سيد شاه خليل الله بشير
باحث الدكتوراه بالقسم العربي بالجامعة العثمانية
حيدرآباد ، الهند
ملخص البحث:
يحاول هذا البحث علي دراسة كتاب “تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” الذي صنفه أحد مشاهير الهند بالقرن العاشر الهجري ، وهو الشيخ الإمام الشاه عبد الحق المحدث الدهلوي([1]) (المتوفي سنة 1052 ه) الذي كان عالماً كبيراً ، و جامعاً بين الشريعة و الطريقة ، و لا يمكن لأحد أن ينفي و ينكر مكانته العلمية الرفيعة ، قلما كُتب عن شخصية هذا العالم الجليل باللغة العربية ـــ
يتحوي هذا البحث علي مكانته العلمية و ميزاته الخاصة في علم التصوف موجزاً ، و القسم الأول مشتمل علي سبع و عشرين قاعدة في علم التصوف و إثباته بالقرآن الكريم و الحديث الشريف ، و أصوله و قواعده ، و القسم الثاني مكون علي ثلاثة عشر فصلا في حقيقة الفقه و مكانة الفقهاء و أحوال الأئمة الأربعة ، و ركّز الشيخ في هذا القسم عنايته الخاصة علي الفقه الحنفي ، و حياة الإمام الأعظم أبي حنيفة و مناقبه و شأنه ، و ردّ العلماء الذين اتهموا مذهب الحنفية أنه علي القياس و أسباب تفضيله –
الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي يُعد من كبار علماء الحديث الشريف و الفقه و التصوف بالهند ، و بذل قصاري جهده بربط الصلة بين العلوم الظاهرة و الباطنة ، و ردّ الفرق الباطنية المتصوفة الضالّين عن طريق الإسلام المستقيم ، و حمل لواء الفكر السليم ، و طهّر التصوف من البدع و الضلالات و الأعمال الموضوعة التي شاعت و وصلت إلي حدّ الزندقة في شبه الهند في عصره ــــ
كان الشيخ الدهلوي صاحب المؤلفات الكثيرة في العلوم الإسلامية و فنونها خاصةً في علم التصوف ، و حاول الجمع و التقريب بين الصوفية و الفقهاء بوجه خاص ، و قضي حياته كلها في تطبيق هذا المبدأ ، و ألف كتابين ” تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” و ” مرج البحرين في الجمع بين الطريقين” و أثبت فيهما بالدلائل الواضحة أن الفقه و التصوف متوافقان و ليس فيهما تعارض ــــ
تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف:
هذه من أهم مؤلفات الشيخ الدهلوي و مآثره العلمية التي حاول فيها التوفيق و التطبيق بين الفقه و التصوف ، هذا الكتاب منفرد في هذا الموضوع ، و يوضح منزلة الشيخ و حسن انتخابه ــــــ
يحتوي هذا الكتاب علي قسمين ، القسم الأول في التصوف و أصوله و دلائله في ضوء الكتاب و السنة المطهرة و القسم الثاني في الفقه وأصوله ـــ
القسم الأول: شرح صاحبنا كتاب (قواعد الطريقة في الجمع بين الشريعة و الحقيقة) للشيخ سيد أحمد بن زروق ([2]) ويمدح صاحبنا حول كتاب قواعد الطريقة في كتابه المكاتب و الرسائل:
“وهو كتاب عجيب ، يجمع طريق الفقه و التصوف ، و العلم و الحال ، لا ينتفع به إلا فقيه الذي يعرف جميع الأحوال ، وصوفي محقق الذي يقيد حياته بالأعمال الشريعة ، و قام هذا العبد المسكين (عبد الحق الدهلوي) بترجمته إلي اللغة الفارسية و سماه ” مرج البحرين في الجمع بين الطريقين” ـــ ([3])
