Main Menu

القيم الاجتماعية في أدب الأطفال: قصص يعقوب الشاروني نموذجا

صائمة رشيد

الباحثة في قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عليكره الإسلامية، علي كره

ملخص البحث:

الطفولة هي مرحلة ابتدائية من حياة الإنسان وهي مرحلة مهمة في بناء شخصية الإنسان لما يمكن فيها غرس القيم التربوية والسلوكية الإيجابية، وتنمية مقدرته على التفكير والتعبير، وزرع المهارات في نفسه كي يصبح طفل اليوم فردا صالحا بالغد ويلعب دورا إيجابيا في المجتمع، وقد وجه الأدباء اهتمامهم إلى أدب الأطفال، فأدب الطفولة أو أدب مرحلة الطفولة أحد الأنواع الأدبية المتجددة في الآداب الإنسانية، يعُتَبَرُ العصر الحديث عصر أدب الأطفال بكافة وسائله المقروءة والمرئية والمسموعة مع إرسال أول بعثة عربية مصرية إلى أوروبا في زمن محمد علي، وبعد ذلك بدأ أدب الأطفال يدخل قلوب العرب وعقولهم عن طريق طلبة البعثة العربية المصرية. وظهر جيل من الأدباء المهتمين في مصر بالأطفال، فتطوَّر أدب الأطفال شيئا فشيئًا، فقد انطلق من خطوات بدائية، وامتدت قامته بعض الامتداد حتى القرن الحادي والعشرين. يمثل الأدب في الوقت الحاضر أيضا نقطة إنطلاق كبرى نحو تكوين النشء تكوينا نفسيا وتربويا قويما. ولذا وجه الأدباء المعاصرون اهتمامهم إلى أدب الأطفال ليكون وسيلة بالغة من وسائل الدعوة إلى التحلى بالقيم العربية الأصيلة والمبادئ الإسلامية النبيلة السامية، تسعى دراستنا إلى إلقاء الضوء على القيم الاجتماعية في أدب الأطفال: قصص يعقوب الشاروني نموذجا”. فقد تم تقسيم الدراسة إلى أربعة مباحث رئيسة، وهي: المبحث الأول يتحدث عن أدب الأطفال المعاصر في مصر. ويغطِّي المبحث الثاني حياة يعقوب الشاروني بالإيجاز، كما يدرس المبحث الثالث إسهاماته في الأدب العربي بالخصوص في مجال أدب الأطفال: والمبحث الرابع يهدف إلى التعرف على كيفية تقديم الشاروني وعرضه القيم الاجتماعية في قصصه، ويتناول خصائص أسلوبه وسماته في أدب الأطفال، والخاتمة تلخص أهم الاستنتاجات والنتائج.

الكلمات المفتاحية:

الأدب العربي، أدب الأطفال، مصر، يعقوب الشاروني، القيم الاجتماعية:

مفهوم أدب الأطفال:

أدب الأطفال هو أدب واسع المجال، متعدد الجوانب، ومتغير الأبعاد، فأدب الأطفال لا يعني مجرد القصة أو الحكاية النثرية أو الشعرية، وإنما يشمل المعارف الإنسانية كلها. إن كل ما يكتب للأطفال، سواء أكان قصصا أم حادة علمية أم تمثيلات أم معارف علمية أم أسئلة أم استفسارات، في كتب أم مجلات أم في برامج إذاعية أم تليفزيونية أم غيره، كلها مواد تشكل أدب الأطفال[1].

أدب الأطفال هو فن من فنون الأدب، سواء العام أو الخاص، فأدب الأطفال بمعناه العام يعني الإنتاج العقلي المدون في كتب موجهة لهؤلاء الأطفال في شتى فروع المعرفة، أما أدب الأطفال الخاص، فهو يعني الكلام المثالي الذي يحدث في نفوس هؤلاء الأطفال متعة فنية، سواء أ كان شعرا أم نثرا وسواء أ كان شفويا بالكلام أم تحريريا بالكتابة، ولذلك فالكتب الدراسية تدخل ضمن أدب الأطفال بمعناه العام حيث إنها إنتاج عقلي مدون كما ذكرنا آنفا، ولذا، فلا بد للكتب الدراسية الناجحة أن تراعى هي أيضا خصائص الأطفال وقدراتهم واهتماماتهم فيما تقدمه من مواد دراسية منهجية[2].

