Main Menu

تجربة الدكتور محمد أجمل لمعالجة الأوضاع  الاجتماعية الهندية في القصص القصيرة: دراسة تحليلية

محمد معراج عالم

باحث بمركز الدراسات العربية والإفريقية

جامعة جواهر لال نهرو  بنيو دلهي.

الملخص:

الهند مازالت ولاتزال تساهم مساهمة فعالة في إثراء اللغة العربية وآدابها، والآثار  العلمية والأدبية التي خلفها العلماء والأدباء الهنود كثيرة تكتظ بها المكتبات و يعتز بها تاريخ اللغة العربية وآدبها، ولكن الهند رغم مساهماتها الكبيرة في العلوم العربية والإسلامية مازالت متخلفة في إنتاج النصوص في الأنواع الأدبية الحديثة، والسبب فيه يرجع إلى قلة الثروات الأدبية حيث يشير إليها الكاتب الهندي الشهير البروفيسور مجيب الرحمن قائلا” كتابة القصة في أية لغة تقتضي -من جملة ما تقتضي- المقدرة اللغوية الطبيعية التي لا تتأتى إلا للناطقين بها، ولعل هذا هو سبب عدم اعتناء المستشرقين -على كثرتهم ونبوغهم في البحث العلمي- بكتابة القصة والرواية. وتخلو الهند أيضا من مشهد إبداعي باللغة العربية على الرغم من أن الهند تزخر بمؤلفات قيمة جدا في شتى فنون اللغة العربية والإسلامية باللغة العربية”[1]. ولكن منذ عدة سنوات أقبل بعض من الجيل الناشئ إلى كتابة القصة القصيرة والرواية، وعلى رأسهم الدكتور محمد أجمل الذي تحدث في قصصه عن القضايا الاجتماعية المختلفة النابعة من المجتمع الهندي، فلذا سيناقش الباحث في هذه الدراسة التجربة التي مربها الكاتب  الدكتور محمد أجمل معالجة الأوضاع الهندية الاجتماعية في  قصصه مع الإشارة إلى رحلة كتابته القصة القصيرة، كما يناقش التقنيات الفنية لكي يمكن تقييم نصوصه القصصية من الجانب الفني والموضوعاتي، ويمكن تحديد مكانة قصصه بين القصص المعاصرة.

تعريف وجيز بالكاتب

الدكتور محمد أجمل من الكتاب البارزين الهنود الذين سبقوا في إنتاج النصوص السردية، ولد بمديرية كيشنغنج بولاية بيهار،حصل على شهادة الفضيلة في العلوم العربية والدراسات العربية من دار العلوم بديوبند، ثم التحق بجامعة علي جراه الإسلامية حيث نال شهادة الماجستير باللغة العربية والآدابها، وحصل على شهادة ماقبل الدكتوراة والدكتوراة ومابعد الدكتوراة من جامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي. وبدأ العمل كأستاذ  مساعد في مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو منذ عام 2017.

له إسهامات كبيرة في مجال الأكاديمية والكتابة والتأليف حيث كتب في مرحلة الدكتوراة أطروحة حول العنوان” مساهمة الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في الحديث النبوي والأدب العربي، وجهز في مرحلة ما قبل الدكتوراة رسالة حول العنوان” الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي في ضوء كتاباته، وأعد في مرحلة ما بعد الدكتوراة أطروحة باللغة الإنجليزية، لأنه بارع في متعدد اللغات العربية والإنجليزية والفارسية والأدرية والهندية، فلذا يظهر من كتاباته أنه وسيع الثقافات، فبسبب كونه متعدد الثقفات كتب في مابعد الدكتوراة الأطروحة حول العنوان” العلاقات الثقافية للهند والعرب في عصر العولمة”[2].

