Main Menu

تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” للشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي: دراسة نقدية”

سيد شاه خليل الله بشير

باحث الدكتوراه بالقسم العربي بالجامعة العثمانية
      حيدرآباد ، الهند

ملخص البحث:

يحاول هذا البحث علي دراسة كتاب “تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” الذي صنفه أحد مشاهير الهند بالقرن العاشر الهجري ، وهو الشيخ الإمام الشاه عبد الحق المحدث الدهلوي([1]) (المتوفي سنة 1052 ه) الذي كان عالماً كبيراً ، و جامعاً بين الشريعة و الطريقة ، و لا يمكن لأحد أن ينفي و ينكر مكانته العلمية الرفيعة ، قلما كُتب عن شخصية هذا العالم الجليل باللغة العربية ـــ

يتحوي هذا البحث علي مكانته العلمية و ميزاته الخاصة في علم التصوف موجزاً ، و القسم الأول مشتمل علي سبع و عشرين قاعدة في علم التصوف و إثباته بالقرآن الكريم و الحديث الشريف ، و أصوله و قواعده ، و القسم الثاني مكون علي ثلاثة عشر فصلا في حقيقة الفقه و مكانة الفقهاء و أحوال الأئمة الأربعة ، و ركّز الشيخ في هذا القسم عنايته الخاصة علي الفقه الحنفي ، و حياة الإمام الأعظم أبي حنيفة و مناقبه و شأنه ، و ردّ العلماء الذين اتهموا مذهب الحنفية أنه علي القياس و أسباب تفضيله –

الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي يُعد من كبار علماء الحديث الشريف و الفقه و التصوف بالهند ، و بذل قصاري جهده بربط الصلة بين العلوم الظاهرة و الباطنة ، و ردّ الفرق الباطنية المتصوفة الضالّين عن طريق الإسلام المستقيم ، و حمل لواء الفكر السليم ، و طهّر التصوف من البدع و الضلالات و الأعمال الموضوعة التي شاعت و وصلت إلي حدّ الزندقة في شبه الهند في عصره ــــ

كان الشيخ الدهلوي صاحب المؤلفات الكثيرة في العلوم الإسلامية و فنونها خاصةً في علم التصوف ، و حاول الجمع و التقريب بين الصوفية و الفقهاء بوجه خاص ، و قضي حياته كلها في تطبيق هذا المبدأ ، و ألف كتابين ” تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” و ” مرج البحرين في الجمع بين الطريقين” و أثبت فيهما بالدلائل الواضحة أن الفقه و التصوف متوافقان و ليس فيهما تعارض ــــ

تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف: 

هذه من أهم مؤلفات الشيخ الدهلوي و مآثره العلمية التي حاول فيها التوفيق و التطبيق بين الفقه و التصوف ، هذا الكتاب منفرد في هذا الموضوع ، و يوضح منزلة الشيخ و حسن انتخابه ــــــ

يحتوي هذا الكتاب علي قسمين ، القسم الأول في التصوف و أصوله و دلائله في ضوء الكتاب و السنة المطهرة و القسم الثاني في الفقه وأصوله ـــ

القسم الأول: شرح صاحبنا كتاب (قواعد الطريقة في الجمع بين الشريعة و الحقيقة) للشيخ سيد أحمد بن زروق ([2]) ويمدح صاحبنا حول كتاب قواعد الطريقة في كتابه المكاتب و الرسائل:

“وهو كتاب عجيب ، يجمع طريق الفقه و التصوف ، و العلم و الحال ، لا ينتفع  به إلا فقيه الذي يعرف جميع الأحوال ، وصوفي محقق الذي يقيد حياته بالأعمال الشريعة ، و قام هذا العبد المسكين (عبد الحق الدهلوي) بترجمته إلي اللغة الفارسية  و سماه ” مرج البحرين في الجمع بين الطريقين” ـــ ([3])

