانها قائلا:” أريد أن تنشديني شعرا شهرزاد ، قصي علي قصة من قصصك ! … غننيني اغنية”[11] فهذه الصفة النيرة للملكة التي أدتها إلى إقامة العمل الإيجابي على الأقل أنها أصبحت مصونة من القتل بتحمل الصفة الجميلة وبكونها امرأة مثقفة ذات خبرة ومعرفة، وبها صارت قابلة لمنع الملك عن الظلم والشقاوة.
شهرزاد كالمرأة المدبرة
ظهرت شخصية شهرزاد في المسرحية، كأنها مدبرة كبيرة لتغيير عقل الملك الظالم والمأساة الذهنية المغروسة في ذهن الملك، وهي اختارت عدة خطوات والتدابير لتحقيق أهدافها المنشودة هي صيانة نفسها وسد أبواب قتل العذرارى في قصر الملك إلى الأبد، ولذا هي كانت ترسل الملك إلى الساحر المعين للتوصل إلى معرفة شخصيتها، وفازت في تدبيرها، حيث كان الساحر قد ادخل الملك في دن الدهن ولم يطعمه إلا التين والجوز فصار الملك خاليا من اللحم، بقي له العظم والهيكل الجسدي، ثم شفي وقوي، ولكن عقله تأثر بالخبل والجنون والمأساة والتوترات الذهنية وفقد الملك عقله السليم ولذا لم يعرف عن شخصية شهزاد ولم يتخذ خطوة قوية لقتل الملكة، فنجحت الملكة في هدف، ثم أنها أتخذت تديبرا آخر حيث أنها كانت تقدم نفسها أمام الملك، وتظهر حسنها وجمالها لكي يتمتع بها الملك وتصف له نفسها بأن لها جسد جميل وعقل كبير، فيكتئب الملك عن صفاتها، ثم تختار شهرزاد تدبيرا آخر ولما كان يدخل الملك في غرفتها فهي تأمر الجواري بالغناء والرقص قائلة ” اعزفن أيتها الجواري!عيني شهريار أريد، فيهما أطالع الخيبة والاندحار، الليلة يعود إلي شهريار عاجزا مكدودا يائسا، شاعرا بالفناء لكل قوة في نهايتها”[12] لكي ينسى الملك عمله الشنيع ويشتغل باستماع الغناء ومشاهدة الرقص وتصان جميع العذارى مع الملكة شهزاد، ولكن عقل الملك كان في تذبذب أحيانا فهو يكون هادئ البال وأحيانا تكون حواسه الفتاك يتذكره عمله الماضي حتى أنه سعى مرة لقتل الملكة شهرزاد، ويجعلها في حضنه قرب الحوض، ويأخذ السكين ويأخذ رأسها ولكن شهرزاد فرت وأفلتت من يده و بدأت تذمه على ارادته الشنيعة ثم تأخذ خطة أخرى هي أنها بدأت تسخر منه دائما وتلومه قائلة” أقسم أنك جننت ! وأجهدت عقلك حتى اضطرب، أي سر تبحث عنه أيها الأبله، ألا تراك تضيع عمرك الباقي وراء اطلاع خادع”[13] ثم أحيانا كانت تسخر منه قائلة : ” إن الغضب علامة العجز” و “ويل لهذا الرأس المريض المكدود”[14]
علاوة على ذلك كانت شهرزاد تعامل مع الملك شهريار كأنه فقد بصره وعقله وذهنه وأصاب بالمرض العضال من الشقاوة والخبل وعدم القدرة على الفهم عن الحقيقة والتفريق بين الصحيح، وهكذا صار الملك ضعيفا جدا أمام الملك، وخضع لها ولم يقبض عليها بسسب تدابيرها القوية بسبب بيان القصة الرائعة وإقامة المسرح للموسيقى والرقص والسخرية اللاذعة لقبح عقل الملك وتقليل سطوته وقوته وتغييره نحو الفوز والفلاح.
