Main Menu

ترجمة محمد أنوار الله خان الفاروقي وخدماته العلمية

سيد محمد قطب الدين الجيلاني

باحث الدكتوراة  العربية الشرقية
كلية اللغات الشرقية بالجامعة العثمانية

 

إن أرض الدكن حظيت بالشهرة، وذاعت صيتها عبر الآفاق باعتبار أن هذه الأرض منذ قديم الزمان مألوفة لدى المؤرخين و أصحاب القلم بمآثرها العلمية ومحاسنها الأدبية والفنية، وبخدماتها الهائلة العظيمة الدينية، وطبّقت شهرتها في نشر الدين، وبث الثقافة الإسلامية، وإيقاظ الوعي الديني في المسلمين، وقد أنجبت شخصيات فذة، ، وأئمة بارزة ، وأعلام الدين الإسلامي والفكري ،خاصة عاصمتها “حيدرآباد” مدينة عريقة شهيرة رصدت روائع بديعة من تاريخ الهند، وهي تنفرد بمميزاتها العلمية  والثقافية، وهي حافلة بالجامعات العظيمة، والمكتبات القيمة، والمآثر الجملية ، كما أنها تعرف بحضانة العلم والأدب ورجال التعليم والتربية ، فقد برزت فيها القرائح ونبغ فيها العلماء ، وخلق الله في هذه المدينة رجالا تعالت هممهم وشخصيات فذة بارزة، حتى أصبحت أرض الدكن بخدماتها الهائلة موئلا وملاذا للعلماء والنوابغ في أطراف الدنيا؛ حتى جعل أصحاب المواهب والكفاءات العظيمة يقصدون إلى هذه الدولة زرافات ووحدانا من كل فج عميق ، لكي تظهر مواهبهم وتتجلي لياقاتهم ،  وحصلوا على الإعجاب والتقدير البالغين من ملوك الدولة . خاصّة في العهدين الأخيرين للنوابين العظيمين لفخامتي الأميرين مير محبوب علي خان ومير عثمان علي خان، فكان عهدهما كالعهد العبّاسی الذهبی ، ازدادت فيه العلوم والآداب ، ونقلت  الكتب،  وألّفت المؤلفات.

ولو ألقينا نظرة خاطفة على تاريخ مدينة “حيدرآباد” الزاهي وبيئته العلمية يُرى لنا من بين هذه الحركة العلمية والنشاطات الدينية والثقافية شخصية فذة عظيمة القدر والجاه، وهو يرأس هذه البيئة العلمية ويرعى المعاهد والمكاتب والمدارس والمجامع والمكتبات المنتشرة في ربوعها هو شخصية الحافظ محمد أنوار الله خان الفاروقي .

 نبذة من حياة العلامة :

هو العالم، الفاضل، النابغ العلامة أنوار الله بن شجاع الدين بن القاضي سراج الدين العمري الحنفي القندهاري الحيدر آبادي، أحد العلماء الممتازين في عصره ومصره. كان من مواليد قندهار قرية من مديرية  ناندير من أرض الدكن لأربع خلون من ربيع الآخر سنة 1264ﻫ – نشأ وترعرع في بيئة علمية ، أولا تربي تحت رعاية أبيه ، وتلقى منه التعليم الابتدائي ؛ ثم حفظ القرآن عن ظهر القلب على يد الشيخ أمجد على، وتلقى مبادئ الفقه على الشيخ فياض الدين أورنك آبادي المقيم بقندهار، ثم قصد إلى مدينة حيدرآباد – عاصمة الدكن آنذاك – وأخذ الفقه من الشيخ عبد الحليم الأنصاري اللكنوي، ثم صاحب ابنه الشيخ عبد الحي اللكنوي ما دام في قيد الحياة، وحصل التفسير والحديث عن الشيخ عبد الله اليمني، وترباه أبوه في الزهد والسلوك وتخرج على يديه في التصوف والسلوك، وحصلت له منه الإجازة، وأتقن في كثير من العلوم والفنون في المعقول والمنقول.