كتاب الشيخ الزروق مشتمل علي بعض قواعد التصوف و الطريقة ، ذكرها الشيخ الدهلوي أولاً و شرح شرحا وسيطاً و أبرز نكات قيمة ـــ و ردّ مخالفي الذين يعتقدون أن التصوف ليس له مكانة في الإسلام و هو ضد الشريعة و بدعة ضلالة ـــ و لم يترك مسلك الاعتدال في مسائل التصوف التي تكون مختلفاً بين العلماء و الصوفية مثل السماع ، وقدّم في هذا الموضوع جميع دلائل في تأييده و ضده ، و شرح بعض الألفاظ الغريبة كما يعثر هذا المنهج في جميع مؤلفاته ــــ
القسم الأول مكون علي سبع و عشرين قاعدة و يشرح المحدث تحت عنوان “أقوال” و يذكر أقوال العلماء و الفقهاء و الصوفيين ـــــ و فيما يلي قائمة القواعد:
- في بيان شروط الاستفادة من الكتب المؤلفة في الرد علي الصوفية ــ
- حفظ الأديان مقدم علي حفظ الأعراض ــ
- وجوه إنكار المنكرين علي الصوفية و شرحها ــ
- ذكر التحذير عن بعض الكتب كالتلبيس و الفتوحات و غيرهما ــ
- دواعي الإنكار علي القوم خمسة ، وفيه ذكر إنكار الشيخ ابن الجوزي علي سيدنا غوث الثقلين – رضي الله عنه –
- في التزام التوقف عند محل الاشتباه ـــ
- حكم الفقه و التصوف و الصلة بينهما ــ
- يعتبر الفرع بأصله ــ
- مبني العلم و الحال ـــ
- نظر الصوفي في المعاملات أخص من نظر الفقيه ـــ
- وقوع الإشكال في كلام الصوفية ـــ
- لا يصح التصوف بدون الفقه ـــ
- متعلق علم التصوف أشرف المتعلقات ـــ
- تحذير الناصحين من هذا الطريق لغرابته ـــ
- حكم إباحة الشيء بسبب أو علي وجه خاص أو عام ـــ
- في السماع و الغناء ـــ
- حكم الأشياء قبل ورود الشرع فيها ـــ
- اختلفت الصوفية في إباحة السماع ـــ
- اعتقاد المرء فيما ليس بقربةٍ قربة، بدعةٌ و ضلالٌ ـــ
- إلتهيّأ للقبول علي قدر الإصغاء للمقول ـــ
- السماع ممنوع بالعوارض ـــ
- الضرورات الداعية للسماع ـــ
- شروط السماع ـــ
- في الوجد ، و الحال الصحيح و الفاسد ـــ
- حفظ العقول واجب كحفظ الأموال و الأعراض ـــ
- في التغزل و الشعر و التغني ــــ
- عقوبة الشيء و مثوبته من نوعه ـــ
كان صاحبنا الدهلوي أول من قام بتطبيق الفقه و التصوف و شرح كتاب “قواعد التصوف” بالهند ، هذا الشرح يهدي إلي طريق الاعتدال في الشريعة و الطريقة ـــ و من أهم ميزات أسلوب المؤلف الدهلوي في هذا الكتاب أنه أدّي حق التحقيق و البحث الذي يُظهر في المواضيع العديدة ، تارةً بالتلخيص و أحياناً بالتفصيل ـــــــ
و كان الشيخ يعتقد أن التصوف مفتقر إلي الفقه ، و الفقيه غني عن التصوف كما يوجد في القاعدة السابعة من هذا الكتاب:
” قيل: كن فقيهاً صوفياً ، و لا تكن صوفياً فقيهاً ، و صوفي الفقهاء أكمل من فقيه الصوفية ، و أسلم ، لأن صوفي الفقهاء قد تحقق بالتصوف حالاً و عملاًو ذوقاً ، بخلاف فقيه الصوفية ، فإنه المتمكن من علمه و حاله ، ولا يتم له ذلك إلا بفقه صحيح ، و ذوق ٍ صريحٍ ، ولا يُصلح أحدهما بدون الآخر ، كالطب الذي لا يكفي عمله عن التجربة و لا بالعكس فافهم ـــ “([4])