أدب الأطفال في مصر:

لا شك فيه أن أدب الأطفال قديم في البلاد العربية مع أنه مختلف عن أدب الأطفال المعروف في العصر الحاضر في الشكل والتقسيمات والسمات وما إلى ذلك. ولو ناقشنا بداية الصورة الجديدة لهذا النوع من الأدب وازدهاره في العالم العربي في العصر الحديث فلا بد لنا أن نبدأ كلامنا من مصر حيث ظهر فيها كل فن بشكل جديد وذلك بسبب احتكاك المصريين بالغرب وتأثرهم بالأوروبيين، فأمر أدب الأطفال ليس مختلفا عن بقية الفنون الأدبية، إنه ظهر في مصر في زمن “محمد على باشا” عن طريق الترجمة وذلك لما قام رفاعة الطهطاوي بترجمة القصص إلى العربية باسم حكايات الأطفال ثم نهج الآخرون منهجه وترجموا القصص الإنجليزية والفرنسية إلى العربية. ثم جاء دور الأصالة فحاول الأدباء كتابة القصص من أنفسهم، وبمرور الأيام ازداد اهتمام الأدباء بهذا الفن، وأصبح هذا النوع من الأدب من أقوى الأنواع الأدبية المستحدثة في السنوات الأخيرة، وقد انتشرت الكتابة للأطفال في العالم العربي. وأصبح إنتاج كتب الأطفال والصناعة مع عدد من دور النشر المتخصصة في أدب الأطفال والعديد من معارض الكتب التي تروج لمثل هذه الكتابات وفقا لبحث يفيد أنه تم نشر 4582 كتابا للأطفال ما بين عامي 1995م و 1999م، في حين نشرت 7741 كتب بين 1950م و1995م. وأما السنوات الأخيرة فقد أسرعت كتابة فيه وظهر عدد لافت للنظر في مجال أدب الأطفال[3].

فيعتبر أدب الأطفال في الأدب العربي الحديث لونا أدبيا جديدا، وقد نشأ وتطور ومر بعدة مراحل، شأنه شأن الفنون الأدبية التي نقلها الأدب العربي من الآداب الغربية ومن هذه الأطوار[4]. لقد بدأ الاهتمام بأدب الأطفال في مصر في عهد محمد علي باشا (1769-1849م)كما ذكرنا آنفا، حيث كان رفاعة الطهطاوي (1801-1873م) من الكتاب الأوائل الذين اهتموا بأدب الطفل عموما، والقصة خصوصا، فقد كان مسؤولا رسميا عن التعليم في ذلك الوقت، الأمر الذي سمح له بإدخال بعض القصص في المناهج الدراسية، كما قام بترجمة أول كتاب للأطفال عن الإنجليزية وسمّاه “حكايات الأطفال”،[5] كما ترجم كتاب “مغامرات تليماك” وسماه “وقائع الأفلاك في مغامرات تليماك”، كما صدرت له سنة 1870م مجلة “روضة المدارس” التي كان يشرف عليها والتي كانت منبرا للتثقيف، وكان معظم قرائها من التلاميذ.

وهناك العديد من الكتاب والكاتبات ممن جعلوا جل نتاجهم الأدبي موجها إلى الأطفال بعد الجيل المؤسس لأدب الأطفال في مصر: فلما كان أوائل القرن العشرين بدأ الاهتمام بأدب الأطفال على يد مجموعة من الشعراء في دائرة القصة  “القصة الشعرية” مثل ماجد سليمان، طارق البكري، أحمد شفيق بهجت، أحمد نجيب الذي ألف مجموعة من الدراسات، إلى جانب مجموعة من القصص للأطفال، وكامل كيلاني الذي يعد بحق الأب الحقيقي للقصة المكتوبة للأطفال في الأدب العربي، فقد ألف وترجم واقتبس وبسط كتابا للكبار، وقدم للطفل العربي ما يربو عن مائتي قصة، فكان بذلك من كبار الأدباء المصريين الذين خصصوا إنتاجهم للأطفال، محمود مفلح-في ديوانه غرد يا شبل الإسلام، أحمد شوقي له ديوان خاص للأطفال، وعبد التواب يوسف الذي ألف عددا من الكتب نقدا وإبداعا، وغيرهم كثير في هذا المجال أمثال: عبد اللطيف عاشور، محمد سليم وعطية زهري، وأحمد مختار البزرة، إبراهيم شعراوي، ولكن  هذه المقالة تخضع لدراسة إسهامات يعقوب الشاروني فقط في مجال أدب الأطفال.