شهرزاد كالمرأة الحاكمة
وتتمثل شخصية شهرزاد في المسرحية كأنها تلعب دور الملكة الحاكمة حيث أنها تلغي بعض قوات الملك ووسيطرت على جميع أعضاء الملك من الوزير والجلاد والساحر والكهنة والجواري المعينة في البيت، والذين كانوا يفعلون بما تأمرهم شهرزاد، ثم أنها نزعت حق القتل وألغت حرفة الجلاد وألغت أيضا استخدام المرأة العذراء في قصره إلا بسبب الغناء والرقص فقط، ولذا صار الوزير مطيعا لها، وصار الملك خاضعا أمامها حتى أن الملك أشادها قائلا: ” أنت تعرفين، تعرفين كل شئ، أنت كائن عجيب لا يفعل شيئا ولا يلفظ حرفا إلا بتدبير لا عن هوى ومصادفة، أنت تسيرين في كل شيئ بمقتضى حساب، لا ينحرف قيد شعره، كحساب الشمس والقمر والنجوم، ما انت إلا عقل عظيم”[15] فهي شهرزاد وحيدة صارت ناجحة في هدفها حتى أنها تعتبر ملكة كبيرة في قصر الملك شهريار وأصبحت قابلة لتولية الأمور عن الحكومة والملوكية بعقلها وتدبيرها وحكمتها وحسن سعيها.
شهرزاد كالزوجة المحبوبة
أثبتت شهرزاد نفسها بأنها زوجة محبوبة لدى الملك بعد قتل زوجته الأولى، وأغرت الملك وعرضت نفسها وضعفت قوته، وأحيانا سخرت منه، ولكنها أخذت مكانة الزوجة الكريمة بعقلها وفطانتها وحسنها وجمالها حيث أن الملك أقر بصفتها النيرة كالزوجة الكريمة بأنها غيرت حاله وأخلصته من المأساة والتوترات الذهنية والجرائم الفتاكة، بما أنه صار أعمى ومجنونا، بينما أن الملكة حاولت إيقاظه من جنونه وخبله ودهشته بتقبيله وتقديم نفسها، فهو حاول الهروب منها، ولكنه اعتبر نهائيا خير زوجة له، وهي ملائمة له فيمدحها الملك قائلا: “انت جسد جميل، انت قلب كبير، انت عقل وتدبير، انت أنا، انت نحن لا يوجد غيرنا نحن، اينما ذهبنا فليس غيرنا ظلنا وخيالنا، الوجود هو نحن ما من شيئ خلا صورتنا في هذه المرآة العظيمة تحيط بنا من كل جانب”[16] ولكن الملك لم يقم في القصر بل ترك القصر والملكة بكثرة همومه وأحزانه وماضيه السئ.