كتاب الشيخ الزروق مشتمل علي بعض قواعد التصوف و الطريقة ، ذكرها الشيخ الدهلوي أولاً و شرح شرحا وسيطاً و أبرز نكات قيمة ـــ و ردّ مخالفي الذين يعتقدون أن التصوف ليس له مكانة في الإسلام و هو ضد الشريعة و بدعة ضلالة ـــ و لم يترك مسلك الاعتدال في مسائل التصوف التي تكون مختلفاً بين العلماء و الصوفية مثل السماع ، وقدّم في هذا الموضوع جميع دلائل في تأييده و ضده ، و شرح بعض الألفاظ الغريبة كما يعثر هذا المنهج في جميع مؤلفاته ــــ

القسم الأول مكون علي سبع و عشرين قاعدة و يشرح المحدث تحت عنوان “أقوال” و يذكر أقوال العلماء و الفقهاء و الصوفيين ـــــ و فيما يلي قائمة القواعد:

  1. في بيان شروط الاستفادة من الكتب المؤلفة في الرد علي الصوفية ــ
  2. حفظ الأديان مقدم علي حفظ الأعراض ــ
  3. وجوه إنكار المنكرين علي الصوفية و شرحها ــ
  4. ذكر التحذير عن بعض الكتب كالتلبيس و الفتوحات و غيرهما ــ
  5. دواعي الإنكار علي القوم خمسة ، وفيه ذكر إنكار الشيخ ابن الجوزي علي سيدنا غوث الثقلين – رضي الله عنه –
  6. في التزام التوقف عند محل الاشتباه ـــ
  7. حكم الفقه و التصوف و الصلة بينهما ــ
  8. يعتبر الفرع بأصله ــ
  9. مبني العلم و الحال ـــ
  10. نظر الصوفي في المعاملات أخص من نظر الفقيه ـــ
  11. وقوع الإشكال في كلام الصوفية ـــ
  12. لا يصح التصوف بدون الفقه ـــ
  13. متعلق علم التصوف أشرف المتعلقات ـــ
  14. تحذير الناصحين من هذا الطريق لغرابته ـــ
  15. حكم إباحة الشيء بسبب أو علي وجه خاص أو عام ـــ
  16. في السماع و الغناء ـــ
  17. حكم الأشياء قبل ورود الشرع فيها ـــ
  18. اختلفت الصوفية في إباحة السماع ـــ
  19. اعتقاد المرء فيما ليس بقربةٍ قربة، بدعةٌ و ضلالٌ ـــ
  20. إلتهيّأ للقبول علي قدر الإصغاء للمقول ـــ
  21. السماع ممنوع بالعوارض ـــ
  22. الضرورات الداعية للسماع ـــ
  23. شروط السماع ـــ
  24. في الوجد ، و الحال الصحيح و الفاسد ـــ
  25. حفظ العقول واجب كحفظ الأموال و الأعراض ـــ
  26. في التغزل و الشعر و التغني ــــ
  27. عقوبة الشيء و مثوبته من نوعه ـــ

كان صاحبنا الدهلوي أول من قام بتطبيق الفقه و التصوف و شرح كتاب “قواعد التصوف” بالهند ، هذا الشرح يهدي إلي طريق الاعتدال في الشريعة و الطريقة ـــ و من أهم ميزات أسلوب المؤلف الدهلوي في هذا الكتاب أنه أدّي حق التحقيق و البحث الذي يُظهر في المواضيع العديدة ، تارةً بالتلخيص و أحياناً بالتفصيل ـــــــ

و كان الشيخ يعتقد أن التصوف مفتقر إلي الفقه ، و الفقيه غني عن التصوف كما يوجد في القاعدة السابعة من هذا الكتاب:

” قيل: كن فقيهاً صوفياً ، و لا تكن صوفياً فقيهاً ، و صوفي الفقهاء أكمل من فقيه الصوفية ، و أسلم ، لأن صوفي الفقهاء قد تحقق بالتصوف حالاً و عملاًو ذوقاً ، بخلاف فقيه الصوفية ، فإنه المتمكن من علمه و حاله ، ولا يتم له ذلك إلا بفقه  صحيح ، و ذوق ٍ صريحٍ ، ولا يُصلح أحدهما بدون الآخر ، كالطب الذي لا يكفي عمله عن التجربة و لا بالعكس فافهم ـــ “([4])