نبذة وجيرة عن حياته:

المتصفح لتاريخ الأدب العربي الحديث يدرك تماما أن مصر هي الدولة العربية التي تتصدر شقيقاتها من ناحية الأدب، ويرجع الفضل فيه إلى ثراء أدبها وغزارة إنتاجها في هذا المجال، وعظمة وقيمة كتابها، فقد كانت دائما دولة رائدة فيما يتعلق بميلاد التيارات الأدبية والفكرية الجديدة. ويعد الكاتب المصري يعقوب الشاروني عميدا لكتاب أدب الأطفال والصغار، وقد شغل منصب رئيس المركز القومي لثقافة الطفل، وهو واحد من أهم فناني أدب الأطفال ويرجع له الفضل الأكيد في دفع أدب الطفولة بقوة في العالم العربي[6]. فيعقوب الشاروني هو أحد رواد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي، فقدم للأطفال أكثر من 400 كتاب، ترجم الكثير منها إلى أكثر من لغة، بالإضافة للعديد من الدراسات والأبحاث عن أدب الطفل والذي وضعه الشاروني في مقدمة اهتماماته. تقول عنه الأستاذة الدكتورة ماريا ألبانو، أستاذة الأدب العربي بالجامعات الإيطالية: “يعد الكاتب الشاروني المصري عميدا لكتاب أدب الأطفال والصغار وهو واحد من أهم فناني أدب الطفولة والأطفال، ويرجع له الفضل الأكيد في دفع أدب الطفولة بقوة في العالم العربي”[7].

ولد يعقوب إسحق قلينى الشاروني في العاشر من فبراير سنة1931م بالقاهرة[8]حيث بدأ حياته العلمية بدراسة القانون، وحصل على ليسانس الحقوق في مايو سنة 1952م، وحصل عام 1955م على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وفي سنة 1958م حصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد التطبيقي من كلية الحقوق جامعة القاهرة بمصر.

بدأ إبداع الشاروني في الكتابة يترسخ في عقله منذ الصغر عندما كان يستمع إلى حكايات جدته والتي توقف عندها عقله كثيرا، وعندما شرع في الكتابة للأطفال كانت حكايات الجدة قد كونت قاعدة أساسية استمد منها الشاروني أفكاره والتي حلق بها عاليا مبدعا الكثير من القصص المفيدة للأطفال، قدم الشاروني أعماله أولا من خلال مسرح المدرسة والذي كانت له العديد من المشاركات به. اهتم الشاروني بأن يقدم معلومة مفيدة للأطفال من خلال قصصه فلم تقتصر رواياته على الترفيه فقط، فعمد إلى التاريخ والتراث والحضارة فاستقى منهم المعلومة وقدمها للطفل في شكل رواية مفيدة.

اتخذ الشاروني قرارا مهما للتفرغ لكتابة الأطفال وذلك عقب فوزه بإحدى الجوائز الكبرى، ففي عام 1979م، أقيمت مسابقة كبرى لكتابة رواية للأطفال بمناسبة قرار الأمم المتحدة بأن يكون هذا العام عاما دوليا للطفولة، وفاز الشاروني بالجائزة بجدارة، وفي عام 1981م قرر التفرغ بشكل نهائي للكتابة للأطفال، وكان للجائزة التي حصل عليها الشاروني فضل كبير في تدعيم ثقته بنفسه وإمكانياته في الكتابة للطفل واستمراره في هذا المجال بل والنجاح فيه وهو بالفعل ما تحقق. ومن أهم هذه الجوائزة، جائزة “الآفاق الجديدة” في سنة 1998م لأفضل كتاب للأطفال على مستوى العالم، من معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال بإيطاليا عام 2002 عن كتابه “أجمل الحكايات الشعبية”، الذي فاز في نفس العام بجائزة أفضل مؤلف من المجلس المصري لكتب الأطفال[9].

