محمد مظهر
باحث الدكتوراه جامعة جواهر لال نهرو
البريد الإلكتروني:mazharjamali@gmail.com
رقم الجوال: 8374754367
التلخيص: تمتاز مرحلة الطفولة بتأثيرها العميق في حياة الإنسان، وتعدّ أهم مراحل تشكُّل الشخصية الإنسانية وأخصبها، إذ تتبلور ملامحها وصفاتها، وتُكتسب فيها طرائق التفكير، وأنماط السلوك، والكثير من القيم والاتجاهات.. حقائقٌ احتاج إثباتها عقوداً طويلةً من الزمن، أوصلت تباعاً إلى معرفة طبيعة الشخصية الطفلية وتكوينها، وإلى ازدياد الاهتمام بتربيتها تربية متكاملة من الجوانب المعرفية والوجدانية والاجتماعية والجمالية، لدرجةٍ بات -هذا الاهتمام- معياراً لوعي الأمم بأهمية مستقبلها ومستوى رقيِّها.. وفي إطار التربية الثقافية الموجَّهة للأطفال، تبرز قصص الأطفال كإحدى أهم الأساليب، ذلك لانفرادها بخصائص متميّزة عن الأساليب والأشكال الثقافية الأخرى، ولمقدرتها الكبيرة على التأثير في منظومة أفكار الطفل ومشاعره”[1].
نسعى في هذا البحث إلى إلقاء الضوء على القضايا الاجتماعية في قصص الأطفال الأردنية. فقد تم تقسيم البحث إلى ثلاثة مباحث رئيسة . المبحث الأول مفهموم قصص الأطفال وأهميتها، المبحث الثاني يتحدث عن تتطور أدب الأطفال وقصص الأطفال في الأردن، وأخيرا يعني المبحث الثالث سيعرض القضايا الاجتماعية في قصص الأطفال الأردنية.
الكلمات المفتاحية: الأردن،القضايا الاجتماعية، قصص الأطفال، أدب الأطفال، كتَاب.
المقدمة: نعتقد أن الإنسان الأول الذي عاش في مجتمعات عائلية كمجموعات صغيرة على ضفاف الغابات والأنهار والبحيرات، كان يعبر بلغته البدائية عما شاهده ويحدث له، ويحاول نقله إلى عائلته وأصدقائه، لذلك كان يصف ما رآه، وما حدث له، وما شعر به وما فعله، و لنقل أنه كان يحكي، فالقصة ليست سوى خبر تمت إعادة صياغته بمهارة لجعل الآخر يستمع إليه و تتفاعل معها.
القصة فنٌّ أدبي راقٍ، يمتلك مقومات فنية خاصة، يقوم على مجموعة من الحوادث المترابطة، مستوحاة من الواقع أو الخيال، أو كلاهما، تدور في بيئة زمانية ومكانية، وتمثِّل قيماً إنسانية شتى، تفضي لنهاية يتوجَّب أن تكون خيِّرة. وقصة الأطفال وسيلة تربوية تعليمية محببَّة، تهدف إلى غرس القيم والاتجاهات الإيجابية في نفوس جمهوره، وإشباع بعض احتياجاتهم النفسية، والإسهام في توسيع مداركهم وإثارة خيالاتهم، والاستجابة لميولهم في المغامرة والاستكشاف. ويُعدُّ هذا الفنّ أبرز فنون أدب الأطفال، وأكثرها انتشاراً.. إذ يستأثر بأعلى نسبة من النتاج الإبداعي الموجَّه للأطفال، ويحظى بالمنزلة الأولى لديهم قياساً إلى الفنون الأدبية الطفلية الأخرى. يُعرِّفها الباحث سمر روحي الفيصل بأنها: “جنسٌ أدبي نثري قصصي، موجَّه إلى الطفل، ملائم لعالمه، يضمُّ حكاية شائقة، ليس لها موضوع محدَّد أو طول معيَّن، شخصياتها واضحة الأفعال، لغتها مستمدة من معجم الطفل، تطرح قيمة ضمنية، وتعبِّر عن مغزى ذي أساس تربوي، مستمد من علم نفس الطفل”[2].