و مسلكه طريق الاستقامة و الاعتدال في الأمور المختلفة التي النزاع فيها بين الفقهاء و الصوفية ، ، كما أنه بيّن أقوال و آراء المحدثين و الصوفياء في مسئلة السماع:

” و إن ههنا ثلاثة أقوال: الغالب علي مذهب الفقهاء : التحريم ، و علي طريق المحدثين : الإباحة ، و علي طريق الصوفية: التفصيل ، كما هو المستفاد من الكلمة المشهورة الجارية علي الألسنة ، السماع لأهله مباح  ـــ ([5])

 ثم يقول: “التوقف و الإباحة ، و المنع ، ولهذا جري فيه الأقوال الثلاثة للصوفية و الفقهاء ، غير أن المنع من الفقهاء أكثر و أشد من الصوفية ، و لعمري ، أن الصوفية أحق و أحري بالقول بالمنع ، لإن طريقتهم الأخذ بالعزيمة و الورع و الاجتناب عن الشبه ـــ قال بعض المشايخ المائلون إلي المنع أن السماع ليس من التصوف ، لا بالذات و لا بالعرض ، إنما هو شيء يعرض لبعض الناس لغلبة الحال و طفح السكر ، و بهذا يظهر أنه ليس له تخصيص بالمشايخ الجشتية ، و دون السهروردية كما اشتهر في ديارنا ـــ” ([6])

ويقول في إثباته: “إنما ينكر  السماع رجل لا يدري الحسن من القبح ، و لا يميّز بينهما رجل جاهل بالآثار ، غير عالم بما صدر في الجملة من بعض السلف من السماع  و ليس في طبعه رقة ، و لين ، و تأثر ، كذا نُقل في العوارف ــ و نُقل عن أحمد بن حنبل ما يدل علي إباحته في الجملة ، ولو كان حراماً لم يسمعه  ـــــ وقد يحكي مثل ذلك عن الإمام أبي حنيفة أنه كان له جارٌ يتغنّي وقت السحر ، و كان الإمام يستمع لصوته ، فإذا ليلة لم يسمع فيها صوته ، فسأل أهل الرجل عن حاله ، ما فعل ، و أين ذهب؟ قالوا: هو في السجن ، اتهموه بذنب ، فذهب الإمام إلي صاحب السجن و أخلصه ، و قال له: عُد إلي ما كنت عليه ـــ” ([7])

ويذكر شروط السماع في شرح القاعدة الثلاثة و العشرين :

“وشرط السماع عند القائلين: (1) الزمان (2) و المكان (3) و الإخوان ــ بأن يكون في زمانٍ شريف يورث الذوق ولا يشوش الخاطر و الحضور في مكانٍ نظيف في خلوةٍ مع الأحباب الذين لهم محرمية و اتحاد ، حتي يقال: إنه كان يصحب بعض المشايخ فقيه ، فإذا حضر السماع ، صرّفه و لا يُسمع بحضوره ، مع كونه في عداد اصحابه ـــ” ثم يقول: “وأن يكون الوقت خالياً عن معارض أفضل و أهم شرعاً أو عادةً، وأحري عنه ، إذ ترك الأولي للأدني تفريط في الحق ، وإخلال بالمقصود ـــ” ([8])

و يحاول الشيخ بشرح القواعد مع إيراد أقوال الشيوخ الكبار و المحققين بين الفقة و التصوف مثل: الشيخ الجنيد البغدادي ([9]) و الإمام الغزالي ([10]) و شيخه الشيخ عبد الوهاب المتقي المكي – رحمهم الله – و يردّ رداً بليغاً علمياً علي دواعي الإنكار علي الصوفية مثل ابن الجوزي ([11]) و المثال فيما يلي :