الدكتور محمد أجمل من أولئك الكتاب الهنود الذين بذلوا قصارى مجهوداتهم في تطوير العلوم العربية والإسلامية، فقد اهتمّ باللغة العربية كأحد أبنائها، فلذا نال سمعة طيبة بين الأوساط العلمية والأدبية، وذلك لأن له  مساهمات فعالة في حقل الكتابة والأدب والمعرفة والترجمة، وتشهد بها الكتب التي قام بـتأليفها الدكتور محمد أجمل، وهي فيمايلي:

1: الغزال الناكر للجميل والقصص الأخرى، مجموعة قصص نقلها من الأردية إلى العربية.

2: الشيخ نذير حسين المحدث الدهلوي وآثاره العلمية.

3: الحديث النبوي والأدب العربي عند العالم الهندي الشيخ محمد أنور شاه الكشميري.

4:  Learn Modern Arabicهذا كتاب جيد جدا لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ولقد لقي هذا الكتاب قبولا واسعا لدى دارسي اللغة العربية، حتى تم إدراجه في بعض الكليات والجامعات كمقررات دراسية.

5: تصور الحكم في الإسلام، كتاب فكري ترجمه من العربية إلى الأردية.

6: آسيا الغربية في براثن الصهيونية، كتاب أردي يشتمل على مقالات فكرية يكتبها أسبوعيا في صحف أردية.

7: ترجمة الرواية العربية” موسم الهجرة إلى الشمال” إلى الأردية.

8: الكنز الدفين: كتاب أعده للاختبار التنافسي بالشتراك مع السيد محمد معراج عالم.

9: دروب البصرة: ترجمة رواية هندية بالعربية، وهي قيد  الطبع.

10: حكايات ليلة سعيدة: ترجمة حكايات إنجليزية بالعربية، وهي قيد النشر.

11: أجببتك دون أن أراك: مجموعة القصص القصيرة، وهي قيد الطباعة.

رحلة الدكتور محمد أجمل الإبداعية والقصصية

من المعلوم أن العاطفة من أهم عناصر الإنتاجات الأدبية، لأنها تعمل  في العمل الأدبي عمل الشحن في البطارية، فلو خلت البطارية من الشحن فهي كجثة هامدة لا روح فيها، ولو خلا النص الأدبي من العاطفة فهو كتمثال جميل مذهب متجرد من الروح، و” أما العاطفة فهي انفعال نفسي للمنتج، يرى شيئا ويطلع عليه فتثور في نفسه ثائرة من التجاوب معه والانفعال والتأثر به، مثل الرضا والغضب والحب والمقت والفرحة والحزن، وتبعثه على الإظهار، ويتجلى ذلك في إنتاجه، ويؤثر على القارئ أو السامع، إن له قيمة كبيرة في  الإنتاج الفني لأنها تصبغه بصبغته القوية”[3]. والكفاح لأجل الحصول على الحياة السعيدة دافع قوي لإثارة العاطفة في قلب المرء، والإنسان الذي يمتلك ثروة لغوية يكسو العاطفة ملابس اللغة الجميلة بسبب كونه ثريا من الناحية اللغوية، فعند ذاك تتحول العاطفة إلى نص أدبي جميل، ويتحول صاحب العاطفة من شخص عاد إلى أديب، فهذه هي نقطة تكمن  فيه انطلاقة رحلة أدبية لكل أديب، ولا يختلف الأديب الدكتور محمد أجمل منها في السير على  درب الكتابة الأدبية وإنتاج الأزهار الإبداعية الجميلة التي تترائى جاذبة لكل ناظر إليها، فهو كافح كثيرا في حياته، وبدأ الرحلة الأدبية بكتابة المقالات الأردية والعربية والإنجليزية، والصحيفة الأردية” راشتريه سهارا” زاخرة بمقالاته التي يحلل فيها الأوضاع الحالية، ومقالاته ودراساته  العربية مبعثرة في مجلات محكمة ومن أهمها” البعث الإسلامي” و” دراسات عربية” و” الداعي” و” ثقافةالهند” و” مجلة الهند”، وأما المقالات الأردية والإنجليزية فحوتها مجلات مختلفة، ولها قائمة طويلة لايسعها إلا دراسة مستقلة ترتكز على تناول إسهاماته في كتابة المقالات الأردية والإنجليزية والعربية.