أهمية قصص الأطفال وأهدافها: لقصص الأطفال خصائصُ وميّزات، نستطيع بواسطتها دخول عالم الطفولة، والاستجابة لطبيعتها، إذ تهيِّئ عالماً ساحراً متنوِّعاً؛ سحر الطفولة وتنوّع انفعالاتها، لذا تراهم يشغفون بها، يتوقون لسماعها، يندمجون بأحداثها، ويتفاعلون مع أبطالها، ومن هنا اكتسبت القصة تأثيرها الساحر على الأطفال. يقول الكاتب نزار نجار: “القصة وسيلة تربوية ناجحة، وهي فنّ.. فنٌ لمّاح ذكي، يعتمد على الترميز والإضاءات الخاطفة وسرعة الالتقاط، ولذلك تفوَّقت القصة في أدب الأطفال على غيرها من الأجناس الأدبية.. والأطفال يتمتَّعون بميزة تذوّق الجمال، إنّ في داخلهم نداءً عميقاً يجذبهم نحو الجميل، كذلك لديهم توقٌ للتسامي والبطولة، وإلى المعرفة والمغامرة والانطلاق.. والقصة تُشبع هذا التوق، وتحقِّق ذلك الذوق.. القصة تجعل الأطفال قادرين على الاتصال بالفن، بفضل بساطة أسلوبها، وسحر أحداثها”[3].
قصة الأطفال أداة تربوية تثقيفية ناجحة، فهي تُثري خبرات الأطفال، وتنمّي مهاراتهم، وتكسبهم الاتجاهات الإيجابية.. وهي تزوِّدهم بالمعارف والمعلومات والحقائق عن الطبيعة والحياة، وتُطلعهم على البيئات الاجتماعية.
كما أنها تُثري لغتهم وترقى بأساليبها، وتنمّي قدراتهم التعبيرية عن الأفكار والمشاعر والاحتياجات. وللقصة الطفلية دورٌ فعال في النمو الانفعالي للطفل، من خلال ضبط انفعالاته، وتخفيف التوتر عنه، والتنفيس عن رغباته المكبوتة، ومعالجة بعض المشكلات، والأمراض النفسية، وبعض العيوب اللفظية لديه. وهي أيضاً وسيلة جيدة لتكريس علاقات وأنماط سلوك إيجابية في حياة الطفل، وتعزيز الاتجاهات التي تنمي قدراته على مواجهة المشكلات. كما تهدف إلى تحقيق أهداف ترويحية وترفيهية عدَّة، والاستجابة لميول الطفولة إلى اللعب والحركة، وتوفير قسط من المتعة والترفيه، وتبديد أجواء الروتين والرتابة.
يقول د. هادي الهيتي: “يُلاحظ أن الأطفال شديدو التعلُّق بالقصص، وهم يستمعون إليها أو يقرؤونها بشغف، ويحلِّقون في أجوائها، ويتجاوبون مع أبطالها، ويتشبَّعون بما فيها من أخيلة، ويتخطّون من خلالها أجوائهم الاعتيادية.. خصوصاً وأنها تقودهم بلطف ورقة وسحر إلى الاتجاه الذي تحمله. إضافة إلى أنها توفر لهم فرصاً للترفيه في نشاط ترويحي، وتشبع ميولهم إلى اللعب، لذا فهي ترضي مختلف المشاعر والأمزجة والمدارك والأخيلة، باعتبارها عملية مسرحة للحياة والأفكار والقيم”[4].
قصص الأطفال في الأردن: قد بدأت تظهر قصص الأطفال في الأردن بالتأخير كالبلدان الأخرى، وكانت أسباب تاخير النهضة الأدبية في هذه الدول العربية، خاصة الأردن انشغالها بسياسة وأمورالبناء، والإضطراب ” فلم نكن نجد مكتبات خاصة بالأطفال كما نجد مكتبات للكبار، أن مجلات الأطفال المتخصصة تفتقر إلى التقنية، ومعظم القائمين عليها من الشباب تنقصهم الخبرة، والدراية والأدوات… فلا نجد شعرا كثيرا للأطفال، وذلك إما لعزوف الشعراء عن الكتابة للأطفال، أولطغيان القضايا القومية والوطنية على أشعارهم”[5]. في الحقيقة بدأت تظهر قصة الأطفال في الأردن في عام 1945م، على أيدي راضي عبد الهادي بقصة خالد وفاتنة، وقصة الكلب الوافي.