“فإنه كان مغروراً بعلمه ، مشغوفاً بفضله ، محروماً عن بركات الأولياء و خدمتهم ، كما هو الظاهر من أسلوب كلامه ، ولأنه كان في زمن سيدنا و مولانا القطب الرباني ، و الغوث الصمداني ، الشيخ محي الدين عبد القادري الجيلاني ، و كان يسلك معه – رضي الله عنه – طريقة الاجتناب و الاستنكار محروماً من بركات محبته و حسن عقيدته  ــ ([12])”

و قد شمّر عن ساعده بشرح الألفاظ الصعبة مع البحث اللغوي و النحوي ، كما يشرح الحديث الذي ذكر فيه نبيا محمد  صلي الله عليه آية الخوارج ، كما يلي:

“إنهم قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية، ينظر إلي نصله ، إلي رصافه ، إلي قذذه ، فلا يوجد فيه شيء من الدم – “([13])

ويقول عقبه: “مروق السهم: عبارة عن خروجه إلي الجانب الآخر و عدم قراره  فيها – و النصل : حديدة السهم و الرمح – و الرُّصاف: بضم الراء ، و قد يكسر  : عصب يلوي اي يشد علي مدخل النّصل –  والنضي: بفتح النون و كسر الضاد المعجمة  ، القدح: بكسر القاف  – و القُذذ : بضم القاف ، و فتح الذال المعجمة الأولي : ريش السهم ، واحده قُذّة ، فلا يوجد شيء من الدم : في هذه المواضع كناية عن عدم بقاء أثر الدين فيهم – “([14])

و قد يحسّن الشيخ الدهلوي كلامه بإيراد الشعر حسب حاجته و للإستشهاد بالعربية و الفارسية ، و كان له قدرة كامله علي قرص الشعر باللغتين ، كما توجد في كتابه أنه استخدم الأبيات في اشتقاق التصوف و التسمية بالصوفي:

تخالف الناس في الصوفي و اختلفوا و كلهم قال قولاً غير معروف
و لست أنحلُ هذا الإسم غير فتي صالي فصوفي حتي سُمي الصوفي([15])

القسم الثاني: هذا القسم مشتمل علي حقيقة الفقه و مكانة الفقهاء و أحوال الأئمة الأربعة ، و ركّز الشيخ في هذا القسم عنايته الخاصة علي الفقه الحنفي ، و حياة الإمام الأعظم أبي حنيفة و مناقبه و شأنه ، و ردّ العلماء الذين اتهموا مذهب الحنفية أنه علي القياس و أسباب تفضيله ، ثم ذكر شيئاً من مناقب الأئمة الثلاثة موجزاً و لكن مناقب الإمام أحمد مفصلاً بنستبه مع الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني ، أن الآخر مقلداً و متبعاً في المذهب الحنبلي ، وقدّم حياته إختصاراً ، و علي العموم يقسمون المؤلفون كتبهم بكلمة (الفصل) و لكن بدأ الشيخ المبحث الجديد من هذا الكتاب بكلمة (الوصل) لأن معني الفصل تفريق و تكفيف ، و لكن معني الوصل تأليف و تقريب ، و أن الصالحين يتقربون العباد إلي ربهم ـــ كما يقول الشيخ عبد الحكيم الشرف القادري ـــ ([16])

و أورد صاحبنا أقوال العلماء من الكتب التي تؤيد الحنفية و من أهم مصادر القسم الثاني و هي: جامع المسانيد للشيخ محمد بن محمود الخوارزمي (593 – 665 هـ) ، وقلائد العقيان في مناقب النعمان لأبي القاسم شرف الدين االيمني (ت: 974 هــ)، الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية لعبد القادر القرشي الحنفي (696 – 775 هــ)، و كتاب الانتصار و الترجيح للمذهب الصحيح لسبط ابن الجوزي (ت: 654 هــ) ، و ربيع الأبرار للزمخشري (467– 538 هــ) ، وعيون المسائل لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي (944 – 983 هــ) و غيرها ــ