شهرزاد امرأة ذات أسرار الوجود المجهولة
تمثلت المرأة شهرزاد للملك شهريار كأنها ليست بامرأة بل امرأة مجهولة بأنها تعرف ما في الأرض وما في الصين والهند ومصر، كأنها بنت الجن تعرف الغيب وتعرف الماضي والحاضر في كل شيئ، فيقول شهريار مخاطبا لها :”قد لا تكون امرأة من تكون؟ إني أسألك من تكون، هي السجينة في خدرها طول حياتها، تعلم بكل ما في الأرض ! هي التي غادرت خميلتها قط تعرف مصر والهند والصين!هي البكر تعرف الرجال كامرأة عاشت ألف عام بين الرجال وتدرك طبائع الإنسان من سامية وسافلة. هي الصغيرة لم يكفها علم الأرض، فصعدت إلى السماء ، تحدث عن تدبيرها وغيبها كأنها ربيبة الملائكة، وهبطت إلى أعماق الأرض تحكي عن مردتها وشياطينها وممالكها السفلى العجيبة، كأنها بنت الجن! من تكون تلك التي لم تبلغ العشرين، قضتها كأترابها في حجرة مسدلة السجف ما سرها!؟ عمرها عشرون عاما أم ليس لها عمر؟ أكانت محبوسة في مكان أم وجدت في كل مكان؟ إن عقلي ليغلي في وعائه، يريد أن يعرف… أ هي امرأة تلك التي تعلم ما في الطبيعة كأنها الطبيعة”[17] فهذه صورة الملكة شهرزاد قد ألقته في الشبه والوهم بانه كان يواجه شتى اللغزات العميقة لمعرفة أسرار وجود شهرزاد وكان يكون دائما متحيرا وتعبا ولم يعثر على شيئ سوى المأساة الذهنية والعقلية والخبل.[18]
الصورة السلبية لشهرزاد
تعتبر المرأة شهرزاد كأنها امرأة كثيرة الجهد ولها حب الاستطلاع حول الرفاهية العامة وإقامة المجتمع السالم والإنسانية الحقيقية، ولكنها كانت تقع في الأخطاء الكثيرة في سبيل تحقيق أهدافها الأصيلة ومن أهمها الخيانة والخدعة لذا ساءت شخصيتها في المسرحية، ولم يمكن لها أن تصل إلى أوج الكمال والقمة الخلقية بكونها زوجة الملك.
شهرزاد كالمرأة الخائنة
ولم تظهر الملكة شهرزاد الخيانة في قصر الملك في بداية الأمر بل كانت تحاول جذب الملك نحوها بجمالها وحسنها، كما أنها كانت تتعود على تقبيل الملك آنا بعد آن، وقد وقع الملك في حبها ظاهريا ولكن لما فشلت شهرزاد إكمال الحوائج الجنسية مع زوجها، فهي دعت العبد الأسود الذي دخل في قصر الملك لمعرفة وجود الملكة شهرزاد، وهي كانت تدعو إلى إقامة العلاقة الجنسية معها في الظلام الهالك، لكي لا يعرف احد أعضاء الوزارة للملك، وهي تثير العبد وتدنو به قائلة:” أسود اللون وضيع الأصل قبيح الصورة تلك صفاتك الخالدة التي أحبها ….. إن أردت الحياة يا حبيبي فاسع في الظلام كالثعبان إحذر أن تدرك الصباح فتقتل”[19] وهي لم تحتفظ عرضها للملك بسبب انعزال الملك وبعده عنها في السفر فخانت زوجها.
شهرزاد كالمرأة الخادعة
وهي كانت امرأة صافية القلب ولكنها كانت خادعة لزوجها حيث أنها كانت تخدع الملك بإرساله إلى بيت الساحر لكي يكون عاطلا عن العمل وفاقد العقل، ولكن هدفها كان صالحا لإصلاح وضع الملك وتغيير اتجاهه نحو فهم الإنسانية، كما أنها كانت خادعة للعبد الذي تدعوه إلى إقامة الجنس وتقول له حبيبا، فهي تخدع العبد والملك كلاهما، كما أنها أحيانا تخدع الوزير الذي صار قتيلا بعد رجوع الملك من السفر، بأن الملكة أظهرت له حبها، فوقع الوزير في حبها وعرف هذا الأمر الملك والجلاد، فقتله الجلاد بإشارة الملك، فخرج العبد من البيت وخرج الملك ولم يقتل الملكة والعبد، بينما كانت الملكة متلوثة في الجريمة والغش والخدعة، ولكن أهدافها سامية لذا تعتبر هذه الخدعة مسموحة وصغيرة بأنها غيرت عقل الملك ومنعته من قتل العذارى.