وهذه المحاولات وجدت العناية والتشجيع في هذه المرحلة ونجد كثيرا من الشعراء والكتاب اللذين انتخبوا الكتابة في هذا المجال من أمثال: “روضة الهدهد، ومحمد الظاهر، ويوسف الغزو، ووفيقة والي، ويوسف قنديل، وجهاد جميل حتر، وواصف فاخوري، ومحمد جمال عمرو، ومحمود أبوفروة الرجبي، ومحمد بسام ملص، ومنيرة قهوجي، وحسين الخطيب”[6]. وقام الكتاب والأدبا ء بالترجمة للأطفال وكانت أهدافهم سد النقص في أدب الأطفال الأردنية، ومن أشهر الكتب التي ترجمت هي: “سلسلة ليدي بيرد، ومنشورات دار المنى في السويد”[7].
وجعلت قصص الطفل في الأردن طريقة واضحة في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، الآن نحن نصل على هذه النتيجة أن البداية الحقيقية كانت لأدب الأطفال بعامة، والقصص للأطفال بخاصة في الأردن في عام 1979م، حينما ازداد الاهتمام بقصص الطفل، وصدر عدد من القصص، على سبيل المثال كتب رشاد أبو شاور قصة عطرالياسمين، وأرض العسل، ومنيرالهور أطفال القدس القديمة، وروضة الهدهد، في أحراج يعبد الشيخ عزالدين القسام، وفخري قعوار قصة السلحفاة والأطفال.
هذه السلسلة لم تنقطع هنا بل كتبت قصصا كثيرة في السنوات القادمة مثل قصة المطر الأحمر لسماح العطار، وحكايات عالمية للأطفال لنازك ضمرة، وأحبكم فلاتفقدوني لفداء الزمر في سنة 2001م، شجرة اللوز الحزينة لنسرين أبو زيد في سنة 2010م، ما أجمل صوت الضفدع لعمر شاهين في عام 2011م. وحتى الآن هذه السلسلة تجري في الأردن و وصلت إلى قمتها في إخراج أدب الأطفال عامة وقصص الأطفال خاصة.
مفهوم القضايا الاجتماعية في قصص الأطفال: “يتناول الكتاب مفهوم القضايا أو المحتويات عموما، ليعبروا عما تحتويه النصوص الأدبية من معان وأفكار ومعلومات وقيم واتجاهات بشكل عام، يوصلها الكتاب إلى المتلقين للتأثير في سلوكياتهم”[8]. تعد القضايا الاجتماعية من أقوى ما تبنى به المجتمعات، ومن أهم الروابط التي تربط بين أفراد المجتمع، ففيها تنشرالمحبة بين أفراد المجتمع، وتعم الأخوة بينهم، ويقوي التماسك والتربط بينهم. وفي هذا الصدد تعتبر الدراسة أن المحتوى القصصي للطفل جاءت حول قضايا تعكس هموم المجتمع العربي عامة، والأردن بشكل خاص لمعالجة العديد من القضايا المتعلقة بالإنسانية.
القضايا الاجتماعية في قصص الأطفال الأردنية: “يبرز الهاجس الاجتماعي في قصص الطفل الأردني وبشكل متفاوت، فالبعض يدرج قصة العلاقات الاجتماعية كالحب والتعاون وتكريم العمل وقيمته، والفوارق الاجتماعية، في المضامين الاجتماعية”[9] “والبعض الآخر يجعلها مرتكزه على البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل والمظاهر الاجتماعية وغيرها”[10].