القسم الثاني متضمن علي ثلاثة عشر فصلأ و يبحث المصنف فيه عن أخبار أبي حنيفة و في الدفاع عن مذهبه و انتصاره و مبحث الاجتهاد و شرائطه ، و فيما يلي قائمة العناوين:

  1. الوصل الأول: حياة الإمام أبي حنيفة ، نسبه و مولده و أخلاقه و عباداته ــــ
  2. الفصل الثاني: الإمام الأعظم عالماً ، فقيهاً و محدثاً ـــ
  3. الفصل الثالث: بعض فضائل أبي حنيفة الخاصة له ـــ
  4. الفصل الرابع : في دفع التوهم أن مذهب أبي حنيفة قائم علي الرد و القياس و مذهب الشافعي تابعاً للحديث الشريف ـــ
  5. الفصل الخامس: سماعه من الصحابة الكرام – رضي الله عنهم -ـــ
  6. الفصل السادس: مناقب الإمام أبي حنيفة و الرد علي من قدحه مثل الخطيب البغدادي و ابن الجوزي ـــ
  7. الفصل السابع : جامع المسانيد ـــ
  8. الفصل الثامن: ما يتعلق بوفاته ـــ
  9. الفصل التاسع : مناقب الأئمة الثلاثة ـــ
  10. الفصل العاشر: مناقب الإمام أحمد بن حنبل و الشيخ عبد القادر الجيلاني ـــ
  11. الفصل الحادي عشر: لزوم اتباع المجتهدين و الاقتداء بهم ـــ
  12. الفصل الثاني عشر: في أن القول بأن الصوفي لا مذهب له ـــ
  13. الفصل الثالث عشر: في تعريف الاجتهاد وشرائطه ـــ و في الحقيقة أن هذا الفصل خاتمة الكتاب ـــ

 

كان الشيخ الدهلوي ليس فقيهاً جامداً و متشدداً و متعصاً ، حتي يكره التقليد الأعمي ، و يسلك منهج الاعتدال ، و كان له وسعة في هذا الباب كما يذكر في أثناء شرح التقليد و اقتداء المجتهدين:

“و قد رأينا الأمر في أهل الحرمين واسعاً ، لا مضائقة لهم في ذلك ، و العادة في ذلك أنهم يذكرون عند الطالب مناقب الأئمة المجتهدين و صفاتهم و فضائلهم ، فإلي أي جانب يحصل له الاعتقاد و الميلان و الخيرة يختاره ، حتي أن بعضهم كان له بنون ، كل في مذهب ــ و الشيخ أبو السعادات الفاكهي ،  كان رجلاً فقيهاً من علماء مكة ، و نزل بأحمدآباد ، و كان له أربع بنين ، كلٌ منهم في مذهب من المذاهب الأربعة ، إما بتخيرهم في ذلك أو باختياره لهم ــ والله تعالي أعلم ـــ” ([17])

و يبيّن الفرق بين الأحناف و الشوافع في استنباط الحديث الشريف كما يُظهر في المثال التالي:

“ظن بعض الناس أن مذهبه مخالف للأحاديث، و الحال أن ههنا أحاديث أصح و أقوي من تلك الأحاديث التي تمسّك بها الشافعي ، تركها أبوحنيفة لأجلها ، كتركه حديث أم هاني رضي الله عنها يكسره الوضوء بالماء الذي يبل فيه شيء و يختلط شيء طاهر، تركه أبوحنيفة رضي الله عنه للحديث الصحيح الذي اتفق البخاري و مسلم علي إخراجه ، وهو حديث أم عطية رضي الله عنها ، قالت: “دخل علينا رسول الله صلي الله عليه و آله و صحبه سلم و نحن نغسل ابنته زينب أو أم كلثوم ، فقال: أغسلنها بماء و سدد ، و اجعلن في الآخرة كافورا”ــ ([18]) فلهذا الحديث الصحيح ، قال أبوحنيفة: إن الماء الذي غيّر أحد أوصافه شيء طاهرٌ كالأشنان و التراب و الصابون و الزعفران ، يجوز الوضوء به خلافاً للشافعي ، وكذلك ترك حديث (إذا بلغ الماء قُلّتَين لم يَحمل خُبثاً)  مع أنه ليس في الصحيحين ، وإسناده مضطرب ، أخذ بالحديث المتفق عليه (لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه ، ولفظ مسلمٍ ثم يغتسلُ منه([19])) ـــ” ([20])