فهذه هي الصورة ذات الجانبين للمرأة والملكة شهرزاد التي صورها المسرحي توفيق الحكيم فهواعتمد على الخيال العميق الاسطوري المستمد من الأساطير الإغريقية والمصرية وصاغها في قالب المسرحية بأسلوب جميل، وقدم شخصياتها حسب زمن القصة القصة المصرية القديمة، وقدم فلسفة القلب والعقل الذين يعملان لبناء الإنسانية أحيانا وتهديمها أحيانا آخر، بينما فلسفة توفيق الحكيم في هذه المسرحية واضحة بأنه يؤمن بالقلب أكثر مما يؤمن بالعقل الذي يحطم حياة الناس”[20] بالإضافة إلى أنه قدم صورة “شهرزاد” كأنها امرأة مثالية نادرة ووحيدة ذات المعارف الكثيرة وحذرة وواعية للحفاظ على الإنسانية الكاملة في المجتمع الإنساني، فهي مسرحية جميلة ورائعة، والأسلوب فيها جميل.
خلاصة القول: أن توفيق الحكيم هو كاتب عظيم ومسرحي ذهني، استمد أفكار مسرحياته من المجتمع المصري القديم ومن الأساطير الإغريقية، وصاغها على المسرح العربي وقدم فيها مختلف القضايا، ومن أهمها قضايا المرأة، وعالج جميع القضايا على الجانبين الإيجابي والآخر السلبي، وأوضح في مسرحياته كلها وجلها بأن المرأة معظمها تكون مضطرة مظلومة في المجتمع القديم، إلا أن بعضها التي نهضت ناضلت، وقاومت المظالم والمشاكل، ونجحت في أهدافها، كما أن توفيق الحكيم بكونه كاتبا مسلما، فهو ألقى الضوء على بعض صفات المرأة السلبية القبيحة، وهذا كان غيرة له على الدين وحماية على القيم الاخلاقية وخاصة هو قدم صورتين متناقضيتن في مسرحيته الشهيرة شهزاد فهي تظهر كأنها امرأة وفية للزوجها وتسعى وسعيا كاملا في تغيير حاله ومن ناحية اخرى فهي تخدعه وتخونه بإقامة العلاقة الجنسية مع العبد الخسيس، مع الرغم من ذلك أن توفيق الحكيم هو مسرحي اجتماعي امتازت مسرحياته الكاملة أسلوبا وفكرة وفنا.
الهوامش
[1] حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث، ص 401، دار الجيل، بيروت، 1986.
[2] توفيق الحكيم، مسرحية ” براكسا”، ص -13، دار مصر للطباعة، 1939.
[3] توفيق الحكيم، مسرحية” شمس النهار”،ص- 106، دار مصر للطباعة، عام 1956م
[4] توفيق الحكيم، مسرحية ” السلطان الحائر” ص- 106، دار مصر للطباعة، 1960م
[5] توفيق الحكيم، مسرحية ” الصفقة” ص- 133، دار مصر للطباعة، عام 1956م
[6] توفيق الحكيم، مسرحية” أهل الكهف” دار مصر للطباعة، عام 1933م
[7] توفيق الحكيم، مسرحية ” الطعام لكل فم” دار مصر للطباعة عام 1963م
[8] توفيق الحكيم ” مسرحية” بيجماليون” دار مصر للطباعة، عام 1942م
[9] موقع الحوار المتمتدن، النسخة الالكترونية.
[10] توفيق الحكيم، مسرحية” الخروج من الجنة، ص-40، دار مصر للطباعة.
[11] توفيق الحكيم ، مسرحية “شهرزاد” ص- 55-56، النسخة الالكترونية، دار مصر للطباعة، عام 1943م
[12] نفس المصدر ص- 41،
[13] نفس المصدر، ص- 45
[14] نفس المصدر، ص- 54،
[15] نفس المصدر، ص- 51،
[16] نفس المصدر، ص- 104-105،
[17] نفس المصدر، ص- 48-49،
[18] الدكتور شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر في مصر، دار المعارف بالقاهرة مصر، 1961م
[19] توفيق الحكيم، مسرحية” شهرزاد” ص- 77-79، دار مصر للطباعة مصر عام 1943م
[20] الدكتور شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر في مصر، ص- 299، دار المعارف مصر، 1961م.