لكني أرى أن المضامين الاجتماعية تتجسد في كل ما يتعلق بحياة الطفل من البيئة أو العلاقات الاجتماعية في محيط الأسرة والمدرسة والمجتمع، مع المظاهر المرتبطة بالعمل والتعاون … إلخ. ومن بين الكتاب الذين ظهروا مواضيعهم المتعددة للصورة الاجتماعية في كتاباتهم نادية العالول في قصتها “مغامرة على الطريق“، التي تجمع بين إطارين: المغامرة، وتصوير البيئة الاجتماعية في الصحراء البدوية. الإطار الأول يتمثل في رحلة المدرسة إلى مدينة العقبة، حيث بدأ مشهد الحدث يتطور عند الاستراحة في جنوب الأردن، ومن خلال الاختلاف في وجهات النظر بين الأصدقاء: رائد ومعتز وصلاح حول أماكنهم المفضلة، بعضها يفضل البحار، والبعض يفضل الجبال، والبعض الآخر يفضل الصحراء، ثم ينتقل إلى مرحلة اكتشاف المنطقة بواسطة رائد ومعتز بعد انسحاب صلاح، تجسد مغامرتهما بعض السمات البارزة في الصحراء، مثل السراب والصخور والرمال، وشجيرات الأشواك، ومنهم انطلق الإطار الذي يجسد البيئة الصحراوية وطبيعة الحياة البدوية فيها: ” إنها أغنام حقيقية وأصواتها تصل إلينا الآن … ما أجمله من صوت !! إنه أحلى صوت سمعناه. انتبه الراعي إلى ندائهما وصياحهما فتوقف حتى وصلا إليه….”[11] .
كما يظهر من عادات اجتماعية للبدو وهي الكرم،” نظر البدوي إليهما ثم سألهما عن اسميهما … وبعدها قال: لا بد أنك جائع يا رائد وأنت يا معتز . تقدم من عنزة قريبة، وبدأ يحلبها، ثم قدم لكل منهما حصة من الحليب الطازج … وقطعة خبز غليظة تشبه خبز الطابون”[12] تشير الكاتبة إلى وجود شيخ لكل قبيلة بدوية، أي أن التنظيم الاجتماعي يقوم على أبناء القبيلة وشيخها فقط. حيث يعتمد البدو على المياه المنقولة من النبع. تصف الكاتبة النساء والفتيات في الصحراء، ” حيث اجتمعت النساء يتحدثن خارج الخيام، بينما كانت الفتيات الصغيرات ينقلن الماء المنسابة مياهه من نبع يصب في بحيرة صغيرة….”[13]. الكاتبة غير راضٍ عن مراقبة الأصول في الصحراء، بل تتعدى وصف الخيمة للضيوف في الواحة “كانت خيمة واسعة، مفروشة بألوان زاهية من الوسائد والبسط المزركشة، وكان يتوسطها دلات القهوة العربية تغلي على النار “[14].
ولم تخجل الكاتبة ناديا العالول من رصد الحياة في البيئة الأردنية، وتوضيح القضايا التي يمر بها المجتمع، كما تجسد في قصتها “الأطفال الشجعان ولصوص الآثار” وعي الطفل بالقضايا البارزة في المجتمع. الرحلة التي قام بها أبو عمر وأبو سامح وعائلاتهم إلى مدينة العقبة، حيث الطرفان توقف في البتراء (المدينة الوردية)، حيث أوضح المرشد السياحي للأطفال أهمية الآثار والمحافظة عليها، لأنها من كنوز الأمة التي يجب الحفاظ عليها. “آثار بلادكم يا أبنائي هي ملك لكم … وجزء لا يتجزأ من تاريخ بلادكم … و على كل واحد منكم أن يكون حارسا لها وأمينا عليها … ۰”[15]، ثم تعرض الكاتبة وصف العقبة حيث الشاطئ والشاليهات وأمواج البحر والرمال والقوارب وبعد استقران الزوار في الشاليه يتعلم الأطفال بالصدفة أن هناك مجموعة من الرجال مع العم محمود، الذين يتاجرون بالآثار ليبدأوا مغامرة الأطفال في التخطيط لتحدي لصوص الآثار، وإفشال خطتهم، لتأكيد للأطفال أن التعاون بين أفراد المجتمع يساهم في الحفاظ على كنوز الأمة وآثارها، والتي هي جزء من اتصالهم بها وبقضاياه. حيث الكاتبة تنقل وجهة نظرها على لسان الطفل سمير الذي يعتبر إطلاق النار شكلاً من أشكال الترفيه يمارسه الكبار.