وأما بداية رحلته لكتابة النصوص القصصية فهي انطلقت مع تأسيس مجلة قطوف الهند، والجدير بالذكر أن القصص القصيرة  العربية في الهند  في طور النشأة والطفولة، فهو من السابقين إلى تأسيس فن القصة القصيرة العربية في الهند، ظهرت قصصه مع ظهور مجلة قطوف الهند، ظهرت قصته الأولى في العدد الأول من مجلة قطوف الهند، وهي قصة ” أحببتك دون أن أراك”، وأما قطوف الهند فهي مجلة أدبية أصدرها البروفيسور مجيب الرحمن لسد ثغرة هائلة مازالت خالية رغم مساهمات كثيرة قام بها العلماء الهنود، وهي ثغرة كتابة النصوص في الأنواع الأدبية الحديثة من القصة والرواية والمسرحية والقصيدة النثرية. فيكتب البروفيسور مجيب الرحمن  في الافتتاحية للعدد الأول من “قطوف الهند” مشيرا إلى الدافع الذي دفعه إلى هذه المبادرة الفريدة ” لتشويق طلبتنا وأساتذتنا إلى قراءة القصص والمسرحيات، والتأكيد على أهمية هذه الأصناف الأدبية في تعزيز المهارة اللغوية لدى الطلبة، ولتعزيز التواصل بين المبدعين العرب والهنود، أدركنا الضرورة الملحة لمجلة جديدة تعنى حصرياً بنشر الإبداعات العربية الأصلية والمترجمة شعرا ونثرا، كان ذلك حلمي منذ زمن طويل، وشاء الله أن يتحقق هذا الحلم بتعاون ودعم المبدعين العرب”[4]، وتلبية للنداء الذي نادى به رئيس مجلة ” قطوف الهند” خاض الدكتور محمد أجمل في مجال كتابة القصص القصيرة، وليس من الغريب أن نار الإبداع كانت موجودة في  محمد أجمل مسبقا، ولكن بقيت شعلة النصوص القصصية  كامنة في داخل الدفاتر في شكل مخطوطة، وكان ينتظر اللحظة المناسبة لإضرامها حتى تأسست مجلة” قطوف الهند” وبدأ ينشرها، فاحتضنت ” قطوف الهند” نصوصه الإبداعية ” كما تحتضن الأم رضيعها، فصدرت في كل عدد من تلك المجلة قصصه بشكل مستمر، وبالإضافة إلى ذلك صدرت قصصه في مجلة “التلميذ” بشكل مستمر، ومجموعته القصصية باسم” أحببتك دون أن أراك” على وشك الصدور، والباحث سيتناول تجربة محمد أجمل لمعالجة القضايا الاجتماعية في ضوء القصص التي صدرت في مجلة” قطوف الهند” ومجلة” التلميذ”. وهي اثنتا عشرة قصة، صدرت أربع قصص في مجلة “قطوف الهند” وهي ” أحببتك دون أن أراك” و” العروس الكسولة” و” جريمة قتل مزودجة” و” الهند التي أحببتها” وهي قصة مترجمة لأن المجلة خصصت هذا العدد للإبداعات المترجمة، وصدرت في مجلة التلميذ ثماني قصص، وهي “بنت عفيفة” و” أداء الذمة” و” الألم والأمل” و” مابك يا قلبي” و” بنت مستلهمة” و” أمنية غير منشودة” و”حياة هادئة” و” أهمني” وخطيبة مثيرة”.