بعد التفرّغ تزوج كريمة الحاج محمد أمير المحتسب بلدة ” نولة”، واستقال بعد مدة قصيرة، ثم سافر إلى بلاد الحجاز ، وحج بيت الله عز وجل الأولى سنة 1294 ﻫ، فحج وزار ولقي هناك الشيخ الكبير إمداد الله المهاجر المكي وبايعه وأعطاه الشيخ الخلافة في الدكن لما نظر فيه ملامح الاهتداء والإرشاد، ثم قفل راجعا من هناك قاصدا أرض الدكن، وعكف بالتدريس ومطالعة الكتب والإصلاح والإرشاد، واختير خلاله بعد إعراض و إلحاح وضغط من الجانبين معلما لصاحب السمو الدكن الأمير مير محبوب على خان سنة1295 ﻫ، وكان صاحب الملكي يبجله ويكرمه كثيرا، ولقبّه “بخان بهادر” سنة 1301ﻫ، وأجري كراتب شهري 2000 ألف روبية،  ثم ارتحل الحجاز وحج الحجة الثانية في السنة نفسها، ثم عاد من بعد زيارة المدينة إلى الدكن،  وانهمك هناك بالأعمال العلمية والنشاطات الدينية، وأسسس مدرسة النظامية، بإشارة من منامية رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ووضع حجر أساس الجامعة عام 1292ه -1875م على أساس التقوى والتوكل، وبذل ما في وسعه من جهد وخبرات في إنهاضها وتطويرها وترقيتها إلى ذروة الكمال، ثم سافر إلى الحرمين للمرة الثالثة، فحج وزار المدينة النبوية، ومكث هناك في المدينة المنورة ثلاث سينين، وهو يريد أن  يقيم في جوار النبي – صلى الله عليه وسلم – استقلالا طيلة حياته، ثم فارق المدينة وعاد إلى الدكن إذا لم يوافق قلبه هناك لأمور مهمة سنة 1308ﻫ، ثم عُين معلما لولى العهد الأمير عثمان على خان ، فرباه تربية دينية نحو إحدى وعشرين سنة، ولما مات الآصف السادس مير محبوب على خان سنة 1329ﻫ، وولي مير عثمان على خان (النظام السابع)  فولاه الصدارة والاحتساب، وكان ذلك في سنة 1330ﻫ، وولّاه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية سنة 1332ﻫ، ولقبه فضيلت جنك، هكذا حصلت له المرتبة العظيمة، والمكانة العالية،  والكلمة النافذة في الأمور الشرعية، فقام بإصلاحات وتحسينات كثيرة في الشؤون الدينية  ، وانتفع به البلاد والعباد .

توفي – رحمه الله – سنة 1336ﻫ  بمرض السرطان يترك وراءه أهله وذويه ومحبيه وخدماته الجليلة ، وذكرياته ، ومآثره، ومكرماته ، وحسناته، وإن كان قد مضى ولكن أعماله ومؤلفاته تبقى حية خالدة مدى الدهر إنشاء الله .

مؤلفاته

كان شيخ الإسلام – رحمه الله –  أتم معظم حياته في التصنيف والتالف ، فصنف كتبا كثيرة مع كثرة المشاغل الحكومية، واستخدم قلمه كآلة حرب في مقاومة الفرق الباطلة ، وقمع البدعات والخرافات، وكانت كتبه حافلة بالمعلومات القيمة، والنوادرات الفريدة ، وكان أسلوب الشيخ في مؤلفاته أسلوبا ساذجا، يفهمه كل عامي وخاص ، المثقفون وغير المثقفين ، يشتمل مؤلفاته جميع المواد الإسلامية التي يحتاج إليه الإنسان في كل ناحية من نواحي حياته ، وله ردود عنيفة على الفرقة القاديانية ، وأبحاث مقنعة في الدفاع عن الإسلام، والذود عن الشريعة الغراء،  نذكر من أهم مؤلفاته شيئا وجيزا بخلال ذكر ما يشمله الكتاب من مواد ، ويبلغ عدد كتبه الكبيرة والصغيرة نحو ثلاثين بالأردية والعربية ، فمن العربية :