ونحن نقول أن مخلفات هذه الممارسات تقع على الأبرياء، قد يكونون أطفالاً أو نساء أو كبار السن، كما وقع في القصة التي وقعت فيها فتاة ضحية لرصاصات طائشة، وبالصدفة وجدت من أنقذها أو ساعدها في نقلها إلى المستشفى حيث تتعافى، ثم تنقل الكاتبة نقدًا آخر، يتمثل في عدم وجود عقوبة رادعة لمن يرتكبون هذه الممارسات، ” قالت أم سمير : لا فائدة من هذا كله ما دام التراضي بين الأطراف والتنازل عن الحق يتم في حفل غداء وحول فناجين القهوة، حيث يتنازل أهل الشخص المصاب عن حقهم مما يؤدي إلى اللامبالاة وعدم الاكتراث بالقانون…”[16].
فخري قعوار تناول جوانب الحياة الاجتماعية في الريف الأردني، في قصة “حديث مع أميمة“، حيث جاءت القصة على شكل مقطوعات قصصية قصيرة، تناول فيها الكاتب جوانب مختلفة تتعلق بالحياة الريفية، مثل: ألعاب، حكايات شعبية، طعام، و ملابس، و أثاث منزلي … الخ. جاءت القصة على شكل حوار بين الطفلة أميمة ووالدها، وهي تسأل وهو يجيب، لتؤكد لنا القصة من خلال طابعها الحواري، صورة الأمس واليوم، المقارنة تجري بين الخمسينيات والتسعينيات (زمن كتابة القصة) ومن بداية القصة نلاحظ حرص الكاتب على مراعاة الجانب النفسي للطفل، وهذا واضح في موقف الأب و علاقته القوية بابنته، إذ يجيب على أسئلتها ويفرح في وعيها بتفكيرها السليم، دون قمعها أو رفض أسئلتها التي أثرت على طفولته وحياته في الماضي، وهي نقطة إيجابية تسجل للكاتب، ولا بد من ذكرها في البداية تجسد الكاتبة، من خلال حوار ابنتها مع والدها التغيرات التي طرأت على حياتها، و معظم وسائل الاتصال الموجودة اليوم مثل الهاتف والتلفزيون والفيديو وباقي أدوات الدعم مثل الثلاجة وفرن الغاز لم تكن موجودة في الماضي، و بدائلها مستخلصة من الحياة الشعبية البسيطة، فالذهاب إلى الإنسان، وحكايات الجدة بدائل لوسائل الاتصال، ثم استخدام البرطمانات ووعاء الكاز، بدائل للأجهزة المنزلية التي أصبحت ضرورة في الفترة الحالية، كما لو الطفلة أميمة هنا بدأت من عالمها المدرسي ومن الصور التي تراها في كتابها تقوم برحلة مع والدها تكشف طبيعة الحياة الريفية. ” رأت ابنتي أميمة، ذات الأعوام العشرة، صورة بابور الكاز في كتابها المدرسي فسألتني: ما هذا يا أبي ؟ -” [17].