و مسلكه طريق الاستقامة و الاعتدال في الأمور المختلفة التي النزاع فيها بين الفقهاء و الصوفية ، ، كما أنه بيّن أقوال و آراء المحدثين و الصوفياء في مسئلة السماع:
” و إن ههنا ثلاثة أقوال: الغالب علي مذهب الفقهاء : التحريم ، و علي طريق المحدثين : الإباحة ، و علي طريق الصوفية: التفصيل ، كما هو المستفاد من الكلمة المشهورة الجارية علي الألسنة ، السماع لأهله مباح ـــ ([5])
ثم يقول: “التوقف و الإباحة ، و المنع ، ولهذا جري فيه الأقوال الثلاثة للصوفية و الفقهاء ، غير أن المنع من الفقهاء أكثر و أشد من الصوفية ، و لعمري ، أن الصوفية أحق و أحري بالقول بالمنع ، لإن طريقتهم الأخذ بالعزيمة و الورع و الاجتناب عن الشبه ـــ قال بعض المشايخ المائلون إلي المنع أن السماع ليس من التصوف ، لا بالذات و لا بالعرض ، إنما هو شيء يعرض لبعض الناس لغلبة الحال و طفح السكر ، و بهذا يظهر أنه ليس له تخصيص بالمشايخ الجشتية ، و دون السهروردية كما اشتهر في ديارنا ـــ” ([6])
ويقول في إثباته: “إنما ينكر السماع رجل لا يدري الحسن من القبح ، و لا يميّز بينهما رجل جاهل بالآثار ، غير عالم بما صدر في الجملة من بعض السلف من السماع و ليس في طبعه رقة ، و لين ، و تأثر ، كذا نُقل في العوارف ــ و نُقل عن أحمد بن حنبل ما يدل علي إباحته في الجملة ، ولو كان حراماً لم يسمعه ـــــ وقد يحكي مثل ذلك عن الإمام أبي حنيفة أنه كان له جارٌ يتغنّي وقت السحر ، و كان الإمام يستمع لصوته ، فإذا ليلة لم يسمع فيها صوته ، فسأل أهل الرجل عن حاله ، ما فعل ، و أين ذهب؟ قالوا: هو في السجن ، اتهموه بذنب ، فذهب الإمام إلي صاحب السجن و أخلصه ، و قال له: عُد إلي ما كنت عليه ـــ” ([7])
ويذكر شروط السماع في شرح القاعدة الثلاثة و العشرين :
“وشرط السماع عند القائلين: (1) الزمان (2) و المكان (3) و الإخوان ــ بأن يكون في زمانٍ شريف يورث الذوق ولا يشوش الخاطر و الحضور في مكانٍ نظيف في خلوةٍ مع الأحباب الذين لهم محرمية و اتحاد ، حتي يقال: إنه كان يصحب بعض المشايخ فقيه ، فإذا حضر السماع ، صرّفه و لا يُسمع بحضوره ، مع كونه في عداد اصحابه ـــ” ثم يقول: “وأن يكون الوقت خالياً عن معارض أفضل و أهم شرعاً أو عادةً، وأحري عنه ، إذ ترك الأولي للأدني تفريط في الحق ، وإخلال بالمقصود ـــ” ([8])
و يحاول الشيخ بشرح القواعد مع إيراد أقوال الشيوخ الكبار و المحققين بين الفقة و التصوف مثل: الشيخ الجنيد البغدادي ([9]) و الإمام الغزالي ([10]) و شيخه الشيخ عبد الوهاب المتقي المكي – رحمهم الله – و يردّ رداً بليغاً علمياً علي دواعي الإنكار علي الصوفية مثل ابن الجوزي ([11]) و المثال فيما يلي :
“فإنه كان مغروراً بعلمه ، مشغوفاً بفضله ، محروماً عن بركات الأولياء و خدمتهم ، كما هو الظاهر من أسلوب كلامه ، ولأنه كان في زمن سيدنا و مولانا القطب الرباني ، و الغوث الصمداني ، الشيخ محي الدين عبد القادري الجيلاني ، و كان يسلك معه – رضي الله عنه – طريقة الاجتناب و الاستنكار محروماً من بركات محبته و حسن عقيدته ــ ([12])”