  • ” منتخب الصحاح “ تأليف نفيس ، جمع فيه الأحاديث المنتخبة المختارة تحت كل باب من كتب الصحاح ، واستخرج منها فوائد فريدة ، ومنافع جمة بصورة الملاحظات ، هذا الكتاب لم تطبع لحد الآن ، ونسخته الخطية محفوظة في مكتبة الجامعة النظامية بيد مؤلفه العلام.
  • “إفادة الأفهام في إزالة الأوهام” هذا الكتاب في الرد على المتنبي القادياني ، فأبرز فيه المزيفات والأوهام للفرقة القاديانية ، ورد عليها ردا عنيفا وأثبت أن نبينا – صلى الله عليه وسلم – هو في الواقع خاتم النبين ، هذا الخائن الغاشم بمكره وكيده وغشه وإغوائه يود أن يسلب تاج ختم النبوة عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – وهذا لا يحالفه النجاح في أمنياته إلى الأبد ، هذا الكتاب طبع بالهند مرة واحدة ، ولكن ببابكستان طبع مرارا وتكرارا .
  • “حقيقة الفقه” بحث المؤلف في هذا الكتاب القيم عن تاريخ تدوين الفقه ، بيّن خلاله حقيقة الفقه ، وتعريفه ، وموضوعه وغايته ، وأثبت أن الفقيه أعلى مرتبة من المفسر والمحدث بحيث أن الفيقه لا يعتبر فقيها إلا إذا كان بارعا في علم التفسير والحديث الشريف ، وذكر ميزات الفقه الحنفي ،وكيفية انتشارها عبر العالم ، وكما ذكر ضروة الاجتهاد وشروطه ؛ لأن النصوص متناهية والحوادث والوقائع غير متناهية ، كما أتى خلال البحث اجتهاد الصحابة إذا لم يجدوا النص في الحادثة .هذا الكتاب شاملة في المقررات الدراسية في الجامعة النظامية ، هو في جزئين ، وكل جزء يفوق على ثلاثت مائة وخمسين صفحة ، تم طبعه سنة 1327ﻫ أول مرة ، ثم أعيد طبعه مرارا وتكرارا .
  • “انتخاب الفتوحات المكية” للشيخ ابن العربي ،جمع فيه الملحوظات المفيدة واللطائف القيمة والمعارف النفيسة ، كما قام بتدريسه على الالتزام طيلة حياته بعد صلاة المغرب . وهذه مخطوطة محفوظة في مكتبة الجامعة النظامية لم تطبع إلى حد الآن ، وهي دروس في التصوف كان يلقيها الشيخ للمشائخ الكبار والعلماء والدعاة والصالحين في منتصف الليل .
  • “الكلام المرفوع فيما يتعلق بالحديث الموضوع” وهو أيضا كتاب قيم ، فعالج فيه المؤلف فن الحديث وأصوله على أسلوب سهل ميسور، وألقى الضوء على الأحاديث الموضوعة ، و ، نظرا لأهمية الكتاب ومحتوياته النفيسة دعت الجاجة إلى تعربيه ، عربه شيخ الحديث بالجامعة النظامية خواجه شريف النظامي ، فبدأ المؤلف تأليف هذا الكتاب خلال إقامته بالمدينة النبوية ، طُبع أولا بمطبع بمدينة ميرتهـ قريبا من عاصمة دلهي ، ثم قام بطبعه مجلس إشاعة العلوم .
  • “الأنوار المحمدية بخصائص النبوية” هذا كتاب قيم في فضائل سيد المرسلين ، كتاب مستطاب صفحاته تفوق ثلاث مائة صفحة ، جاء فيه من فضائل سيد الأكوان وخير المرسلين ونعوته ومحامده ، ومعارف ميلاده وصفة الصلاة عليه ، وأحكامها ، وآداب الرسالة النبوية ، أولا قدم الشيخ هذه المباحث في صورة الشعر ثم شرح شرحا وافيا بصورة النثر ، نظمها ثم نثرها خلال إقامته بالمدينة النبوية عليه ألف تحية وسلام .
  • “كتاب أنوار التمجيد في حقيقة التوحيد” هو مؤلف متوسط في مائة وخمسين صفحة ، طبعه مجلس إشاعة العلوم بعد وفاة المؤلف ، ذكر المؤلف فيه مباحث التوحيد وأتى بالأدلة العقلية والنقلية بأسلوب جذاب رشيق ، وأثنى على كتابه شيخه في الطريقة الحاج إمداد الله المهاجر المكي .
  • “كتاب العقل” بحث فيها الشيخ عن حقيقة العقل ومدى أهميته في حياة الإنسان ، وأثبت أن العقل المحض عاجز عن إدراك كنه الحقائق التي لا تمس بالمحسوسات ، وتدوين نظام كامل وشامل يناسب ويلائم بكل عصر ومصر وبكل مكان وزمان . هذا الكتاب يضم أكثر من ثلاث مائة صفحة ،طبع سنة 1923م ، هذا الكتاب يعد من أهم مؤلفاته .
  • “مقاصد الإسلام “(أحد عشر جزءا ) هذا الكتاب موسوعة علمية ، ذكر فيها جميع العلوم االتي تتعلق بالعقيدة والتصوف والعبادات، والأعمال التي تربط علاقة العبد بربه ، وغير ذلك مقالات متنوعة ، متفننة في عدة موضوعات ، هذا الكتاب مطبوع ومتداول في الأجزاء المتعددة .
  • “أنوار الحق” ألف الشيخ هذا الكتاب ردا على الكتاب “تائيد الحق” في إثبات الفرقة القاديانية ، ألفه حسن على القادياني أحد المحاضر في كليات المدينة ، طبع سنة 1322ﻫ .