الأنشطة الثقافية:

شارك يعقوب الشاروني في الفترة من 1970م إلى 2008م في مناقشة الكثير من رسائل الماجستر والدكتوراه في أدب الأطفال، كما قام بالإعداد وكتابة عدد من برامج الأطفال التلفزيونية الأسبوعية مثل برنامج مجلة الجيل الجديد، كما أشرف على ورش شهرية ثقافية للشباب المبدعين في أدب الطفل، وكتب دراسات متخصصة عن نماذج أدبية كثيرة في تربية الطفل وتنمية ذكائه وثقافته[10].

إسهاماته في أدب الأطفال:

قدم الشاروني للأطفال مجموعة كبيرة من المؤلفات القيمة فبلغ عدد الكتب التي قام بتأليفها ونشرها أكثر من 400 كتاب كما ذكرنا، ترجم عدد كبير منها إلى أكثر من لغة، ونذكر من السلاسل التي قدمها الشاروني: موسوعة ألف حكاية وحكاية، موسوعة العالم بين يديك، أجمل الحكايات الشعبية، عشرة كتب ضمن المكتبة الخضراء للأطفال، سلسلة في كل زمان ومكان. وقدم أكثر من ستين دراسة وبحثا عن أدب الأطفال والكتابة لهم منها “تنمية عادة القراءة عند الأطفال” صدرت طبعته الرابعة 2005م، “القيم التربوية في قصص الأطفال” في 1990م، “كيف نقرأ لأطفالنا 2002م، “ثقافة طفل القرية وثقافة الطفل العامل في 2002م، وغيرها الكثير من الدراسات التي تهتم بالطفل.

ومن أهم القصص: سر الاختفاء العجيب (1981م)،  مُفاجأة الحفل الأخير (1983م)، مُغامرة البطل منصور (1984م)، الرحلة العجيبة لعروس النيل (1994م) مُغامرة زهرة مع الشجرة(1997م)، في عام 1998م صدرت عشرة مُجلدات تضم ألف حكاية بعنوان ” ألف حكاية وحكاية “، عفاريت نصف الليل (1998م)، صدر منها خمس طبعات آخرها 2005م، شجرة تنمو في قارب (2002م)، صندوق نعمة ربنا (2002م)، حكاية طارق وعلاء (2002م)، الجائزة وأنياب النمر (2003م)، حكاية رادوبيس (2004م) معروف في بلاد الفلوس (2004م)، حسناء والثعبان الملكى (2004م)، أحلام حسن (2004م)، والتي ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، رجل السيرك (2004م)، تائه في القناة (2005م)، منيرة وقطتها شمسة (2005م)، مرمر وبابا البجعة (2005م)، صراع في بيت الطالبات، سلطان ليوم واحد (2005م)، الأعمى وكنز الصحراء، سر ملكة الملوك (2006م)، عن الملكة حتشبسوت، ثروة تحت الأرض (2006م)، طيور الأحلام (2006م)، الصياد ودينار السلطان (2006م)، أبناء لهم أجنحة (2006م)، روائع المتحف الإسلامي (2006)، أبناء في العاصفة (2007م) والكسلان وتاج السلطان (2007م) وغيرهم.

القيمة الاجتماعية في أدبه للأطفال:         

القيم الاجتماعية:

          تعد القيم من أهم الركائز التي تبنى عليها المجتمعات، وتقام عليها الأمم، وتتعلق القيم بالأخلاق والمبادئ، وهي معايير عامة وضابطة للسلوك البشري الصحيح، والقيم الاجتماعية هي الخصائص أو الصفات المحببة والمرغوب فيها لدى أفراد المجتمع، والتي تحددها ثقافته مثل التسامح والقوة، وللقيم الاجتماعية أمثلة وأنواع، ولها أسباب تؤدي إلى غيابها عن واقع الحياة كما أن هناك سبل لتعزيزها وبنائها[11].