حيث يوثق الكاتب البساطة في الحياة الريفية، من خلال بساطة الألعاب أيضًا، من خلال وجود ألعاب للأطفال قبل المشي، مثل اللعب ببذور الرمان والجوز، ثم ألعابهم في المرحلة المتقدمة، ومنها: “اللعب بالطين، والدمى المصنوعة من القماش وغيرها” [18]. “وأيضا يعتمد سكان الريف على انتاجهم المحلي في صنع الدبس وتجفيف الحبوب والبقول والأعشاب، وحفظ اللحوم والألبان، وصناعة خبز الصاج والطابون، كما تناولت القصة أثاث البيت الريفي الممثل بالبسط مع اعتمادهم على الزراعة المتنوعة بين زراعة الخضروات والحبوب والأشجار المثمرة، إلی جانب عادات خاصة في حفظ الأطعمة وأدوات وأثاث المنزل كالوهد والكواير والرفوف وغيرها. ومن خلال هذه الوثيقة الاجتماعية للواقع الريفي، و يربط الكاتب الطفل بماضيه ويحفزه على البحث والمعرفة والملاحظة بذاته،…”[19]، مع ترسيخ لطبيعة العلاقات في الريف كالمساعدة والتعاون، وهي من الثوابت التي لا تخضع للتغيرات التي تمر بها الحياة.
ومن بين الكتاب الذين تناولوا صورًا اجتماعية بارزة في المجتمع أو البيئة الأردنية نايف النوايسة في مجموعة “أبو المكارم”، حيث قدم ملاحظة عن جوانب الحياة في الصحراء، كما في قصة ” الرجل الطائر “والصورة التي قدمها للبدوي، ثم في قصة” سر البندقية “التي تناولها في الرؤية الاجتماعية، تجسد القصة مشهد الرعي في البادية الأردنية. ” انتشر قطيع الغنم في المرعى، وسار كل خروفين أو ثلاثة مع بعضهم البعض وجلس الراعي على تلة قريبة يأكل طعامه، وكان الحمار في أسفل التلة مرخيا ذنبة وهادئا جدا وهو يلوك الأعشاب أما الكلب فكان يدور حول الغنم وكأنه مسؤول عن أمنها … يهز رأسه أحيانا، وحين ينظر إلى الراعي يهز ذنبه” [20].
لا يكتفي الكاتب بملاحظة طبيعة الحياة البدوية في المرعي، بل يرسم بعض الآلات التي يستخدمها البدو والرعاة، ومنها الفلوت الذي يضاهي وسائل الترفيه والآلات الحديثة المستخدمة في المدن. فيقول: ” وفي تلك اللحظة أخذ الراعي يعزف على نايه، فحملت النسمات صوت الناي إلى الجهات، فاهتز ذنب الكلب من الطرب، ورفع الحمار رأسه….”[21] .
لا يكتفي الكاتب بملاحظة البيئة الأردنية ومظاهر الحياة فيها، بل يجعل الصحراء شاهدة على أحداث قصصه، فتختلط الأصالة البدوية بواقع الحدث. فنراه يجسد حضور بيت الشعر والصور البدوية المختلفة في قصة “ماضي الشجاع” حيث تدور أحداث القصة في بيت شعر بالقرب من سيل الحسا. وقد ذكرتها الجدة في روايتها لأحفادها، وتعكس الجدة بدورها صورة اجتماعية للعلاقة بين الجدة والأحفاد وبعض الممارسات التي يقوم بها كبار السن وغيرهم، ” فرغت الجدة من صلاة العشاء، وتناولت مسبحتها الطويلة وراحت تطقطق حباتها وهي تتمتم وتهز رأسها، في حين التف حولها أحفادها يتهامسون ويضحكون، فمسحت على رؤوسهم…”[22].
تدور القصة حول رجل يدعى ماضي، وهو يعيش مع زوجته وأولاده في بيت شعر بالقرب من سيل الأحساء، وعندما يقرر الذهاب إلى المزار لشراء لوازم منزلية، بعد تغير الأحوال الجوية، يأكل وحش منزله الابن ابراهيم، الذي افترسه الوحش على حافة السيل، بعد أن عجز عن الهرب، فبكته والدته، وعندما يأتي والده وتخبره بما حدث، ينتقم الأب لموت ابنه و يقطع بطن الوحش، ثم يعود إلى المزار مع عائلته وجسد الوحش مربوط بحبل يجره الحمار، و من خلال هذا التصوير لشجاعة ماضي، وعلاقته الحميمة بابنه وعائلته، يعرض الكاتب صورة ماضي وملابسه، ويقول: ” اعتاد ماضي أن يحمل شبريته الطويلة ذات الغمد الأصفر المصنوع من النحاس في حزامه العريض”[23]، كما يعرض صورة لطبيعة الحياة في المناطق البعيدة عن الأسواق، لذلك عندما قرر الذهاب إلى المزار، أعد وحشه وشرع في طلبه. ثم تنتهي الكاتبة القصة التي جاءت في إطار الحكاية الشعبية بإخبار الجدة لأحفادها.” وطار الطير، الله يمسيكوا بخير…”[24].