و قد شمّر عن ساعده بشرح الألفاظ الصعبة مع البحث اللغوي و النحوي ، كما يشرح الحديث الذي ذكر فيه نبيا محمد صلي الله عليه آية الخوارج ، كما يلي:
“إنهم قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية، ينظر إلي نصله ، إلي رصافه ، إلي قذذه ، فلا يوجد فيه شيء من الدم – “([13])
ويقول عقبه: “مروق السهم: عبارة عن خروجه إلي الجانب الآخر و عدم قراره فيها – و النصل : حديدة السهم و الرمح – و الرُّصاف: بضم الراء ، و قد يكسر : عصب يلوي اي يشد علي مدخل النّصل – والنضي: بفتح النون و كسر الضاد المعجمة ، القدح: بكسر القاف – و القُذذ : بضم القاف ، و فتح الذال المعجمة الأولي : ريش السهم ، واحده قُذّة ، فلا يوجد شيء من الدم : في هذه المواضع كناية عن عدم بقاء أثر الدين فيهم – “([14])
و قد يحسّن الشيخ الدهلوي كلامه بإيراد الشعر حسب حاجته و للإستشهاد بالعربية و الفارسية ، و كان له قدرة كامله علي قرص الشعر باللغتين ، كما توجد في كتابه أنه استخدم الأبيات في اشتقاق التصوف و التسمية بالصوفي:
تخالف الناس في الصوفي و اختلفوا | و كلهم قال قولاً غير معروف |
و لست أنحلُ هذا الإسم غير فتي | صالي فصوفي حتي سُمي الصوفي([15]) |
القسم الثاني: هذا القسم مشتمل علي حقيقة الفقه و مكانة الفقهاء و أحوال الأئمة الأربعة ، و ركّز الشيخ في هذا القسم عنايته الخاصة علي الفقه الحنفي ، و حياة الإمام الأعظم أبي حنيفة و مناقبه و شأنه ، و ردّ العلماء الذين اتهموا مذهب الحنفية أنه علي القياس و أسباب تفضيله ، ثم ذكر شيئاً من مناقب الأئمة الثلاثة موجزاً و لكن مناقب الإمام أحمد مفصلاً بنستبه مع الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني ، أن الآخر مقلداً و متبعاً في المذهب الحنبلي ، وقدّم حياته إختصاراً ، و علي العموم يقسمون المؤلفون كتبهم بكلمة (الفصل) و لكن بدأ الشيخ المبحث الجديد من هذا الكتاب بكلمة (الوصل) لأن معني الفصل تفريق و تكفيف ، و لكن معني الوصل تأليف و تقريب ، و أن الصالحين يتقربون العباد إلي ربهم ـــ كما يقول الشيخ عبد الحكيم الشرف القادري ـــ ([16])
و أورد صاحبنا أقوال العلماء من الكتب التي تؤيد الحنفية و من أهم مصادر القسم الثاني و هي: جامع المسانيد للشيخ محمد بن محمود الخوارزمي (593 – 665 هـ) ، وقلائد العقيان في مناقب النعمان لأبي القاسم شرف الدين االيمني (ت: 974 هــ)، الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية لعبد القادر القرشي الحنفي (696 – 775 هــ)، و كتاب الانتصار و الترجيح للمذهب الصحيح لسبط ابن الجوزي (ت: 654 هــ) ، و ربيع الأبرار للزمخشري (467– 538 هــ) ، وعيون المسائل لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي (944 – 983 هــ) و غيرها ــ
القسم الثاني متضمن علي ثلاثة عشر فصلأ و يبحث المصنف فيه عن أخبار أبي حنيفة و في الدفاع عن مذهبه و انتصاره و مبحث الاجتهاد و شرائطه ، و فيما يلي قائمة العناوين:
- الوصل الأول: حياة الإمام أبي حنيفة ، نسبه و مولده و أخلاقه و عباداته ــــ
- الفصل الثاني: الإمام الأعظم عالماً ، فقيهاً و محدثاً ـــ
- الفصل الثالث: بعض فضائل أبي حنيفة الخاصة له ـــ
- الفصل الرابع : في دفع التوهم أن مذهب أبي حنيفة قائم علي الرد و القياس و مذهب الشافعي تابعاً للحديث الشريف ـــ
- الفصل الخامس: سماعه من الصحابة الكرام – رضي الله عنهم -ـــ
- الفصل السادس: مناقب الإمام أبي حنيفة و الرد علي من قدحه مثل الخطيب البغدادي و ابن الجوزي ـــ
- الفصل السابع : جامع المسانيد ـــ
- الفصل الثامن: ما يتعلق بوفاته ـــ
- الفصل التاسع : مناقب الأئمة الثلاثة ـــ
- الفصل العاشر: مناقب الإمام أحمد بن حنبل و الشيخ عبد القادر الجيلاني ـــ
- الفصل الحادي عشر: لزوم اتباع المجتهدين و الاقتداء بهم ـــ
- الفصل الثاني عشر: في أن القول بأن الصوفي لا مذهب له ـــ
- الفصل الثالث عشر: في تعريف الاجتهاد وشرائطه ـــ و في الحقيقة أن هذا الفصل خاتمة الكتاب ـــ
كان الشيخ الدهلوي ليس فقيهاً جامداً و متشدداً و متعصاً ، حتي يكره التقليد الأعمي ، و يسلك منهج الاعتدال ، و كان له وسعة في هذا الباب كما يذكر في أثناء شرح التقليد و اقتداء المجتهدين:
“و قد رأينا الأمر في أهل الحرمين واسعاً ، لا مضائقة لهم في ذلك ، و العادة في ذلك أنهم يذكرون عند الطالب مناقب الأئمة المجتهدين و صفاتهم و فضائلهم ، فإلي أي جانب يحصل له الاعتقاد و الميلان و الخيرة يختاره ، حتي أن بعضهم كان له بنون ، كل في مذهب ــ و الشيخ أبو السعادات الفاكهي ، كان رجلاً فقيهاً من علماء مكة ، و نزل بأحمدآباد ، و كان له أربع بنين ، كلٌ منهم في مذهب من المذاهب الأربعة ، إما بتخيرهم في ذلك أو باختياره لهم ــ والله تعالي أعلم ـــ” ([17])
و يبيّن الفرق بين الأحناف و الشوافع في استنباط الحديث الشريف كما يُظهر في المثال التالي:
“ظن بعض الناس أن مذهبه مخالف للأحاديث، و الحال أن ههنا أحاديث أصح و أقوي من تلك الأحاديث التي تمسّك بها الشافعي ، تركها أبوحنيفة لأجلها ، كتركه حديث أم هاني رضي الله عنها يكسره الوضوء بالماء الذي يبل فيه شيء و يختلط شيء طاهر، تركه أبوحنيفة رضي الله عنه للحديث الصحيح الذي اتفق البخاري و مسلم علي إخراجه ، وهو حديث أم عطية رضي الله عنها ، قالت: “دخل علينا رسول الله صلي الله عليه و آله و صحبه سلم و نحن نغسل ابنته زينب أو أم كلثوم ، فقال: أغسلنها بماء و سدد ، و اجعلن في الآخرة كافورا”ــ ([18]) فلهذا الحديث الصحيح ، قال أبوحنيفة: إن الماء الذي غيّر أحد أوصافه شيء طاهرٌ كالأشنان و التراب و الصابون و الزعفران ، يجوز الوضوء به خلافاً للشافعي ، وكذلك ترك حديث (إذا بلغ الماء قُلّتَين لم يَحمل خُبثاً) مع أنه ليس في الصحيحين ، وإسناده مضطرب ، أخذ بالحديث المتفق عليه (لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه ، ولفظ مسلمٍ ثم يغتسلُ منه([19])) ـــ” ([20])