أهمية القيم الاجتماعية:

تعد القيم الاجتماعية والأخلاق من أقوى ما تبنى به المجتمعات، ومن أهم الروابط التي تربط بين أفراد المجتمع، ففيها تنتشر المحبة بين أفراد المجتمع، وتعم الأخوة بينهم، ويقوى التماسك والترابط بينهم بهذه القيم، فهي الضمانة لاستقرار المجتمعات وازدهارها ونجد أن الأمم التي تنهار بداية انهيارها إنما تكون في انهيار القيم والأخلاق، فلا يمكن فصل القيم عن الأخلاق، فهي تشترك معا في تحديد وضبط السلوك البشري في وجهته العامة والخاصة، قال أحمد شوقي[12] في حديثه عن الأخلاق:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيَت                   فإن هم ذهبت أخلاقهم، ذهبوا.[13]

موضوع القيم من الموضوعات المهمة التي اهتم بها الكثير من الباحثين في مجالات مختلفة كالفلسفة والتربية والاقتصاد، وعلم النفس وعلم الاجتماع. وهناك وسائل مختلفة لاكتساب هذه القيم من خلال عملية التنشئة الاجتماعية للطفل، ومن أهم هذه الوسائل الاستماع إلى أو قراءة القصص، فالقراءات التى یتعرض لها الطفل بعد إتقانه عملیة القراءة والكتابة توسع خبراته المعرفیة، فقراءة الكتب والقصص والمسرحیات والمجلات والصحف كل هذه المواد العلمیة تزود الأطفال بمواقف خلقیة متنوعة فى بیئته أو مجتمعه، وهي القيم الخاصة بالعلاقات الاجتماعية والمهارات والسلوكيات التي ينبغي أن يكتسبها الطفل. لقد اهتم الكاتب يعقوب الشاروني بالقيم الاجتماعية والتربوية وقدمها للطفل في أعماله المختلفة، وحاول منها أن يرسي دعائمها في نفوس الأطفال، حتى ينشأ ويتربى هؤلاء الأطفال على هذه القيم. وهو في هذا يتجه على مستوى للصغار وللكبار سواء، فهو ينبه التربويين إلى أنني معكم في بناء الطفل على الأسس التربوية السلمية. ويقدم بنا كل هذا في ثنايا الحكى أو الحوار وفي إطار فنى مشوق وليس في شكل  وعظي أو خطابي.. ولقد اهتم بغرس الكثير من هذه القيم وقدمها وعالجها وأبرزها بأسلوب متميز مثل قيم الصدق والكرم والشجاعة وحب الاستطلاع، وأهمية العلم والتعليم، وحب القراءة والاطلاع وغيرها ومن القيم التي تأتي في سابق القصة.

الصداقة:

تشیر هذه القیمة إلى الوقوف بجانب الصدیق وقت الشدة والرخاء، حب الصدیق وزیارته، المشاركة الوجدانیة، المحبة والمودة بین الأصدقاء. “فالصداقة عنصر بالغ الأهمية للإنسان نظرًا لكونه  كائنًا اجتماعیا بطبعه، لذلك يميل إلى عقد علاقات ألفة بالآخرين. ويسعى إلى الاهتمام بهم رغبة منه في الارتباط وعدم العزلة. وغالبًا ما تتكون الصداقات من خلال الجماعات التى تحیط بالطفل من نفس العمر وربما فى نفس المستوى الاجتماعى والاقتصادي. وتكثر الصدقات في حياة في فترة الدراسة”[14].

وقد ظهرت قیمة الصداقة فى أعمال الكاتب یعقوب الشارونى سواء بین الإنسان، أو بین الحیوان كرمز بهذه الصداقة وتعليمها للأطفال من خلال عالم الحیوانات التى یعجب بها الأطفال خاصة فى السن الصغیرة. ففى قصة “جمیل وجمیلة” من قصص كتاب أجمل الحكایات الشعبیة، فهمت “جمیلة” أن الفتیات لا یرحبن بصداقتها وأن هن یسعین إلى مضایقتها فقالت لهن: لماذا تعملن على إلحاق الأذى بى؟ ولماذا تَرَكْتُنَّنى ألقى بكل ما معى من حلى ذهبية وفضیة في البئر؟”[15] كل هذه التصرفات لا تدل إلا على الحقد والغیرة والكراهية لجمیلة. فهنا یتعلم الطفل وبشكل غیر مباشر شروط الصداقة الحقیقیة وهي: الحب المتبادل-الحرص على مصلحة الصدیق- وأن الصدیق یقف بجانب صدیقه وقت الشدة ویساعده. وهكذا یحرص الكاتب على تأكید قیمة الصداقة لیتعلم الطفل من أبطال القصص أن الصداقة معنى جمیل یشمل الحب والإخلاص، وأن للصداقة شروطًا حقیقیة، فیتعلم الطفل أن یكون حریصًا على أصدقائه ویسعى إلى الاهتمام بهم رغبة منه فى الارتباط وعقد علاقات ألفة ومحبة بالآخرین.