تجربة الدكتور محمد أجمل لتناول القضايا الاجتماعية في قصصه القصيرة

استوحى الدكتور محمد أجمل الخيال مما يجري في أقاصي الهند وأدانيها، وتشهد به الأمكنة التي تدور فيها أحداث قصصه، فتدور أحداث قصة” أحببتك دون أن أراك في مدينة تشيناي ودلهي عاصمة الهند، بينما تشيناي عاصمة ولاية تامل نادو، لأن ليلى تعيش في إحدى ضواحي مدينة تشيناي، وهي فتاة تعمل في مكتب المحاماة كمساعدة المحامي، وذلك لأنها يتيمة الأب، وألقت على عاتقها مسؤولية كفالة الأسرة التي تتكون من ثلاثة إخوة، فأحبها فتى من دلهي  حبا من خلال المصادقة على الفيسبوك[5].وكذلك تتحدث قصة” الألم والأمل” عن الفيضان الذي يغرق القرى في منطقة سيمانشل بولاية بيهار بالهند، وهي أكبر كارثة يعانيها سكان سيمانشجل في كل سنة، ولقد اعتادوا عليها بتكرار وقوعه كل سنة. وكذلك تدل سلوكات الأبطال على أن القضايا التي تعالجها قصص الدكتور محمد أجمل نابعة من  الهند دون البلاد العربية، فعلى سبيل المثال قراءة القرآن مع الترجمة عادة الهنود دون العرب، لأن القرآن بالعربية، والعرب لايحتاجون إلى قراءة القرآن مع الترجمة، ولكن الشخصية الأنثوية في قصة” بنت عفيفة” قرأت القرآن على نقيض العرب وذلك حيث أنه” قرأت رابعة القرآن الكريم مع ترجمته مرات عديدة، واستمعت إلى محاضرات مختلفة من مفسريه بصورة مستمرة دون توقف وتفويت”[6]. لقد اتضح من الأمثال السابقة أن القضايا التي يصوغها  الدكتور محمد أجمل تنبع من البيئة التي يعيشها القاص محمد أجمل، ومن ثمة يلعب  الدكتور محمد أجمل دور الأديب الذي يمثل مجتمعه لكونه ابنا لبيئته وعصره، ولكن لاغرابة في وجود قضايا البلاد الأخرى في قصص الدكتور محمد أجمل، وذلك لأن العالم تحول إلى قرية صغيرة، فجعلت العولمة الأديب ابن العالم كله على اختلاف مواقع جغرافيته. وفي بعض الأحيان ينطوي الأديب في زاوية بلاده بعيدا عن جميع وسائل العولمة، ولكن يبدو فيها أثر قضايا البلاد الأخرى  لتتشابه أحداث البلاد المختلفة.

الدكتور محمد أجمل قاص يركز عنايته على تناول القضايا الاجتماعية، لأنه يعتقد أن حل جميع  القضايا موضوع في حل القضية الاجتماعية، وحاول أن يبتكر أسلوبا يميزه من جميع كتاب القصة القصيرة، فسلك في صياغة القصة القصيرة مسلك الشعراء العذريين في الحب، لأن قصصه تشي بأن الغلو في وصف مفاتن المرأة والحبيبة يبعد من القصة الغرض الذي سيقيت لأجله القصة، فلذا تجنب الدكتور محمد أجمل في قصصه المغالاة في وصف مفاتن الفتيات على نقيض الكتاب الذين يستخدمون وصف جمال المرأة الجسدي كخدعة أدبية لإبعاد الملل والسآمة من القارئ، حتى  يمكث  القارئ طويلا في حديقة  النص حتي تلوح له الثمرة  التي أرادها الكاتب أن يعرضها أمامه، ربما تأثر بالشاعر الكبير الهندي محمد إقبال، لأن إقبال يتأسف في بيت له على هذا الأسلوب الذي تبناه الفنانون الهنود الذين يستنفدون قواتهم الأدبية والفنية في وصف الجمال الأنثوي وتبقى القضايا الحقيقة طريدة لم يبال بها الفنانون، فقال العلامة محمد إقبال:

ہند کے شاعِر و صُورت گر و افسانہ نویس

آہ! بیچاروں کے اعصاب پہ عورت ہے سوار!

 الترجمة: أما  الشعراء والرسامين وكتاب القصة  من الهنود فلا تسأل عن سوء حالهم، لقد استحوذت عليهم الأنثى.