“أنوار الله الودود في مسألة وحدة الوجود” هذه عجالة نافعة لمؤلفه شيخ الإسلام ، بحث فيه عن مسألة وحدة الوجود .

“تحفة السالكين” هذه الرسالة كتبها الشيخ للسالكين في طريق التصوف ، وبحث فيها عن حقيقة الطريقة والسلوك خاصة للمرطبتين في الطريقة الجشتية .

“رسالة في خلق الأفعال” كتب الشيخ هذا الرسالة الصغيرة في عشرين صفحة ردا على الأفكار الفرقة المعتزلة والقدرية في مسألة خلق الأفعال مبرهنا بالدلائل العقلية والنقلية .

“شميم الأنوار” وهو ديوان أبيات نظمها شيخ الإسلام باللغة الأردية والفارسية كما يوجد بعض الأبيات باللغة العربية .

غير ذلك من الكتب والمؤلفات القيمة لا يسع المقام بذكر تمامها واكتفينا في العجالة بالتعريف على قدر يسير من مؤلفاته.

نشاطاته العلمية

كان له نشاطات علمية، ومهمات في إقامة الجامعات العلمية، ودور الكتب، والنشر فهنا أسلط الأضواء على أعماله العظيمة القيمة البارزة في هذا الصدد.

 1- الجامعة النظامية :