لم يطبع هذا الكتاب حتي الآن – حسب علم الكاتب- ، و لكن يوجد في شكل المخطوطة في كتابخانه مجلس شوراي ملي بتهران ، إيران ([21]) التي تشتمل علي 219 صفحة ، عدد الأسطر: 17 ، كتب الشيخ محمد أنوار الحق الدهلوي القادري هذه المخطوطة بخط جميل و واضح بالحبر الأسود و لكنه عنون بالحبر الأحمر مثل كلمة (قاعدة) و (وصل) في شهر جمادي الأولي سنة 1301 هــ في مدينة غوليار بمدهية براديش ـــ
و نال الباحث محمد أصغر أسعد شهادة الدكتوراه بتحقيق و تعليق هذه المخطوطة تحت إشراف الأستاذ ظهور أحمد أظهر بالقسم اللغة العربية و آدابها بالكلية الشرقية بجامعة بنجاب بباكستان سنة 1996م –
و تمّ ترجمتها إلي الأردية بالشيخ محمد عبد الحكيم الشرف القادري باسم ” تعارف فقه و تصوف” طبع بمكتبة اعتقاد بدهلي سنة 1996-
فخلاصة القول أن كتاب “تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” مملوء بالمعلومات الأساسية التي تتعلق بالفقه و التصوف و قواعدهما و أصولهما ، و له مكان مرموق في التراث العربي و الإسلامي وهو مفيد جداً لطلاب علم الفقه و التصوف ، و ما زال في حاجة ماسة إلي تحقيق متقن و نشره و طبعه –
الحواشي
[1]) راجع لترجمته إلي : أخبار الأخيار ، ص: 589 – 619 ، حياة الشيخ عبد الحق الدهلوي لخليق أحمد النظامي و ترجمته العربية لمحمد أكرم الندوي ، مرآة الحقائق لمنشي بركت علي ، و فهرس الفهارس و الأثبات و معجم المعاجم و المشيخات و المسلسلات لعبد الحي الكتاني ، ج: 2 ، ص: 725 ، أبجد العلوم ، ص: 700 ، الأعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسي بــ “نزهة الخواطر و بهجة المسامع و النواظر لعبد الحي الكنوي الحسني ، ج: 5 ، ص: 555 – 557 ، و تذكرة المحدثين لضياء الدين الإصلاحي ، ج: 3 ، ص: 169 ، –
[2]) أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسي البرنسي الفاسي المغربي المعروف بــ زرّوق (846 هــ – 899 هــ) ، كان مالكي المذهب ، ويُعد من أهم مراجع علماء المالكية ، و من مؤلفاته الشهيرة: (الجنة للمعتصم من البدع و السنة) ، (شرح دلائل الخيرات) ، (العقائد الخمس)، (تفسير القرآن الكريم) ، (شرح حزب البحر للشاذلي) وغيرهاـ (جذوة الاقتباس ـ ص: 128-129)
[3]) كتاب المكاتب و الرسائل، رقم المكتوب: 57، ص: 251-252 ـ
[4]) تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف – النسخة الخطية – ص: 33-
[5]) المصدر السابق، ص: 57-
[6]) نفس المصدر، ص: 59-
[7]) نفس المصدر ، ص: 61-
[8]) نفس المصدر ، ص: 75- 76 –
[9]) أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز النهاوندي البغدادي (221 هــ – 297 هــ) يُعد أحد علماء أهل السنة و الجماعة و صوفي كبير ، وله مؤلفات كثيرة و رسائل عديدة ــ راجع لترجمته: طبقات الصوفية ،ص: 129-135 ، و سير أعلام النبلاء ، ج: 14 ، ص: 66 –
[10]) أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز النهاوندي البغدادي (221 هــ – 297 هــ) يُعد أحد علماء أهل السنة و الجماعة و صوفي كبير ، وله مؤلفات كثيرة و رسائل عديدة ــ راجع لترجمته: طبقات الصوفية ،ص: 129-135 ، و سير أعلام النبلاء ، ج: 14 ، ص: 66 –