فلاغرابة في أن الدكتور محمد أجمل تأثر بفكرة العلامة محمد إقبال، فلذا لم يطلق عنان فرس القلم  لكي يجول حيث يشاء، ولم يدع فرس إبداعه لكي يقع في بوتقة المجون والخلاعة على نقيض بعض الكتاب الآخرين من أمثال يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس والكاتب الهندي منتو، وأما الجمال الأدبي فدخل في قصصه من خلال وصف المشاعر الصادقة التي تنبع من القلب. فهو دائما يعالج  في قصصه القصيرة الحب العفيف الذي ينشأ في القلوب دون الميل إلى الجسد، فلذا نشأ حب ليلى في قلب خليل دون أن يراها في قصة” أحببتك دون أن  أراك”، فهذه القصة تصف ماعانت ليلى خلال جائحة كورونا، حيث مات أبوها فبقيت هي المعيل الوحيدة لأسرتها، فلذا لم تستطع أن تكمل تعليمها، واضطرت على العمل في مكتب المحامي كسكرتيرية، وهذه هي ظاهرة تحدث في القرى والمدن الهندية، فوصفها الكاتب وصفا بارعا كأنها تدور أمام ناظري القراء، ولكن ليلى كانت سعيدة عندما صادف لقاءها مع خليل، لأن خليل أحبها رغم أنه كان أصغر سنا منها، واعتاد الفتيان الهنود على التزوج مع الفتيات اللائي أصغر سنا منهم، ويعد التزوج مع الفتاة كبيرة السن عيبا للفتى يعيبه عليه المجتمع، ولكن خليل شاب متمرد على التقاليد الجائرة، فهو لا يعبأ بما يقوله المجتمع، وذلك يتجلى في الحوار الذي دار بين خليل وليلى:

” خليل: “كيف حالك حبيبتي”:

ليلى: “لالا! أنا أختك الكبرى”.

خليل: “ألست كذلك، أنت ليلاي، منذ البارحة لم تغيبي عن بالي لحظة واحدة، هنيئا لك قلبي يا أميرة فؤادي”.

ليلى: “أنا أكبر منك وبعيدة عنك، رجاء لا تنادني بحبيبتي، فالمشاعر قد تؤذي صاحبها كثيراًً إذا ما خذله الطرف الثاني”.

خليل: “لقد أخبرتك أنّي لا أعترف بالأرقام يا حبيبة خليلك، هي مجرد أرقام سواء كانت عمراًً أو مسافة، وأنا أصارح الآن بأنني أحببتك يا ليلى، نعم أحببتك، ما في قلبي ليس مجرّد إعجاب، إنّما هو أعظم من ذلك بكثير، طيلة الليل لم أنم، لأني مفتون بك”[7].

هذا الحوار يجري بينهما عبر الفيسبوك، وهو أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثمة تصف هذه القصة انتقال الحب من الوعاء التقليدي إلى الوعاء الحديث المتجدد، لأن مسايرة الزمان تضمن بفلاح المرء، والجدير بالذكر أن  الكاتب يلتقط  الخيال من البيئة الإيجابية، فهو متفائل دائما وتظهر ملامح التفائل في هذه القصة، وذلك لأن الحب الصادق عبر مواقع التواصل الاجتماعي شيئ بعيد المنال، ويتفنن المخادعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في استغلال الناس لتحقيق مصالحهم الشخصية من خلال إظهار الحب المزيف في طبق من الكلام المذهب والمنمق، ولكن خليل أحب عبر الفيسبوك ليلى حبا صادقا بعيدا عن الهوى الذاتية، واندهشت ليلى من حبها الاستثاني، لأنه أظهر لها الحب دون أن يراها، فسألته ليلى عن السبب

” ليلى: أحببتني دون أن تراني؟؟

خليل: “أجل! لقد أبصرتك بقلبي، كلماتك نسجت صورتك البهيّة عندي، وأستطيع أن أصفك بدقة متناهية، وأنت عندي أجمل فتاة في الهند بل في العالم كله”[8]. وأحبها خليل  فعلا وأصبح   لها عونا كبيرا  وسندا متينا.