لم يطبع هذا الكتاب حتي الآن – حسب علم الكاتب- ، و لكن يوجد في شكل المخطوطة في كتابخانه مجلس شوراي ملي بتهران ، إيران ([21]) التي تشتمل علي 219 صفحة ، عدد الأسطر: 17 ، كتب الشيخ محمد أنوار الحق الدهلوي القادري هذه المخطوطة بخط جميل و واضح بالحبر الأسود و لكنه عنون بالحبر الأحمر مثل كلمة (قاعدة) و (وصل) في شهر جمادي الأولي سنة 1301 هــ  في مدينة غوليار بمدهية براديش ـــ

و نال الباحث محمد أصغر أسعد شهادة الدكتوراه بتحقيق و تعليق هذه المخطوطة تحت إشراف الأستاذ ظهور أحمد أظهر بالقسم اللغة العربية و آدابها بالكلية الشرقية بجامعة بنجاب بباكستان سنة 1996م –

و تمّ ترجمتها إلي الأردية بالشيخ محمد عبد الحكيم الشرف القادري باسم ” تعارف فقه و تصوف” طبع بمكتبة اعتقاد بدهلي سنة 1996-

فخلاصة القول أن كتاب “تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” مملوء بالمعلومات الأساسية التي تتعلق بالفقه و التصوف و قواعدهما و أصولهما ، و له مكان مرموق في التراث العربي و الإسلامي وهو مفيد جداً لطلاب علم الفقه و التصوف ، و ما زال في حاجة ماسة إلي تحقيق متقن و نشره و طبعه –

الحواشي

[1]) راجع لترجمته إلي : أخبار الأخيار ، ص: 589 – 619 ، حياة الشيخ عبد الحق الدهلوي لخليق أحمد النظامي و ترجمته العربية لمحمد أكرم الندوي ، مرآة الحقائق لمنشي بركت علي ، و فهرس الفهارس و الأثبات و معجم المعاجم و المشيخات و المسلسلات لعبد الحي الكتاني ، ج: 2 ، ص: 725 ، أبجد العلوم ، ص: 700 ، الأعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسي بــ “نزهة الخواطر و بهجة المسامع و النواظر لعبد الحي الكنوي الحسني ، ج: 5 ، ص: 555 – 557 ، و تذكرة المحدثين لضياء الدين الإصلاحي ، ج: 3 ، ص: 169 ، –

[2]) أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسي البرنسي الفاسي المغربي المعروف بــ زرّوق (846 هــ – 899 هــ) ، كان مالكي المذهب ، ويُعد من أهم مراجع علماء المالكية ، و من مؤلفاته الشهيرة: (الجنة للمعتصم من البدع و السنة) ، (شرح دلائل الخيرات) ، (العقائد الخمس)، (تفسير القرآن الكريم) ، (شرح حزب البحر للشاذلي) وغيرهاـ (جذوة الاقتباس ـ ص: 128-129)

[3]) كتاب المكاتب و الرسائل، رقم المكتوب: 57، ص: 251-252 ـ

[4]) تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف – النسخة الخطية – ص: 33-

[5]) المصدر السابق، ص: 57-

[6]) نفس المصدر، ص: 59-

[7]) نفس المصدر ، ص: 61-

[8]) نفس المصدر ، ص: 75- 76 –

[9]) أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز النهاوندي البغدادي (221 هــ – 297 هــ) يُعد أحد علماء أهل السنة و الجماعة و صوفي كبير ، وله مؤلفات كثيرة و رسائل عديدة  ــ راجع لترجمته: طبقات الصوفية ،ص: 129-135 ، و سير أعلام النبلاء ، ج: 14 ، ص: 66 –