الكرم:

تعبر هذه القيمة عن إكرام الضيف والأهل والأصدقاء وعدم البخل وعدم الأنانية وتقديم العطاء للآخرين. وقد حرص الكاتب على توضيح قيمة الكرم من خلال أحداث قصصه المختلفة ليتعلّم الطفل هذه القيمة، ويعرف أن الإنسان عندما يكون كريما سخيا يكون محبوبا لدى الآخرين..أما البخيل فهو إنسان مكروه يبتعد عنه الآخرون وأحيانا يكون عرضة للسخرية. ففي قصة “مغامرة زهرة مع الشجرة” تظهر قيمة الكرم عندما قالت “أم علواني”: أنا سأعود إلى القرية أحضر طعاما لمن يقومون بحراسة الشجرة[16]. وفي قصة “الصياد المسكين والمارد اللعين” ظهرت قيمة الكرم من خلال أبطال القصة، الصياد” عبد الله” الفقير وجاره. فيقول الكاتب: “وفي تلك الأيام التي يلازُمُه فيها حظّه السيّئُ كان يتجنبُ السيرَ أمام دكانِ جاره بائع الخبز، فقد كان يخجل من كرم ذلك الجار، لكن  ذلك الجار ما إن يلمح “عبدَ الله” يقترب من دكانه حتى ينادِي في ودّ: “فرج الله قريب”، وكان كثيرا ما يسرع إليه حاملا “قفة” صغيرة، مليئة/ملآنة بأرغفة الخبز..وكان يضع أحيانا بعض النقود في يد”عبد الله” وهو يقول له: هذا قرض صغيرة يمكن أن ترده عندما تستطيع”[17].

الشجاعة:

تعبر هذه القيمة عن عدم الخوف من المواقف الصعبة واقتحامها ومواجهتها بثبات دون تراجع، والدفاع عن المبادئ والمثل. وقد حاول الكاتب من خلال أحداث قصصه المختلفة أن يقدم للطفل أهمية قيمة الشجاعة في دفع الشخصيات للقيام بالسلوكيات الاجتماعية المرغوبة والمقبولة مثل إبداء الرأي أو مواجهة الظلم أو مقاومة الأعداء والبعد عن السلوكيات المناقضة لذلك. ففي قصة “مغامرة زهرة مع الشجرة” تظهر شجاعة الفتاة “زهرة” في الدفاع عن الشجرة، يقول الكاتب: “قالت زهرة في جرأة : يبدو أن المهندس والمقاول هما السوس الحقيقي الذي ينخر في الشجر”[18]. واندفعت “زهرة” تؤكد في تصميم: “سنبقى حول الشجرة نحميها من أي اعتداء جديد”. ولم يظهر الكاتب فقط قيمة الشجاعة من خلال شجاعة “زهرة”، لكن ظهرت هذه القيمة من خلال أصغر الصبيان الطفل “علواني”، فصاح في حدة “هذه الشجرة لن يقطعها أحد”[19].

حب الاستطلاع:

للقصة دور كبیر فى تنمیة حب الاستطلاع والفضول المعرفي لدى الطفل، فهو یقرأ عن أشیاء وشخصیات وموضوعات یعرف بعضها ولا یعرف بعضها الآخر، فیستمتع بما يعرفه وتظهر في ذهنه تساؤلات وعلامات استفهام حول ما لا يعرفه، وهذا النشاط الاستكشافي الاستطلاعي الباحث النهم للمعرفة نشاط مهم في زیادة معارف الطفل ومعلوماته، وأیضًا في تنشیط خیاله الإبداعي بشكل خاص[20].

وقد ظهرت هذه القيمة في بعض القصص مثل قصة “الصياد المسكين والمارد اللعين”، حيث نجد أن الكاتب يظهر البطل في صورة الشخص الباحث عن المعرفة، وهو ما يحفز الطفل القارئ على أن يسأل ليعرف، فالمعرفة تنشط خياله الإبداعي. فمن خلال رحلة العودة إلى الشاطئ و”عبد الله” البحري يقود صديقه البري، والبري لا يكف عن إلقاء الأسئلة حول الجديد الذي يراه في الماء. أيضا دفع حب الاستطلاع السلطان إلى الموافقة على زيارة البيت المتواضع لهذا الصياد: “لعله يعرف بعض أسرار الحياة، ويتأمل حكمة الله عز وجل عندما يختار جل جلاله أحد عبادةه الصالحين من بين الناس أجمعين لينعم عليه بمثل هذه الثروة الطائلة”[21].