الهوامش:
[1] – عبد المجيد، إبراهيم قاسم. “قصص الأطفال عناصُرها، أنواعها، وأبرز أعلامها”، مجلة الحوار.
[2] – الموقف الأدبي، مجلة أدبية شهرية، تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد: 414، عنوان البحث: “بدايات قصة الأطفال في سورية” محمد قرانيا، ص: 56/ عن “سمر روحي الفيصل” الشكل الفني لقصة الطفل في سورية، الموقف الأدبي، العدد: 208، 1988م.
[3] – الأسبوع الأدبي، جريدة أسبوعية، تصدر عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق. العدد 1105 تاريخ: 31/5/2008، عنوان البحث: قصة الأطفال في كتب المدرسة الابتدائية السورية.
[4] – الهيئتي، هادي نعمان. ثقافة الأطفال، سلسة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 123 مارس 1988م، ص: 172.
[5] – الحسيني، خليل محمد. دراسات في أدب الأطفال،طـ1. رام الله، فلسطين، 2001م، ص: 71.
[6] – العناني، حنان. أدب الأطفال، طـ2. دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، 1996م، ص: 17.
[7] – دليل المعلم، السلطة الوطنية الفلسطينية، أدب الأطفال. منشورات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بدعم من مؤسسة دياكونيا، ص: 41.
[8] – أحمد. أدب الأطفال: قراءات نظرية ونماذج تطبيقية. مصدر سابق، ص : 266.
[9] – أحمد المصلح. أدب الأطفال في الأردن. ص: 77-80.
[10] – شفیق الرقب. أدب الأطفال في الأردن ” مضامين القصة الموجهة للأطفال. ص: 10-11.
[11] – ناديا العالول. مغامرة على الطريق ” مجموعة قصصية للفتيان “، منشورات وزارة الثقافة، عمان، ط 2، 1996م، ص: 17.
[12] – ناديا العالول. مغامرة على الطريق. ص: 19.
[13] – المرجع نفسه، ص: 20 .
[14] – المرجع نفسه، ص: 21.
[15] – ناديا العالول. الأطفال الشجعان ولصوص الآثار. دار الغزو، عمان، د.ط، 1991م، ص: 4 .
[16] – ناديا العالول. مغامرة على الطريق. ص: 35.
[17] – فخري قعوار. حديث مع أميمة. دار جاد للنشر والتوزيع، عمان، ط 1، 1991م، ص: 9.
[18] – محمد المجالي. توظيف التراث في أدب الأطفال في الأردن، “بحث مقدم لملتقى عمان الثقافي السادس”، المركز الثقافي الملكي، عمان،سبتمبر 28، 1998م.
[19] – شفیق الرقب. ” مضامين القصة الموجهة للأطفال ” ص: 33.
[20] – نايف النوايسة. أبو المكارم.ص: 57.
[21] – المرجع نفسه، ص: 63.
[22] – نايف النوايسة، الأولاد والغرباء. ص: 34.
[23] – المرجع نفسه، ص: 35.
[24] – المرجع نفسه، ص: 39. انظر، محمد المجالي، توظيف التراث في أدب الأطفال في الأردن، ص: 26.
المصادر والمراجع:
- أبو الرب توفيق. “حول مجموعة الأطفال القصصية – أبو المكارم”، مجلة الشباب، عمان، العدد: 119، 1980م.
- أبو معال، عبدالفتاح. أدب الأطفال: دراسة وتطبيق، طـ2. دارالشروق عمان، الأردن، 1988م.