[11]) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن القرشي التيمي البكري المعروف بــ ابن الجوزي (508 ه – 597 ه) كان فقيهاً في المذهب الحنبلي و محدثاً و مؤرخا و متكلماً وشديداً في انتقاد الصوفية قولاً و فعلاً ، ألف كتابين في نقد التصوف و الصوفيين( تلبيس إبليس و صيد الخاطر )ــ راجع: سير أعلام النبلاء ، ج: 21 ، ص: 366- 384
[12]) مقالة الدكتوراه – تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف- ص: 192 –
[13]) الصحيح للبخاري، كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام، ج: 3 ، ص: 1321 ، و في فضائل الفرآن ، ج: 4 ، ص: 1928 ، و المسند لأحمد ، ج: 3 ، ص: 60 –
[14]) تحصيل التعرف .. ص: 31-32 –
[15]) المصدر السابق – ص: 8ـ
[16]) تعارف فقه و تصوف (ترجمة كتاب تحصيل التعرف..) – ص:87 ـ
[17]) تحصيل التعرف.. – ص:207 ـ
[18]) ـ أخرجه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب غسل الميت و وضوئه بالماء و السدد ، ج: 1 ، ص: 422 ، و مسلم ، كتاب الجنائز ، باب غسل الميت ، ج: 2 ، ص: 646 –
[19]) أخرجه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب الماء الدائم ، ج: 1 ، ص: 94 ، و مسلم ، كتاب الطهارة ، باب النهي عن البول في الماء الراكد ، ج: 1 ، ص: 235 ـ
[20]) تحصيل التعرف.. – ص:130- 131 ـ
[21]) رقم النسخة الخطية، 10080 ، رقم الفن 11364 – توجد هذه النسخة عبر موقع المجلس الشوراي –
أهم المراجع و المصادر:
- البخاري : محمد بن إسماعيل أبو عبد الله ، “الجامع المسند الصحيح ، المعروف بــ صحيح البخاري” ، دار ابن كثير ، دمشق ، 2002 م-
- خليق أحمد النظامي: ” حياة الشيخ عبد الحق الدهلوي “، مكتبة الرحمانية ، لاهور ، باكستان ــ
- شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان أبو عبد الله الذهبي : ” سير أعلام النبلاء ” ، تحقيق: محب الدين أبو سعيد عمر بن غرامة العمري ، دار الفكر ، لبنان ، 1997 م –
- عبد الحق الدهلوي: عبد الحق مسكين بن سيف الدين بن سعد الله الدهلوي التركي البخاري:
- ” أخبار الأخيار في أحوال الأبرار ” ، مدينة پبلشنگ کمپنی ، کراچی ، پاکستان ، 1332 م –
- “تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف” ، كتابخانه مجلس شوري ملي بتهران ، إيران ، الرقم : 10080 ، رقم الفن 11364 –
- ” مرج البحرين في الجمع بين الطريقين” ، ترجمه الأردية ثناء الحق الصديقي ، طيب اكيڈمی ، ملتان ، پاکستان ، 2001 م –
- ” المكاتب و الرسائل ” علي هامش كتاب ” أخبار الأخيار”، مطبع مجتبائي ، دلهي ، 1332 م –
- القادري : محمد عبد الحكيم شرف :” تعارف فقه و تصوف ” ترجمة (تحصيل التعرف في معرفة الفقه و التصوف للشيخ عبد الحق الدهلوي) ،مكتبة القادرية ، لاهور ، باكستان ، 1421 ه / 2000 م-
- محمد أكرم الندوي : ” ترجمة عربية لــ ” الشيخ المحدث عبد الحق الدهلوي – حياته و آثاره لخليق أحمد النظامي” ، دار القلم ، دمشق ، 2013 م –