لما جاء الانكليز إلى بلادنا الهند مستعمرين ، ومسيطرين أرض الهند الخصبة ، مريدين إطفاء نور الله بأفواههم ، صعب على المسلمين أن يحفظوا دينهم ، وعرضهم وأراضيهم ، وفكرهم وثقافتهم ، ففي هذه الحالة الحرجة المشكلة قام علماء الهند ينشئون المدارس الدينية ، وكان أنوار الله الفاروفي كا ن من طليعة علماء الذين فكروا في إنشاء المدارس والمعاهد الدينية ، والقلاع المحصنة للإسلام ، قد جاء تأسيس المدرسة على يد شيخ الإسلام ورفقائه ، بدأت هذه المدرسة صغيرة كالمدارس الأخرى ولكن بجهود شيخ الإسلام ورفقاءه المخلصين تقدمت وازدهرت وذاع صيتها في الهند وخارجها في جميع أنحاء العالم ؛حتى أصبحت أكبر جامعة في العالم وحصنا حصينا للدين والشريعة في مدة قليلة في جنوب الهند ، وجعل الطلاب والمتعطشون للعلوم الدينية يوجّهون ركوب عنانهم إليها ، وتتدفق إليها جماعات طلبة العلم من جميع أنحاء العالم كسري لنكا ، ونيكوكار ، واندومان ، وسمرقند ، ومن بخارا ، وأفغانستان ، وبيت المقدس وغيرها .كان من أهداف الجامعة الرئيسية دراسة العلوم الإسلامية العربية من التفسير ، والحديث النبوي ، والفقه ، وأصولهما ، وعلم العقائد ، والكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، والتاريخ الإسلامي ، والسيرة النبوية ، وخاصّة اللغة العربية وجملة فنونها وآدابها من النحو ، والصرف ، والبلاغة ، والإنشاء ، والأوزان ، والبحور ، وما إلى ذلك ، مع بعض مبادئ العلوم العصرية الضرورية بقدر الحاجة . مع بثّ الوعی الإسلامي وصيانة المسلمين من كلّ زيغ وضلال ومن كلّ بدع وخرافات ، إضافة إلى نشر العلوم الإسلامية والمحافظة عليها (). والفضل في إقامة الجامعة ونشر رسالتها عبر العالم يرجع إلى شيخنا المبجل أنوار الله الفاروقي .هذا المعهد من احد خدماته الجليلة لا ينساه التاريخ ؛ بل يخلد ذكره عبر القرون .

2– دائرة المعارف العثمانية :

كما قام العلماء بإنشاء المدارس والمعاهد للحفاظ علی الهويّة الإسلامية للمسلمين ، فكذلك أقاموا معاهد ودور النشر والتوزيع والتأليف والترجمة ، ليكون المسلمون علی بصيرة تامّة وإدراك قویّ وإطلاع واسع  علی دينهم وشريعتهم ، ويكون عند هم رصد عظيم من مصادر شريعتهم الغرّاء ، فقام بإنشاء هذا الدائرة شيخ الإسلام نفسه مع رفقائه عماد الملك سيد حسين البلجرامي ، وملا عبدالقيوم سنة 1308ﻫ/ 1888م بمساعدة الحكومة آنذاك ، وكان من أهداف الدائرة المهمّة أوّلاً قبل كلّ شيء أن تجمع وتصون وبالتالی تطبع القطع الفريدة من الأعمال العربية غير المطبوعة ما يتراوح تاريخها بين القرن الأول والقرن الثامن الهجري ، لأنّ هذه الفترة التاريخية غنيّة بأخصب النشاطات العلمية والأدبية والدينية والثقافية والفلسفية .

ويقول الدكتور محمود محمد الطناحي في تأليفه “مد خل إلى تاريخ نشر التراث الإسلامي” يُعرّف فيه على دائرة المعارف العثمانية ونشاطات تأليفها وخدماتها : وقد أتت مطبوعات الدائرة علي كلّ فنون التراث ،ويُعدّ منشورات الدائرة من الموسوعات الضخمة ، مثل الحاوي في الطب لأبي بكر الرازي (۲۳جزءا) وكنـز العمّال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي (۲۲جزءا) ونظم الدرر في تناسب الآيات والسور ، للبقاعي (۲۰ جزءا) وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (۱۲ جزءاً) والأنساب لأبي سعد السهاني (۱۲جزءا) والسنن الكبرى للبيهقي (۱۰ أجزاء) والثقات لابن حبان (۹ أجزاء) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي (۹ أجزاء) والتاريخ الكبير للسخاوي (۸ أجزاء) والفتوح لابن أعثم الكوفي (۸ أجزاء) ولسان الميزان ، لابن حجر العسقلاني (6 أجزاء) ” .

هذه الدائرة من أكبر ذكريات الفقيد العلام أنوار الله الفاروقي قد طُبع من هذه الدائرة حتى الآن ثلاث مائة كتاب في كل موضوع ، فيرجع الفضل أولا إلى شيخنا ثم إلى من واجهوا عناياتهم بتصحيح المخطوطات .الآن تجري نشاطات الدائرة تحت رعاية الحكومة الولائية .