[10]) أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز النهاوندي البغدادي (221 هــ – 297 هــ) يُعد أحد علماء أهل السنة و الجماعة و صوفي كبير ، وله مؤلفات كثيرة و رسائل عديدة  ــ راجع لترجمته: طبقات الصوفية ،ص: 129-135 ، و سير أعلام النبلاء ، ج: 14 ، ص: 66 –

[11]) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن القرشي التيمي البكري المعروف بــ ابن الجوزي (508 ه – 597 ه) كان فقيهاً في المذهب الحنبلي و محدثاً و مؤرخا و متكلماً وشديداً في انتقاد الصوفية قولاً و فعلاً ، ألف كتابين في نقد التصوف و الصوفيين( تلبيس إبليس و صيد الخاطر )ــ راجع: سير أعلام النبلاء ، ج: 21 ، ص: 366- 384

[12]) مقالة الدكتوراه – تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف- ص: 192 –

[13]) الصحيح للبخاري، كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام، ج: 3 ، ص: 1321 ، و في فضائل الفرآن ، ج: 4 ، ص: 1928 ، و المسند لأحمد ، ج: 3 ، ص: 60 –

[14]) تحصيل التعرف .. ص: 31-32 –

[15]) المصدر السابق – ص: 8ـ

[16]) تعارف فقه و تصوف (ترجمة كتاب تحصيل التعرف..)  – ص:87 ـ

[17]) تحصيل التعرف..  – ص:207 ـ

[18]) ـ أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب غسل الميت و وضوئه بالماء و السدد ، ج: 1 ، ص: 422 ، و مسلم ، كتاب الجنائز ، باب غسل الميت ، ج: 2 ، ص: 646 –

[19]) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب الماء الدائم ، ج: 1 ، ص: 94 ، و مسلم ، كتاب الطهارة ، باب النهي عن البول في الماء الراكد ، ج: 1 ، ص: 235 ـ

[20]) تحصيل التعرف..  – ص:130- 131 ـ

[21]) رقم النسخة الخطية، 10080 ، رقم الفن 11364 – توجد هذه النسخة عبر موقع المجلس الشوراي –

أهم المراجع و المصادر:
  1. البخاري : محمد بن إسماعيل أبو عبد الله ، “الجامع المسند الصحيح ، المعروف بــ صحيح البخاري” ، دار ابن كثير ، دمشق ، 2002 م-
  2. خليق أحمد النظامي: ” حياة الشيخ عبد الحق الدهلوي “، مكتبة الرحمانية ، لاهور ، باكستان ــ
  3. شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله الذهبي : ” سير أعلام النبلاء ” ، تحقيق: محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمري ، دار الفكر ، لبنان ، 1997 م –
  • عبد الحق الدهلوي: عبد الحق مسكين بن سيف الدين بن سعد الله الدهلوي التركي البخاري:
  1. أخبار الأخيار في أحوال الأبرار ” ، مدينة پبلشنگ کمپنی ، کراچی ، پاکستان ، 1332 م –
  2. تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” ، كتابخانه مجلس شوري ملي بتهران ، إيران ، الرقم : 10080 ، رقم الفن 11364 –
  3. مرج البحرين في الجمع بين الطريقين” ، ترجمه الأردية ثناء الحق الصديقي ، طيب اكيڈمی ، ملتان ، پاکستان ، 2001 م –
  4. المكاتب و الرسائل ” علي هامش كتاب ” أخبار الأخيار”، مطبع مجتبائي ، دلهي ، 1332 م –
  5. القادري : محمد عبد الحكيم شرف :” تعارف فقه و تصوف ” ترجمة (تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف للشيخ عبد الحق الدهلوي) ،مكتبة القادرية ، لاهور ، باكستان ، 1421 ه / 2000 م-
  6. محمد أكرم الندوي : ” ترجمة عربية لــ ” الشيخ المحدث عبد الحق الدهلوي – حياته و آثاره لخليق أحمد النظامي” ، دار القلم ، دمشق ،  2013 م –