- أحمد، سمير عبدالوهاب. أدب الأطفال: قراءات نظرية ونماذج تطبيقية. دار المسيرة عمان الاردن، 2009م
- الأزرعي موسى. حول المجموعة القصصية ” أبو المكارم “، جريدة الدستور الأردنية، العدد : 4730، 10\10\1980م.
- بريغش، محمد حسن. أدب الأطفال أهدافه وسماته، ط ـ2. مؤسسة الرسالة بيروت، 1996م.
- الجراجرة عيسى. أردنية تحلم بنصر في فلسطين ” قصة للأطفال ” . دار ابن رشد للنشر والتوزيع، عمان، د.ط 1985
- الحديدي علي. في أدب الأطفال، طـ3. مكتبة الأنجلو مصرية، مصر، 1982م.
- الحسيني، خليل محمد. دراسات في أدب الأطفال،طـ1. رام الله، فلسطين، 2001م.
- دليل المعلم، السلطة الوطنية الفلسطينية. أدب الأطفال. منشورات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بدعم من مؤسسة دياكونيا.
- روحي الفيصل، سمير. “الشكل الفني لقصة الطفل في سورية”، مجلة الموقف الأدبي، العدد: 208، 1988م.
- شفیق الرقب. مضامين القصة الموجهة للأطفال. “الوطني والاجتماعي والإنساني والعلمي”، المركز الثقافي الملكي، عمان، 28 سبتمبر – 2أكتوبر 1997م.
- العالول ناديا. الأطفال الشجعان ولصوص الآثار. دار الغزو، عمان، د.ط، 1991م.
- العالول ناديا. مغامرة على الطريق ” مجموعة قصصية للفتيان ” ط2. منشورات وزارة الثقافة، عمان، 1996م.
- عبد المجيد، إبراهيم قاسم. “قصص الأطفال عناصُرها، أنواعها، وأبرز أعلامها”، مجلة الحوار.
- العناني، حنان. أدب الأطفال، طـ2. دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، 1996م.
- غرايبة هاشم. غزلان الندى قصص للأطفال، ط1. جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، 2000م.
- قصة الأطفال في كتب المدرسة الابتدائية السورية. مجلة الأسبوع الأدبي، جريدة أسبوعية، تصدر عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق. العدد: 1105 تاريخ: 31/5/2008م.
- قعوار فخري. حديث مع أميمة، ط 1. دار جاد للنشر والتوزيع، عمان، 1991م.
- القلماوي، سهير. ألف ليلة وليلة، طـ1. دارالمعارف، القاهرة، مصر، 1959م.
- المجالي،محمد. توظيف التراث في أدب الأطفال في الأردن. “بحث مقدم لملتقى عمان الثقافي السادس”، المركز الثقافي الملكي، عمان،1998م.
- محمد قرانيا. “بدايات قصة الأطفال في سورية” الموقف الأدبي، مجلة أدبية شهرية، تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد: 414، ص: 56/ عن “سمر روحي الفيصل” الشكل الفني لقصة الطفل في سورية، الموقف الأدبي، العدد: 208، 1988م.
- المصلح أحمد. أدب الأطفال في الأردن. منشورات دائرة الثقافة والفنون عمان، 1983م.
- النوايسه نايف. أبو المكارم ” قصص للأطفال، ط1. منشورات جمعية المزار الجنوبي الخيرية، المزار الجنوبي، 1980م.
- النوايسه نايف. الأولاد والغرباء ” قصص للفتيان “، ط1. المطابع التعاونية، عمان، 1996م.
- الهدهد روضة. ونجيه منسي. تأثیر الاحتلال الصهيوني على أدب الأطفال، ط1. ” بحث منشور في كتاب (أدب الأطفال في الأردن)، مراجعة عصام الزواوي، وزارة الثقافة، عمان، 1989م.
- الهور منير. “حكاية البحر”، مجلة أفكار ، العدد:57، وزارة الثقافة والشباب، عمان، مارس 1982م.
- الهيئتي، هادي نعمان. ثقافة الأطفال، سلسة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد: 123 مارس، 1988م.