وفي قصة “بدر البدور والحصان المسحور” يقول الكاتب: فقد دفع حب الاستطلاع بطل القصة إلى زيادة معلوماته وخبراته بالآلات المختلفة وكيفية تشغيلها وتحسينها والانتقاع بها..كما دفع الأمير أحمد إلى التردد على مختبرات العلماء ليستزيد من علم الكيمياء والأدوية والأعشاب الطبية[22].

أهمية العلم والتعليم:

كما أكد الكاتب على أهمية التعليم والعلم فهو مفتاح لفهم العالم وما يجري من أحداث من خلال قصة “مغامرة زهرة مع الشجرة”، فرغم أن أحداث القصة كلها تدور أثناء عمل “حمدان” صبي النجار عند “عم أحمد النشار”، إلا أن الكاتب حاول في ختام قصته أن يؤكد على أهمية التعليم من خلال تأكيده على أن الصبي “حمدان” أراد أن يلتحق بالمدرسة لكي يفهم اللعبة[23]. أي أنه أراد أن يثبت أهمية العلم والتعليم في فهم العالم والحياة. ّوفي قصة “بدر البدور والحصان المسحور” يؤكد الكاتب على أهمية التعليم والعلم فيقول ملك الزمان لأولاده الثلاثة: “لن يستطيع سلطان جاهل أن يحكم شعبا له علومه وفنونه وآدابه”[24].

حب القراءة والإطلاع:

تعبر هذه القیمة عن أهمية القراءة والإطلاع على أنواع الكتب والبحث عن الكتاب سواء في مكتبة المدرسة أو في مكتبة عامة، فالقراءة تُعدّ غذاء الروح ومتعة العقل والنفس، خاصة وأن الكتاب متوفر ومنتشر في أنحاء الجمهوریة وبسعر في متناول الجمیع. وقد ظهرت قيمة حب القراءة والإطلاع من خلال قصة “بدر البدور والحصان المسحور”، وكيف أن القراءة تفيد الإنسان في التعرف بالمعلومات وحقائق الحياة. فيقول الكاتب: أما”على” فقرأ ما كتبه علماء العرب عن تشريح العين وكيف تنقل عدسة العين الصور إلى المخ. كما قرأ ودرس علم المرايا. وقرأ كل ما كتب عن علم العدسات والبصريات وزار جميعَ من يعملون فيه حتى جمع أهمَّ ما عرفه العلماءُ حول هذا العلم. أما “أحمد” فدرس أساليب استخلاص المواد الفعالة من بعض النباتات الطبية عن طريق الغلى أو التقطير أو العصر”[25].

كما تظهر أهمية القراءة وضرورة إقامة مكتبة خاصة للطفل ولو صغيرة من خلال ما عرضه الكاتب في قصة “الصياد المسكين والمارد اللعين”، فقد كانت “سعدية” ابنة “عبد الله البحري” حريصة على أن تقيم لنفسها مكتبة ازدحمت بالكتب[26].

خلاصة الصوت: بعد معرفة عن حياة الشاروني وإسهاماته بالخصوص في أدب الأطفال يثبت أن هذه الشخصية شخصية مهمة في مجال قصص الأطفال كما ذكرت أعلاه، ويظهر بها أنه حاول أن ينتج أهمية العلم والتعليم، والصداقة، والكرم، والشجاعة، وحب القراءة والإطلاع، وتقدير العلم والعلماء في نفوس الأطفال وطبيعتهم وقدم القيم الاجتماعية في أدبه الموجه إلى الأطفال بلغة سهلة وفي أسلوب رشيق وجذاب.

الهوامش

 

[1] أدب الأطفال في العالم المعاصر، د إسماعيل عبد الفتاح، ص 18.

[2] المرجع نفسه، ص،  23 -24.

[3] أدب الأطفال في الأدب العربي الحديث،  ص 104-105.

[4]  النص الأدبي للأطفال في الجزائر، العيد جلولي، ص ص 25-26.