وتصف قصص الدكتور محمد أجمل الصراع  الدائر بين الجيل السابق الذي عاش حياة بسيطة ساذجة والجيل الحديث الذي عاش في  عصر الطفرة التكنولوجية، فمن الطبيعي حدوث النزاع بين العقلية التي تربت على السذاجة وبين العقلية التي تربت على الزخرفة التكنولوجية، وذلك كما يظهر في  القصة “العروسة الكسولة”، حيث تستعمل إيمان سماعة الهاتف، وتتكلم مع صديقاتها مما يزعج جدتها، فتقول الجدة منزعجة ومندهشة” يا إلهي غير معقول هذا الجيل، لا يرى إلا وهو ملتصق بالجوال، جيل مجنون”[9]. تخاف الجد من مستقبل حفيدتها الكسولة التي تتساهل في القيام بالأعمال المنزلية بسبب التصاقها بالجوال، فكانت تخاف كيف تعيش عندما تتزوج وتذهب إلى بيت زوجها، ولكن الكاتب يؤمن بأن الحب طاقة تحول التراب إلى كيمياء، وقوة سحرية لا تمس كسولة إلا تتحول إلى نشيطة، وهذا ما حدث فعلا مع إيمان، عندما تم زواجها مع فرحان، أصبحت نشيطة تقوم بجميع الأعمال المنزلية إلى درجة سألت الجدة باستغراب” حقا يا إيمان! لقد غيرت نفسك كثيرا، ضحكت إيمان بصوت مرتفع وقالت: إنه الحب يا جدتي ثم إن هذا بيتي ليس فيه أمي التي كانت تدللني،بل أصبح واجبي الآن تدليل زوجي”[10]. وتغيرت إيمان بحسن تصرف زوجها معها رغم عاداتها السيئة من الكسل والتهاون والتساهل، عندما رأى فرحان أنها كسولة تستيقظ متأخرة في الصباح، قام بجميع الأعمال بنفسه بعد ما استيقظ، وجهز الفطورو”أيقظ إيمان أيضا، استيقظي يا سيدتي هاهو الفطور جاهز”[11]، أصبحت إيمان نادمة عندما رأى هذا الحنان الفائض في زوجها، فتغيرت تغيرا كبيرا وأصبحت نشيطة وخفيفة الحركة بدا كأن  الكهرباء سرت في جسمها عندما أحسن فرحان التصرف معها، اتضح من ثمة أن القاص الدكتور محمد أجمل لا يكتب القصة للمتعة الأدبية فقط، وهو ليس ممن يؤمن بالفن للفن، بل تبنى الفن للأغراض السامية، فلذا أصبحت الشخصيات دمية بيده يحركها كيفما يشاء، ولا يصف المجتمع كعدسة الكيمرا بغض النطر عن قبحه وحسنه، بل يقتبس للسرد  من المجتمع ما ينفع لتحقيق الأغراض السامية التي تساهم في بناء المجتمع الصالح، فلذا لا يعالج جانبا واحدا من جوانب الحياة البشرية، ولا يكتفي بعرض قضية من القضايا المختلفة، فهو ليس ممن يميل إلى القضية النسائية دون القضايا الذكورية، وليس ممن يهتم بالقضية الذكورية دون القضية النسيائية، فهو يؤمن بأن الحياة نظام، والنظام لا يكتمل إلا بسعي الجميع، فلذا يهتم بتناول جميع  القضايا التي يشاهدها ويحاول أن يلتقط صور جميع الجوانب التي تظهر أمامه، فمرة يعالج المشكلة التي