3- جمعية إشاعة العلوم :

 قد جاء تأسيس هذه الجمعية بيد مؤسس الجامعة النظامية سنة 1330ﻫ/1916م ، ولما شاعت وانتشرت مؤلفات الشيخ ،وتلقت بالقبول في الأوساط العلمية  ، وعرف الناس علومه الغزيرة النافعة جعلوا يستفيدون من كتبه ،وازدادت رغبة الناس إلى إقتناءها كتبه ، ففكر الشيخ في إقامة جمعية لطبع الكتب وإشاعة العلوم الدينية ، في بداية الأمر تُطبع الكتب على نفقه وكُلفته ، وتباع على ثمنها الأصلية بدون ربح منفعة ، ربما كان يعطي أصدقاءه وأهل العلم مجانا بغير ثمن ، فلم يبقى عنده هكذا رأس المال أيضا ، فيصير سببا لتأخير طبع كتبه ، ثم هيأ الله له أسباب الطبع ، فأجرى الملك خمس روبية شهريا لطبع الكتب ، فاغتنم الشيخ هذه الفرصة الثمينة ، وعزم على إنشاء جمعية لطبع الكتب ونشرها باسم “مجلس إشاعة العلوم” فهدف  هذه الجمعية أن تطبع مصنفات العلماء وتأليفات الفضلاء الذين لا يستطيعون طبعها لعدم المال والمعونة ، فعدد الكتب التي طُبعت ونُشرت تحت إشراف هذه الجمعية يزاد على (150) كتبا بالعربية والأردية والفارسية والتيلغو، وبعض منها طبع ثلاث مرات أو أكثر حسب الضرورة ، وهذه الجنة تجري نشاطاتها في رحاب الجامعة النظامية شبلي غنج ، حيدرآباد .ومن أبرز مطبوعاتها وأشهر منشوراتها “نثر المرجان في رسم القرآن ” في سبعة أجزاء ،للعلامة محمد غوث الملك المدراسي من علماء القرن الثاني عشر، و”التفسير المظهري” للشيخ ثناء الله الباني بتي ، و” التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح” لشيخ الحديث محمد ادريس الكاندهلوي ، و”معجم المصنفين ” للعلامه محمود حسن خان تونكي ، و”خلاصة ملتقى الأبحر” للشيخ غلام إبراهيم الحلبي ، وغير ذلك  ().

4- المكتبة الآصفية :

ومن مأثره ومكرماته إنشاء المكبتة الآصفية التي تعد وتعتبر من عظيم أعمال الشيخ ، هي أكبر المكتبات وأغناها ، وقد أسّسها الشيخ بمساعدة من رفقاءه ملا عبد القيوم وغيرهم ، ليستفيد منها الطلبة والعلماء والباحثون والمحققون ، ويرتوي منها الظامئون ، وهي تدعى اليوم بمكتبة الولاية المركزية (state central library) وهي مكتبة عامرة زاخرة بالمطبوعات القيمة والمخطوطات النادرة في مختلف العلوم والفنون ، فجمعت فيها الكتب القيمة من المطبوعات والمخطوطات لإجراء الدراسة والبحث والتحقيق ، وأصدرت الحكومة الآصفية لها مساعدة مالية لتقدمّها وازدهارها ، فجعلت مكتبة عامة رسمية ويبلغ عدد المخطوطات والأفلام بالعربية والفارسية ، والأردوية زهاء سبعة عشر ألفا ، ولكن انسدت منعتها لما تحولت تلك المخطوطات إلى إدارة المخطوطات الشرعية ، وبجانب آخر فإن مكتبة الولاية المركزية الواقعة على شاطئ نهر موسى في بناية عظيمة فخمة قديمة ، توجد فيها أكثر من خمسين ألف (50000) كتاب في مختلف العلوم والفنون واللغات القديمة والحديثة ، وهي مرجع آلاف مؤلفة من الطلبة والقراء والباحثين ، هي أكبر المكتبات بولاية آندهرابراديش حيدرأباد ().