[5] النص الأدبي للأطفال في الجزائر، العيد جلولي، ص 26، أدب الأطفال ومكتباتهم، سعيد أحمد حسن، ص ص 35 -36، أدب الأطفال، أهدافه وسماته، محمد حسن بريغش، ص 8.

[6] سحر الحكايات في أدب “يعقوب الشاروني” القصصي، هالة الشاروني، ص 13.

[7] المرجع نفسه، ص 7.

[8] القاهرة: هي عاصمة جمهورية مصر العربية، وهي أهم مدنها، أسسها المعز لدين الله الفاطمي وقد بناها له القائد جوهر الصقلي سنة 358ه(969م).

[9] المرجع نفسه، ص 7.

[10]المرجع نفسه.

[11] مفهوم القيم الاجتماعية، إبراهيم العبيدي، آخر تحديث بتاريخ 26 سبتمبر 2018، أنظر لمزيد: https://mawdoo3.com/

[12] ولد شوقي سنة 1869م وتوفى سنة 1932م في القاهرة، إن أحمد شوقي أمير الشعراء، هو كاتب وشاعر مصري، يعد أول من ابتكر المسرح الشعري في الأدب العربي بالمعنى الحقيقي عندما قدم مسرحيته الأولى “مصرع كليو باترا” سنة 1927م،  أنظر في تاريخ الأدب العربي المعاصر لشوقي ضيف، ص 110.

[13]  الشوقيات، أحمد شوقي، ط2، ص 12.

[14] زكي محمد إسماعيل، انثر بولوجيا التربية، الهيئة العامة للكتاب، ص 198.

[15] قصة جميل وجميلة، يعقوب الشاروني، ص 4-5.

[16]  مغامرة زهرة مع الشجرة، يعقوب الشاروني، ص 30.

[17]  الصياد المسكين والمارد اللعين، يعقوب الشاروني، ص ص 4-5.

[18] مغامرة زهرة مع الشجرة، يعقوب الشاروني، ص 26.

[19]  المرجع نفسه، ص 9.

[20]  الخصائص النفسیة والتربویة لقصص الأطفال، شاكر عبد الحمید، ص 23.

[21]  الصياد المسكين والمارد اللعين، يعقوب الشاروني، ص 43.

[22]  بدر البدور والحصان المسحور، يعقوب الشاروني، ص 40.

[23]  مغامرة زهرة مع الشجرة، يعقوب الشاروني، ص 36.

[24]  بدر البدور والحصان المسحور، يعقوب الشاروني، ص 7.

[25]  المصدر نفسه، ص ص 39- 40.

[26]  الصياد المسكين والمارد اللعين، يعقوب الشاروني، ص 30.

المراجع والمصادر:

  • أدب الأطفال العربي، دراسات وبحوث، د.حسن شحاتة، ط3، الدار المصرية اللبنانية، 2000.
  • أدب الأطفال في العالم المعاصر(رؤية تقدية تحليلة)، د.إسماعيل عبد الفتاح، ط1، الناشر:مكتبة الدار العربية للكتاب، 2000م.
  • أدب الأطفال ومكتباتهم، سعيد أحمد حسن، مؤسسة الشرق للنشر والترجمة، عمان، ط1، 1984م.
  • أدب الأطفال، أهدافه وسماته، محمد حسن بريغش، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1997م.
  • أدب الأطفال، د.محمد صالح الشنطي، ط3، دار الأندلس للنشر والتوتيع، 2007م.
  • بدر البدور والحصان المسحور، يعقوب الشاروني، المكتبة الخضراء للأطفال، دار المعارف، دت.
  • الصياد المسكين والمارد اللعين، يعقوب الشاروني، المكتبة الخضراء للأطفال، دار المعارف، دت.
  • الطفل وأدب الأطفال، د.هدى قناوى، المطبعة: أبناء وهبه حسان، الناشر: مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 2009.
  • لسان العرب،
  • مغامرة زهرة مع الشجرة، يعقوب الشاروني، المكتبة الخضراء للأطفال، دار المعارف، الطبعة الرابعة، دت.
  • النص الأدبي للأطفال في الجزائر، العيد جلولي، دت.
  • سحر الحكاية في أدب يعقوب الشاروني القصصي، هالة الشاروني، ط1، دار العلوم للنشر والتوزيع، 2006.
  • الشوقيات، أحمد شوقي، دار الكتب العلمية-بيروت، ط2، 2006م.