تعانيها الأسرة التقليدية والصراع الجاري بينها وبين الحداثة التي يتسلح بها أبناء العصر الحديث، وتشهد به قصة ” ما بك ياقلبي”، وهي تصور ما يجري في الأسرة التقليدية حيث تحاول فيها الأمهات سلب الحرية من أبنائها، ولا تترك له خيارا لكي يختار له شريكة العمر، وهذه مشكلة يعانيها الفتيان المثقفون الهنود من الأسرة المتوسطة، حيث تفرض على نفسها التشبث بجميع التقاليد، وتعتبر الخروج منها جريمة لا تغتفر، وذلك أمر يفضي في بعض الأحيان إلى تزعزع بنيان حياة الفتيان، وهذا ما حدث مع حامد، حيث اختار حامد سونيا  لنفسه كرفيقة العمر، ولكن الأم رفضتها كزوجة ابنها مبررة بأن ” هؤلاء الفتيات المثقفات والمؤدبات لا يحببن العيش مع أصهارهن، سوف تخطف هذه الفتاة منك ابنك حيث لا يمكنك أن تشعر به، لن يحدث لك شيء أماأنا فأظل مكفوفة الأيدي. هي ساحرة، قد سيطرت على أنفاس ابني بسحرها قبل أن يتم شيء، ولا أعرف ماذا سيحدث في المستقبل”[12]. لقد تزوج حامد  سونيا على الرغم من أنف أمه، ولكن حولت سارة حياة سونيا إلى جهنم بعد أتت إلى بيت زوجها، لأن سارة لاتزال تعذبها وتشتمها، حتى عندما عجزت سونيا عن الصبر قالت لحامد”يا حامد، أعيش حياة تعذيب متواصل منذ أربع سنوات بسببك، لم أفكر مطلقًا في فصلك عن والديك، لكن … أنت ترى كل ما يجري معنا، فإنني حاولت كل شيء ممكن أن تتحسن الظروف وتتجسد العلاقة، لكن الأم هي التي تفسد جو هذه الأسرة وتسممه”[13]، ومازالت الأم تشتم وتحاول التفريق بين حامد وسونيا حتى أفضى الأمر إلى الطلاق، وعندما وقع الفراق أصيب حامد بالمرض النفسي وتزعزع بنيان عقله حتى اعتزم على مغادرة المدينة التي تعيش فيها سونيا وأمه، لأن الذكريات الماضية كانت بمثابة لدغة عقرب تلدغه كلما تعود إليه ذكريات غابرة. لقد تحدث الكاتب في هذه القصة عن المجتمع سلطوي الأم، ومن هنا يبدو أن الكاتب دقيق النظر إلى المجتمع، ويتناول قضيايا مهجورة، ومن عادات الكتاب أنهم  يتناولون بصفة عامة المشاكل التي تثيرها سلطة الأب ويهجرون معضلات تحدثها سلطة الأم، ولكن القاص الدكتور محمد أجمل شاهد المجتمع بدقة كبيرة، وصور المجتمع الذي تهين عليه سطلة الأنوثة، ومن ثمة يستحق أن يطلق عليه كاتب متمرد تمرد على النزاعات التي يتأثر بها الكتاب كلأعمى، والكاتب الحقيقي لا يميل إلى أي نزعة و بل يستقل برأيه ويتحرر من كل عبودية سواء كانت عبودة النزعة أو عبودية الأيديولوجية، ويهمه فقط النظام الصالح الذي يضمن بسلامة المجتمع البشري الذي يرتدي رداء القيم البشرية والأخلاق النبيلة.