وللشيخ خدمات جليلة لا تعد ولا تحصى في هذه العجالة ،بالإضافة إلى ذلك فقد ساهم الشيخ مساهمة كبيرة في إنشاء االمعاهد والمدارس للتربية والتثقيف ، وساعد المساعدات المالية لإشاعة العلوم والمعارف ونشر الكتب ، وكذلك أجرى المساعدات المالية لبناء المساجد وتصليحها في جميع المدن والقرى .

            فأجرى المساعدة المالية لدعم جامعة دار العلوم ديوبند (600) روبية شهريا .

            أسس المدرسة المعينية بأجمير وأجرى له (1000) ألف روبية شهريا .

            لمدرسة كولها بور (200) روبية شهريا ، وكذلك أقام المدارس الكثيرة للتربية ، وأجرى لها المساعدات .

وكذلك أجرى المساعدات العالمية لبناء المساجد من قبل الدولة الآصفية ممكلة النظام .

   أجرى المساعدة الخطيرة لبناء مسجد اوستراليا (40) أربعين ألف روبية .

   والمساعدة لبناء مسجد بصرة .

كما اجتهد الشيخ لقمع البدعات والخرافات والمحدثاث والتقاليد التي دخلت في المسلمين لتقربهم من هنادك الهند ، وقدّم خدمات هامة في جوانب حياة المسلمين كاملة ، لاينساه التاريخ ؛بل تخلد ذكرياته على مر العصور حيا .

خلاصة القول: إن لمحمد أنوار الله خان الفاروقي خدمات جسيمة، ونشاطات علمية، لا يضاهيه ولا يساويه أحد في مدينة حيدرآباد في النواحي والجوانب المختلفة، في تأليف المؤلفات العظيمة ذات الموضوعات المهمة، الضرورية حسب مقتضيات العصر والمصر، وله نشاطات علمية في إقامة الجامعات كالجامعة النظامية خاصة، وإنشاء المكتبات كالمكتبة الآصفية، ودور النشر والتأليف كدائرة المعارف العثمانية، ومكتبة إشاعة العلوم وغيرها، وأنه علاوة على ذلك أشرف وقام بمساعد مالية من قبل الملوك للمدارس والمعاهد المنتشرة في أرجاء الهند.

المصادر والمراجع:

  • عبد الحي الحسني ، نزهة الخواطر ، مكتبة دار ابن حزم – بيروت ، الطبعة الأولى.142ﻫ.
  • د . محمد سلطان محي الدين ،علماء العربية ومساهماتهم في الأدب العربي في العهد الآصفجاهي ،المطبعة أبوالوفاء ، الجامعة النظامية ، حيدرآباد ، 1426ﻫ – 2005م .
  • العلامة مفتي ركن الدين، مطلع انور، مطبع إشاعة العلوم بالجامعة النظامية، حيدرآباد.
  • العلامة أنوار الله الفاروقي، .أنوار الحق،الطابع: مجلس إشاعة العلوم ، الجامعة النظامية ، حيدرآباد.
  • مرزا غلام أحمد قادياني، براهين احمدية،سفر هند بريس، دهلي:1880.
  • العلامة أنوار الله الفاروقي، إفادة الأفهام، مجلس إشاعة العلوم، الجامعة النظامية ، حيدرآباد ، سنة، 1436ه-2015م.
  • ميرزا غلام احمد القادياني ، إزالة الأوهام، طبع رياض هن، امرتسر، 1308م.
  • د . نفيس النساء بيغم ، خدمات الجامعة النظامية ومؤسسها في نشر اللغة العربية ،مقالة قدمتها لنيل الدكتوراة من الجامعة العثماينة سنة :1427ﻫ – 2007م
  • جلال رضا، شيخ الإسلام العارف بالله محمد أنوار الله الفاروقي ومآثره التجديدية، مجلس إشاعة العلوم بالجامعة النظامية، حيدرآباد.