ملخص البحث

مبادرة قيمة قام بها الدكتور محمد أجمل حيث خاض في مضمار كتابة القصص القصيرة، وأجاد صياغة القصص، لأن لديه ثروات كبيرة للألفاظ والكلمات التي يجعلها وعاءا للقصص التي يتخيلها أو يشاهدها، لقد أحسن الدكتور محمد أجمل استخدام تقنية السرد، لأنه لا يظهر في قصصه أثر الخطبة أو المقال أو المسرحية، ولكن في بعض القصص انحرف قليلا عن تقنية السرد القصصي إلى تقنية السرد الروائي، وذلك بسبب كثرة الشخصيات السردية التي تحدث عائقا في سبيل سرعة فهم القصة حيث يكاد النص القصصي أن  يشبه السرد الروائي، وذلك لأن القصة القصيرة تحتاج إلى حل الغموض واللغزة بالسرعة وكثرة الشخصيات تؤجل الأمر. وحاول إبراز القضايا في طبق من  الألفاظ والكلمات  التي تلائمها مما يشير إلى براعة الكاتب الدكتور محمد أجمل اللغوية، ولكنه لم يهتم كثيرا بالعاطفة، وذلك ربما لأجل إبعاد شائبة المقال والخطبة والشعر من السرد، لأنه لو ظهرت العاطفة بشكل متزايد تفقد النصوص السردية سرديتها وتكاد تشبه مقالا أو شعرا، وهذه هي براعة فنية يتفطن لها الكاتب البارع، ولكن خلو النص السردي  من العاطفة يدخل السآمة والملل في القارئ.

 الهوامش

[1] : مجيب الرحمن، البروفيسور، تقديم الكتاب” قوارير مكسورة لمحمد معراج عالم” نيو دلهي، بولو روز ون، 2023، ص: 2.

[2] : محمد أجمل، الدكتور، الغزال الناكر للجميل والقصص الأخرى، نيو دلهي،مركزي فبليكيشنج، 2023،ص: 70 -71.

[3] : الندوي، محمد ربع الحسني الندوي، الأدب العربي بين عرض ونقد، لكناؤ، مؤسسة الصحافة والنشر، ط: 6، 2003، ص: 34.

[4] : البروفيسور، مجيب الرحمن، مجلة قطوف الهند، العدد الأول، Details Word : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[5] :  محمد أجمل، الدكتور، مجلة قطوف الهند، العدد:1، المجلد:1، Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[6] :  محمد أجمل، الدكتور، مجلة قطوف الهند، العدد:1و2، المجلد:1: Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[7] :محمد أجمل، الدكتور، مجلة قطوف الهند، العدد:1، المجلد:1، Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[8] : محمد أجمل، الدكتور، مجلة قطوف الهند، العدد :1، المجلد:1، Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[9] : المصدر نفسه، العدد:2، المجلد:1، Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[10] : المصدر نفسه: Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[11] : المصدر نفسه، Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)

[12] : محمد أجمل، الدكتور، مجلة التلميذ،  (what went wrong with you my heartما بك يا قلبي (قصة قصيرة) : Tilmeez | Journal (tilmeezjournal.in)

[13] : المصدر نفسه،  (what went wrong with you my heartما بك يا قلبي (قصة قصيرة) : Tilmeez | Journal (tilmeezjournal.in

المصادر والمراجع

  • محمد أجمل، الدكتور، الغزال الناكر للجميل، دلهي، مركزي فبليكيشنز، 2023.
  • الندوي، محمد ربع الحسني الندوي، الأدب العربي بين عرض ونقد، لكناؤ، مؤسسة الصحافة والنشر، ط: 6، 2003.
  • محمد أجمل، الدكتور، مجلة قطوف الهند، العدد :1، المجلد:1، Article Details : Qutoof Al-hind Magazine (qutoofalhind.com)
  • محمد أجمل، الدكتور، مجلة التلميذ، (what went wrong with you my heart) ما بك يا قلبي (قصة قصيرة) : Tilmeez | Journal (tilmeezjournal.in)
  • محمد أجمل، الدكتور، ترجمة موسم الهجرة إلى الشمال بالأردية، دلهي، بران بك فبليكيشنز ، 2019.
  • محمد أجمل، الدكتور، ترجمة تصور الحكم في الإسلام بالاردية، أي فيك دي جي تيل، 2017.
  • أبوديب،كمال،جدلية الخفاء والتجلي،بيروت،دار العلم للملايين،1984.
  • شعلان،سناء،ترنم الصوت وثورة الصدى،الأردن،أمواج للنشر والتوزيع،2020.
  • الصعيدي، ميادة أنور، شعرية القص في تجربة جعفر العقيلي القصصية، الأردن، الآن ناشرون وموزعون،2021.